إعلان

بالفيديو والصور: عازفو "ابن عربي".. "صنايعية السلطنة"

07:08 م الأربعاء 29 أبريل 2015

فرقة ابن عربي

تطبيق مصراوي

لرؤيــــه أصدق للأحــــداث

كتب-أحمد الليثي ورنا الجميعي ودعاء الفولي:
تصوير- محمود أبو ديبة:

الموسيقى تكفي دومًا، تجمع قلوب المحبين، تلملم شتاتهم، تقربهم من الكمال، يتماهى صوت العود المنبعث مع غمغمات وتر القانون، تساندهم دقات الدف، يحتضنهم الكمان، وتربت نغمات الناي الحزينة عليهم، دون أن يطغى أحدهم على آخر، خمسة عازفين يجلسون بنصف دائرة، سادسهم المنشد؛ ثلاث منهم مغاربة والبقية من فرنسا، تتدرج السنون بينهم من الثلاثين وحتى الستين، لكن لغة واحدة تجمعهم، روح الصوفية تدور حولهم، تتغنى الآلات والمنشد معًا، لا بطل بينهم، كعقد تُكمل حلقاته بعضها بعضا؛ فيخيل للجالسين أن فرقة ابن عربي شخص واحد يجلس متربعًا فوق خشبة المسرح، يلقن المستمعين دروسًا في الجمال.

1

هو مؤسس الفرقة، وأبوها الروحي، المرجعية والتأصيل، موسوعة متنقلة، يخلق لعروض ابن عربي طقسًا مغايرًا حين يغزل الإنشاد بكلماتٍ رقراقة، لأحداث تاريخية غابت عن الأذهان، مبحر في علوم الدين وباحث في شيوخ الصوفية وتاريخها، هو الدكتور "أحمد الخليع" ، لا يكتمل الحفل إلا به، يبدأ من عنده حين يسمي الله ويصلي على رسوله ويقدم للناس "ابن عربي" في خير ثوب.

 كعالم من زمن مضى في حلقة علم، يجبر جلسائه على الإنصات، الأكبر سنًا ومقامًا، حين تسأل عن علة أو سبب يشير أعضاء الفرقة إليه، عازف القانون، عينه تجول دومًا في الحلقة حوله، لنفسه ولتلك الورقة المخطوط فيها مقتطفات من أبيات شعرية وحِكم يتابعها الحضور، لا يحب أن يناديه أحد بـ"دكتور" فهو يؤمن أن الألقاب لا تشفع لأصحابها، رغم رسالته في الصوفية التي حصل عليها من السوربون رأسًا؛ يقول "الحب والعشق لما تفعل هو ما يبقيك.. لا الأسماء والشهرة".. لديه المعلومات كافة عن الآلات وتاريخها، يحتفظ في منزله بطنجة بـ"قانون" يعود تاريخه إلى خمسينيات القرن التاسع عشر، صُنع في مصر وتم تجديده بها في 1928 ثم جدد ثالثا في باريس عام 1974 وتعود ملكيته –القانون- إلى إبراهيم صالح أحد أعضاء فرقة منيرة المهدية. يراجع الألحان ومؤسسيها، يداوم على ورده في هدوء، فيما لا يخلو حديثه من آية قرآنية وحديث شريف يثبت به صحة رؤيته وتحليلاته، هو الأخ الأكبر لـ"أسامة"، عازف الكمان، و"عبدالله"، منشد الفرقة.



أسامة يتدرب قبل بدء الحفل

قبل بدء كل حفل تتهافت على ذاكرة "أسامة الخليع" تلك اللحظات، حين كان ابن ثلاثة أعوام وفي ختام يوم شاق لطفل أنهكه المرح، يستقيم به الأمر جالسًا بين راحتي والده "يهننه"، يرقيه، يربت على كتفيه ويمسح على رأسه وهو يقول في تناغم "الله، الله، ما لنا مولى سواه"، فيردد الطفل تلقائيًا، قبل أن تتهادى وتيرة صوته الخفيض فيدخل في نوم عميق.. هكذا كانت الأوراد والأذكار تلازمه صغيرًا، وتحفظه كلمات والده – عبد العزيز الخليع - وصوته العذب صبيًا وشابًا يافعًا، قبل أن يُضحى عازف الكمان لفرقة "ابن عربي" صاحب خلفية موسيقية للكلمات ذاتها –الله ما لنا مولى سواه- ولمقطوعات أخرى.

وقور، هادئ، متواضع.. كلمات لا تفي وصف "أسامة" ذلك الذي لا يتحدث إلا فيما ندر، وإن تكلم كان شكرًا في زملائه، معلميه، شيوخه، وحمدًا للخالق الذي يديم نجاح الفرقة، ينسب الفضل لغيره طوال الوقت، مؤمن هو بعبارة يقولها في وجل "كلما استصغرت نفسي وبقيت متواضعًا.. رفع الله شأني وهو بغيتي ولا غير".

2

بدأ أسامة مع الفرقة منذ تأسيسها في العام 1988، يحفظ الحديث والشعر، مهتم بالتراث المغربي والصوفي، حصل بحثه عن أحد أئمة الصوفية الكبار "أحمد بن عجيبة" على إجازة، له فضل على "ابن عربي" حين تغيرت دفة الفرقة بدخول "عبد الله" منشدًا بدلًا من اعتمادهم على الموسيقى فقط "شجعته في الإنشاد بدل العزف لأنه كان عاشقًا للكمان".. مع دخول أعضاء الفرقة للمسرح حالة تماهي غريبة تتلبسه، التركيز صفته، والاهتمام بالجمهور يهيمن عليه، لذا لم يكن مستغربًا أن يطلب من مجاوريه الدعاء له بالتوفيق وكأنها المرة الأولى التي يلتقي فيها بمريدي "ابن عربي" رغم مرور أكثر من ربع قرن على حفلته الأولى. أماكن العازفين لا تتغير عادة، فعلى طرف نصف الدائرة المقابل لـ"أسامة"، يجلس "أنطوان مورينيو"، عازف الإيقاع.

3

منذ 16 عاما حين رآها وقع في غرامها، لا يعنيه جنسيتها، ولا هويته، فمنذ متى يخضع الحب للمنطق؟، لا يتكلم أنطوان كثيرًا، حتى وسط أصدقائه بالفرقة، لغته الإيقاع؛ تدمن أصابعه الدق على آلة الدف، يندمج فيحسب السامع أنه عربي يفهم الكلمات، رغم ملامحه الأوروبية.



أنطوان يتدرب مع عبد الله

صدفة بحتة جمعت العازف الفرنسي ذو الست وثلاثين عامًا بالفرقة، إذ يعزف على الزرب-آلة تشبه الطبلة- بالإضافة إلى الدف. منذ سبع سنوات طلبه صديق ليلعب في أحد الحفلات معهم بدلا منه، وهكذا بدأت القصة، كان قبلها شغوفًا بالموسيقى اليونانية والتركية يلعبها مع فرق أخرى "أنا أبحث عن الكمال حتى وإن لم أصل له.. المهم أني أبحث.. هذا ما يهم"، ذلك مبدأ أنطوان في الحياة، يعلم جيدًا أن الاقتراب من الكمال يتطلب عمل كثير فلا يمانع الانغماس فيما يحب طوال الوقت، لا يعنيه أن الكلمات ليست بلغته، فحينما تتعقد الأمور يترجم له أحدهم الكلمات.

ما إن يجلس "أنطوان" بجوار صديقه الفرنسي "أدريان اسبينوز" حتى يبدو الأخير أكثر مشاغبة، يمدح صاحبه "هو من أشهر عازفي الإيقاع في باريس"، يتغير وجه أنطوان خجلًا فيغير دفة الحوار كأنما ينفي عن نفسه جريمة، طافا معًا دول عدة، حتى أصبحا خبيرين بطرق النصب على السائحين، لكنها لا "تخيل" عليهما.

4

يُلازم الناي أدريان طوال الوقت، يضعه في جراب أسود اللون رفيقًا له في طريقه، هكذا تعلم من الأخوية الصوفية بتركيا "شيخي علمني ألا أتركه سوى عند دخول المرحاض"، الحالة الروحية التي يصل إليها بعزفه للناي هي ما جعلته يخلف ورائه ما تعلمه من الموسيقى الأوروبية بالسوربون، يقول "كنت بدور على آلة روحانية دينية، لقيتها في الناي، أنا مش بلعب موسيقى للموسيقى بس".



أدريان يعزف على الناي

التلقائية التي يتحدث بها "أدريان" مع من يحيطونه، هي نفسها الطريقة التي دخل بها الإسلام منذ عشر أعوام "مع لعب الناي كنت بقرب من الدين"، وبسلاسة تامة انتقل للدين الإسلامي "بعض الناس يعتقدون أنك في يومًا ما أصبحت مسلم، لكن التقرب للدين يحدث ببطء شديد، وربما أنت مسلم ولا تعرف"، وذات يوم دقّ باب "هارون" ليلقنه الشهادتين.

"أين الأستاذ ابن عربي؟".. كان ذلك سؤال أحد الحضور الأجانب بعد حفلة للفريق، صاعدا إلى المسرح ومتسائلًا عن الشاعر المسماة الفرقة به، كان استفهامًا طبيعيًا بالنسبة له، ومُضحكًا لـ"أدريان"، يتلو الحكاية كأحد المواقف التي لم ينسها، بروحه المحبة للدعابة مثّل كيف أخبره الشخص بذلك وبماذا ردّ عليه.

منذ إحدى عشر عامًا، كانت الحفلة الأولى "لأدريان" بدار الأوبرا بالقاهرة 2004، وهي الزيارة الأولى للفريق أيضًا بمصر، القدر وحده جمع العازف الفرنسي بـ"ابن عربي"،  في التوقيت نفسه الذي كان يتصل فيه "أدريان" بأستاذه وصديقه "هارون تيبول"، كانت الفرقة بحاجة إلى عازف ناي، فكانت بداية التعاون بينهم.

5

يعرف "أدريان" تمامًا أن الإسلام ليس بالقول فقط، فأساسه العمل "أنطوان قد يكون مسلما أكثر من شباب مسلمين"، والأصل في الدين -كما يقول- بأنك لا تعرف شيء حتى لا تصاب بالغرور، لذا لم يكن التفاخر شيمة الشاب الثلاثيني ولكن حبه للدين يراه الداني منه، بيديه سبحة بُنية اللون يذكر بها الله بتمتمات لا نسمعها، وقُبلة لثمها/وضعها على باب مسجد الأزهر يودعه بها بعد صلاته للعشاء هناك.

الأخوية الصوفية التي انضم إليها "أدريان" علمته الكثير، إنكار الذات واحدًا منها، ليس لديه حسابًا على الفيس بوك أو تويتر، فقط بريد إليكتروني، التواصل البشري أهم لديه، والتمحور حول الذات إحساس مضر، بالحفل يشد عازف الناي وتر جسده منصتًا لمقدمة دكتور "أحمد"، وما إن يبدأ العزف حتى يضع نفسه بحالة روحية لا يقطعها شيء، حتى وإن جلس أمامه شارب للخمر كما حدث بأحد الحفلات.

لا تُوجد لحظة بعينها في حفل هي الأحلى بالنسبة للعازف الثلاثيني، فالعروض جميعها دقائق جميلة بعمره، والجمهور واحد أمامه سواء كان عربيًا أم أجنبيًا، ما عليه سوى احترامهم كلهم، نجاح تلك العروض يأتي من الصداقة، حالة الألفة المصنوعة بين أعضاء الفريق "لا يخرج العزف صادقا مع أناس غرباء"، فـ"هارون" كان أحد الذين علموه الموسيقى، "أنطوان" صديقه منذ زمن قبل "ابن عربي"، و"عبدالله" أخوه الصغير الذي رأى خجله في بدايات انضمامه.

6

قليل من العربية، كثير من الفرنسية وبينهما الإنجليزية؛ هكذا هو لسان العازف الخمسيني، يبدو أكثرهم توترا قبيل الصعود على المسرح، بينما يتبدد كل ذلك بمجرد انتهاء الحفل، يطلق دعابة أو اثنتين، يُسأل عن رأيه بمصر، فيجيب بدبلوماسية أنه لم يرها كلها ليكون وجهة نظر، يتبع ذلك بقوله "شوية بشوية" بعربية متكسرة، فينفجر الواقفون معه بالضحك، قبل أن يبحث "هارون" عن الحلوى التي تشتهر بها مصر عالما أنها "الكنافة" فيجربها كما يفعل مع البلدان الأخرى التي يزورها.

بينما يجرب هارون العود بين يديه، يرفض بأدب أن يغير أحدهم مكان الطنبور البغدادي، الموضوع بجانب مقعده الخاص على المسرح؛ تلك الآلتان كابنه الذي لا يتكلم، فلا يتهاون والده أبدًا مع من يحاول أذيته.

7

هارون فرنسي الجنسية، دخل الصوفية من باب الموسيقى، وبينما يناهز عمره الخامسة والخمسين لايزال يذوب عشقًا فيها، يظل يخبر حاله أنه لا يعرف كثيرًا، لئلا يُصاب بالغرور فينتهي كل شيء، رغم أنه من أشهر عازفي العود في أوروبا.

 كل بلد يمر به يحاول معرفة علاقته بالموسيقى الصوفية، يسأل عن المولوية المصرية، كيفية تأديتها، شكل الراقصين، ما الكلمات، وهل تشبه الموجودة بمدينة قونية التركية حيث يعيش شيوخه الذين علموه كل شيء؟. بين أعضاء الفرقة الست اتفاق ضمني بالإيثار؛ بأن يبقى اسم "ابن عربي" أبقى من "الأنا" لدى كلا منهم، وعلى تلك الوتيرة تذوب الموسيقى وسط صوت المنشد بلا نشاز أو تصاعد جارح، فقط الحالة الروحانية تطغى فتخرج من الحضور آهات الاستمتاع.



هارون وأدريان يعزفان الناي

 

تابع باقي موضوعات الملف:

فرقة "ابن عربي".. قلوب في طور التجلي (ملف خاص)

2015_4_29_18_48_58_555

مؤسس فرقة "ابن عربي": قدمنا حفلا بباريس اليوم التالي لحادث "شارلي إبدو".. والتصوف ليس خرافة (حوار)

2015_4_29_18_26_39_541

بالفيديو والصور.. من الإسكندرية لـ"سيدنا الحسين" مصراوي يعايش أيام "ابن عربي" بمصر

2015_4_29_18_22_58_106

بالفيديو والصور: آلات "ابن عربي" ألوان.. "ورا كل لون معنى ومغنى"

2015_4_29_16_31_44_41

بالفيديو والصور.. منشد ابن عربي: "الدف حتة من قلبي وبعشق برشلونة" (حوار)

2015_4_29_17_44_5_586

بالفيديو والصور: الزاوية الصديقية.. من هُنا نبتت فرقة "ابن عربي"

2015_4_29_19_20_16_990

فيديو قد يعجبك:

إعلان

إعلان