إعلان

وفاة غامضة وعمل متوقف واضطرابات.. الفشل يلاحق سد النهضة

05:13 م الإثنين 19 أغسطس 2019

سد النهضة

كتبت- رنا أسامة:

سلّطت وكالة "بلومبرج" الأمريكية الضوء على آخر تطورات سد النهضة الإثيوبي، الذي يُلاحقه الفشل منذ وفاة المهندس المشرف عليه العام الماضي، مع إرجاء موعد إتمامه 3 مرات منذ وُضِع حجر الأساس له في أبريل 2011، لأسباب ارتبطت تارةً بوفاة المدير المشرف عليه، وتارةً أخرى بفساد شركة المقاولات السابقة المسؤولة عنه (ميتيك)، وتارةً ثالثة بإجراء تعديلات جديدة في التصميم واكتشاف "وادٍ عميق" تسبب في عرقلة عملية البناء.

وقالت بلومبرج، في تقرير مُطوّل على موقعها الإلكتروني، إنه في اليوم الذي عُثّر فيه على المهندس الأول في مشروع سد النهضة، سيمجنيو بيكلي، وهو يحتضر في سيارته التويوتا، فيما كانت أبوابها مُغلقة ومُحركها لا يزال يدور، وسط العاصمة الإثيوبية أديس أبابا، بعد أن اخترقت رصاصة رأسه، كان قد غادر منزله، حاملًا معه تذكرة طيران وحقيبة ممتلئة.

وذكرت أن بيكلي كان يُخطط في ظهر ذلك اليوم الموافق 26 يوليو 2018، إلى العودة إلى موقع الإنشاء الخاص بالسد الإثيوبي الضخم المُقام بهدف توليد المياه، إذ كان يُشرف على بنائه منذ عام 2011، وفقًا لوالدة زوجته ميمبري ميكونين.

وأشارت إلى أن هذا المشروع حوّله إلى بطل قومي، لاسيّما وأنه كان الواجهة العامة للخطط المُعدّة لتغيير وجه إثيوبيا على نحو يحوّلها من صورتها التقليدية المعروفة بالحروب والمجاعات، إلى بيت الطاقة لقارة أفريقيا- بالمعنى الحرفي للكلمة، حتى أُطلِق عليه "طفل إثيوبيا".

ولفتت الوكالة إلى أن ميمبري، كغيرها من العديد من الإثيوبيين، لا تزال ترفض رواية الشرطة بأن الحادث مجرد انتحار. وتساءلت السيدة البالغة من العمر 72 عامًا في مقابلة مع بلومبرج في منزلها بأديس أبابا، حيث ترعى أصغر أبناء بيكلي: "ما الذي يُمكن أن يقوده لشراء تذكرة وحزم أمتعته للرحيل إذا كان ينوي قتل نفسه؟".

1

وأيًا ما كان السبب وراء العثور على بيكلي ميتًا، قالت الوكالة إن الحادث وقع في خِضم عواصف سياسية متعددة لا تزال تضرب حتى اليوم واحدًا من أكبر مشروعات البنية التحتية في أفريقيا: سد النهضة الإثيوبي العظيم.

وبعد عام على وفاة بيكلي المعروف بـ"مهندس سد النهضة"، رجّحت بلومبرج أن يتحول المشروع الذي يرمز لمستقبل إثيوبيا المزدهر إلى رسالة تذكير بمعاناة البلاد لمغالبة ماضيها المضطرب.

وتخشى مصر أن يؤدي بناء السد وما يتبعه من خطوة تخزين للمياه لتدمير مساحات من الأراضي الزراعية لديها، فضلًا عن نقص مياه الشرب. في المقابل، تقول إثيوبيا إن السد ضرورة لتطوير البلاد. بيد أن الخطر الأكبر من تحول إثيوبيا إلى الطاقة الكهرمائية- بحسب بلومبرج- ينبع من الخلافات الداخلية التي أحاطت بتغيير القيادة في أديس أبابا قبل ثلاثة أشهر فقط من مقتل بيكلي.

وأنجزت إثيوبيا نحو 66 بالمائة من مراحل بناء السد، المتوقع أن تبدأ اثنتان من توربيناته الـ16 بإنتاج الكهرباء العام الجاري، حسبما أعلنت السلطات الاثيوبية في وقت سابق. وكان مُخططًا إتمام بنائه في غضون 5 سنوات ليُصبح جاهزًا في 2016، ثم أُرجئ موعد إنجازه إلى نهاية 2018، حتى مدّدت إثيوبيا الموعد الزمني المُحتمل لإكماله لـ4 سنوات إضافية ليخرج إلى النور في 2022

وفي هذا الصدد، أشارت الوكالة الأمريكية، إلى أن رئيس الوزراء الإثيوبي الطموح، أبي أحمد، جاء إلى السلطة وفي جعبته أفكارًا جديدة تركز على السوق لإدارة الاقتصاد، بخلاف حكومة سابقه التي كانت تنظر إلى سد النهضة باعتباره "مشروعًا تدريبيًا للشركة الصناعية التابعة للجيش الإثيوبي"، الأمر الذي تسبب في كثير من التأخير.

كما أدى سحب المشروع من شركة (ميتيك) المحلية، على خلفية مزاعم حول تدني جودة العمل المُنجز وعدم الكفاءة إلى مزيد من التأخير. وقبل أيام قليلة من وفاة بيكلي، حذّر أبي أحمد من أن معدل التطور الحالي في إنجاز السد يُشير إلى أنه سيستغرق عقدًا آخر حتى ينتهي إتمام بنائه، وفق تقارير إعلامية إثيوبية.

وفي الوقت ذاته، فإن تصاعد التوتر بين المجموعات العرقية في البلاد يُهدد المشروع؛ إذ يهدد بتفكيك أواصر البلاد المترابطة من المرتفعات الخصبة والمنخفضات القاحلة للإمبراطورية السابقة.

وأشارت بلومبرج إلى أن أبي أحمد ينحدر من أكبر المجموعات العرقية في البلاد، أي جماعة الأورومو (التي كانت تابعة على مر التاريخ). وبوصوله إلى الحكم، انتزع مرتبة الصدارة التي شغلتها جماعة التيجراي لمدة 27 عامًا، والتي أنهت بدورها قرونًا من سيطرة جماعة الأمهرة.

2

وكان قد تم إجلاء نحو ثلاثة ملايين إثيوبي من منازلهم بفعل النزاعات العام الماضي، وفق مركز رصد النزوح الداخلي، وهو الرقم الأعلى على مستوى العالم. وفي يونيو، أسفرت محاولة انقلاب مزعومة في مقاطعة أمهرة شمالي البلاد إلى مقتل رئيسها وقائد القوات المسلحة فيها. وأعلن القوميون في المقاطعة سيطرتهم على الأرض التي يُقام عليها سد النهضة، في مقاطعة بنيشنقول-قماز المجاورة، التي أخبر أبي أحمد البرلمان بأن هناك مجموعة أخرى تخطط لانقلاب فيها على خُطى أمهرة.

وقال سيبهات نيجا، مؤسس جبهة تحرير الشعب تيجراي، إن "الجنسيات الإثيوبية تقاتل ضد الحكومات المركزية منذ أكثر من 80 عامًا". وقد قادت الجبهة عملية استيلاء للمتمردين عام 1991، وباتت مُهمّشة اليوم في ظل حكم أبي أحمد. وأضاف نيجا أنه "إذا لم يُستعاد حكم الدستور، ستتحول إثيوبيا إلى بلقان جديدة لا محالة".

ورأت الوكالة أن بناء السد سيكتمل عاجلًا أم آجلًا، وإن كان مقتل بيكلي قد أخرج كل الإحباطات العامة بإثيوبيا إلى العلن. إذ حضر الآلاف جنازته للحصول على إجابات قاطعة حول الأسئلة المُثارة بشأن مقتله، ودخلوا في اشتباكات مع السلطة. فيما لا تزال نظريات المؤامرة تسيطر حول هوية قاتل مهندس سد النهضة.

3

وكما يشير اسم سد النهضة، يصعب إيجاد وسيلة أفضل لإبراز أهمية السد لدولة إثيوبيا -أكبر دول أفريقيا من حيث كثافة السكان بعد نيجيريا- أو الحديث عن العبء الذي استقر على كاهل المهندس ذي الـ54 عامًا. وعندما بدأت الأموال تنفذ من الحكومة الإثيوبية لسداد تكاليف الإنشاء التي ستتجاوز يقينًا الميزانية المُحددة سلفًا للمشروع، والذي بلغ 3.8 مليار دولار أمريكي، همّ المواطنون الإثيوبيون يتبرعون لصالح المشروع. وطُلب من موظفي الحكومة التبرع براتب شهر لصالحه.

ورغم أن إثيوبيا شهدت عقدًا كاملًا من النمو السنوي الذي بلغ 10 بالمائة، وتدفق الاستثمارات الصينية إلى البلاد، ظلت إثيوبيا في فقر مُدقع بمعدل إجمالي ناتج محلي للفرد أقل من ألف دولار. وما أن تعمل توربينات السد البالغ عددها 16، فإن المرفق الذي يوفر 6 آلاف ميجاوات سيزيد من إمدادات البلاد من الكهرباء بأكثر من 150 بالمائة دفعة واحدة. ومن شأن هذا أن يوفر الطاقة لسكان إثيوبيا الذين لا تصل لهم الكهرباء والذين يصل تعدادهم إلى 100 مليون شخص أو ما يساوي ثُلثيّ السكان، حسبما أعلن وزير الطاقة والري والكهرباء الإثيوبي سيليشي بيكيلي في وقت سابق من هذا العام.

4

وبعد ذلك يظهر تاثير المشروع الأوسع على الاقتصاد والمنطقة القائمين بشكل أساسي على الزراعة؛ إذ وافقت الصين على بناء شبكة طاقة تقدر بما يقرب من ملياري دولار أمريكي لدعم القطار السريع الذي بنته الصين ومولته، والذي يتعطل في الوقت الراهن كثيرًا بفعل انقطاع التيار الكهربائي، وكذلك المناطق الصناعية الخاصة البالغ عددها 16 منطقة. وسيؤدي توريد إثيوبيا للكهرباء لجاراتها إلى زيادة دخلها من العملة الصعبة التي تحتاجها البلاد كثيرًا، وفق بلومبرج.

ويمكن لهذه التداخلات أن تساعد في نهاية المطاف على ترويض ما يبدو أنه حلقة مُفرغة سرمدية، من الفقر والجوع والعنف الذي ابتليت به منطقة القرن الأفريقي من الصومال إلى إريتريا إلى السودان بشمالها وجنوبها.

وفي هذا الشأن، قال أحد نواب بيكلي: "إنه أكثر من مجرد سد، وأكثر من مجرد وظيفة؛ إنه فخر إثيوبيا".

ويقع السد بين دفتيّ جبل حيث ينحدر نهر النيل من مرتفعات إثيوبيا، على بُعد حوالي 20 كيلومترًا (12 ميلًا) من الحدود مع السودان. ومن خلفه، نزح الآلاف ليُتاح الطريق أمام خزان طوله 246 كيلومترًا. واكتمل الجدار الأسمنتي الأبيض، الذي يصل طوله إلى 170 مترًا ويمتد بطول 1.8 كيلومترًا، ولا ينقص منه سوى القسم الأوسط.

أما الآن، فقد تجاوز المشروع الجدول الزمني الموضوع له بـ 5 سنوات أو أكثر. وفي هذه الأثناء تقف على الأقل 60 شاحنة من شركة "ساليني إمبريجيلو"، المقاول المسؤول عن أعمال الهندسة المدنية في المشروع، ساكنة دون حراك. وتطالب الشركة الإيطالية بتعويض وتقول إنها توقفت عن العمل في الهيكل الإسمنتي في أكتوبر. ومؤخرًا زحف تمساح نهري ببطء صوب موقع الإنشاء الهادئ نسبيًا.

5

وكان مُقررًا أن يعود المهندس بيكلي إلى مكان الإنشاء في اليوم الذي مات فيه، وفي صحبته فريق من شركة (ميتيك) وهو مجمع إثيوبي يديره الجيش، تولى مسؤولية جانب توليد الطاقة لإنشاء السد. وفي غضون أشهر، تم إخراج (ميتيك) من المشروع وتفكيكها. كما يقبع 14 من ضباطها المتقاعدين والذين لا يزالون في الخدمة الذين كانوا يتولون إدارتها العليا، في السجن أو أنهم هربوا إلى دول أخرى، بعد اتهامهم بالفساد في أجزاء مختلفة من العمل التجاري.

أسباب التأخير

واتهمت إدارة (ميتيك) الجديدة التي عينتها الحكومة الإثيوبية، الشركة بالفشل في الوفاء بأيٍ من التزاماتها التعاقدية فيما يخص السد، رغم أنها تلقت ما يقرب من ثُلثي المبلغ المطلوب. ورفض وزير الري سييليشي التعليق على سحب العقد من الشركة، غير أنه قال إنه توقع استكمال السد والخزان بعد فترة لا تتجاوز 7 سنوات من بدء ملء الخزان عام 2020، بحسب بلومبرج.

وأُعيد توزيع العمل الذي كانت (ميتيك) توكله بالباطن إلى مقاولين أجانب، بينهم مجموعة شركات Composites Group Corp الصينية، وشركة Sinohydro Corp، وشركة GE France SASUالفرنسية. وقال فيليب باور، مشرف الموقع التابع لشركة المقاولات الفرنسية، إنه "كان ينبغي استكمال أول وحدتيّ توربينات، وأنهما من المُفترض أن تكونا قد بدأتا العمل الآن".

أما المقاول الإيطالي ساليني، فردّ عبر البريد الإلكتروني على أسئلة حول التأخيرات التي تسببت فيها شركة (ميتيك)، وقال إنها حدثت في المقام الأول بسبب أن "الشركة كانت تعوزها بشكل عام الخبرة اللازمة في إتمام أعمال بهذا الثِقل وهذه الطبيعة".

وفي قاعدة السد، يقوم عمال اللحام الهنود بتجميع أنابيب قطرها 7 أمتار ستعمل على توجيه المياه حتى الوصول إلى التوربينيين. وبمجرد اكتمال تلك الأنابيب، سيتم إغراقها في الخرسانة لتجنب الاهتزاز مع تثبيت قضيب في منتصف كل أنبوب منها، وأعضاء دوارة ثِقلها 800 طن عليها. وسيتم اتباع نفس الإجراء مع التوربينات الأخرى البالغ عددها 14 توربينًا، بحسب بلومبرج.

وشارك المهندس الجديد للمشروع، كيفلي هورو، وظيفة الإشراف على السد مع سيمجنيو حين بدأ المشروع عام 2011. وقال إنه أُقيل من منصبه بعد اختلافه مع شركة (ميتيك) حول مقترح تقدّمت به لتغيير تصميم السد لزيادة سعة التوليد الرئيسية.

وذكر كيفلي أن الجنرالات لم يكونوا مهندسين ولم يُدركوا أن ذلك لا يعني سوى إضافة سعة ومصروفات لا طائل منها؛ إذ إن قدرة السد على إنتاج الطاقة على مدار عام قد جرى تثبيتها بفعل حجم المياه وعمقها في الخزان الموجود داخل السد. وزيادة الميجاوات لا يعني سوى السماح بإنتاج نفس القدر من الكهرباء باندفعات أقصر، بحسب بلومبرج.

وقال كيفلي إنه التصميم الذي اقترحته شركة المقاولات السابقة كان "تصميمًا لا معنى له"، مُشيرًا إلى أن الهدف الآن هو بدء ملء الخزان في يونيو 2020 واستكمال البناء عام 2022، رغم أن بعض ما تم إنجازه في حاجة إلى أن يُهدم.

وكان الرجل الذي تسبب في إقالة كيفلي -الذي كان المدير المباشر لسمجنيو- واحدًا من المسؤولين ذوي النفوذ في الحكومة الإثيوبية السابقة، ديبريتسيون جيبريميتشيل. ولأنه تلقى تدريبًا في الهندسة الكهربائية، قال إنه أقنع سائر أفراد الحكومة بإقرار تغيير التصميم الذي أدخله، معتبرًا أن إضافة توربين من شأنه أن يقلل من تكاليف التشغيل.

6

ونتيجة التغييرات السياسية التي طرأت على إثيوبيا وبلغت ذروتها بتعيين أبي أحمد رئيسًا للوزراء، جرى تهميش ديبريتسيون وبات يعمل رئيسًا للحكومة المحلية في مقاطعة تيجراي المحلية. وفي مقابلة أجرتها بلومبرج معه في مكتبه بمدينة ميكيلي عاصمة الإقليم، وصف سيمجنيو بأنه "ضحية"، بحسب الوكالة الأمريكية.

وقالت بلومبرج إن شركة (ميتيك) أُضيفت إلى المشروع لثلاثة أسباب، وفق ديبريتسيون. أولهم؛ بناء الشركة لتصبح في مصاف الشركات الكورية الجنوبية العملاقة التي تتولى الدولة إدارتها مثل سامسونج وهيونداي، في الوقت الذي تطمح فيه إثيوبيا إلى أن تصبح عملاق صادرات الطاقة المائية وتمثلت الفكرة في تدريب المهندسين المحليين الذين سيصبحون قادرين على تولي زمام القيادة في بناء السدود المستقبلية.

أما الهدف الثاني فتمثّل في تقليل العبء المالي للسد، الذي تُسدّد تكلفته بمساعدة مانحين دوليين. وقررت الحكومة محو ما يقرب من مليار يورو من الفاتورة، ومنحت العمل لشركة (ميتيك) لإتمامه بالعملة المحلية وبالاستعانة بعمالة محلية (أزهد ثمنًا بكثير). وكان الدافع الأخير، وفقًا لديبريتسيون، هو تقليل عدد الشركات الأجنبية.

وقال ديبريتسيون: "إخراج (ميتيك) يعد خروجًا عن الاستراتيجية الأصلية، ولا يصب في صالح المصالح الاقتصادية لإثيوبيا على المدى الطويل". مُضيفًا أن سميجنيو كان يؤمن بهذا المنهج. وتابع: "علينا أن ندعم هؤلاء الناس، بحيث يتم استكمال المشروع".

7

وجابت شركة (ميتيك) جامعات إثيوبيا لتنتقي صفوة خريجي كليات الهندسة للعمل في مشروع السد. وذكرت بلومبرج أنها التقت 8 منهم، وجميعهم في سن الثلاثين أو أصغر. ووصلت رواتبهم إلى 163 دولارًا أو أقل شهريًا، حتى جرى تسريحهم من المشروع العام الماضي، والتصق بهم عار العمل مع شركة المقاولات سيئة السُمعة.

وأشارت بلومبرج إلى أن طايع شيفيراو كان في الـ23 من عمره، وتخرج لتوه من الجامعة، وحصل على شهادة في التصنيع، حين بدأ عمله في السد قبل أربعة أعوام. عُين قائد فريق التحكم في الجودة في البطانات التي كان كيفلي قلقاً بشأنها، والتي تعد أحد الأجزاء الأكثر حساسية من المشروع؛ حيث أنه "إذا حدث أي تسريب في تلك البطانات، فإن الضغط الهائل للماء والرواسب المندفعة عبر الثغرات سيؤدي إلى تآكل الأسمنت في قاعدة السد ويؤدي إلى انهياره".

ووفقًا لطايع، لم يكن ضباط الجيش الإثيوبي المسؤولون عن المشروع يفهمون ما يبلغهم به المهندسون. وحين كانوا يتسلّمون تقريرًا فنيًا، كانوا يكتفون بالإجابة "افعل ما شئت، لا مشكلة!". وأشار إلى أن من كان يُصر على وجود إشكالية في التحكم في الجودة، كان يُعرّض نفسه لخطر الاتهام بالانضمام إلى جبهة تحرير أرومو، التي كانت آنذاك مُدرجة في قائمة الجماعات الإرهابية.

وفي مقابلة مع بلومبرج، عارض عقيد سابق في الجيش الإثيوبي، يصف نفسه بأنه من مؤسسي شركة (ميتيك)، بشراسة الاتهامات الموجهة للشركة بعدم الكفاءة وهدر المال. واستشهد بتوسعة تصميم السد كدليل على قدرات الشركة الفنية.

وقال العقيد الإثيوبي- الذي رفض الكشف عن اسمه- إن حالات التأخير والصعوبات الفنية تظهر في مشروعات البنية التحتية الكبيرة بكافة أنحاء العالم. وأضاف: "من وجهة نظري، كان سحب المشروع من (ميتيك) قرارًا سياسيًا أعمى، والهدف منه في المقام الأول إنكار فضل أبناء يجران في الحكومة السابقة والجيش".

أما جيتاتشيو رضا، عضو المكتب السياسية للائتلاف الحكومي المتفتت المكون من أحزاب عرقية والذي يحكم البلاد منذ عام 1991، فرأى أن أغلبية الضباط الإثيوبيين الـ14 الذين وجهت إليهم اتهامات بالفساد، من جماعة التيجراي العرقية. وقال: "ثمة تطهير عرقي يحدث، يمكنني أن أقول ذلك".

8

وفي خِضم ذلك، لا تشغل ميمبيري ميكونين نفسها بهذه السياسات العليا. كل ما تذكره هو أن هاتف سيمجنيو كان يدق دون توقف في اليوم السابق على وفاته، لدرجة لم تترك له فرصة الحديث إلى ابنه الصغير ذي الـ16 عامًا، وطفلته ذات الـ9 أعوام.

وأوضحت أنه كان مكتئبًا وبدا واضحًا أنه يتعرّض لضغط شديد في تلك الليلة، بيد أنها تُصر على أنه لم ينتحر، رافضة رواية الشرطة أنه ترك رسالة تشير إلى انتحاره. كما قالت الشرطة إنه اتصل بسكرتيرته قبل أن يموت وطلب منها "الاهتمام بأطفاله".

ووفق رواية الشرطة الإثيوبية، أطلق سيمجنيو النار على نفسه بمسدسه لأنه كان يشعر بالضغط من التأخير في إنشاء السد، ومن إنفاق شركة (ميتيك) أموال البلاد بقدر هائل لا يبرره التقدم المحرز.

وأضافت الشرطة أنه لم يمُت على الفور، بل اضطرت الشرطة لكسر النافذة لإخراجه. وفي رسالته المزعومة التي أشارت الشرطة إلى وجودها، قال إنه أراد أن يترك البلاد لكنه شعر أنه لن يستطيع تبرير تصرفه أمام الشعب الإثيوبي.

وقالت ميمبيري في هذا الصدد: "أحبّ السد أكثر مما أحب هذين الطفلين، لأنه ظن أنه سيغير وجه إثيوبيا" . ولم يصدر منها، كغيرها من الإثيوبيين تشكّك في قيمة السد أو أهميته، ولكنها ترى أن البلاد "فقدت بطلًا".

فيديو قد يعجبك: