هل كانت "المجوسية" ديانة توحيدية قبل أن يصيبها التحريف؟

07:38 م الأربعاء 13 نوفمبر 2019

كعبة زرادشت

كتبت- آمال سامي:

منذ أكثر من ثلاثة آلاف عام، ظهرت الديانة الزرادشتية التي تنسب إلى مؤسسها زرادشت، وهي ديانة إيرانية قديمة وكانت الدين الرسمي للإمبراطوريات الأخمينية والبارثية والساسانية، وعرفت بالمجوسية وهي ديانة الفرس في صدر التاريخ الإسلامي.

إعلان

الزرادشتية أو المجوسية كما عرفت في التاريخ الإسلامي فيما بعد، لم تكن في بدايتها تقدس النار، لكن مع الوقت، تحول الدين الزرادشتي إلى خليط متنافر من اعتقادات شتى، يحلل د. الشفيع الماحي أحمد في كتابه "زرادشت والزرادشتية" باحثًا في تطور الديانة الزرادشتية من ديانة توحيدية إلى ديانة تتعدد فيها الاعتقادات والمقدسات، والعلاقة بين أصول فروع الدين الزرادشتي القديم وأصول وفروع الدين الإسلامي، واستند الباحث في كتابه إلى عدة مصادر أهمها كتاب "الأبتساق" المقدس عند المجوس.

تبدأ قصة الديانة الزرادشتية عندما جاء زرادشت الشاب المؤمن ذو الصفات الحميدة في قومه الوحي الإلهي، بعد فترة طويلة من الانقطاع عن الناس والاعتزال عنهم، وبينما كان يقف في فجر أحد الأيام على شاطيء نهر دايتي بأذربيجان، حيث زاره كبير الملائكة "فوهومانو" الذي أرسله له الإله ليحظى بشرف المثول بين يدي الله عز وجل. وهكذا تلقى زرادشت علم الدين مباشرة من الله بعدما أخبره بأنه اختاره رسولا ونبيًا لقومه يقول شفيع أحمد "تلقى زرادشت من ربه الرسالة وهو محجوب عنه بالنور الإلهي وبلا واسطة". وكان الإله "أهورا مزدا" هو الإله الخالق المكلف الذي يحمل عنه زرادشت رسالته لهداية قومه.

ويرد شفيع على من يقول بأن الديانة الزرادشتية لا تثبت وحدانية الله بل انها مؤسسة على مبدأين وهما صراع الخير والشر والنور والظلام، وان هناك إله للخير وآخر للشر، قائلًا ان القوتين المؤثرتين في الوجود يقعا تحت سيطرة الإله حسب حقيقة الديانة الزرادشتية القديمة، وان الصراع الدائم بين القوى المتصارعة سيحسم في النهاية لصالح قوى الخير والنور، وأن مدة الصراع في المصادر الدينية الزرادشتية تقدر بأثنى عشر ألف سنة، هي عمر الدنيا، وبعدها يدخل الأخيار الجنة والأشرار النار، ويفرد الإله وحده بالبقاء. ويؤكد على ذلك بقوله " أن العقيدة الزرادشتية لم تصرح بوجود إلهين أثنين متكافئين في القوة ومتصارعين في الوجود، وإنما صرحت فقط بوجود إله واحد متفرد بالخلق والتأثير لا ينازعه أحد في ملكه".

وتتفق نظرة الزرادشتية للملائكة مع نظرة الإسلام، فهم أجسام نورانية لا يرون إلا وهم على هيئة مألوفة، وهم أخيار ذوو حياة وعقل ووعي وحكمة، وخالدون، ولا يأكلون أو يشربون أو يتناسلون، ومكانهم في السماء في معية الإله.

وتؤمن الزرادشتية أيضًا بالحياة الأخرى، الباقية، ويحكي زرادشت عن ربه قائلًا: "إن الذين يسلكون السبل القويمة لمرضاة الله هم سائرون لامحالة إلى فردوس النعيم، حيث الخلود والصحة الكاملة، أما الضالون المكذبون الذين يتبعون الشيطان فإن مآلهم إلى جهنم حيث العذاب والنكال". والحياة الثانية في الزرادشتية مكملة للحياة الدنيا ولا معنى للدنيا إلا بدونها، وهي هدف الإنسان في الحياة، لينال ثمرة عبادته وكفاحه في الدنيا.

تحدث شفيع كذلك عن وجود فكرة أن الأعمال الطيبة تستقبل الإنسان بعد بعثه مرة أخرى في الزرادشتية مثلها في الإسلام، ويورد من نصوص الديانة الزرادشتية ما يثبت ذلك، ويحدث ذلك بعدما تمر الروح بمراحل رحلتها إلى السماء حتى تصل إلى جسر الانفصال لتعبر إلى النعيم أو العذاب الدائمين، وهناك تستقبل كل روح على حدة صورة رمزية لأعمالها التي فعلتها في الدنيا، فالمؤمن تستقبله فتاة غاية في الحسن، والكافر الشقي تستقبله عجوز قبيحة، فتقول له الفتاة فائقة الجمال "أنا أعمالك الطيبة الصالحة المقبولة عن الإله، كنت محبوبة فزدت الناس محبة في، وكنت جميلة فزدتني جمالًا ورفعت من شأني" ثم تسرد له كافة أعماله الطيبة التي فعلها في حياته، أما روح الشرير فتستقبله العجوز القبيحة وتقول: "أنا أعمالك الشريرة وسلوكك المشين، كنت مكروهة بين الناس فزدت الناس كراهية في، كنت قبيحة فزدتني قبحًا، وحططت من شاني حتى صرت بغيضة ومحتقرة"، ويقول الباحث في كتابه أن ذلك مقابل ما يروى عن الآخرة في الإسلام حيث يقول الرسول: "أن المؤمن إذا خرج من قبره استقبله عمله في أحسن صورة وأطيب ريح..".

ومن السمات المشتركة بين الزرادشتية والإسلام التي ذكرها شفيع في دراسته أيضًا حد السرقة، الذي كان في بداية الزرادشتي هو التمثيل بالسارق أو قطع يده، حتى استبدل بالحد الشرعي الجراحة والغرامة في عهد أردشير. وأيضًا الصلاة، فهي تقام خمس مرات في اليوم والليلة ويؤقت أداءها جميعًا حسب حركة الشمس، لكنها تخفض في الشتاء إلى أربع صلوات فقط، وتعد أقدس الصلوات في الزرادشتية هي التي تقام عند بزوغ الفجر، وهي التي يجب على المؤمن أن يبدأ بها يومه.

هل زرادشت كان نبيًا؟ وهل يعتبر أتباعه أهل كتاب؟

في كتاب مجموع فتاوى ابن تيمية يتحدث ابن تيمية عن المجوس قائلًا أن الله سبحانه وتعالى حين ذكر الملل التي يفصل بينها يوم القيامة لم يذكر المجوس فيقول:

ذكر الملل الست وذكر أنه يفصل بينهم يوم القيامة ولما ذكر الملل التي فيها سعيد في الآخرة قال : "إن الذين آمنوا والذين هادوا والنصارى والصابئين من آمن بالله واليوم الآخر وعمل صالحا" في موضعين . فلم يذكر المجوس ولا المشركين : فلو كان في هاتين الملتين سعيد في الآخرة كما في الصابئين واليهود والنصارى لذكرهم.
فلو كان لهم كتاب لكانوا قبل النسخ والتبديل على هدى، وكانوا يدخلون الجنة إذا عملوا بشريعتهم كما كان اليهود والنصارى قبل النسخ والتبديل ، فلما لم يذكر المجوس في هؤلاء علم أنه ليس لهم كتاب، بل ذكر الصابئين دونهم مع أن الصابئين ليس لهم كتاب إلا أن يدخلوا في دين أحد من أهل الكتابين . وهو دليل على أن المجوس أبعد عن الكتاب منهم . وأيضا ففي المسند والترمذي وغيرهما من كتب الحديث والتفسير والمغازي الحديث المشهور : " لما اقتتلت فارس والروم وانتصرت الفرس، ففرح بذلك المشركون، لأنهم من جنسهم ليس لهم كتاب، واستبشر بذلك أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم لكون النصارى أقرب إليهم، لأن لهم كتابا وأنزل الله تعالى : "الم، غلبت الروم، في أدنى الأرض وهم من بعد غلبهم سيغلبون، في بضع سنين".
وهذا يبين أن المجوس لم يكونوا عند النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه لهم كتاب .

إعلان