وجهة نظر: يوم عاشوراء بين فرح أهل السنة وحزن الشيعة

03:28 م الثلاثاء 11 أكتوبر 2016

يوم عاشوراء بين فرح أهل السنة وحزن الشيعة!

بقلم – هاني ضوَّه :

نائب مستشار مفتي الجمهورية

يوم عاشوراء من الأيام العظيمة في شهر الله المحرم حيث شهد يوم العاشر من محرم الكثير من الأحداث عبر التاريخ التي كان لها أبلغ الأثر في حياة المؤمنين على مر العصور، ففيه تاب الله على أبونا آدم، ونجا الله فيه نوح ومن معه بالسفينة من الطوفان، ونجا الله فيه كليمه موسى من الغرق وفرعون وجنوده، وفيه أعطا الله الملك لنبيه سليمان عليهم وعلى نبينا أفضل الصلاة والسلام، لذا فقد حثنا الحبيب صلوات الله وسلامه عليه وعلى آله أن نحيي يوم العاشر من محرم "عاشوراء" بالصيام لله رب العالمين عندما رأى اليهود يصومون ذلك اليوم احتفلًا بنجاة سيدنا موسى فقال: "نحن أولى بموسى منهم".

ومن الأحداث العظيمة التي وقعت يوم عاشواء استشهاد الإمام الحسين بن علي بن أبي طالب رضي الله عنه وأرضاه بعدما غدر به أهل الكوفة وتخلوا عنه ليرقى شهيدًا دفاعًا عن الحق وعن الإسلام ليضرب باستشهاده أروع مثالًا للتضحية والفداء والصبر لإعلاء كلمة الحق .

وفي عاشوراء من كل عام يدور الخلاف حول كيفية إحياء هذا اليوم ما بين أهل السنة وبين الشيعة في مختلف البلدان، مما يؤدي إلى الفرقة والشقاق.

إحياء أهل السنة لعاشوراء

فأهل السنة يحرصون على إحياء ذكرى عاشواء كما أمرهم النبي صلى الله عليه وآله وسلم بالصيام لله حسبما ورد في الأحاديث الشريفة التي حثنا فيها الحبيب الأعظم صلوات الله وسلامه عليه وآله على صيام هذا اليوم شكرًا لله محتسبًا أن يكفر لمن يصومة ذنوب عام قبله.

ولا ينسى أهل السنة الوسطيون أن يحيوا ذكرى استشهاد الإمام الحسين رضي الله عنه وأرضاه، وذكر قصة استشهاده وأهل بيته وأصحابه يوم عاشوراء عام 60 هجريًا من أجل إعلاء كلمة الحق، وهو حدث في حد ذاته جدير بالاعتبار لما يستفاد منه في حال الأمة ومستقبلها، وهو الثبات على المبدأ والحق.

فالإمام أبي عبدالله الحسين رضي الله عنه انتصر لمبادئ الخلافة الإسلامية، وهي أن يحقق الشوري بين المسلمين، مجابها بذلك ما انتواه معاوية والوصية بالحكم لابنه يزيد، مخالفا بذلك سيرة ونهج الخلفاء الراشدين رضوان الله عليهم، وفي هذا يقول الله تعالي: (والذين استجابوا لربهم وأقاموا الصلاة وأمرهم شوري بينهم ومما رزقناهم ينفقون). فنلحظ في هذه الآية أن الشوري مبدأ من مبادئ الدين لا يقل شيئا عما قبلها وما بعدها، وهي الصلاة والزكاة.

فخرج لذلك الإمام الحسين ومن معه من آل البيت ووقف في وجه يزيد بن معاوية ليرد الخلافة إلي سيرتها الأولي، فاستشهد في سبيل الله.

ويحيي أهل السنة وخاصة أهل التصوف السني منهم المتمسكين بالشريعة الإسلامية يوم عاشوراء بالصيام كما أوصى النبي صلى الله عليه وآله وسلم، وذكر مناقب الإمام الحسين وأهل بيته وقصة استشهادهم وما تعرضوا له من ظلم وأذىً وغدر يفوق التصور، وكذلك يذكرون الدروس المستفادة من معركة كربلاء ومواقف الإمام الحسين فيها حتى يتعلموا ويستفيدوا منها في حياتهم المعاصرة بتطبيق تلك القيم النبيلة التي أرساها الإمام الحسين وورثها عن جده النبي صلى الله عليه وآله وسلم، بالإضافة إلى ذكر نجاة نبي الله سيدنا موسى عليه وعلى نبينا الصلاة والسلام وقصته مع فرعون للاعتبار والتعلم.

إحياء الشيعة لعاشوراء:

أما إحياء عاشوراء عند الشيعة فتأخذ شكلًا مختلفًا تمامًا عن أهل السنة، فهم يحيون فقط ذكرى استشهاد الإمام الحسين رضي الله عنه، ولكن بطريقة متطرفة حيث يقيمون المئاتم والتي يقومون فيها بضرب أنفسهم بالسلاسل والسيوف حتى تسيل دماؤهم بحجة الحزن على مقتل الحسين بن علي رضي الله عنهما، ولا شك أن هذه الفعل عمل منكر لا يقره الإسلام بحال من الأحوال، ولا يرضي الإمام الحسين رضي الله عنه إن رآه.

وأريد أن أأكد هنا أنه لا نزاع ولا خلاف عند أهل السنة حول فضل مولانا الإمام الحسين رضي الله عنه وعدل قضيته، فهو سبط رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، وسيد الشهداء، ومحبته وموالاته فرض على المسلمين جميعًا فقد قال فيه النبي صلى الله عليه وآله وسلم: "حسين مني وأنا من حسين .. أحب الله من أحب حسين".

وما وقـــع من قتله رضي الله عنه أمر منكر شنيع محزن لكل مسلم، وقد انتقم الله ـ عز وجل ـ مـن قـتـلـتـه فأهانهم في الدنيا وجعلهم عبرة، فأصابتهم العاهات والفتن، وقلَّ من نجا منهم. 

أما ما يفعله غلاة الشيعة من إيذاء لأنفسهم وأطفالهم وإقامة العزاء ولطم الخدود يوم عاشوراء من الأمور المنكرة، وهو أمر يتطلب تصحيحًا وتقويمًا لدي السلوكيات التي يمارسها الشيعة بطوائفها المختلفة، فالعبرة من تذكر الحدث في الإسلام ليس لتكرار الأحزان واجترار الآلام، وإنما الإفادة من الأحداث والدروس المستفادة منها.

فالاحتفال الحقيقي كما أخبرنا النبي صلي الله عليه وسلم هو بنجاة سيدنا موسي عليه السلام وهلاك الطاغية فرعون، فنحتفل للعلة التي أخبرنا إياها الحبيب صلي الله عليه وآله وسلم وبالكيفية أيضًا التي أقرها النبي صلوات الله وسلامه عليه وعلى آله وهي الصيام.

ولا مانع كذلك من ذكر مناقب الإمام الحسين رضي الله عنه وأهل البيت ما تعرضوا له من ظلم وتبيان المستفاد من هذا الحدث الجلل، والتأكيد على ضرورة محبة آل البيت الأطهار وموالاتهم موالاة سنية لا إفراط فيها ولا تفريط.

لهذا علينا أن نحيي يوم عاشوراء بالصيام كما أمرنا النبي صلى الله عليه وآله وسلم، ونستحضر فيه ما كان لسيدنا موسى عليه وعلى نبينا الصلاة والسلام مع فرعون الذي أهلكه الله، وكذلك ذكرى الإمام الحسين رضي الله عنه وأرضاه ونعلم أبنائنا وأهلنا محبته ومحبة آل البيت الأطهار دون تهاون في حقهم ومحبتهم، ودون تطرف أو غلو، بل تكون محبتنا لهم محبة سنية وسطية.

إعلان