فى ذكرى وفاته.. محطات في حياة الإمام النسائي الذي قتله المتعصبون

03:40 م الخميس 03 نوفمبر 2016

فى ذكرة وفاته.. محطات في حياة الإمام النسائي الذي

 

إعداد – هاني ضوَّه :

نائب مستشار مفتي الجمهورية

 

لقد قيد الله سبحانه وتعالى لحديث رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم رجالًا يحفظونه ويعتنون به، فحلت عليه بركاته وأنواره، ومن هؤلاء الإمام النسائي رحمه الله الذي كان بحرًا من بحور العلم، وأحد أصحاب السنن، الذي ترك تراثًا من المصنفات التي ينتفع بها العلماء حتى يومنا هذا.

 

ميلاده ورحلته

ولد سنة 215 هـ في بلدة نسا من بلاد خراسان قديمًا و تقع في تركمانستان حاليًا، وطلب العلم والحديث وهو صغير، فرحل وهو في سن الخامسة عشر لطلب العلم، وكان قد شغفه حب الحديث النبوي الشريف، فرحل أولاً إلى المحدث الشهير «قتيبة بن سعيد»، ولم يكن لأحد أن ينال شرف السماع من قتيبة في هذه السن، إلا من تجمع له قسط وافر من العلم، ثم جال النسائي ـ كما يروي الذهبي ـ في طلبا للعلم بخراسان والحجاز، ومصر، والعراق، والجزيرة، والشام، والثغور؛ وترامت شهرته كأحد أكبر أئمة الحديث وعلومه في عصره، فلم يكن أحد في رأس المائة الثالثة أحفظ من النسائي، كما يقول الإمام الذهبي.

مجيئه لمصر

عاش الإمام النسائي بمصر بزقاق القناديل بمدينة الفسطاط، وكان حي يسكنه الأعيان، واتخذ لنفس مجلس علم يحضره الكثير من طلبة العلم، ويفد إليه علماء من شتى بقاع العالم الإسلامي حينها، وكان من سعة علمه وفضله وكثرة تآليفه أن عدّه الإمام السيوطي رحمه الله مجدد القرن، فقال عنه: النسائي مجدد المائة الثالثة.

ليس هذا فحسب، فقد كان الإمام النسائي مجاهدًا وكان يخرج مع أمير مصر غازيًا، فوصفوا من شجاعته الكثير، يروي ابن منظور في مختصر تاريخ دمشق: “سمعت مشايخنا بمصر يعرفون لأبي عبد الرحمن النسائي بالتقدم والإمامة، ويصفون من اجتهاده في العبادة بالليل والنهار، ومواظبته على الحج والجهاد. وأنه خرج إلى الجهاد والفداء مع والي مصر، فوصف من شهامته وإقامته السنن المأثورة في فداء المسلمين واحترازه عن مجالسة السلطان ،الذي خرج معه والانبساط بالمأكول والمشروب في رحلته، وأنه لم يزل ذلك دأبه إلى أن استشهد رضي الله عنه”.

محنته ووفاته

قدم إلى دمشق آتياً من بلده مصر، في السنة الثانية بعد الثلاث مئة للهجرة، فوجدها تموج بالنصب ضد الإمام عليّ وآل البيت عليهم السلام، وبالتعصب للأمويين ومعاوية خصوصاً، فانبرى للمساهمة في التخفيف من حدة النصب الشامي، بأن عمد إلى تأليف كتاب في خصائص الإمام عليّ وآل البيت، فلم يوافق ذلك هوى عند بعض الشوام، الذين كان النصب بالنسبة لهم آنذاك بمقام السائد الثقافي العامي الذي يعاقَب من يحيد عنه، اجتماعياً على الأقل.

في أخر عمره خرج الإمام النسائي حاجًا فمر على دمشق، وهناك سأله أهلها أن يحدثهم بشيء من فضائل معاوية فقال لهم: "أما يكفي معاوية أن يذهب رأسًا برأس حتى يروى له فضائل"، فقاموا إليه فجعلوا يطعنون في خصيتيه حتى أخرج من المسجد الجامع فخرج من عندهم إلى مكة فمات بها في هذه السنة وقبره بها، وهو مدفون بين الصفا والمروة، وكانت وفاته في شعبان سنة 303هـ.

تلاميذه :

نجد كبار الأئمة تتلمذوا على يد النسائي، ومن هؤلاء:

ابن حبان صاحب "الصحيح"، والعقيلي صاحب "الضعفاء"، وابن عدي صاحب "الكامل"، والدولابي – ومع العلم بأنه يعتبر من أقران النسائي ولكنه سمع منه – وهو صاحب كتاب "الأسماء والكنى"، والطحاوي صاحب "شرح معاني الآثار" و "مشاكل الآثار" وصاحب "الطحاوية"، وأبو عوانة صاحب "المستخرج على صحيح مسلم"، وأبو سعيد بن يونس صاحب "تاريخ مصر"، والطبراني ، الإمام المشهور- صاحب "المعاجم الثلاثة"، وابن السني صاحب "عمل اليوم والليلة" وكتاب القناعة.

مؤلفاته :

ألف مؤلفات عديدة مهمة جداً، منها :

- كتاب "الكنى"، وهذا الكتاب لم يصل إلينا.

- كتاب "الضعفاء والمتروكين" وهو مطبوع.

- كتاب "حديث مالك بن أنس"، وقد جعل المزي أحاديث هذا الكتاب من ضمن الأحاديث التي ذكرها في " تحفة الأشراف"، ورجال أسانيده من ضمن الرجال الذين تطرق إليهم في كتابه "تهذيب الكمال".

ويبدو أن النسائي كان حريصاً على تتبع أحاديث هؤلاء الأئمة المشهورين المكثرين، فنجده ألف: 

- مسنداً لحديث مالك بن أنس.

- مسنداً لحديث الزهري.

- مسنداً لحديث شعبة.

- مسنداً لحديث الثوري.

- مسنداً لحديث ابن جريج.

- مسنداً لحديث القطان.

- مسنداً لحديث الفضيل بن عياض.

- مسنداً لحديث علي بن أبي طالب رضي الله عنه.

وقد ألف غير ذلك من المؤلفات الكثيرة التي بعضها تعتبر من كتب السنن له، مثل كتاب "التفسير"، وكتاب "عشرة النساء"، وكتاب "عمر اليوم والليلة" وكتاب "الجمعة"، فهذه اعتبروها داخلة في كتاب "السنن الكبير" له .

إعلان