«ثمن القتل»
تحقيق يرصد طرق تمويل الإرهاب في سيناء

في صباح الاثنين، الثالث من شهر أكتوبر الماضي، وقفت سيارتان بشارع «23 يوليو» الأشهر والأكثر حيوية بوسط مدينة العريش، عاصمة محافظة شمال سيناء، وتحديداً أمام المقر المؤقت لفرع البنك الأهلي بمدنية رفح، هبط منهما 8 مسلحين، يرتدون ملابس عسكرية وملثمون بأقنعة سوداء تخفي وجوههم.

تمركز اثنان منهم على مدخل البنك، بينما انتشر الـ6 الآخرون داخل أروقة الفرع بطريقه بدت وكأنهم على معرفة بتفاصيل المقر البنكي، راح ثلاثة يطلقون النار في البهو الرئيسي، ليسقط 7 قتلى، بينما تولى الـ3 الآخرون مهمة فتح الخزنة الرئيسية بالمتفجرات، والاستيلاء على ما بداخلها من أموال. بحسب رواية شاهدي عيان من العاملين بفرع البنك المستهدف.

في اليوم التالي أصدر البنك الأهلي بيانًا تجاهل فيه تحديد قيمة الأموال التي استولى عليها الإرهابيون، بينما ذكرت تقارير إعلامية نقلًا عن مسؤولين بالبنك أن النقود التي نقلها مسلحو ما يعرف بـ«ولاية سيناء» في أجولة حبوب، تتراوح بين 10 و17 مليون جنيه.

عملية السطو المسلح تلك، التي جاءت بهدف تمويل العمليات الإرهابية كانت الأولى من نوعها منذ إعلان التنظيم الإرهابي عن نفسه عام 2011، ثم مبايعته لتنظيم داعش أواخر 2014. لكنها تعيدنا إلى منتصف عام 2004، عندما شرع خالد مساعد ، قائد ومؤسس التنظيم التكفيري الأول في سيناء، في توفير المال اللازم لاستهداف التجمعات السياحية. حينها قام «مساعد» طبيب الأسنان السابق، بمعاونة بعض أتباعه بالسطو على خزنة الإيرادات «الكارتة» الواقعة على الطريق الدولي الذي يربط بين ميناء نويبع ونفق الشهيد أحمد حمدي، وقتلوا أمين الشرطة المكلف بحراستها.

سُجلت الواقعة بمحضر قسم شرطة القسمية بوسط سيناء، على أنها قضية جنائية عام 2003، وبعد مرور عامين، كشفت اعترافات المتورطين في تفجيرات دهب ـ في القضية 40 لسنة 2005 جنايات أمن الدولة ـ من كان وراء عملية السطو والاستيلاء على الأموال.

على مدار 13 عامًا، ظلت مصادر تمويل الجماعات المسلحة في سيناء والكيفية التي يصل بها هذا التمويل إلى أيدي هذه التنظيمات مجهولة، وازدادت غموضًا مع ظهور «ولاية سيناء»، لكن عمليتي السطو ربما تمثلان بداية خيط لمعرفة ورصد طرق تمويل «داعش» في سيناء والخلايا العنقودية الموالية للتنظيم في باقي محافظات مصر.

إعلان

إعلان

تاريخ الدم

ثلاث مراحل مرت بها الكيانات والعناصر الراديكالية المسلحة في سيناء منذ ظهورها في بداية الألفية الثالثة وحتى اليوم. ولعب التمويل والدعم دورًا بارزًا في استمرار تواجد وتطور الفكر التكفيري في شبه الجزيرة، وهو ما نرصد تفاصيله في هذا التحقيق.

إعلان

إعلان

تمويل داعش

طرق نقل الأموال إلى داعش في سيناء

التهريب عبر الحدود

كانت ليلة شديدة الظلمة، يكسر السوادَ القاتمَ داخل هذه المنطقة الصحراوية التي تبعد عن القاهرة مسافة 800 كليومتر، ضوءٌ خافتٌ لعدد محدود من النجوم التي تظهر في السماء على الحدود المصرية الليبية. بينما على الأرض ذات الطبيعة الجبلية الممتدة خلف بنايات بدائية، بمدينة السلوم الحدودية، يترقب عددٌ من أبناء المدنية كعادتهم الليلية بين الحين والآخر، قدوم عابرين للحدود بطريقة غير شرعية من أبناء محافظات الوادي وغيرهم، قاصدين عبور السلك الشائك باتجاه الأراضي الليبية، يحصلون منهم على إتاوات مقابل السماح بالعبور.

في تلك الليلة التي تعود إلى منتصف إبريل الماضي، جاء العابرون للحدود من الاتجاه الآخر، الذي يقصده المهاجرون غير الشرعيين من ليبيا إلى مصر، وتحديدًا من «وادي الرملة» أحد الوديان التي يسلكها المهربون القادمون من قرية الأشهب الليبية، يزيد غموض «العابرون التسع» اللثام الأسود الذي يخفون به ملامح وجوههم، بحسب رواية أحد المتربصين ـ بينما يعلو صوت أخر «مين هناك وُقف عندك».

يشهر القادمون التسعة السلاح، على غير المعتاد، فالمهاجرون الذين يعبرون الحدود «بيبقوا ناس فلاحين غلابة ويخافوا يشيلوا سلاح أصلًا»، رافق إشهار السلاح رسالة وجهها الملثمون القادمون إلى «المتربصين»، تظهر معرفتهم بطبيعة هؤلاء الأشخاص وما يريدون «محدش يقرب، إحنا هنعدي وملناش علاقة بيكم»، وقاموا بإعطائهم ما يريدون «كل واحد منا أخد ألف جنيه» مقابل عدم التعرض لهم، بحسب رواية المصدر الذي كان أحد المنتظرين لقدوم المهاجرين وشاهد قدوم الملثمين من داخل الأراضي الليبية، مؤكداً تحركهم باتجاه الظهير الصحراوي لقرية الرايبة التي تبعد مسافة 40 كليومتر شمال مدينة السلوم وتقطنها بعض عائلات «الموالكة» المنتمية إلى قبيلة البياضية.

«وادي الرملة» رابع أربعة وديان تمتد خلف زمام مدينة السلوم وقراها، حيث تشتهر هذه المنطقة الجبلية بتهريب البشر، ويرجع السبب وفقًا لأحد المهربين لقربها من الحدود بين البلدين، فهي الأقرب لدخول ليبيا، وخلال ساعتين سيرًا على الأقدام يمكنك أن تصل من ليبيا إلى مصر، وبسبب الطبيعة الأمنية والجغرافية لهذه المنطقة لا تدخلها سيارات التهريب التي كانت تنتظر القادمين خارج حدود مدينة السلوم.

«دول ناس جاية من بره مصر ومعاهم فلوس مصرية».. يقول أحد سماسرة الهجرة غير الشرعية، الذي لم يتجاوز العقد الرابع من العمر، في إشارة إلى «التسعة الملثمين»، متسائلًا: «جابوا منين العملة المصرية رغم إنهم جايين من ليبيا؟»، ويجيب: «في حد منسق لهم كل حاجة».

عمليات التهريب التي تتم عبر الحدود المصرية الليبية، أبطالها من الجانبين، ولابد من وجود تنسيق بين طرفي المهربين في الجانب المصري والليبي، بحسب يوسف عبد الحي، عمدة شباب السلوم.

ويضيف سمسار الهجرة غير الشرعية أن خبرتهم المتراكمة في التعامل مع المهاجرين والمهربين وانخراطهم وسطهم بحكم تواجدهم بالمنطقة الحدودية تجعلهم يميزون بين من يعمل في التهريب أو الإرهابيين ومن يريد الهجرة من مصر أو العودة إليها .

«الفلوس دي كتير طبعًا» بهذه الكلمات يعلق السمسار المقيم بمدنية سيدي براني، فالمبلغ الذي يحصل عليه من يسميهم بـ«قطاع الطرق» 200 جنيه في أفضل الأحوال. يقول عن المهاجرين غير الشرعيين: «دول بيبقوا فقراء وأغلبهم من الصعيد ورايحين يدوروا على شغل ومبيبقاش معاهم فلوس غير مصاريفهم الشخصية والعيال اللي بتثبتهم عارفة كده وبياخدوا منهم 100 أو 200 جنيه وأحيانا 50 جنيه، لأنه مبيبقاش معاهم أكثر من كده»، موضحًا أن المهربين «عارفين الأماكن التي يقف فيها العيال دي».

عصر اليوم الثالث لدخول الملثمين الأراضي المصرية، وأثناء جلسة جمعت عددا ممن قطعوا طريق الملثمين بآخرين، روى أحد الحضور- قريب من بعض المهربين- تفاصيل جديد عن مجموعة «الملثمين التسعة»، وقال: تعرض لهم عدد من المهربين في الامتداد الصحراوي لقرية «أبومرزوق» بين مدينتي سيدي براني والنجيلة ـتبعد عن الحدود المصرية الليبية مسافة 100 كيلومترـ وتدخل أحد المهربين المعروفين من الضبعة لوقف هذه الاشتباكات، وقال إنه المسؤول عن حمايتهم، وإنهم ليس لهم علاقة بهم لأنهم متجهون إلى سيناء، «وتم ترضية الجميع» مقابل السماح لهم بالمرور، واتجهوا عبر أحد الممرات الجبلية تجاه صحراء العلمين، برفقة المهرب الذي تحرك برفقتهم، بحسب قول المصدر، الذي أكد اختفائهم وعدم معرفتهم أين ذهبوا بعد ذلك.

إعلان

إعلان

المهربون والإرهاب

«ضبطنا 30 مليون جنيه مع مهرب واحد، وإحنا بنتكلم عن مئات الملايين اللي تم القبض على أصحابها، لكن الأكبر والأخطر لسه بيستخدم ضدنا».. تصريح للرئيس عبدالفتاح السيسي، أثناء الاحتفال بعيد الشرطة في يناير2017.

الجزء «الأكبر والأخطر» من أموال تمويل الإرهاب- بحسب وصف الرئيس- دخل مصر بطرق مختلفة، بينها ما دخل عبر الحدود الغربية في سبتمبر 2016، عندما هَرب عمرو سعد، مؤسس وقائد ما يعرف بـ«خلية قنا» 70 ألف دينار ليبي، برفقة عزت حسين، القيادي المسؤول عن تمويل الخلية العنقودية، ضمن شحنة أسلحة «21 بندقية آلية ومدفع جرينوف وآخر بيكا وقذائف آر بي جي».

ودخلت الأسلحة والنقود عبر أحد الدروب الصحراوية باستخدام ثلاث سيارات دفع رباعي، وكان مصدر هذا التمويل والدعم، ما يعرف بـ«بولاية طرابلس» إحدى الجماعات الليبية الموالية لتنظيم داعش، بحسب وليد أبوالمجد، عضو الخلية، أحد المتهمين في قضية «تفجيرات الكنائس».

تؤكد أوراق القضية ـ 1040 لسنة 2016 ـ أن هذا الدعم والتمويل لم يكن الأول من تنظيم «ولاية طرابس» بليبيا إلى الخلية الداعشية بقنا، ففي أوائل عام 2015، جاء عضوان من الأولى «أبونافلة السعودي وعبدالله التونسي» لدعم الثانية بالسلاح وتدريب أعضائها وعناصرها على تنفيذ العمليات الإرهابية.

وفقا لأوراق 5 قضايا يحاكم فيها عناصر «داعش والقاعدة» في مصر، يأتي نقل الأموال عبر الحدود في المرتبة الأولى، بعدها الحوالات والتحويلات البنكية، وتحتل غنائم العمليات الإرهابية المركز الثالث والأخير.

البنوك

نقل الأموال عبر الحوالات والتحويلات البنكية

«الأسبوع ده هبعت لك 10 آلاف دولار هيجولك لحد عندك»، هكذا أخبر عمرو الدمياطي، عادل حبارة في مكالمة هاتفية. رد عليه الأخير «قبل ما تبعت قول لي عشان عايز أديك اسم أخ تبعت عليه. إنت هتبعتهم إزاي؟»، أجاب الأول «هبعتهم لك على مرتين، كل مرة خمسة آلاف دولار، لما يوصلوا لك، هبعت لك الخمسة التانيين»، ليرد عليه حبارة: «ابعتهم حوالة، على مرتين أو تلاثة، وكل مرة على شخص مختلف».

هذا جزء من مكالمة هاتفية دارت في أغسطس 2013 بين كل من عادل محمد، الشهير بـ«حبارة»، الذي كان يقيم وقتها بمدنية الشيخ زويد بمحافظة شمال سيناء، وعمرو الدمياطي، مصري سافر إلى سوريا للقتال ضد نظام بشار الاسد، ومع تأسيس داعش وانفصالها عن القاعدة، أصبح عضو مجلس شورى ما يعرف بـ«الدولة الإسلامية».

المكالمة السابقة كانت واحدة من أحد عشر ملفًا صوتيًا تتضمن تسجيلات لمكالمات رصدتها الأجهزة الأمنية في سيناء أواخر 2013، في القضية رقم 337 لسنة 2013 والمعروفة إعلاميا باسم «مذبحة رفح الثانية»، لكنها تعطي مؤشرات عن الكيفية التي تنقل بها الأموال عبر البنوك للعناصر الإرهابية.

تتضح الصورة أكثر، مع الحوالات البنكية المرسلة بعملات أجنبية في النصف الثاني من عام 2013، باسم هشام عشماوي المتهم في العديد من العمليات الإرهابية ـ أبرزها محاولة اغتيال وزير الداخلية اللواء محمد إبراهيم ـ حيث عثرت قوات الأمن على الحوالات أثناء تفتيش منزل الإرهابي بمدينة نصر.

كما عثرت القوات على صور حوالات بنكية مماثلة داخل شقة بمساكن الضباط بمدنية 6 أكتوبر، كان يقيم بها الضابط السابق عماد عبدالحميد، المتورط في تنفيذ عمليات إرهابية قبل هروبه إلى ليبيا ومقتله على يد قوات الأمن بالصحراء الغربية بعد عودته مرة أخرى إلى مصر في نوفمبر 2017.

تحويل هذه الأموال على دفعات صغيرة، موزعة على أكثر من شخص، بحيث لا تلفت الانتباه، وهذا الشخص الذي يتم اختياره لإرسال الأموال باسمه يكون من عناصر التنظيم غير المرصودين أمنيًا، أحيانا يكون غير تنظمي- مجرد وسيط لنقل الأموال، بحسب صبرة القاسمي، الجهادي السابق والمنسق العام للجبهة الوسيطة.

وفي بعض الأحيان ترسل بأسماء النساء «الزوجات والأمهات» على أنها مصروفات شخصية لـ«المعيشة أو العلاج»، ويتم التعامل بهذه الطريقة تحديدا مع الذئاب المنفردة أو الخلايا العنقودية الصغيرة، لأنها تحتاج إلى دفعات مالية صغيرة ومتقطعة، وفقا للجهادي السابق «صبرة» .

أبواب سيناء

قبل الدخول إلى شبه جزيرة سيناء- وتحديدًا منطقة التفتيش الأمني الممتدة أقصى يمين مدخل نفق الشهيد أحمد حمدي- عثرت قوات الأمن نهاية إبريل الماضي، على مبلغ مالي داخل كرتونة زيوت موضوعة داخل المكان المخصص لوضع شنط الركاب بأحد الأتوبيسات السياحية، بحسب بيان المتحدث العسكري العقيد تامر الرفاعي.

أموال ضبطتها قوات الأمن مع عناصر إرهابية وفقاً لبيانات رسمية

إعلان

إعلان

إحكام السيطرة على نفق الشهيد أحمد حمدي، عزز دور الجهة الأخرى من حدود شبه الجزيرة المصرية، التي تمتد أسفلها شبكة أنفاق تربط قطاع غزة بالأراضي المصرية، وساهمت في ازدهار ما عرف بـ«تجارة الأنفاق» والتي اعتمدت عليها العناصر التكفيرية، قبل بيعتهم لـ«داعش» وأثناء تبعيتهم لـ«القاعدة»، كأحد مصادر التمويل.

ففي الفترة من 25 يناير2011 وحتى أواخر 2014، سيطرت عناصر هذه الجماعات التي كانت تُعرف بانتمائها لـ«السلفية الجهادية» على عدد من الأنفاق في قرى جنوب مدينتي «الشيخ زويد ورفح»، وخاصة قرى «المهدية والتومة والمقاطعة وشبانة». وبحسب الشيخ سويلم حماد، أحد عواقل قبيلة العيايدة، فقد ساهمت الحملات التي نفذتها قوات إنفاذ القانون بسيناء في الحد بشكل كبير من تجارة الأنفاق منذ منتصف 2015.

يؤكد سيطرة «داعش» على عدد من الأنفاق الحدودية، والتحكم في نقل البضائع والمواد المهربة للقطاع الفلسطيني- اعترافات الفلسطينيين الهاربين من صفوف التنظيم بسيناء والعائدين إلى قطاع غزة. حيث يقسم عناصر داعش سيناء الأنفاق إلى ثلاثة فئات، الأولى ما يسميها التنظيم بـ«البضائع المحرمة» وهي السجائر والدخان، ويقوم عناصره بإتلافها، لكن بحسب رواية عائد مكث في سيناء 7 أشهر، اكتشفت قيادة التنظيم تورط المسؤول عما يعرف بلجنة «الحسبة» في تهريب السجائر لحسابه الخاص، ولم يتخذ أي إجراءات ضده أو معاقبته. بينما الفئة الثانية من الإنفاق فهي المخصصة لـ«البضائع العامة»، والثالثة هي الأنفاق المخصصة لنقل السلاح والمستلزمات الخاصة بالتنظيمات العسكرية، وفقا للتسجيل المصور الذي بثه قطاع الأمن الداخلي بقطاع غزة في 26 يناير 2018.

إعلان

إعلان

لا تمويل دون بيعة

في أواخر أغسطس 2014، تحرك «مسعد أبو قطمة» المكنى بـ«أبو أيوب» أحد أعضاء تنظيم داعش ليبيا ـ تنفيذاً لتكليف ما يعرف بـ«مجلس شورى الدولة الإسلامية» بمدينة الرقة السوريةـ من مدينة سرت الليبية عبر ممرات ودروب التهريب قاصدا الوصول إلى سيناء، للحصول على بيعة جماعة «أنصار بيت المقدس» لـ«أبوبكر البغدادى» زعيم «داعش»، ليعلن بعدها التنظيم المحلي تغيير اسمه إلى «ولاية سيناء».. الرواية السابقة أكدها تقرير بحثي صادر عن المعهد الهولندي للعلاقات الدولية عن نشأة الجماعات الإرهابية في سيناء.

الفلسطيني «مسعد أبو قطمة» خرج في مايو2014 من قطاع غزة إلى سيناء عبر الأنفاق ومنها إلى ليبيا، بمساعدة بعض العاملين في مجال التهريب وفقا لرواية أحد أبناء قرية «البرث» الواقعة على الحدود المصرية الفلسطينية، قبل أن يعود إليها رسولاً لـ«البغدادي» في سبتمبر من نفس العام.

العمليات الإرهابية

التوقيت الزمني

منحنى العمليات الإرهابية الممولة من داعش

تمويل «القاعدة»

قبل ظهور «داعش»، دائمًا ما كانت تشير أصابع الاتهام لـ«القاعدة» مع وقوع أي عملية إرهابية في مصر، سواء أُعلن هذا الاتهام بشكل رسمي أو وجهه خبراء الأمن إلى التنظيم أو إحدى خلاياه، دون تبني التنظيم للعملية الإرهابية، حتى أصبح ذلك أمرًا واقعًا ومعلنًا، بعد مبايعة أكبر التنظيمات الإرهابية في سيناء لزعيم القاعدة، أيمن الظواهري، عبر أحد قيادات السلفية الجهادية في مصر.

في شاليه يطل على ساحل البحر بمدينة العريش، وبعد تواري أشعة الشمس خلف أستارها الرمادية في سماء المدينة الحدودية، يوم السبت الأخير من يونيو 2013، ألقت دورية أمنية تابعة لقسم ثانٍ العريش القبض علي محمد الظواهري، أحد قيادات السلفية الجهادية في مصر والشقيق الأصغر لـ«أيمن الظواهري» قائد تنظيم «القاعدة» وتم الإفراج عنه بعد ساعتين، لعدم تواجده ضمن قوائم المطلوبين أمنيًا.

بهذه المعلومات المقتضبة انتهت الرواية الرسمية لمديرية أمن شمال سيناء، التي أوضحت أن عملية تفتيش الشاليه الذي كان يقيم فيه شقيق زعيم تنظيم القاعدة، جاءت ضمن إجراءات دورية معتادة على منطقة الشاليهات بمدينة العريش، ولم يكن لديهم علم مسبق بتواجده داخل المحافظة الحدودية، فيما كانت تلك الزيارة تهدف لعقد صفقة مهمة غيرت الأوضاع على الحدود الشرقية المصرية.

تفاصيل ما دار خلال هذه الزيارة حصل عليها معد التحقيق من مصدرين مختلفين في فترتين زمنيتين متباعدتين، المصدر الأول أحد أبناء القبائل ترك قريته الحدودية بمدينة رفح المصرية، وانتقل للإقامة في منطقة «سامي سعد» الحدودية بمحافظة الإسماعيلية، وأكد لنا في لقاء مباشر، أن محمد الظواهري التقي خلال الزيارة الشيخ حمدين أبوفيصل ، القيادي السلفي الأكبر بمركز ومدينة الشيخ زويد، وطلب منه تحديد مقابلة مع قيادات «أنصار بيت المقدس». وفي اليوم التالي قابل الظواهري «توفيق فريج» زوج شقيقته «حمدين أبوفيصل» الذي قدمه له على أنه أحد المؤسسين للتنظيم والقائد الفعلي له، ويؤكد المصدر الذي قابلناه في أول نوفمبر 2013، أنه عرف هذه التفاصيل من صديقهفيصل ابن حمدين أبوفيصل الذي حضر لقاء والده مع شقيق زعيم القاعدة في اليوم الأول.

بيعة «أنصار بيت المقدس» لتنظيم «القاعدة» كانت في يونيو 2013، وتمت عبر اتصال تليفوني مع أيمن الظواهري شخصيًا، في حضور شقيقه الأصغر الذي تولى عملية التنسيق، وفقا لرواية المصدر الثاني وهو أحد قيادات تنظيم الجهاد، الذي خرج من السجن بعد المراجعات الفكرية للجماعة الإسلامية، خلال العقد الماضي، والذي وصف محمد الظواهري بأنه الوسيط الذي يتمتع بمصداقية كبيرة لدى من سماهم «الجهاديين» في سيناء.

العمليات الإرهابية

التوقيت الزمني

منحنى العمليات الإرهابية المنفذة بتمويل القاعدة

البيعة لـ«القاعدة أو داعش» لا تقتصر على مبايعة شفوية أو تابعية فكرية للتنظيم، إنما تمتد على أرض الواقع إلى دعم وتمويل أو على أقل تقدير تنسيق ودعم معلوماتي، يمكنهم من توفير التمويل اللازم، كما حدث في عملية السطو على قافلة تهريب السجائر في صحراء الواحات ديسمبر 2016.

إعلان

إعلان

غنائم العمليات الإرهابية

  • مواد إعاشة ووقود عثرت عليهما الأجهزة الأمنية أثناء اقتحام الوكر

  • مدخل المغارة التي تحصن فيها العناصر الإرهابية

  • أسلحة آلية عثرت عليها قوات الأمن داخل أوكار الخلية الإرهابية

  • أموال ومصوغات ضحايا أتوبيس دير الأنبا صموئيل بمحافظة المنيا

فوق تبة مرتفعة، وسط صحراء الواحات البحرية الممتدة على مرمى البصر، وقف القيادي المسؤول عن التمويل بخلية ما يعرف بـ «ولاية قنا» عزت حسين، يترقب وصول شحنة السجائر المحملة على 4 سيارات «لاند كروزر» رصاصية اللون، قادمة من الحدود الليبية، لصالح مجموعة من المهربين بالواحات، بعد معلومة وصلت إليه من داخل الأراضي الليبية بعبور الشحنة الحدود المصرية، وموعد وصولها عبر أحد الممرات الجبلية إلى صحراء الواحات.

بينما تمركز قائد الخلية، عمرو سعد مع عضوي الخلية وليد أبوالمجد و محمود مبارك ـ الأخير فجر نفسه بعد 4 شهور في الكنيسة المرقسية بالإسكندريةـ برفقة المسؤولين عن التدريب «عبدالله التونسي وأبونافلة السعودي»، المكلفين من «ولاية طرابلس» فرع تنظيم «داعش» بليبيا، بدعم عناصر الخلية الداعشية التي أسسها ويقودها عمرو سعد، بمجرد رؤية عزت حسين مسؤول التمويل قدوم السيارات الأربعة عبر نظارة مكبرة، أخبر المنتظرين أسفل التبة عبر موجات جهاز اللاسلكي بوصول الهدف.

انشطرت المجموعة إلى مجموعتين، الأولى تحركت بسيارة «لاند كروزر»، وتضم ثلاثة أشخاص هم «محمود مبارك وعبدالله التونسي وأبو نافلة السعودي» مستهدفين اللحاق بقافلة التهريب من الخلف، بينما المجموعة الثانية «عمرو سعد وعزت حسين ووليد أبو المجد» قطعوا الطريق على القافلة وأطلقوا عليها أعيرة نارية، لإجبارها على الوقوف.

استطاعت المجموعتان إجبار ثلاث سيارات على الوقوف، بينما استطاع قائد السيارة الرابعة الفرار، واستولى عناصر الخلية على السيارات الثلاثة وحرقوا شحنة السجائر التي كانت تحملها، وعادوا بعدها إلى المزرعة التي يقيمون بها بالظهير الصحراوي لمحافظة سوهاج، وفقا لاعترافات المتهم وليد أبو المجد بأوراق القضية 1040 لسنة 2016.

غنائم كمين النقب

بعد تمكن عناصر الخلية من مهاجمة كمين النقب منتصف يناير 2017، استولوا على أسلحة الجنود والضباط ومتعلقاتهم العسكرية والخاصة «ثلاث بنادق آلية، ومدفع بيكا، وسترتين واقيتين من الرصاص وهواتف محمولة ومبالغ مالية صغيرة».

بعد 4 أشهر فقط، كرر الإرهابيون سيناريو «جمع الغنائم» عندما هاجموا أتوبيس ركاب، كان في طريقه إلى دير «الأنبا صموئيل» بـ«جبل القلمون» بالظهير الصحراوي لمحافظة المنيا، واستولوا على متعلقات 51 ضحيةـ ما بين شهيد وجريح وتنوعت هذه المتعلقات ما بين «مشغولات ذهبية وأموال وهواتف محمولة». وعثرت قوات الأمن على بعضها داخل أحد اوكار الخلية بصحراء مركز أبوتشت بقنا، أثناء مداهمة حملة أمنية للوكر في أغسطس 2017.

الدكتور كمال حبيب، المتخصص في شؤون الجماعة الإسلامية، يبرر لجوء التنظيمات الراديكالية المسلحة، إلى عملية السطو المسلح أو اتجاهها إلى طرق «الهجامة وقطاع الطرق» إلى ضعف التمويل الذي يصل إليها إما بسبب التضييقات الأمنية أو انهيار رأس التنظيم في العراق وسوريا أواخر 2017، موضحا أن هذا الأسلوب يعود بنا إلى نشأة التنظيم في بداية الألفية الثالثة وقبل مبايعة لأحد التنظيمات الكبرى.

ما قبل «داعش والقاعدة»

طرق تمويل التيار السلفي الجهادي

التنظيمات «الإسلامية المسلحة» في سيناء قبل مبايعتها لـ«القاعدة أو داعش»، كانت جماعات سلفية جهادية، تنتمي فكريًا وروحيًا لـ«القاعدة»، وفقا لدكتور ناجح ابراهيم، الجهادي السابق والمتخصص في شؤون الجماعات الراديكالية الذي يجزم أن مبايعة «أنصار بيت المقدس» لتنظيم القاعدة منتصف 2013، كانت المرة الأولى منذ ظهور الفكر الجهادي في شبه الجزيرة الحدودية التي يحدث فيها اتصال مباشرة بين الجماعات الراديكالية وقيادات القاعدة في أفغانستان. وقبل هذه البيعة كانت أوضاع هذه الكيانات المسلحة في سيناء لها طبيعة تسليح أخرى ومصادر تمويل مختلفة.

كعادة كل شيء في سيناء قبل تواجد أي نفوذ للجماعات الموالية لتنظيمي «القاعدة وداعش» في المحافظة ذات الطبيعة القبلية والمجتمع البدوي المحكوم بالعادات والتقاليد التي تطغى على القانون وتتجاوز الحدود بين الدول، اعتمد التنظيم ذو النشأة والبداية القبلية خلال عامي (2004 ،2011) على دعم أقرانه من أبناء التيار السلفي الجهادي من القبائل داخل قطاع غزة الفلسطيني والمناطق ذات النفوذ القبائلي بالأردن وتحديدًا التي يتواجد بها نفوذ قوي للتيار السلفي الجهادي، بحسب الدكتور كمال حبيب، المتخصص في شؤون الجماعة الإسلامية الراديكالية.

يؤكد الرواية السابقة قول محمد الشلبي، الشهير بـ«أبوسياف» المتحدث باسم التيار السلفي الجهادي في الأردن، أن الوضع في مصر يختلف عن سوريا، فأهل مصر ليسوا بحاجة إلى رجال، لكنهم في حاجة إلى المال والسلاح وهو نفس ما حدث في البداية مع المجاهدين في سوريا.

وأوضح أن «القاعدة» تمثل الإسلام الحقيقي ونحن نعتبر أنفسنا جزءا منها، باعتبارها تمثل التيار السلفي الجهادي في كل أنحاء الأرض، لكننا لا نرتبط بهم تنظيميا، ولا يوجد لنا اتصال معهم، مرجعًا السبب إلى أن قيادات «القاعدة» يتواصلون مع التنظيمات الجهادية المسلحة.

إعلان

إعلان

في هذه الفترة التأسيسية للفكر السلفي الجهادي في سيناء كانت مصادر التمويل كثيرة ومتنوعة، لكنها لم تكن قوية، بحسب محمد جمعة، الباحث بوحدة الدراسات الفلسطينية والإسرائيلية، بمركز الأهرام للدراسات السياسية والاستراتيجية، حيث اقتصرت على الدعم المادي، من شبكات تمويل اقتصادية تابعة للقاعدة مثل الأموال التي تأتي من جمعيات سلفية بمنطقة الخليج، وكذلك عمليات التهريب عبر الأنفاق.

وكانت الأموال تأتي تبرعات لجمعيات خيرية في سيناء وتدار هذه الجمعيات بمعرفة قيادات سلفية جهادية بالمحافظة الحدودية، مثل الجمعية الخيرية بالشيخ زويد التي كان يتولى أحمد الجهيني منصب نائب رئيس مجلس إدارتها. والجهني شارك في قيادة وتأسيس تنظيم «داعش» بالشيخ زويد، وطاردته قوات الأمن عام 2012.

وكذلك جمعية «أهل السنة والجماعة» التي كان يديرها الشيخ حمدين أبوفيصل أحد أبرز القيادات السلفية في سيناء، والذي ألقى القبض عليه أواخر 2013، بتهمة تمويل جماعة إرهابية، بحسب الاتهامات الموجهة له في بيان وزارة الداخلية التي ألقت القبض عليه بعد ثلاثة أشهر من اللقاء الذى جمعه بـ«محمد الظواهري» شقيق زعيم القاعدة.

العمليات الإرهابية

التوقيت الزمني

منحنى التفجيرات الإرهابية الممولة من التيار السلفي الجهادي

«البيتكوين»..مستقبل تمويل الإرهاب

في الوقت الذي ترتبط فيه مصادر التمويل بالولاء والتبعية، وتتطور أساليب وطرق نقل هذه الأموال، يحذر مركز الجريمة الإلكترونية بالاتحاد الأوروبي «يورو بول» من إمكانية توظيف العملات الإلكترونية مثل «البيتكوين» في تمويل الإرهاب، تبعه تحذير من المؤسسات المالية الأبرز في مصر «البنك المركزي ـ هيئة الرقابة المالية» من التعامل بهذه العملات لعدم خضوعها لأي رقابة مالية، وسهولة توظيفها في عمليات غسيل أموال وتمويل الإرهاب.

وبحسب تقرير، صادر عن المركز الدولي لمكافحة الإرهاب، التابع لمعهد هرتسليا الدولي للعلوم والتكنولوجيا في إسرائيل أواخر يناير 2018، فإن داعش استخدم العملات الرقمية بعد محاصرة التنظيم واستعادة المدن العراقية والسورية التي كان يسيطر عليها أواخر العام الماضي.

حتى اليوم، لم تعلن أو توثق عملية تمويل للكيانات الإرهابية باستخدام العملات الرقمية، سواء داخل مصر أو خارجها، لكن ربما تصبح هذه العملات الرقمية أحدث وسيلة لنقل التمويل إلى العناصر الإرهابية، خاصة في ظل التضييقات الأمنية التي تتبعها الدول لوقف أو الحد من الطرق التقليدية لنقل الأموال.

تحقيق: عبدالوهاب عليوة

فيديوجرافيك: محمود شحاتة

إنفوجرافيك: مايكل عادل

تنفيذ: مصطفى عثمان

إشراف عام: علاء الغطريفي