إعلان

في ذكرى تنازله عن الخلافة.. الإمام الحسين تحققت فيه نبوءة النبي وأصلح بين المسلمين

01:54 م الإثنين 03 ديسمبر 2018

قبر الإمام الحسن في البقيع عام 1925 قبل هدمه

كتب- هاني ضوه:

يزخر التاريخ الإسلامي بالكثير من الأحداث التي كان لها أثر كبير في تغيير مسار الأمة الإسلامية، بعضها كان سببًا في حروب زعزعت عرى المسلمين، وأخرى كانت سببًا في لمّ شملهم والحفاظ على الدين وترابط جماعة المسلمين.

ومن تلك الأحداث ما وقع عام 41 هـ، وتحديدًا في مثل هذا اليوم 25 من ربيع الأول، عندما تنازل خامس الخلفاء الراشدين الإمام الحسن بن الإمام علي بن أبي طالب- كرم الله وجهه- عن الخلافة لمعاوية بن أبي سفيان، وذلك لحقن دماء المسلمين وقطع الطريق على أهل الفتنة الذين يريدون إضعاف دولة الإسلام، لذا سمي هذا العام بـ"عام الجماعة".

بعد استشهاد أمير المؤمنين الإمام علي بن أبي طالب- كرم الله وجهه- رابع الخلفاء الراشدين، اجتمع أهل العراق يريدون مبايعة الإمام الحسن خليفة للمسلمين، وذكر الإمام الطبري في تاريخه وابن كثير في البداية والنهاية وغيرهما أن الإمام الحسن بن علي اشترط عليهم عند مبايعته: «إنكم سامعون مطيعون، تسالمون من سالمت، وتحاربون من حاربت». فارتاب أهل العراق في أمرهم، وقالوا ما هذا لكم بصاحب، وما يريد هذا القتال. فحاولوا مبايعة الحسين بدلاً منه فأبى، فاضطروا مرغمين إلى مبايعة الحسن. فقام الحسن وتنازل عن الخلافة لمعاوية، وأصلح بين أهل العراق وأهل الشام، كما جاء في الحديث الصحيح.

وقد أخرج الإمام ابن سعد في طبقاته عددًا من المرويات التي تحدثت عن بيعة الإمام الحسن، منها أن عامر الشعبي قال: «إنَّ الْحَسَنَ بْنَ عَلِيٍّ صَلَّى عَلَى عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ فَكَبَّرَ عَلَيْهِ أَرْبَعَ تَكْبِيرَاتٍ، وَدُفِنَ عَلِيٌّ بِالْكُوفَةِ عِنْدَ مَسْجِدِ الْجَمَاعَةِ فِي الرَّحَبَةِ مِمَّا يَلِي أَبْوَابَ كِنْدَةَ قَبْلَ أَنْ يَنْصَرِفَ النَّاسُ مِنْ صَلَاةِ الْفَجْرِ، ثُمَّ انْصَرَفَ الْحَسَنُ بْنُ عَلِيٍّ مِنْ دَفْنِهِ فَدَعَا النَّاسَ إِلَى بَيْعَتِهِ فَبَايَعُوهُ، وَكَانَتْ خِلَافَةُ عَلِيٍّ أَرْبَعَ سِنِينَ وَتِسْعَةَ أَشْهُرٍ».

استمر الإمام الحسن بن علي رضي الله عنه خليفة للمسلمين مدة ستة أشهر، ليكون بذلك خامس الخلفاء الراشدين وآخرهم، فبه اكتملت الخلافة الراشدة كما أخبر النبي- صلى الله عليه وآله وسلم- كما روى الإمام الترمذي في كتابه "الجامع الكبير" أن النبي- صلى الله عليه وآله وسلم- حدد مدة الخلافة بثلاثين سنة ثم تصير مُلكًا، «قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: الخِلاَفَةُ فِي أُمَّتِي ثَلاَثُونَ سَنَةً، ثُمَّ مُلْكٌ بَعْدَ ذَلِكَ».

وقد علق الإمام ابن كثير على هذا الحديث فقال: «وَإِنَّمَا كَملَتِ الثَّلَاثُونَ بِخِلَافَةِ الْحَسَنِ بن على، فَإِنَّهُ نَزَلَ عَنِ الْخِلَافَةِ لِمُعَاوِيَةَ فِي رَبِيعٍ الْأَوَّلِ مِنْ سَنَةِ إِحْدَى وَأَرْبَعِينَ، وَذَلِكَ كَمَالُ ثَلَاثِينَ سَنَةً مِنْ مَوْتِ رَسُولِ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم- فَإِنَّهُ تُوُفِّيَ فِي رَبِيعٍ الْأَوَّلِ سَنَةَ إِحْدَى عَشْرَةَ مِنَ الْهِجْرَةِ، وَهَذَا من دلائل النبوة- صلوات الله وسلامه عليه وسلم تسليمًا».

وبعد أن تولى الإمام الحسن الخلافة كان لا يزال هناك صراع على الخلافة بينه وبين معاوية بن أبي سفيان في الشام، ووقعت محاولة لاغتيال الإمام الحسن، فطعن في فخذه، وظل مريضًا لأشهر حتى تعافى.

حاول الإمام الحسن لمّ الشمل، فأرسل إلى معاوية في الشام يطالبه بالدخول في البيعة، وأن يحقن دماء المسلمين، وألا ينازع الأمر أهله ويجمع الكلمة، ولكن معاوية رفض طلب الإمام الحسن مدعيًا أنه الأولى بالخلافة.

وذكر ابن كثير في البداية والنهاية أن الناس اجتمعوا اجتماعًا كبيرًا لم يسمع بمثله ليضغطوا على الإمام الحسن للخروج لمحاربة معاوية وجيشه في الشام؛ حفاظًا على الخلافة ودولة الإسلام، فاضطر للخروج مرغمًا، خاصة بعد رفض معاوية الدخول في البيعة.

ولما اقترب الجيشان فطن الإمام الحسن إلى أن لقاء هذين الجيشين الكبيرين سيؤدي إلى فتنة كبيرة وسفك لدماء المسلمين وتفرقة للأمة، خاصة بعدما أدرك خذلان أهل الكوفة له.

وبالفعل عقد الإمام الحسن الصلح مع معاوية، لتتحقق نبوءة جده رسول الله- صلى الله عليه وآله وسلم- التي بشر بها بأن الإمام الحسن سيصلح بين فئتين عظيمتين من المسلمين قبل حصول هذا الأمر بسنوات بعيدة، فقد ورد في ذلك حديث نبوي رواه البخاري في صحيحه عن الحسن البصري قال: «وَلَقَدْ سَمِعْتُ أَبَا بَكْرَةَ، قَالَ: بَيْنَا النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَخْطُبُ، جَاءَ الحَسَنُ، فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «ابْنِي هَذَا سَيِّدٌ، وَلَعَلَّ اللَّهَ أَنْ يُصْلِحَ بِهِ بَيْنَ فِئَتَيْنِ مِنَ المُسْلِمِينَ».

وبعد أن تنازل الإمام الحسن عن الخلافة عاد إلى المدينة المنورة ليستقر فيها منذ عام الصلح الذي كان سنة 41 هجريًا إلى سنة 51 هجريًا حيث استشهد الإمام الحسن مسمومًا- رضي الله عنه.

فيديو قد يعجبك: