الضغاطة
"نساء اليمن في قبضة زينبيات الحوثي"

للتعذيب وجوه أخرى!

كانت الدكتورة جيهان* - 36 عامًا - مستمرة في أداء عملها كطبيبة في أحد مستشفيات العاصمة صنعاء، في الوقت الذي كان يسيطر فيه رجال الحوثيين على مؤسسات الدولة رويدًا رويدًا.

ومع مرور الوقت استبدلت بهم إدارات المؤسسات الحكومية، وتحولت جميع الأقسام في المستشفيات الحكومية إلى مستشفيات كبرى لعلاج جرحى ومصابين الحوثيين، واستبدل رؤساء الأقسام القدامى، إلى مشرفين ومشرفات من رجال الحوثيين أو الزينبيات، وطُلب من جيهان، وزملائها من الأطباء القدامى، حضور محاضرات يُقال إنها تثقيفية، تُقدم عبر الزينبيات، ليلقنَّ فيها الأطباء مناهج ومعتقدات الحوثيين، ويلقنَّ فيها صرخة الحوثيين، ويقدمون فروض الولاء والطاعة.

وهو بالضبط ما رفضته الدكتورة جيهان، الزوجة والأم والطبيبة.. تجاهلت جميع الدعوات لحضور تلك المحاضرات، وتمسكت بعملها كطبيبة فقط، حتى دعاها المشرف على القسم "ابو هاشم المراني"، في الثالث من يناير 2019، لسؤالها: "انتي ليش ما تحضريش المحاضرات؟".

لترد جيهان*: "قلت له أنا طبيبة وماليش علاقة بالسياسة ولا والانتماءات الدينية اللي انتوا تكرروها"، وما كان منه إلا أن يصرخ فيها قائلًا: "انتي لازم تأدي الصرخة ويكون عندك ولاء".

وعلى الرغم من أنه أمر اثنتين من عناصر الزينبيات باقتيادها إلى المحاضرة الأولى، إلا أن اليوم لم يمر مرور الكرام، فأثناء عودتها إلى المنزل، وهي في إحدى حافلات النقل العامة، اعترض طريقها ثلاثة من أفراد من مليشيات الحوثي، أغلقوا بوابة الحافلة، ضربوها على رأسها حتى سقطت أرضًا مغشيًا عليها.

تحركت الحافلة نحو نصف ساعة إلى مكان لم تعرف جيهان* أين هو، بعد أن عصبوا عينيها وهي في حالة بين النوم واليقظة، ظلت ليلة كاملة وحدها في غرفة مظلمة، لا تتذكر منها سوى رائحة طلاء حوائطها الجديد، وفي اليوم التالي دخل عليها مجموعة من الزينبيات، ضربنها وصعقنها بالكهرباء، ثم كبّلنها، ليدخل مجموعة أخرى من الرجال، الذين تناوبوا على التحرش بها، ثم تعرضت للاغتصاب.

توقفت جيهان عن الحديث لثوانٍ، قبل أن تتجاوز التفاصيل، وتقفز مباشرة نحو النتايج، حمل.. ساعدتها فيما بعد شقيقتها على إجهاضه، بعد ما يقرب من شهر من الحبس والانتهاك، كانت نهايته كالتالي: "دخل اثنتان من الزينبيات قالولي ياريت يا دكتورة تكوني أخذتي الدرس كويس".

ألبسوها عباية سمراء، لتخفي آثار الضرب والتعذيب الموشومة على جسدها، عصبوا عيينها مرة أخرى، وتركوها في نفس مكان اعتقالها، أمام باب المستشفى، محل عملها.

تحدثت مع زوجها، الذي لا يعلم عما حدث الكثير، "كان فاهم أن الأمر عبارة عن محاضرات وزينبيات وضرب وبس"، عدنا إلى المنزل، لكن الأمر لم ينته عند هذا الحد، توالت التهديدات، امتدت إلى قتل شقيقتها، فما كان لها إلا أن تهرب إلى عدن بعد 6 أشهر، ثم ساعدتها رابطة النساء لمساعدة الناجيات من سجون الحوثي، على الهروب قاصدة القاهرة.

لم تجد جيهان* سببًا مقنعًا لما حدث لها سوى التالي "هم يشتوا محو أي متعلم أو له صوت، مستخدمين سياسة القمع، في من زميلاتي تم تصفيتها بقنبلة يدوية".

وهو ما يتفق فيه معها وزير حقوق الإنسان، أحمد عرمان، حيث يقول خلال مقابلة أجراها فريق التحقيق "الحوثيون يستهدفون المرأة اليمنية بشكل عام في مختلف المجالات، سواء في الطب أو التعليم".

ويضيف الوزير: "تشهد اليمن حاليًا أكبر موجة لاستهداف وتجنيد للنساء منذ عام 2014، فقبل عام 2014، كان أكبر سجن في اليمن في العاصمة صنعاء يحتوي على 60 سجينة فقط.. اليوم نتحدث عن 400 سجينة في صنعاء بعيدًا عن المختفيات قسريًا ذوات المصير المجهول".

وثقت الوزارة 37 شهادة لنساء تم انتهاكهن في سجون الحوثي، بأشكال تعذيب وانتهاكات جسدية وجنسية غير مسبوقة، وفقًا لعرمان، الذي يسرد قائلًا: "تغيرت منهجيات أشكال وأنواع التعذيب، ووصل لإطلاق النار تحت الاذن، وأساليب تعذيب يستحي الإنسان أن يحكي عنها.. إضافة إلى استغلالهن لأعمال الدعارة".




اغتيال البراءة!

"ياسمين وسعاد".. فتاتان اعتقلتا في الرابعة عشرة من عمرهما، تمت محاسبتهما على مهن آبائهما، حيث يعمل والد الأولى صحفيًا، والثانية عسكريًا في مأرب. تعرضت الاثنتان برفقة أمهاتهما لانتهاكات جسدية داخل سجون الحوثي السرية بمساعدة مليشيات الزينبيات الحوثية، وتم اغتيال أحلامهما وتشريد عائلاتهما، قبل أن يتم إنقاذهما، وتغادرا إلى مصر، بمساعدة نورا الجروي، رئيس تحالف نساء من أجل السلام في اليمن ورئيس رابطة حماية المعنفات والناجيات من سجون الحوثي.

00:00

تقول نورا الجروي: "قضية اعتقال النساء في اليمن هي قضية صادمة لنا كنساء.. لم يتوقع في تاريخ اليمن أن تُقتحم المنازل وأن تقتاد النساء إلى سجون عامة وسجون سرية".

استنسخ الحوثيون التجربة الإيرانية في تجنيد النساء في اليمن، فأنشأوا فرق الزينبيات، لمحاكاة فرق الفاطميات في إيران، والتي من ضمن أدوارهن تعقب واستهداف وتعذيب النساء، وفقًا لنورا، التي تقول: "ما يقمن به الزينبيات هو مرعب فيما يتعلق بتعذيب النساء.. ضرب النساء.. وتسهيل اغتصاب النساء داخل سجون الحوثي، تحت ما يُسمى التطهير، وهو الوجه الآخر لما يقوم به داعش والقاعدة تحت ما يسمى بجهاد النكاح".

وثقت نورا عبر رابطة حماية المعنفات والناجيات من سجون الحوثي أكثر من مائة حالة اعتقال وتعذيب للنساء في سجون الحوثي السرية، من بينها 27 حالة اغتصاب، مورس ضدهن أبشع وسائل العنف الجنسي وتشويه الأعضاء التناسلية. تقول نورا: "القضية ليس قضية اغتصاب فقط بل هو انتقام، نحن أمام جماعات لديها حالة انتقامية ضد النساء".

Made with Flourish

من سجانة إلى سجينة!




"كان لازم يستبدلوا النساء المتواجدات السابقات.. احنا مسميينا خاينات".. من هنا تحولت "فوزية" التي عملت لمدة 18 عاما في السجن المركزي بصنعاء، من سجانة إلى سجينة، حينما قرر الحوثيون أن يفرضوا سطوتهم على ذلك السجن، الذي يعتبر مكانًا مقدسًا بالنسبة لهم، بعد أن دُفن بداخله، الشقيق الأكبر لحاكم صنعاء "بدر الدين الحوثي".

وقتها، استبدل رجال الحوثيين جميع العاملات بالسجن بالزينبيات، بدأن بالمدرنيات، ثم الدينيات، وأخيرًا جاء الدور على العسكريات، التي كانت من بينهن فوزية.

في البداية حاولوا إجبارها على حضور دورات ثقافية، يُلقن فيها العاملات بالسجن منهج وصيحات الحوثيين، لكنها كانت تتهرب دائمًا.

في تلك الأثناء، شيد الحوثيون سجناً سرياً داخل السجن، بعيدًا عن العاملات القدامى، وتحت سيطرة الزينبيات بالكامل، "لا نرى ما يحدث بداخله.. ولا نسمع فيه سوى صوت العصا الصاعقة، والزينبيات، وأناشيد بدر الدين الحوثي بصوت مرتفع.. حتى تعلو على أصوات التعذيب".

داخل هذا السجن السري لا يتم تسجيل البيانات، وغير مسموح بالزيارات، ولا يعلم الأهالي عن بناتهم أي شيء "أي بنت بتضيع وتختفي ويطلع لها سمعة ان بنتها هربت مع واحد ومش عارفة ايش.. الأمهات اصبحوا مش قادرين يدوروا على بناتهم".

وفي الوقت التي كانت فيه فوزية ترى حافلة محملة بالفتيات تدخل إلى السجن بعد الساعة التاسعة مساءً حتى لا يتعرف العاملات بالسجن عليهن، جاءت إحدى الأمهات تبحث عن ابنتها، واستطاعت فوزية أن تعرف أنها موجودة في البحث الجنائي.

وهناك، تم إنكار وجود الفتاة، فاستشهدت الأم بفوزية، وعلم الحوثيون عن الأمر "خلاص أنا ما جاش عليا يوم ثاني"، هاجمها طاقم من الزينبيات أثناء عملها المباشر، تم سحب هاتفها واحتجازها برفقة أطفالها داخل مكتبها لمدة ثلاثة أسابيع، وبدأت التحقيق معها.

ملفات من التهم الملفقة وضعت على الطاولة، من بينها إدارة شبكة دعارة، وطلبوا منها التوقيع، طالت مدة الاحتجاز ولم ترضخ فوزية.

بعد ضغط بقية العاملين القدامى في السجن، قرروا الإفراج عنها بشرط، تدريب 15 زينبية على إدارة السجون، وبعد نتهاء مهمتها "تم طردي، قالوا لي يلا روحي، حتى ما سمحوا لي أخذ أبسط أشيائي".

وبالمثل، فرت من صنعاء بعد أن عرفت أنهم يراقبون هاتفها، ثم جاءت إلى مصر برفقة بناتها، في محاولة للخلاص.

نحو ثلث أهالي النساء التي وثقها الاستبيان، طلب ذووهن منهن الابتعاد عن اليمن بعد الإفراج عنهن، ونحو 19% منهن نبذونهن خوفًا من الفضيحة.

تمامًا مثل سونيا.. برديس.. جيهان.. ياسمين.. سعاد.. وفوزية.. ليس أمامهن سوى الفرار، من بطش نساء أخريات اتخذن من اسم السيدة زينب، حفيدة الرسول، ستارًا لبطش الحوثي ضد النساء.

هربت زينب من كربلاء إلى مصر بحثًا عن النصرة، والآن تهرب اليمنيات من قبضة " الزينبيات" إلى مصر، بحثًا عن الأمان.

**جميع الرسومات في التحقيق بيد بطلاته.. في محاولة منهن لتوثيق ما علق في ذاكرتهن من فترة الاعتقال**

الرجوع إلي الجزء الأول

تحقيــــــق

مها صلاح الدين وبسام القاضي

فيديو: شروق غنيم

مونتاج ومكساج: أحمد عبد الشفيع وغفران رفاعي

مواد تفاعلية: مها صلاح الدين

جرافيك ثابت: مايكل عادل

تصميم وتنفيذ: محمد عزت

إشراف عام: علاء الغطريفي