بعد زيارة شيخ الأزهر.. تعرف على أهم علماء أوزبكستان.. منهم البخاري إمام الحديث

03:56 م الأحد 14 أكتوبر 2018

بعد زيارة شيخ الأزهر.. تعرف على أهم علماء أوزبكستا

كتب ـ محمد قادوس:

بعد مغادرة فضيلة الإمام الأكبر أ.د/ أحمد الطيب - شيخ الأزهر الشريف ورئيس مجلس حكماء المسلمين- ، أمس السبت، العاصمة الأوزبكية طشقند، متوجهاً إلى إيطاليا، المحطة الأخيرة في جولته الخارجية، التي بدأها يوم الاثنين الماضي من جمهورية كازاخستان، حيث شارك في افتتاح مؤتمر قادة الأديان، وقد شهدت زيارة شيخ الأزهر إلى أوزبكستان زخمًا كبيرًا، وتقلد فضيلته الدكتوراه الفخرية من أكاديمية أوزبكستان الإسلامية الدولية، تقديرا لإسهاماته المتميزة وجهوده الدؤوبة في توضيح سماحة الإسلام، وتعزيز ثقافة التسامح والحوار بين أتباع مختلف الأديان والثقافات... يرصد مصراوي في التقرير التالي أهم الشخصيات الدينية التاريخية في أوزباكستان، وفقاً لما جاء في فتح الباري لابن حجر، وتهذيب الكمال لأبي الحجاج المزي، وموسوعة علماء العرب والمسلمين لمحمد فارس:

أُوزبَكِسْتان هي أكبر دولة سكاناً في وسط آسيا، عاصمتها طشقند ومن أهم مدنها سمرقند، وهي إحدى الجمهوريات الإسلامية ذات الطبيعة الفيدرالية ضمن الجمهوريات السوفياتية السابقة. وتضم جمهورية أوزبكستان أقاليم لها حكم ذاتي يبلغ عددها تسعة أقاليم. منها أقاليم لها شهرة عريقة في تاريخ الإسلام. فمنها بخاري وسمرقند وطشقند وخوارزم. فقد قدمت هذه المناطق علماء أثروا على التراث الإسلامي بجهدهم، كان منهم: الإمام البخاري والخوارزمي والبيروني والزمخشري والترمذي وغيرهم العديد من أعلام التراث الإسلامي، وهو ما نتعرف عليه في الصفحات التالية:

1 - محمد بن إسماعيل البخاري.. إمام الحديث

ولاية بخارى وتعد خامس مدن أوزبكستان سكاناً، التي وُلد بها الإمام البخاري عام 194 هجرية، (الموافق 810م). الذي مات والده وهو صغير، فتربى يتيماً في حجر أمه التي أحسنت تربيته وكان لها دور في شحذ همته وحبه للعلم.

اسمه محمد بن إسماعيل البخاري، وُلِد يتيماً، وخلّف له أبوه ثروة كبيرة، وقد عَمِيَ في صغره؛ فظلّت أمه تدعو الله تعالى بالليل والنهار؛ فنامت ليلة فجاءها إبراهيم عليه السلام في المنام، وقال: (إن الله تعالى قد ردّ بصر ابنك عليه بكثرة دعائك).

أوتي البخاري مَلَكة الحفظ منذ صغره، فحَفِظ القرآن كاملاً مع سبعين ألف حديث عندما كان عمره عشر سنين، وكان يقول: (أحفظ مائة ألف حديث صحيح، وأحفظ مائتي ألف حديث غير صحيح، وليس أحد من الصحابة والتابعين إلا وأعلم مكان وزمان ولادته ووفاته)·

صحيح البخاري.. هو أشهر كتب الحديث النبوي، وهو كتابه الجامع الصحيح المسند من حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم وسننه وأيامه وهو المعروف بـ "الجامع الصحيح" أو "صحيح البخاري"، ويُعد أول كتاب صُنف في الحديث الصحيح المجرد وقد قال فيه الإمام البخاري : وما أدخلت فيه حديثًا إلا بعدما استخرت الله تعالى وصليت ركعتين وتيقنت صحته، وقد بذل فيه البخاري جهدًا خارقًا واستمر في تأليفه وجمعه وترتيبه وتبويبه ستة عشر عامًا هي مدة رحلته الشاقة في طلب الحديث.

يذكر البخاري السبب الذي جعله ينهض إلى هذا العمل فيقول: رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم وكأنني واقف بين يديه وبيدي مروحة أذب عنه ، فسألت بعض المعبرين فقال لي : أنت تذبّ عنه الكذب ؛ فهو الذي حملني على إخراج الجامع الصحيح، وقد استحسن شيوخ البخاري وأقرانه من المحدِّثين كتابه هذا بعد أن عرضه عليهم وكان منهم جهابذة الحديث مثل : الإمام أحمد بن حنبل وعلي بن المديني ويحيى بن معين، وقد استحسنوه وشهدوا له بصحة ما فيه من الحديث إلا في أربعة أحاديث قال العقيلي: والقول فيها قول البخاري وهي صحيحة ثم تلقته الأمة بعدهم بالقبول باعتباره أصح كتاب بعد كتاب الله سبحانه وتعالى .

وفي أيامه الأخيرة اشتد مرضه. وقد سُمع ليلةً من الليالي وقد فرغ من صلاة الليل يدعو ويقول في دعائه: «اللهم إنه قد ضاقت علي الأرض بما رحبت، فاقبضني إليك.» وروى محمد بن أبي حاتم قصة وفاته فقال: «قال لنا وأوصى إلينا: أن كفنونى في ثلاثة أثواب بيض ليس فيها قميص ولا عمامة ففعلنا ذلك. فلما دفناه فاح من تراب قبره رائحة غالية فدام على ذلك أياماً، ثم علت سوارى بيض في السماء مستطيلة بحذاء قبره فجعل الناس يختلفون ويتعجبون. وأما التراب فإنهم كانوا يرفعون عن القبر حتى ظهر القبر ولم يكن يقدر على حفظ القبر بالحراس وغلبنا على أنفسنا فنصبنا على القبر خشباً مشبكاً لم يكن أحد يقدر على الوصول إلى القبر. وأما ريح الطيب فإنه تداوم أياما كثيرة حتى تحدث أهل البلدة وتعجبوا من ذلك. وظهر عند مخالفيه أمره بعد وفاته وخرج بعض مخالفيه إلى قبره وأظهر التوبة والندامة.»

وكانت وفاته ليلة عيد الفطر السبت 1 شوال 256هـ عند صلاة العشاء وصلي عليه يوم العيد بعد الظهر ودفن، وكان عمره آنذاك اثنين وستين سنة إلا ثلاثة عشر يوما. وقبره معروف إلى الآن وله ضريح مشهور في سمرقند.

2 ـ الخوارزمي: "أبو الحاسوب" مخترع "الصفر"

هو محمد بن موسى الخوارزمي، أصله من خوارزم. عاصر المأمون، وأقام في بغداد حيث ذاع اسمه وانتشر صيته بعدما برز في الفلك والرياضيات، اتصل بالخليفة المأمون الذي أكرمه، وانتمى إلى (بيت الحكمة) وأصبح من العلماء الموثوق بهم، وقد توفي بعد عام 232 هـ ، ويعتبر الخوارزمي مؤسس علم الجبر.

تشير الروايات إلى أن عائلة "الخوارزمي انتقلت من مدينة خوارزم (والتي تسمى "خيوا" حاليا في جمهورية أوزبكستان) إلى بغداد في العراق، والبعض ينسبه للعراق فقط، وأنجز الخوارزمي معظم أبحاثه بين عامي 813 و 833 م في دار الحكمة، التي أسسها الخليفة المأمون، حيث إن المأمون عينه على رأس خزانة كتبه، وعهد إليه بجمع الكتب اليونانية وترجمتها.

اختراعات الخوارزمي في الرياضيات

الجبر: أول من وضع الجبر هو الخوارزمي، وقد ذُكِر ذلك في مقدمة ابن خلدون، حيث اعترف من خلالها اعترافاً صريحاً بعلوّ شأن الخوارزمي؛ الذي مثّل اسمه كلمةً موجودةً في غالبية لغات العالم، فمثلاً تُستعمَل كلمة (Algorithm) باللغة الإنجليزيّة، وهي تحريف لاسم الخوارزمي، وتدلّ على الطريقة الوضعية في حلّ المسائل.

الخوارزميات: اكتشف الخوارزمي مصطلح الخوارزميات، حيث كانت لها مكانة فعّالة في علم الحاسوب وعلم الرياضيات وساعدت على إجراء العمليات الحسابية بأجهزة الحاسوب، ولذلك ذاع صيت هذه الخوارزميات في جميع أنحاء العالم، وبناءً عليه أُطلق على الخوارزمي لقب أبي الحاسوب، وتُرجِمت الخوارزميات للغة الإنجليزية بـ (algorithm)، وهي مشتقة من اسم الخوارزمي وتعني علم اللوغاريتمات.

الأرقام الهندية (الأرقام العربية): من أهم ما قام به الخوارزمي هو إيصال طريقة الحساب الهندية إلى العالم الغربي، وإدخال مصطلح الرقم صفر، ممّا غيّر مفهوم الأعداد جذرياً.

كتاب الجبر والمقابلة: أُلّف هذا الكتاب في عام 830م، ويُعدّ من أشهر الكتب الرياضية التي ألّفها الخوارزمي وهو موجود على شكل مخطوط كُتِب في القاهرة بعد وفاة الخوارزمي بخمسمائة عام، وهو محفوظ حالياً في أكسفورد، ولم يتمّ نشر النسخة العربية من هذا الكتاب إلا مرّةً واحدةً وكان ذلك في عام1831م.

كتاب المختصر في حساب الجبر والمقابلة: هو أحد كُتب الرياضيات التي ألّفها الخوارزمي، وقد تُرجِم في القرن الثاني عشر إلى اللغة اللاتينية، وتضمّن هذا الكتاب مواضيع عدة، منها طريقة حساب مساحات الأشكال الهندسية وأحجامها، كما أنّه وظّف علم الجبر في طريقة توزيع الميراث حسب تعاليم الشريعة الإسلامية، وورد في الكتاب أيضاً مدى تأثير الأفكار البابلية القديمة في الرياضيات؛ حيث كُتِبت بلغات عدة، منها: العبرية، واليونانية، والهندية.

اختلف المؤرخون على وفاة الخوارزمي ولكن أرجحوا وفاته رحمه الله بعد عام 232 هجري 847 ميلادي وقد كان بلغ من العمر أكثر من سبعين عاماً.

3ـ أبو الريحان البَيْروني.. "أحد أكابر علماء العالم"

ولد (أبو الريحان محمد بن أحمد البيروني) في شهر ذي الحجة سنة 362هـ/ 3 من سبتمبر 973م، في إحدى ضواحي خوارزم، وهي مدينة (كاث) التي حلت مكانها حاليا بلدة صغيرة تابعة لجمهورية أوزبكستان، وكانت مدينة (خوارزم) مركزاً عظيماً من مراكز الثقافة الإسلامية، ازدادت شهرتها بعد انهيار الخلافة الإسلامية في بغداد.

اشتهر (البيروني) وذاع صيته حتى وصلت أخباره إلى أمير (خوارزم) فأعجب به، وضمه إلى علماء قصره، وضمن له ما يكفيه للعيش عيشة كريمة ليتفرغ للعلم والاستنباط والاستكشاف، وفكر (أبو الريحان) في بناء مرصد فلكي، فعرض الأمر على الأمير، فرصد له ما يشاء من مال، وأحضر له جميع المستلزمات التي طلبها، ثم شرع (البيروني) مع أساتذته في بناء المرصد.

كان البيروني يجلس كل ليلة في مرصده، يتابع حركات الشمس والقمر والنجوم ويرسم على أوراقه خريطة لقبة السماء الزرقاء، يضع عليها مواقع المجرات والنجوم وأخذ كل يوم يكتشف الجديد في علم الفلك، وتغيرت الأحوال عندما رحلت العائلة المالكة في خوارزم والتي كانت عوناً له وسنداً، بعد أن جاءت العائلة المالكة الجديدة عائلة (مأمون بن محمد) فكان عليه أن يرحل هو الآخر من (خوارزم) فرحل عنها وظل يتنقل من بلد إلى بلد، وإذا سمع بعالم رحل إليه وأخذ العلم عنه.

إنجازات أبي ريحان البيروني

ألف البيروني كتباً في الفلك والرياضيات وصلت إلى خمسة وتسعين كتاباً من مجموع مائة وستة وأربعين كتاباً له، واحتوت مؤلفاته على خمس وستين بالمائة مما تم اكتشافه في علوم الفلك، وفي القواعد الأساسية التي تم الاعتماد عليها في العصر الحديث، كما كتب العديد من التعليقات بخصوص علم الفلك الهندي في كتابه (تاريخ الهند)، إذ تكلم عن دوران الأرض حول نفسها في رسالة لعمل الفلك، وتكلم عن الموضوع ذاته في كتاب (مفتاح علم الفلك).

رغم اهتمامه بالعلوم التطبيقية، إلا أنه أسهم في الأدب أيضًا؛ فكتب شرح ديوان أبي تمام، ومختار الأشعار والآثار. كما كان صاحب مؤلَّفات عديدة في الفلسفة، مثل: كتاب المقالات والآراء والديانات، ومفتاح علم الهند، وجوامع الموجود في خواطر الهنود، وغيرها.. ومن أهم كتبه: "تحقيق ما للهند من مقولة مقبولة في العقل أو مرذولة"، وهو أهم وأوسع كتاب وصلنا في وصف عقائد الهندوسيين، وشرائعهم وعاداتهم في أنكحتهم وأطعمتهم وأعيادهم، ونظم حياتهم، وخصائص لغتهم.

عرَّفه جورج سارتون في كتابه (مقدمة لدراسة تاريخ العلم) بقوله عنه: "كان رحّالة وفيلسوفًا، ورياضيًّا، وفلكيًّا، وجغرافيًّا، وعالمًا موسوعيًّا، ومن أكبر عظماء الإسلام، ومن أكابر علماء العالم". ووصفه المستشرق الألماني سخاو بقوله: "أعظم عقلية عرفها التاريخ".

وذكر الصفدي في كتابه "الوافي بالوفيات" أنه في رجب سنة 440هـ/ 1048م توفي البيروني، وكانت وفاته ختام حياة حافلة لرجل حكيم وعظيم.

4 ـ الإمام الترمذي.. حارس السُّنة

هو محمد بن عيسى بن سورة بن موسى بن الضحاك، هو أحد أئمة علم الحديث في زمانه وله المصنفات المشهورة منها الجامع والشمائل وأسماء الصحابة وغير ذلك، وكتاب الجامع أحد الكتب الستة التي يرجع إليها العلم.

وقد ولد فى مطلع القرن الثالث الهجري فى ذي الحجة سنة تسع ومائتين من الهجرة فى قرية من قرى مدينة ترمذ تسمي بوغ.

وقد عاش الترمذي للحديث ورحل إليه حيثما وجد، فأخذ العلم وسمع من الخرسانيين والعراقيين والحجازيين، وهو تلميذ إمام الإمام البخاري وخريجه، وتأثر به أشد التأثر. فقه الحديث وناظره وناقشه.

وكان من ملامح شخصيته وأخلاقه أنه كان يحب العلم والارتحال إليه ومجالسة العلماء، فجاب البلاد يجلس إلى العلماء، ينهل من علومهم المتنوعة. وكان أيضا سريع الحفظ قويا فيه مدهشًا أساتذته وشيوخه.

مؤلفاتـه:

1- الجامع للسنن

2- العلل الصغري: وهو من ضمن كتاب الجامع كمدخل له وجزء منه وبيان لمنهجه.

وقد نهل العلماء والفقهاء من جامعه هذا وذاعت شهرته به، وله كتاب آخر هو كتاب الشمائل المحمدية، وهو والجامع الكتابان اللذان أثرا عن الترمذي، فقد فقدت كتبه الأخري ولم تصل إلينا، وإنما ورد ذكرها فى المراجع.

تميز جامع الترمذي بأنه وضع فيه مصنفه قواعد التحديث، وكانت على غاية الدقة، وقد جعلها تحت عنوان "كتاب العلل" أو أبواب العلل، بحيث أدرجت ضمن أبواب الجامع، وقد ذكر الترمذي فى أول كتاب الجامع أن الذي حمله علي تسطير هذا المنهج فى الجامع من العناية بأقوال الفقهاء وقواعد التحديث وعلله، أنه رأي الحاجة إلى ذلك شديدة، ولأجل هذا الهدف أراد أن يسلك مسلك المتقدمين، وذلك بأن يزيد ما لم يسبقه إليه غيره ابتغاء ثواب الله عز وجل.

ومن مزايا الجامع "سنن الترمذي" فى المنهج الذي سلكه الترمذي فى جامعه خصائص فريدة امتاز بها، وذلك أنه يحكم على درجة الحديث بالصحة والحسن والغرابة والضعف حسب حالة الحديث.

كتابه الجامع:

قال الترمذي إنه صنف هذا المسند الصحيح وعرضه على علماء الحجاز فرضوا به وعرضه على علماء العراق فرضوا به وعرضه على علماء خراسان فرضوا به، ومن كان في بيته هذا الكتاب فكأنما في بيته نبي ينطق وفي رواية يتكلم قالوا وجملة الجامع مائة وإحدى وخمسون كتابا.

آراء العلماء فيه:

- قال ابن الأثير في تاريخه: "كان الترمذي إماما حافظا له تصانيف حسنة منها الجامع الكبير و هو أحسن الكتب".

- قال الإمام الذهبي "الحافظ العالم صاحب الجامع ثقة مجمع عليه و لا التفات إلى قول أبي محمد بن حزم في الفرائض من كتاب، الإيصال أنه مجهول فإنه ما عرف ولا درى بوجود الجامع و لا العلل له".

- وذكره ابن حبان في الثقات وقال فيه: (وقال ابن الأثير فى الكامل "كان محمد ممن جمع وصنف وحفظ والإمام الترمذي صاحب لجامع من الأئمة الستة الذين حرسوا سُنة رسول الله صلى الله عليه وسلم وأصبحت كتبهم في عالم السنة هي الأصول المعتمدة ومن الذين نضر الله وجوههم لأنه سمع حديث رسول الله فأداه كما سمعه").

وفاتـه:

توفي الإمام الترمذي رحمه الله في بلدته بوغ في رجب سنة 279هـ، بعد حياة حافلة بالعلم والعمل، وقد أصبح الترمذي ضريرا في آخر عمره، بعد أن رحل وسمع وكتب وذاكر وناظر.

إعلان