طفل توفي بسبب المجاعة
طفل يعانون سوء التغذية
شخص على حافة المجاعة
يمني يحتاج إلى مساعدات إنسانية
المصدر: منظمة إنقاذ الطفولة والمفوضية السامية لشؤون اللاجئين
خبأت الفتاة اليمنية رحاب، 15 سنة، تجاويف جسدها النحيل بعباءة سوداء، والتحفت بحجابها المصبوغ بلون السماء، الذي لم تعد تتذكره، منذ أن أصبحت تمطر قذائف. توسطت أطفال عائلتها- عائلة عبدالعزي الجرادي- الاثني عشر، هي أكبرهم، ونظرت إلى حجارة الغرف العشوائية المتفرقة غير المهذبة، التي تسميها بـ"البيت"، تتذكر كيف كانت الحياة، وكيف أصبحت قبل وأثناء الحرب.
عائلة عبدالعزي الجرادي.. المكونة من 20 فردًا كانت تفترش تلك الغرف العشوائية، غير المسقوفة، وأحيانًا بدون أبواب، والموجودة في صحراء بني جرادي، بمحافظة الريمه باليمن، قبل أن تدق طبول الحرب، حينها كانت قافلة الحياة تسير.. 5 أعمام يعملون في التجارة المتنقلة بين المدن، سيدات تفوح من مطابخهن رائحة الطعام الشهي، وأطفال يلعبون في العراء، يتعلمون، يأكلون، ينامون.
إعلان
وما إن أتت الحرب في ربيع 2017، حتى تبدل كل شيء، أصبح رجال العائلة لا يخرجون للعمل. "الآن جالسين في البيت بسبب الخوف والاعتقالات التعسفية، وأخذنا إلى جبهات الحرب" يقول محمد الجرادي، عم رحاب، مشيرا إلى تدهور حالة الجد الأكبر الصحية، جراء قذائف الحرب التي أصابته بالصرع، كذلك تردت الحالة الصحية لزوجته.
أما رحاب والأطفال الأحد عشر الذين تتراوح أعمارهم بين شهور الرضع، والخمسة عشر ربيعًا، أصبحوا ينتظرون الطعام الذي تأتي به قافلات الإغاثة، إن لم يطلْها الحصار بين المرة والمرتين في الشهر الواحد، يدخرون كل لقيمة خبز يحصلون عليها، وإن تأخرت، ونال منهم الجوع، يقتاتون على أوراق الشجر.
أصيب منهم اثنان بإعاقات حركية، تقلصت أوزانهم، وأصيبوا بسوء التغذية، جف حليب الرضع في صدور النساء، وتفشت الأمراض النفسية بين الكبار والأطفال الذين حرموا جبرًا من التعليم.
وبعد أن أصبح الخروج للعمل محرمًا على الرجال، أصبح خروج الفتيات ملاذَ عائلة عبدالعزي الجرادي من العطش والبرد، "رحاب وغيرها من البنات يجلبن الماء فوق رؤوسهن، ويحضرن الحطب من الجبل" يستأنف عم رحاب.
لم تعد رحاب تحلم بشيء، لا تتذكر أنها يمكن أن تحلم.. جُل ما تستطيعه هو ترديد ما تسمعه من كلام الكبار "إحنا أسرة كبيرة، ونحتاج إغاثة، وندعو المنظمات، ونطالبها بلفت النظر إلينا، وإنقاذ حياتنا من الجوع والمرض".
الخريطة العسكرية لليبيا
قوات حفتر
كتائب غرب ليبيا
قبيلة الطوارق
مجلس شورى المجاهدين في درنة
المصدر: مركز الأهرام للدراسات السياسية والاستراتيجية 2018
بدأت حكاية "خالد محاور" مع الثورة الليبية، ولم تنته بعد. شاب في الـ27 والعشرين ربيعًا، يحمل الشهادة الثانوية، في فبراير 2011، نفض كفيه الملونين ببياض دقيق الخبز، صنيع يديه، وانطلق من مسقط رأسه بني غازي مع الثوار إلى مصراتة، حرروها، واستمروا في تحرير مدينة تلو الأخرى، "كانت مصراتة من أشد الحروب ياللي شفتها بحياتي".. سجلت نيرانها الإصابة الأولى في بدن خالد، تهتكت أعصاب يده اليمنى، وتهشمت عظامها.. "كنت أتمنى فقط أن يتوقف الألم".
من وقتها اختارته الحرب، بدأ خالد رحلة العلاج العابرة للحدود، في تونس ضمّد جرحه المفتوح، وفي مصر أجرى عملية فاشلة لربط أعصاب يده المتهتكة، ثم ساعده رفيق مقيم بالخارج على السفر للعلاج بالسويد، رُممت عظامه بشرائح بلاتينية، وأعيد ربط أعصابه من جديد.
إعلان
وبعد 4 أشهر من العلاج هناك، عاد إلى بني غازي بنتيجة واحدة: "لديّ مشكلة لن أجد لها حلا، فكان علىّ أن أتعايش مع الألم"، حاول أن يتابع علاجه الدوائي في ليبيا لكن كل شيء يسير ببطء شديد، والألم يزداد في ذراعه "مفيش لا حركة ولا إحساس" فقط آلام قاتلة تجتاح أعصابه.
سجل اسمه في مقر جرحى الثورة، وظل ينتظر دوره في العلاج، كان عليه أن يواجه الحياة، حتى يوفر قوت يومه، راسل كتيبته السابقة، قال في رسالته: "أنا منيش منضم للجيش أنا رجل مدني نبغى منكم رسالة تخولني إنه نتوظف في الدولة".. وجاء الرد: "للأسف مش هنقدروا نستقبلوك".
وفي 2014، بلغت الحرب ذروتها، وأتت بخليفة حفتر إلى بني غازي كي يطلب العون، في الوقت الذي صدر فيه قرار أخير بعلاج خالد في ألمانيا، لكن الحرب تمسكت به، استُدعي للانضمام لعملية الكرامة، أصيب ثانية، كادت الإصابة هذه المرة تودي بقدميه، سافر إلى ألمانيا، رحبت به الدولة الأوروبية لكونه من مصابي فبراير، ولفظته، لأنه شارك في عملية الكرامة.. حرب استمرت سنةً بين خالد ولجنة العلاج، حتى انقلبت الموازين السياسية، وعاد الترحيب به من جديد.
عاد إلى بلده بعد 7 أشهر، لم يجد عملًا سوى الالتحاق بالقوات الخاصة للجيش الليبي، أصيب أثناء التدريب للمرة الثالثة، عاد إلى ألمانيا، أصبح علاجه مرهونًا بالتقلبات السياسية في بلده، وكذلك العمل، استمر الحال هكذا حتى الآن، ما جعله يختتم منفعلًا: "أنا مكنش بإيدي إني نحارب.. البلاد كانت بحاجة لأي شخص، لكن لما الأمن استتب من حقي أن أعيش".
مواطن سوري تدهورت أحوالهم الإنسانية
لاجئ سوري في جميع أنحاء العالم بدءا من 2011
سوري- تقريبا- ولدوا في الشتات
نازح داخليا بسبب الصراعات
سوري داخل مناطق محاصرة يصعب الوصول إليها
المصدر: المفوضية السامية للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين
7 سنوات مرت، منذ ذلك اليوم الذي تركت فيه "لُجين حاج يوسف" سوريا بلا عودة، ولم يزل السؤال يدق في رأسها كل صباح؛ "ما هو الوطن ياللي فقدته؟"، أهو جملة ذكرياتك، ألبوم عائلي تركته، أم صورة لمقاتلين في نشرة الأخبار، أصدقاؤك، أماكن تعلقت بها، أم تقرير مصور -يلف مواقع التواصل- لأطفال يبكون بحرقة وسط الركام، وجوه الناس المبتهجة في أسواق دمشق، أم أرض ولدت فيها ولفظتك.. 84 شهرا و"لُجين" تسير في باريس بلا روح، يقول العالم إن اللاجئ يحظى بالأمان، فيما يتملكها الأسى وهي تعيش بعيدة عن ذلك الوطن، ويستبد بها الحنين، بينما يلح السؤال يوميا دون إجابة.
كان ذلك في الأيام الأخيرة من فبراير 2012، مجرد وشاية كاذبة من زميل عمل بتليفزيون الدولة، عرضها للاستجواب لمدة 10 أيام داخل أحد الأجهزة الأمنية بدمشق، فكان لِزامًا عليها الرحيل "البلد انفتحت على بوابة لتصفية الحسابات، وأصبحت السياسة ذريعة سهلة، وكان حلي الوحيد هو البعاد"، تحكي "لجُين" بصوت يسكنه الحزن.
إعلان
الشتات صار مصير "لُجين" وعائلتها، متزوجة في فرنسا، ووالدها في دمشق، وباقي الأهل موزعون بين دول عربية وأخرى أجنبية، باتت تطبيقات الهاتف وسيلتهم للتواصل.. قبل فترة دُفنت فنانة تشكيلية عالمية في سوريا –بحسب وصيتها- فيما هطلت الدموع من عيني "لُجين" وهي تكتب عبر صفحتها على "فيس بوك": "أحسدك على قبرك في دمشقي.. هل يا تُرى أحببتها أكثر مني؟".
"الغربة طاحنة.. وأوروبا ما هي جنة"، تقول الشابة الثلاثينية إن الإحساس بالاغتراب قاس، وإن كثيراً من رفاقها السوريين أصيبوا بنوبات اكتئاب حادة وجلطات دماغية، على أثر عدم التأقلم والفشل في الاندماج "عمري ما حسيت إني وحيدة ببلدي، لما بتبعد عن محيط أحبتك وعيلتك بتصير شخص محطم.. هنا ما بتلاقي حدا يعطيك الطمأنينة.. هنا صار الكتاب صديقي مو الإنسان".
توقن "لُجين" أن سوريي الداخل يشاركونها الحيرة ذاتها؛ فهم يبحثون أيضا عن معنى الوطن "عاشوا حصار، دمار، فقد.. أكثر شيء استقبلته سوريا في سنواتها الماضية كان الجثامين وأكثر شيء بنته هو القبور"، لا تعلق خريجة الفنون الجميلة آمالها على الحلول الدولية، والاجتماعات العاجلة، والاستغاثات المتوالية "معركتنا ما هي بين نظام ومعارضة، دي مصالح عالمية بتنفخ في النار والضحية بيكون الشعب.. والسوريون شركاء في اللي حصل من تدمير وخراب؛ قدروا يتفقوا على ضياع بلدهم ولم يتفقوا على تحقيق الحلم بوطن معافى... الحرب ما هي سهلة؛ مش بس بتهدم البناء والأرض كمان بيقع معاها الإنسان".
عدد المختطفين
الإناث
الذكور
الناجون
نازح من العراق منذ 2014
المصدر: المديرية العامة للشئون الإيزيدية بالعراق 2018، والمفوضية السامية للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين
كان كل شيء ملتهبًا، كادت شمس أغسطس، في 2014، تحرق الأخضر واليابس، لكن ليلى لم تشعر بشيء وقتها سوى الهلع، "قالوا اهربوا، داعش هجم عليكم وهم قادمون على مركز سنجار"، كان هذا بعد شهرين من سقوط الموصل في العام نفسه، ومن وقتها، سقطت العراقية الإيزيدية ليلى تعلو، و18 شخصا من عائلتها في قبضة تنظيم داعش.
عامان وثمانية أشهر وثلاثة أيام من الشتات، والرق، والإهانة، واستباحة العرض، "هناك في سجون الدواعش، السنة كانت بمثابة مئات الشهور، وكل يوم كان بمثابة شهر كامل"، تصف ليلى، وتردف: "لياليّ بدأت بحق حينما شاهدت أول داعشي يعزل فتاة إيزيدية من بيننا، وقال إنها أصبحت ملكي".
إعلان
مشهد تكرر في محطات الحجيم، من سجن بادوش، وحتى سوريا، يتهافت الدواعش على انتزاع الفتيات البكر، يتركون الأمهات وأطفالهن طريحات غرف غير آدمية، تفوح منها الروائح القذرة يوما بعد يوم.
وكلما انتقلن إلى محطة جديدة، قل عددهن أكثر. وبعد أسابيع، جاء دور ليلى وطفليها، "كنت أعتقد أني خسرت حياتي عندما أبعدني الدواعش عن أخي وزوجي، لكن الآن خسرت كل ما أملكه في الحياة، ألا وهو الشرف".
أخذها أحدهم إلى بيته، وباعها إلى غيره بعد بضعة شهور، وتناوب على شرائها وبيعها وأطفالها ثمانية دواعش، حملت بين أحشائها من اثنين منهم، أجبراها على الإجهاض، حتى يتمكنا من بيعها مجددا، تتذكر ليلى: "كان يجب أن نضع المكياج والعطور ونلبس ملابس الراقصات، حتى يرتفع سعر بيعنا".
كانت زوجات الدواعش هن الأصعب، تردف ليلى: "كنت الخادمة المطيعة لزوجات الدواعش، كن يضربن أطفالي أمام نظري وما كنت أستطيع حتى الدفاع عنهم".
لم يكن هذا كل شيء، "كانوا يضربونني أمام طفليّ فيهربان إلى زاوية الغرفة، يحتضنان بعضهما، ويصرخان: ماما".
بعد أن تملك جسدَها الضعف والوهن، طلبت من آخر شخص اشتراها بيعها لنفسها، وافق بعد أن يئس من أن يجد لها مشتريًا جديدًا، دبرت حيلة مع إحدى الإيزيديات رفقتها، تدعى هيام، تواصلن مع إخوتها، فأرسلن مبلغ 7500 دولار أمريكي- الثمن الذي طلبه الداعشي لبيعها- وقام الشيخ عبدالله الشريم، أحد مسؤولي ملف المختطفات الإيزيديات بالعراق بإتمام الصفقة، وإعادتها إلى ذويها بإقليم كردستان
ليلى وطفلاها (سارا وسالار) و7 آخرون من عائلة تعلو عادوا، على مدار العام ونصف العام الماضيين، ما زالت ليلى تضمد ثقوب قلبها وجسدها المنتهك، وتحاول أن تنزع من رأس ابنيها ما درساه في مدارس الدواعش، وتحلم بأن تجوب العالم لأجل تحرير الإيزيديات.
من مساحة فلسطين التاريخية تحتلها إسرائيل
مستوطن إسرائيلي على الأراضي الفلسطينية
عدد المستوطنات والبؤر الاستيطانية للإسرائيليين
أسير يقبعون في معتقلات الاحتلال الإسرائيلي
تعرض للاعتقال بالسجون الإسرائيلية منذ عام 1948
المصدر: نادي الأسير الفلسطيني، ومركز أبحاث الأراضي التابع لجمعية الدراسات العربية
حين أقبل الأسترالي مايكل روهان على إضرام النيران داخل المسجد القبلي بالأقصى، في 21 أغسطس من العام 1969، لم يحرق فقط منبر صلاح الدين، ومحراب زكريا وأجزاء من مسجد عُمر، وثلاثة من أروقة السقف الشرقي والإضرار بقرابة 1500 متر مربع، تُمثل نحو ثلث مساحة المكان المقدس، بل أحرق معها قلوب الملايين، ومن بينهم محمد أمين الجعبري.
يومها كان "الجعبري" أحد العاملين بمطافئ مدينة الخليل، ما إن تواترت الأخبار حتى هرع صوب القدس كي يشارك في عملية الإطفاء "منعونا ندخل وانهالوا علينا بالضرب.. الصهاينة بدهم يحرقونا بالحيا.. لكن نحنا لهم بالمرصاد، قضيتنا عادلة وما بنترك فلسطين لآخر نفس في عمرنا" يتذكر صاحب الواحد والسبعين ربيعا، التفاصيل التي جرت عليه الوبال، لكنه صار وسام شرف يتفاخر به حتى اليوم "اعتقلوني سنة كاملة من غير تهمة.. وبعدها حكموا عليا أترك بلدي وأعيش سواح في البلاد".
إعلان
ولد "أمين الجعبري" قبل النكبة بعام، لذا يربط حياته بالمقاومة، 24 عاما قضاها في الشتات من أجل محاولة إنقاذ للأقصى، طاف البلاد شرقا وغربا، جنوبا وشمالا، زار مصر وسوريا، اليمن والكويت، عاش في السعودية والجزائر وتونس وليبيا، جلس مع رفاق منظمة التحرير في لبنان، وتزوج وأنجب أبناءه السبعة في الأردن، لكن فلسطين بقيت محبوبته الأبدية "عُدت بلدي سنة 94 مع برنامج الثقة وكأن حتة من روحي رجعت لي.. ولسه الحلم واحد والعدو واحد".
لم يزل عضو المجلس الوطني الفلسطيني يعافر من أجل القضية، يقول إن ما يجري في الخليل بمثابة "هولوكوست حقيقي"، العنصرية تلف شوارع المدينة العتيقة، يمنع الإسرائيليون العرب من السير في شوارع بعينها، المستوطنون يقطنون وسط المكان ويطردون أهله الأصليين، يُلقون بالقاذورات على المنازل، يُفتشون الأطفال في طريقهم للمدارس كأنهم إرهابيون، ويكدرون النسوة عند كل حاجز "الصهاينة صنعوا لجولدشتاين صاحب مذبحة الحرم مزاراً وهيبة.. والشاب الفلسطيني إذا بدو يصلي ركعتين لله في المسجد الإبراهيمي لازم يمر على 6 بوابات كأنه قاتل".
"الجعبري" الذي شارك كمفاوض بمؤتمر السلام "طابا/ إيلات 1996"، يرى أن "مشاورات السلام بلا أفق؛ التصعيد هو بديل الصهاينة الوحيد وفلسطين تحت الاحتلال بالكامل، بالعربي 100% من أرضنا منهوب"، يقول عضو منظمة فتح إن الضربات التي تتلقاها فلسطين أقوى من أن يتخيلها عقل "نواجه اليمين المتطرف ودعم ترامب غير المشروط.. نتنياهو كان يطالب بقتل رابين لأنه يريد السلام، فكيف نتصور الوصول لبر أمان؟"، يزفر بصوت مشحون قبل أن يردد بعزم "لكن علينا أن نقاوم، لن نكل، لن نترك قضيتنا، وسنبقى صامدون".