إعلان

في كتابه "الرحلة الحجازية".. شكيب أرسلان يحكي كيف حرره الحج من براثن الاستعمار

03:23 م الثلاثاء 06 أغسطس 2019

شكيب أرسلان

كتبت- آمال سامي:

في 1929 حج شكيب أرسلان، الأديب والمفكر العربي اللبناني، إلى بيت الله الحرام، ودوّن رحلته في كتاب "الرحلة الحجازية" المسماة "الارتسامات اللطاف في خاطر الحاج إلى أقدس مطاف". كتاب شكيب أرسلان ليس مجرد كتاب ينتمي إلى "أدب الرحلات"، فإلى جانب وصفه رحلته، وصفًا أدبيًا بليغًا، قدم أرسلان فيض من المعلومات في التاريخ والسياسة والأدب وحياة أهل الحجاز الاجتماعية والاقتصادية أيضًا، بل إنه قدم فيه نصيحة مخلصة للعرب بالإسراع في اكتشاف واستغلال ثروات الحجاز المعدنية قبل أن تطالها يد الاستعمار.

من سويسرا بحرًا إلى جدة.. هكذا بدأت "الرحلة الحجازية"

أنطلق شكيب إلى الحج من لوزان بسويسرا، عن طريق نابولي بإيطاليا، حيث ارتحل على سطح باخرة إنجليزية وصل بها إلى بورسعيد ونزل بها، وفي اليوم التالي أبحر إلى الحجاز عن طريق السويس ووصل إليها عن طريق جدة. وصف شكيب أرسلان بأسلوب أدبي بليغ رحلته بداية من ميناء السويس إلى جدة ووصف الإحرام والتلبية فوصف وصوله إلى ميناء جدة قائلًا: "لم يقع بصري على شيء يشبه مياه بحر جدة في اللمعان، كنت كيفما نظرت يمنة أو يسرة أشاهد خطوطًا طويلة عريضة في البحر أشبه بقوس قزح في تعدد الألوان وتألق الأنوار..فكأن في كل جهة من بحر جدة مسرح طواويس سابحة في اللجج الخضر".

حررت رحلة الحج شكيب أرسلان لأول مرة من ثقل الرضوخ للاستعمار، حيث كانت فرنسا وبريطانيا تحتلان بلدانًا عربية شتى زارها وعاش فيها، فشعر شكيب بالحرية لأول مرة على أرض الحجاز، إذ انه أخيرًا ليس "تحت سيطرة أوروبية"، يصف شكيب شعوره قائلًا: "شعرت منذ وطئت قدمي رصيف جدة أني عربي حر، في بلاد عربية حرة، شعرت أني تملصت من حكم الأجنبي الثقيل"، قابل شكيب أرسلان هناك الملك عبد العزيز بن عبد الرحمن بن سعود، وكان شديد الإعجاب به.

انطلق ارسلان من جدة إلى مكة لأداء مناسك الحج، وأفضى في وصف مكة بأنها "فردوس العبادة في الأرض، وجنة الدنيا المعنوية.." وفسر أرسلان تجرد مكة من كل زخارف الطبيعة كأن الله قد قضى بتجريدها من كل شيء ولا يطرزها بشيء من مسارح النظر "حتى لا يلهو فيها العابد عن ذكر الله بخضرة ولا غدير، ولا بنضرة ولا نمير،..وحتى يكون قصده إلى مكة خالصًا لوجه ربه الكريم". وصف صحراء مكة ووديانها، وكيف هي بلا عيون ولا مروج ولا أشجار تلطف من حرارة الجو، "كأن القاصد إلى هذا الوادي إنما يزداد بهذه القسوة الجغرافية أجرًا وثوابًا".

تحدث أرسلان في الكتاب في كل شيء حول مكة، سواء جغرافيتها أو تاريخها، أو حتى مسائلها الاجتماعية والعمرانية والاقتصادية، بل تطرق أيضًا إلى مباحث لغوية وأدبية، وأشار إلى الأوقاف الإسلامية التي أوقفها السلف وكيف اساء المسلمون التصرف فيها وأكلوها بالباطل، كما أفرد فصلًا لتبرئة الإسلام من الإنحطاط الذي أصبح عليه المسلمون، وكيف أن تاريخ سلفهم حجة على أن الإسلام بريء ممن عمله خلفهم، وتحدث أيضًا عن هموم العرب السيساسية وبشر بوحدة العرب التي ستتحقق يومًا ما، فالوحدة هي سبيل الخلاص "إن الأمة العربية سائرة إلى الوحدة مهما عارض في ذلك اللئام من أعدائها، والمتلفسفون من أبناءها، وهذه الوحدة آتية لا ريب فيها"

أشار أرسلان في كتابه إلى أهمية الثروة المعدنية في الحجاز، ونصح الأمة بالبحث عن كنوزها قائلًا "إن عنى الجزيرة بالمعادن موصوف معروف عند جميع الأمم من قديم الدهر.. فينبغي علينا الآن.. أن نأرز إلى الجزيرة التي هي مهد العرب..ونجعلها الكهف المانع والأصل الجامع، ونستخرج كل ما فيها من عيون الحياة الكامنة، حتى تصون نفسها وتنجد اخوتها التي انبسط عليهن أيدي الاستيلاء الأجنبي"، وحدد أيضًا في كتابه أماكن معدن الذهب في جزيرة العرب.

من هو شكيب أرسلان؟

ولد شكيب أرسلان في أول رمضان عام 1286 هـ الموافق 25 ديسمبر 1869م، في قرية الشويفات في لبنان، وهو شكيب بن حمود بن حسن بن يونس، وشكيب هي كلمة فارسية تعني "الصابر"، تعلم في طفولته على يد معلم أحضره والده وهو في الخامسة من عمره اسمه الشيخ مرعي شاهين، فعلمه مباديء القراءة والكتابة، وفي بلدة عين، رحلت الأسرة هناك صيفًا، فاحضر له ابوه معلم آخر اسمه فيصل ليعلمه تلاوة القرآن الكريم، ودخل شكيب بعد عودة الأسرة إلى المدرسة الأمريكية بالقرية، وفي عام 1879م دخل مدرسة دار الحكمة ببيروت، وعام 1887م دخل المدرسة السلطانية حيث قابل هناك معلمه وأستاذه الأول الشيخ محمد عبده وتلقى على يده العلم. وفي 1889م سافر شكيب أرسلان إلى دمشق وحضر مجالس شيوخها الكبار امثال عبد الرزاق البيطار والشيخ طاهر الجزائري، وفي العام التالي سافر إلى مصر لأول مرة وألتقى بالشيخ محمد عبده وبالعديد من المفكرين والعلماء مثل الشيخ علي يوسف وغيره، وفي أواخر العام ألتقى بجمال الدين الأفغاني في الآستانة وسمع منه وتأثر به.

في عام 1912م علم شكيب بتقسيم فرنسا وبريطانيا لسوريا وفلسطين من خلال اعترافات المسيو بوانكاره، لذلك رفض الثورة العربية عام 1916م وقال: "لم يمنعنا من الاشتراك في الالثورة العربية سوى اعتقادنا أن هذه البلاد العربية ستصبح نهبًا مقتسما بين إنجلترا وفرنسا، وتكون فلسطين وطنًا قوميًا لليهود، وهذا التكهن عندنا كان مجزومًا به".

كانت لشكيب أرسلان جهود كبيرة ورحلات طويلة لتحقيق الاستقلال للدول العربية، ففي عام 1922 سافر إلى جنيف رئيسًا لوفد سوري فلسطيني للدفاع عن قضايا العرب وحقوقهم أمام عصبة الأمم، ثم تعددت اسفاره بعد ذلك لنفس الغرض، وأصدر مجلة "الأمة العربية" بالفرنسية في جنيف لتدافع عن قضايا العرب والمسلمين، واشترك أرسلان في وفد الصلح الذي أرسله المؤتمر الإسلامي بالقدس عام 1934م للتوفيق بين الملك عبد العزيز آل سعود والإمام يحيى حميد الدين ملك اليمن بعد نشوب الحرب بينهما، بعد انتهاء الحرب عام 1945 عاد شكيب إلى وطنه اواخر عام 1946 حيث توفي هناك بعد أقل من شهرين في 9 ديسمبر 1946م، ودفن بقريته الشويفات.

كتاب الرحلة الحجازية

فيديو قد يعجبك: