"سهير".. الثأر بالأموال

استندت سهير- اسم مستعار- على حافة النافذة بذراعيها، تراقب زوجها وطفليهما، وهما في الطريق إلى المعهد الأزهري، حيث عمل الزوج ودراسة الابن، وما لبثا أن غابا عن بصرها حتى أسرعت لتنظيف المنزل وترتيب الغرف. لم تمض لحظات حتى سمعت صوت صراخ مدوٍ، يبعث الرعب في القلوب :"الحقي جوزك اتقتل".

بخطوات مُسرعة هرعت الزوجة وهي تحبك طرحتها على رأسها، تحاول تكذيب ما التقطته أذنانها، حتى وصلت لموقع الحادث لتجد زوجها مُمدداً على الأرض غارقاً في دمائه، فأسرعت بنقله إلى المستشفى أملاً في إسعافه، دون جدوى، فارق الزوج الحياة متأثراً بإصابته بطلقات نارية في الجسم.

المجني عليه، "م. ن." يعمل بمعهد أزهري، بجانب ثقافته ودماثة خُلقه عُرف عنه تقديم مساعدات شهرية للأسر الفقيرة، لم تمنعه الخصومة مع العائلة الأخرى من مساعدة فقرائهم.

قبل 9 سنوات وقعت اشتباكات بين عائلة المجني عليه وعائلة أخرى بصعيد مصر، أسفرت عن مقتل أحد شباب العائلة الأخرى، بالكاد مرت 7 أشهر حتى اتفق بعض شباب عائلة القتيل على الثأر له.

صباح أحد أيام 2012، توجه الشيخ "م. ن." كعادته صحبة ابنه إلى المعهد الأزهري، هاجمه مسلحون من العائلة الأخرى، يستقلون دراجات بخارية وأمطروهما بالنيران ما أدى إلى مصرعه وإصابة نجله.

بعد مقتل الشيخ "م. ن."، اشتعلت النيران في أعين زوجته، أخذت تتمتم وتصيح بعبارات غير مفهومة، تحرض أبناء العائلة على الثأر لزوجها. خرج العشرات من أفراد العائلة مدججين بالأسلحة النارية، وحاصروا منازل العائلة الأخرى عدة أيام، وتبادل الطرفان إطلاق الأعيرة النارية، دون وقوع إصابات، وسيطر الرعب على الأهالي، فخلت الشوارع وأغلقت المتاجر.

شيئاً فشيئاً هدأت الأوضاع، وتدخل أهل الخير بالقرية ونجحوا في فك حصار عائلة المجني عليه المفروض على منازل العائلة الأخرى، وبدأوا في محاولة إقناعهم بالصلح؛ ما إن حدَّث كبار العائلة، زوجة المجني عليه، بأن هناك وسطاء يحاولون عقد جلسة صلح، انفجرت كقنبلة موقوتة، صارخة: "أنا هخرج أجيب تاره بنفسي"، بحسب أحد الوسطاء.

صغر سن أبناء سهير دفعها لاستئجار شباب عائلتها العاطلين عن العمل، أخذت تمدُّهم بالأموال اللازمة لشراء الأسلحة والذخيرة، تحرضهم على الانتقام لزوجها مقابل مبالغ مالية طائلة، يقول أحد شباب العائلة: في يوم ما، استغلت سهير تجمع الطرف الآخر لتلقي العزاء في وفاة شاب، وطالبت الشباب -الذين استأجرتهم- بالهجوم على المعزيين.

عندما كان الشباب المسلحون في طريقهم للعزاء، وصلت أنباء للعائلة الأخرى عن هجوم حشدت له زوجة الشيخ "م. ن."، فخرجوا مسلحين وانتظروهم. ثوان معدودة والتقيا، بدأت الرصاصات تنهال بين الجانبين، حتى انطلقت رصاصة من يد خفية لتصيب أحد أفراد عائلة الشيخ "المجني عليه" في مقتل ويفارق الحياة.

بتلك المشاجرة احتدم الصراع بين الطرفين، واستمر لمدة 4 سنوات، انتشرت أصوات الرصاصات في المدينة، لجأ سكانها للبيوت ما جعل شوارعها خالية. اضطر التجار للانتقال لمراكز أخرى بالمحافظة؛ وأسفرت الاشتباكات المتتالية عن مقتل 16 من العائلتين.

في نهاية 2015، نجحت الأجهزة الأمنية بمشاركة لجنة المصالحات الثأرية في محافظة قنا، في إنهاء الخصومة الثأرية بين العائلتين.

إذا كانت المرأة لا تُمس ولا تُقتل ثأرا، فإن هذا الظرف قد يوحي للباحث الذي ينظر إلى هذه الثقافة من الخارج بأن المرأة يجب أن تعادي الثأر. وأن تطور ممارسات تدفع الصغار إلى نبذ هذه الثقافة ولكن الدراسات جميعاً تشير إلى أن المرأة تتخذ موقفاً مخالفاً، فهي تدافع عن الثأر وتحض عليه.

المصدر: دراسة ميدانية في قريتي الزرابي والمسعودي بمحافظة أسيوط

الباحثة وردة محفوظ

سحر.. ثأر موثق بالفيديو

وصيفة.. احتفلت بقتل شقيقها