إعلان

عضو الأزهر للفتوى عن الهجرة النبوية: القيادة الحكيمة للرسول وراء نجاح تأسيس الدولة الإسلامية

08:47 م الخميس 20 أغسطس 2020

القيادة الحكيمة للرسول وراء نجاح تأسيس الدولة الإس

تطبيق مصراوي

لرؤيــــه أصدق للأحــــداث

كتب- محمد قادوس:

مع بدء العام الهجري الجديد اليوم الخميس الموافق غرة شهر الله المحرم لعام 1442 هـ، وحول الهجرة النبوية الشريفة، والأزمة الاقتصادية لسوق المدينة التي كان عليها رسول الله- صلى الله عليه وسلم-، يقول الدكتور ضياء الدين صبري حسن، عضو مركز الأزهر العالمي للفتوى الإلكترونية، إن الهجرة النبوية الشريفة من مكة إلى المدينة لم تكن أمرًا سهلًا يسيرًا، بل كانت هجرًا للمال والأهل والوطن، وطاعة لله ورسوله وللنجاة بهذا الدين من بطش الظالمين، فكان لابد من ظهور أزمات في بداية تأسيس الدولة الجديدة بعد الهجرة إلى المدينة، هذه الأزمات كانت أن تقضي على الدولة الناشئة الفتية بفعل المنافقين واليهود المتواجدون في المدينة آنذاك، وكذلك الاضطهاد الخارجي من قريش، لولا لطف الله ووحيه لنبيه (ﷺ) باتخاذ ما يلزم لمعالجة تلك الأزمات.

وفي حديثه لمصراوي عن أحداث الهجرة، يقول عضو مركز الأزهر للفتوى إن الوقائع التاريخية تشير إلى أن اليهود كانوا أكثر ثراء من العرب، بسبب اشتغالهم بالتجارة مع مكة وأعراب البادية والشام، وكانوا مَهَرة في فنون الكسب والمعيشة، فكانوا يستوردون الثياب والحبوب والخمر، ويصدرون التمر، وقد مارسوا مختلف الصناعات، كالصياغة وصناعة الأسلحة وسيطروا بذلك على زمام الأمور الاقتصادية في المدينة، وكانت لهم أعمال من دون ذلك، فكانوا أكالين للربا، يعطون القروض لشيوخ العرب وساداتهم، مقابل رهن زروعهم وحوائطهم، ثم لا يلبثون أعوامًا حتى يتملكونها، لذلك حدث تنافس لاستحواذ مراكز القوة بين اليهود والعرب في يثرب قبل الهجرة، صاحَبه تناحر اقتصادي.

وأضاف د. حسن، في حديثه لمصراوي، بأن هذا الوضع في يثرب قبل الهجرة أدى إلى خلل اقتصادي، واختلال موازين الثروة لمصلحة اليهود دون العرب، لذلك عندما هاجر رسول الله، إلى المدينة وجد أن اليهود لهم اليد العليا على المال والاقتصاد والذي هو عصب الحياة، وكانوا هم المسيطرون على اقتصاد المدينة، وكان سوق يثرب يقع في حي بني قينقاع، وكان هذا السوق يسوده الغش والربا والاحتكار ودفع الاتاوات خاصة عندما بدأ عدد من المسلمين والصحابة رضوان الله عليهم يرتادون السوق بهدف التجارة لأن الظروف السائدة آنذاك كانت تسير وفق مبدأ "الغاية تبرر الوسيلة" فتبيح للمسلمين دخول سوق اليهود، وبالتالي الخضوع لقوانينهم والتبعية لهم في الأعمال والتجارة، والاقتصاد الإسلامي المبني على الفكر والعقيدة الإسلامية يقوم على مبادئ تختلف تمامًا عن مبادئ السوق اليهودي.

وتابع عضو مركز الازهر العالمى: هنا ظهرت أزمة ومشكلة اقتصادية للدولة الجديدة في بداية تأسيسها بعد الهجرة، وهي الخروج من التبعية الاقتصادية ليهود المدنية، فكان لابد من فتح أبواب جديدة تعيد التوازن الاقتصادي داخل المدنية بعد الهجرة، وتُمكن القادرين على العمل والانتاج، وذلك بخلق وتوفير فرص عمل جديدة للمسلمين في المدينة وخاصة المهاجرين.

وأشار حسن إلى أن التكيف مع العمل الزراعي السائد في المدينة آنذاك يتطلب مدة زمنية من حيث الإعداد أو طول مدة الدورة الإنتاجية الزراعية، فكان لابد من إيجاد مكان ملائم لعمل المهاجرين السائد وهو التجارة، من خلال سوق ينشط فيه تُجار المسلمين وتجارتهم وعمالهم، ويصنعون من خلاله قوة اقتصادية تستطيع المحافظة على أموال المسلمين وتنميتها.

وبين بأن رسول الله- صلى الله علية وسلم-، سعى منذ وصوله إلى المدينة إلى بناء سوقٍ إسلاميّ خاصٍّ بالمسلمين، وهذا ما يطلق عليه في الاقتصاد "البنية الاقتصادية الأساسية" مستقلٍّ عن الأسواق الأخرى، يسير وفق الشريعة الإسلامية، فقام، بوضع الأسس الخاصّة بالعمل داخله، من حيث كيفية البيع والشراء وتحديد الأسعار، والقواعد والإجراءات التي ينبغي التعامل بها، وتوفير البيئة الملائمة للعمل داخل السوق، وذلك من خلال ضوابط شرعية مثل:

- تحريم الاحتكار والتعامل بالربا، وأساليب الغش والغرر وغيرها.

- توفير الحرية الاقتصادية لكافة المتعاملين وإعفائهم من الرسوم.

- توفير المعلومات الكاملة عن السلع الموجودة في السوق.

- توحيد المكاييل والموازين.

وأكد عضو مركز الازهر العالمى للرصد والافتاء الالكتروني أن هذه كانت الخطوات الأساسية في حل الأزمة، من خلال اتخاذ القرار المناسب بإنشاء سوق جديد لا يبعد كثيراً عن سوق بني قينقاع، وضَرب له قبة كبيرة رمزاً وعلامة يتجمع فيها المسلمون للإتجار فيها، في موضع بقيع الزبير بن العوام، فقال: "هذا سوقكم" فاغتاظ اليهود من ذلك وتجرأ عدو الله كعب بن الأشرف على هدم القبة وتقويضها، لكن الفكر النبوي نجح في إدارة الأزمة، وعدم الانجرار إلى أزمات أخرى، والتركيز على الهدف الرئيس، فقال رسول الله:"لا جرم لأنقلنّها إلى موضع هو أغيظ له من هذا" فنقلها إلى موضع سوق المدينة، ثم قال: "هذا سوقكم لا تتحجروا - أي تضيقوها- ولا يضرب عليه الخراج.

فكان من فن إدارة أزمة سوق المدينة، حكمته، في تجاهل فعل كعب بن الأشرف، ذلك لأنه، كان حديث عهد بالمدينة، ويريد تفويت الفرصة على من يريدون الاصطياد في الماء العكر من يهود ومنافقين، والتركيز على الهدف الرئيس وهو معالجة الوضع الاقتصادي للمهاجرين ووضع نظام اقتصادي جديد للدولة الإسلامية بضوابط شريعة، وعدم التورط في أحداث جانبية.

كما تم تحقيق عناصر استراتيجية من خلال حل الأزمة، متمثلة في وضع الضوابط الشرعية للعمل داخل السوق، وتوفير المعلومات اللازمة عن أسس التعامل، ومباشرته، بنفسه للمتعاملين في السوق لإرساء مبدأ حماية المستهلك، فقد ورد تفقده، لأحوال السوق، فعن أبي هريرة، أن رسول الله مر على صبرة طعام، فأدخل يده فيها، فنالت أصابعه بللًا، فقال: "ما هذا يا صاحب الطعام؟" قال: أصابته السماء يا رسول الله! فقال: "أفلا جعلته فوق الطعام كي يراه الناس، من غش فليس مني".

وأشار حسن إلى تعامل النبي، مع أزمة سوق المدينة من خلال أساليب لم يعرفها علم الإدارة إلاّ في وقتنا الحاضر، عن طريق تفريغ الأزمة من مضمونها إذ لا يمكن لأزمة أن تؤدي إلى تأثيرات جوهرية إلا إذا اتفق أطراف الأزمة على مضمونها، فالنجاح يكون في إفقاد الأزمة لمضمونها، وهو أول سبل السيطرة عليها، ومن ثم معالجتها والقضاء عليها وهو ما حدث في أزمة السوق.

من خلال ما سبق يتبين أن القيادة الحكيمة لرسول الله، مثلت حجر الزاوية لنجاح تأسيس الدولة الإسلامية، وكيف لا وهو لا ينطق عن الهوى، أضف إلى ذلك حرصه ورحمته على رعيته مما ألهمه إلى إيجاد استراتيجيات لحل الأزمات، لم يعرفها علماء الإدارة إلا في عصرنا الحاضر.

اقرأ أيضاً..

- بالصور| ٢٥ معلومة عن الهجرة النبوية الشريفة.. توضحها دار الإفتاء

- المفتي: الهجرة النبوية رسخت مبادئ الوسطية والتسامح وسيادة القانون

- بالفيديو| أمين الفتوى يوضح كيف تزيد المحبة النبوية في القلوب

فيديو قد يعجبك: