إعلان

ما حكم قبض اليديه بعد الرفع من الركوع على صفة حال قيامه قبل الركوع؟

02:45 م الأحد 22 نوفمبر 2015

ما حكم قبض اليديه بعد الرفع من الركوع على صفة حال

تطبيق مصراوي

لرؤيــــه أصدق للأحــــداث

تجيب أمانة الفتوى بدار الإفتاء المصرية:

تنقسم أفعال الصلاة إلى فروض وسنن وهيئات؛ أما الفروض: فهي التي إذا ما تركت عمدًا أو سهوًا لم يَنُبْ عنها سجود سهو ولا غيره من سنن الصلاة، وأما السنن: فهي المستحبات التي تُجبر بسجود السهو، وتسمى أيضًا (أبعاضًا)، وأما الهيئات: فهي المستحبات التي لا تجبر بسجود السهو.

ومن جملة الهيئات: الصفة التي تكون عليها اليدين بعد الرفع من الركوع، وقد اختلف أهل العلم في كيفية هذه الصفة؛ بين قائل بأن اليدين توضعان على الصدر كما في حال القراءة، وبين قائل بالإرسال.

والصحيح أن حال اليدين في هذا الموضع هو الإرسال لا القبض؛ وهذا هو مذهب جماهير العلماء من الحنفية والمالكية والشافعية وغيرهم.

قال الإمام الكاساني الحنفي في «بدائع الصنائع»: «وأجمعوا على أنه لا يُسن الوضع في القيام المتخلل بين الركوع والسجود؛ لأنه لا قرار له ولا قراءة فيه».

وجاء في «ملتقى الأبحر» وشرحه «مجمع الأنهر»: «(ويرسل في قَوْمَةِ الركوع وبين تكبيرات العيد اتفاقًا)؛ لأنه ليس فيهما ذكر مسنون ممتد وقراءة».

وجاء في «المدونة الكبرى»: «وقال مالك في وضع اليمنى على اليسرى في الصلاة قال: لا أعرف ذلك في الفريضة -وكان يكرهه- ولكن في النوافل إذا طال القيام فلا بأس بذلك؛ يعين به نفسه».

­ وجاء في «مختصر خليل»: «(ص) وسَدْلُ يديه (ش) أي: يندب لكل مصل على المشهور سدل -أي: إرسال- يديه إلى جنبيه من حين يكبر للإحرام؛ ظاهره في الفرض والنفل، ويكره القبض في الفرض».

وقال الإمام النووي الشافعي في «روضة الطالبين»: «ويستحب عند الاعتدال رفع اليدين حذو المنكبين، على ما تقدم من صفة الرفع، ويكون ابتداء رفعهما، مع ابتداء رفع الرأس، فإذا اعتدل قائمًا حطهما».

وقال الشمس الرملي في «نهاية المحتاج»: «(فإذا انتصب -أي: المصلي-) أرسل يديه».

وهو رواية عن الإمام أحمد أيضًا؛ قال المرداوي الحنبلي في «الإنصاف»: «وعنه -أي: الإمام أحمد- إذا قام رفَعَهُما ثم حَطَّهُما فقط».

وعنه رواية أخرى بالتخيير؛ فقال: «إذا رفع رأسه من الركوع إن شاء أرسل يديه، وإن شاء وضع يمينه على شماله».

ودليل ذلك: أن الأصل في اليدين هو الإرسال؛ فهو موافق للعدم الأصلي -عدم القبض- فلا يخرج الحكم عن ذلك إلا بدليل، وما ورد بوضع اليد اليمنى على اليسرى إنما هو حال قيام القراءة.

وهذا الفهم يظهر جليًّا في ذهاب بعض أهل العلم في اختيار الإرسال مطلقًا حتى حال القراءة، وقد ذهب إلى ذلك بعض السلف: فقد ترجم ابن أبي شَيبة في مصنفه: من كان يرسل يديه في الصلاة: ثم أسند عن إبراهيم النخعي أنه كان يرسل يديه في الصلاة. وعن عمرو بن دِينار قال: كان ابن الزُّبير إذا صلى يرسل يديه.

وعن محمد بن سِيرين أنه سُئل عن الرجل يمسك يمينه بشماله قال: إنما فعل ذلك من أجل الدَّم.

وعن عبد الله بن يزيد قال: ما رأيت ابن المسيب قابضًا يمينه في الصلاة، كان يرسلها.

وعن عبد الله بن العَيزار قال: كنت أطوف مع سعيد بن جُبير فرأى رجلا يصلي واضعا إحدى يديه على الأخرى هذه على هذه وهذه على هذه، فذهب ففرق بينهما، ثم جاء.

وهو مذهب مالك كما سبق، بل وردت رواية عن الإمام أحمد بذلك تشبه الرواية عن مالك، قال المرداوي في «الإنصاف»: «(ويجعلهما تحت سرته) هذا المذهب وعليه جماهير الأصحاب، وعنه يجعلهما تحت صدره، وعنه يخير. اختاره صاحب الإرشاد والمحرر، وعنه يرسلهما مطلقًا إلى جانبيه، وعنه يرسلهما في النفل دون الفرض».

ويقوِّي هذا أيضًا تعليل بعض العلماء القبض والإرسال بعلل شتى، فإذا انتفت العلة عاد الأمر إلى أصله من الإرسال.

قال الفقيه داماد في «مجمع الأنهر»: «(وعند محمد) يعتمد (في) كل (قيام شرع فيه قراءة)؛ لأن الوضع إنما شرع مخافة اجتماع الدم في رؤوس الأصابع، وإنما يخاف حالة القراءة؛ لأن السنة تطويلها (فيضع في القنوت وصلاة الجنازة)».

وقال الكاساني في «البدائع»: «وقال مالك: السنة هي الإرسال. وجه قوله: أن الإرسال أشق على البدن، والوضع للاستراحة، دل عليه ما روي عن إبراهيم النَّخَعي أنه قال: إنهم كانوا يفعلون ذلك مخافةَ اجتماع الدم في رؤوس الأصابع؛ لأنهم كانوا يطيلون الصلاة».

وعند بعض الشافعية في حال القراءة: أنه لو أرسل يديه من غير عبث فلا بأس؛ لأن المقصود من القبض المذكور: عدم العبث بهما، وقد وجد.

كما أن القول بالإرسال حال الرفع من الركوع هو الذي عليه العمل عند جماهير عوامِّ المسلمين، وهو ما يمكن أن نطلق عليه اسم: (التواتر العملي).

والناظر في أقوال العلماء والآثار يجد أن المنقول عمليًّا هو الإرسال بعد الرفع من الركوع، وهذا ينبغي عدم إغفاله، فقد احتج به الإمام أحمد في بعض المسائل، قال حنبل: «سمعت أحمد يقول في ختم القرآن: إذا فرغت من قراءة: ﴿قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ النَّاسِ﴾ فارفع يديك في الدعاء قبل الركوع. قلت: إلى أي شيء تذهب في هذا؟ قال: رأيت أهل مكة يفعلونه، وكان سفيان بن عيينة يفعله معهم بمكة».

قال العباس بن عبد العظيم: «وكذلك أدركنا الناس بالبصرة وبمكة. ويروي أهل المدينة في هذا شيئًا، وذكر عن عثمان بن عفان».

قال أبو داود: «كان أحمد يقوم مع الناس ويوتر معهم... وقيل لأحمد: تؤخر القيام -يعني في التراويح- إلى آخر الليل؟ قال: لا، سنة المسلمين أحب إليَّ».

أما الاستدلال بالأحاديث الواردة في بيان أن السنة هي وضع اليمنى على اليسرى في القيام، فنحن نسلم بصحتها، لكننا نقول بحملها على القيام حال القراءة، لا على مطلق القيام كما هو فهم الجمهور.

والقول بأن كلام العلماء في وضع اليدين حال القراءة يعد كلاما في حال الرفع من الركوع، فهذا غير صحيح، وقد تقدم تصريح جمهورهم بخلاف ذلك، وهذا ابن قيم الجوزية -مع ما عُرف عنه من التمسك بظواهر النصوص خاصة في العبادات- يصرح بالتقييد؛ حيث يقول في «مدارج السالكين»: «ومن الأدب مع الله في الوقوف بين يديه في الصلاة: وضع اليمنى على اليسرى حال قيام القراءة ففي الموطأ لمالك عن سهل بن سعد: أنه من السنة، وكان الناس يؤمرون به. ولا ريب أنه من أدب الوقوف بين يدي الملوك والعظماء فعظيم العظماء أحق به».

فكلام العلماء في هذا وإن سيق مطلقًا إلا أن قيد الحيثية فيه مُراعى، ولهذا نظائر في أقوالهم في غير هذا الباب، منها: ما نقله الحافظ ابن حَجَر في «فتح الباري» فقال: «قال ابن رُشيد: إذا أُطلق في الأحاديث الجلوس في الصلاة من غير تقييد، فالمراد به: جلوس التشهد».

أخرج البخاري عن محمد بن عمرو بن عطاء أنه كان جالسًا مع نفر من أصحاب النبي -صلى الله عليه وآله وسلم- فذكرنا صلاة النبي -صلى الله عليه وآله وسلم- فقال أبو حُميد الساعدي: أنا كنت أحفظكم لصلاة رسول الله -صلى الله عليه وآله وسلم- رأيته إذا كَبَّر جعل يديه حذاء منكبيه، وإذا ركع أمكن يديه من ركبتيه، ثم هَصَر ظهره، فإذا رفع رأسه استوى حتى يعود كل فَقار مكانه، فإذا سجد وضع يديه غير مفترش ولا قابضهما، واستقبل بأطراف أصابع رجليه القبلة، فإذا جلس في الركعتين جلس على رجله اليسرى ونصب اليمنى، وإذا جلس في الركعة الآخرة قدم رجله اليسرى ونصب الأخرى وقعد على مِقعدته.

قال الحافظ ابن حَجَر في «الفتح»: «قوله: (حتى يعود كل فَقار) الفَقَار بفتح الفاء والقاف: جمع فقارة وهي عظام الظهر، وهي العظام التي يقال لها خرز الظهر، قاله القزاز، وقال ابن سِيدَه: هي من الكاهل إلى العَجْب... والمراد بذلك: كمال الاعتدال».

وقد رُوي الحديث بلفظ: «كل عظم إلى موضعه»، كما رواه الترمذي وغيره: «وَرَكَعَ ثُمَّ اعْتَدَلَ فَلَمْ يُصَوِّبْ رَأْسَهُ وَلَمْ يُقْنِعْ، وَوَضَعَ يَدَيْهِ عَلَى رُكْبَتَيْهِ ثُمَّ قَالَ: سَمِعَ اللهُ لِمَنْ حَمِدَهُ. وَرَفَعَ يَدَيْهِ وَاعْتَدَلَ حَتَّى يَرْجِعَ كُلُّ عَظْمٍ فِي مَوْضِعِهِ مُعْتَدِلًا ثُمَّ أَهْوَى إِلَى الأَرْضِ سَاجِدًا ثُمَّ قَالَ: اللهُ أَكْبَر. ثُمَّ جَافَى عَضُدَيْهِ عَنْ إِبْطَيْهِ وَفَتَخَ أَصَابِعَ رِجْلَيْهِ ثُمَّ ثَنَى رِجْلَهُ الْيُسْرَى وَقَعَدَ عَلَيْهَا. ثُمَّ اعْتَدَلَ حَتَّى يَرْجِعَ كُلُّ عَظْمٍ فِي مَوْضِعِهِ مُعْتَدِلًا ثُمَّ أَهْوَى سَاجِدًا».

وهذا اللفظ محمول على لفظ الرواية الأولى ومقصدها، ولم نجد من احتج به على هذا المذهب، والمتأمل للحديث يجد أنه استعمل نفس العبارة في الرفع من السجود الأول، فأي عظم سيعود إلى موضعه حينئذ إلا عظم الظهر كما في الرواية الأولى.

ومما تقدم يُعلم حكم المسألة، وأن المختار للمصلي بعد أن يرفع من الركوع وقبل الهُوِيِ إلى السجود أن تكون يداه على هيئة الإرسال.

والله سبحانه وتعالى أعلم.

فيديو قد يعجبك:

إعلان

إعلان