الفضفضة الأسرية أثناء الصيام.. بين التسلية وطلب النصيحة

09:02 م الأربعاء 05 مايو 2021

د عبد الفتاح أحمد أبو كيلة

بقلم: د. عبد الفتاح أحمد أبو كيلة

أستاذ الفقه المساعد- جامعة الأزهر

عضو مركز الأزهر العالمي للفتوى الإلكترونية

الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على أشرف المرسلين، وعلى آله وصحبه أجمعين، وبعد...

فإن مما أشتهر على ألسنة بعض الصائمين قولهم :" هيا نسلي صيامنا " ويقصدون الجلوس مع بعضهم للحديث عن الحكايات المسلية تارة، أو بما حدث لهم من مواقف وطرائف فيما بينهم وبين أزواجهم أو أصدقائهم أو زملائهم في العمل ... تارة أخرى؛ حتى تنقض بعض ساعات الصيام فلا يشعرون بالجوع والعطش.

ومن بين ما قد يحكى أثناء الصيام في المجالس أو عبر وسائل التواصل الاجتماعي؛ ما يحدث بين أحد الزوجين والآخر من مشاكل زوجية، وأمور ينبغي ألا يعرفها أحد سواهما.

ومما ينبغي أن يعلمه الصائمون وغيرهم: أن الإسلام حث على صيانة الأسرة وحمايتها، ودعا

للحفاظ على خصوصيتها، وعدم إفشاء أسرارها في المجالس وغيرها؛ لما تقوم عليه من السكن والسكينة برباط من المودة والرحمة، يضمن استقرارها، وتحمل مشاقها وأعبائها، والرضا بحلوها ومرها.

ومن هذا المنطلق: فقد نظر الإسلام لحكم الفضفضة الأسرية على حسب الدافع لها، ومضمون ما يقال فيها، وذلك على حالتين:

الحالة الأولى: إذا كانت الفضفضة الأسرية من أحد الزوجين للمقربين من أهله وأصدقائه بقصد طلب النصيحة، أو المساعدة في حل بعض الخلافات أو المشكلات التي تواجهه مع الطرف الآخر، أو كانت لمجرد التنفيس عن همه وغمه، أو الإخبار عن مشكلة تكدر خاطره وتضيق بها نفسه دون السخط على قدر الله – تعالى- ؛ فلا بأس بذلك ولا يدخل ذلك في التحريم؛ وذلك لأن النفس تحتاج لمن يعينها على ما يقع ويلم بها؛ وذلك من باب قول الله – تعالى - :" وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَىٰ" ( سورة المائدة من الآية 2)، ولقوله صلى الله عليه وسلم في الحديث الصحيح : "الدِّينُ النَّصِيحَةُ" قُلْنَا لِمَنْ ؟ قال:" لِلَّهِ وَلِكِتَابِهِ وَلِرَسُولِهِ وَلِأَئِمَّةِ الْمُسْلِمِينَ وَعَامَّتِهِمْ ". ( صحيح مسلم : رقم 55)

شريطة أن يكون من يجلس معه أحد الزوجين من الأهل أو الأصدقاء صاحب دين وخلق، يملك الخبرة في التعامل، والقدرة على تفهم أصل المشكلة والمساعدة في حلها بأن يكون جزءًا من الحل لا جزءًا من المشكلة .

الحالة الثانية : إذا كانت الفضفضة الأسرية من أحد الزوجين للمقربين من أهله وأصدقائه بقصد إظهار عيوب الطرف الآخر ومساوئه والكيد له، أو للتسلية وقضاء الأوقات، أو لاستعراض ما يحدث بين الزوجين من علاقات حميمة...فهذا من باب إفشاء الحياة الأسرية والزوجية؛ وهو أمر حرمه الإسلام وعده من الكبائر؛ فضلا عن كونه سلوكًا منحرفًا يعرض الأسرة للتفكك والضياع، فلا يضمن أي من الزوجين أمانة من يحكي له، ومدى حقده عليهما، أو حسده لهما، أو فرحته للخلاف بينهما، وقد تستعمل هذه المعلومات بغير حكمة وتروي فتزيد من الخلاف أو توقع فيه؛ وذلك لقول النبي – صلى الله عليه وسلم- في الحديث الصحيح : " إِنَّ مِنْ شَرِّ النَّاسِ عِنْدَ اللَّهِ مَنْزِلَةً يَوْمَ الْقِيَامَةِ الرَّجُلَ يُفْضِي إِلَى امْرَأَتِهِ وَتُفْضِي إِلَيْهِ ثُمَّ يَنْشُرُ سِرَّهَا " ( مصنف ابن أبي شيبة : رقم 17559 ) ، في إشارة إلى نشر وإذاعة ما يحدث بينهما حال العلاقة الزوجية.

والمسلم مأمور بحفظ أسرار بيته وأسرته، وعدم إخراجها إلا لضرورة ملحة وحاجة ماسة كما سبق ؛ لذا جعل النبي – صلى الله عليه وسلم – حفظ أسرار البيوت وعدم إفشائها علامة على صلاح الزوجين، وعد ذلك من جملة النعم التي يستفيد منها كلا الزوجين من الآخر، وتعود عليها بالنفع والخير في حياتهما الزوجية والأسرية، فقال - صلى الله عليه وسلم -: " مَا أَفَادَ عَبْدٌ بَعْدَ الْإِسْلَامِ خَيْرٌ لَهُ مِنْ زَوْجٍ مُؤْمِنَةٍ: إِذَا نَظَرَ إِلَيْهَا سَرَّتْهُ، وَإِذَا غَابَ عَنْهَا حَفِظَتْهُ فِي نَفْسِهَا وَمَالِهِ " (المعجم الأوسط للطبراني: رقم 2115) ، وكذلك الزوج يجب عليه أن يحفظ سر زوجته عند أهله وأصدقائه إذا غابت عنه .

بل إن الإسلام ذهب إلى أبعد من ذلك حين حرم هذه الفضفضة وإفشاء أسرار الحياة الأسرية والزوجية حتى بعد الطلاق بين الزوجين وانفصالهما ؛ قال تعالى :" فَأَمْسِكُوهُنَّ بِمَعْرُوفٍ أَوْ فَارِقُوهُنَّ بِمَعْرُوفٍ " ( سورة الطلاق من الآية 2) ومن المعروف ألا يفشي أحدهما أسرار الآخر بعد انفصالهما بالطلاق، فعندما طلق عبد الله بن عمر – رضي الله عنهما – زوجته ، سألوه ، لماذا طلقت زوجتك؟ فقال: "سبحان الله!!! كيف أفضي بسر امرأة أجنبية لا علاقة بيني وبينها؟".

وينبغي على من يحكى له في هذه الحالة: ألا يسترسل مع من يحكي من أحد الزوجين، وأن يبين له حرمه ما يفعله، وأن ذلك يخل بمروءته، ويعرض أسرته للتفكك والضياع، وذلك من باب قوله تعالى:" وَلَا تَعَاوَنُوا عَلَى الْإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ" ( سورة المائدة من الآية 2)، فضلا عن كون ذلك من باب الخيانة المنهي عنها لاسيما بين الزوجين، قال تعالى:" يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَخُونُوا اللَّهَ وَالرَّسُولَ وَتَخُونُوا أَمَانَاتِكُمْ وَأَنْتُمْ تَعْلَمُونَ ". ( سورة الأنفال الآية 27)

تقبل الله منا ومن حضراتكم الصيام ، والقيام، وصالح الأعمال ، وكل عام وحضراتكم يخير.

إعلان