2 سبتمبر، 1933


صوت صافرة يملأ أرجاء ميناء الإسكندرية، ليعلن عن انطلاق سفينة لم تلفت نظر أحد من قبل. لكن اليوم اتجهت إليها كل الأنظار. فالواقفون على الرصيف من رجال وسيدات وأطفال يلوحون لركابها، والمسؤولون أتوا خصيصًا لوداعها.

تَركت السفينة بحر الإسكندرية الذي لم تألف غيره منذ وجودها. وأبحرت نحو المحيط في رحلة طويلة لم تعهدها ولم تضمن فيها مصيرها. أعطت ظهرها للبر ومودعينها لتكشف اسمها للجميع بالعربية والإنجليزية: "مباحث".

في تلك اللحظة التي شقت فيها "مباحث" طريقها في البحر، كتبت اسم مصر ضمن أوائل الدول في مجال علوم البحار، فهي رحلة مصر الاستكشافية الأولى، الذاهبة إلى المحيط الهندي لتسعة أشهر، والتي ستمثل رابع أكبر رحلة بحرية في العالم بعد رحلات سفن "تشالنجر" البريطانية، "الفالديفيا" الألمانية، و"الدانا" الدنماركية.

وضعت "مباحث" لمصر أساس علم يدرس تلك المساحة الشاسعة اللازمة لبقائنا، والتي لم تكن معروفة إلى حد كبير، لكنها ورغم هذا الدور توقفت ثم اختفت بشكل مثير وغريب.

وفي سنوات غيابها الطويلة، لم تملك مصر بديلًا لها إلى أن حلت سفينتا "اليرموك" و"سلسبيل"، لكن برحلات قليلة وقصيرة ومحدودة. ثم تعطلت الاثنتان قرابة العشر سنوات، وعادتا مرة أخرى بمهام يتعلق بعضها بتغير المناخ، البحث عن أماكن صيد، ومساعدة شركات في مشروعات اقتصادية.

حتى يومنا هذا، قليلون هم من يعرفون ذلك العالم وأن مصر - في وقت ما - سبقت فيه أكثر الدول تقدمًا.. لكن كيف حدث ذلك؟ وما الذي جرى بعده؟ وإلى أين وصلنا؟ وما علاقة هذا كله بحياتنا؟. لكي نعرف، كان لابد أن نذهب إلى البداية، أن نحيي قصة "مباحث" ونجمع تفاصيلها المتفرقة، والتي بدت كخبيئة لرحلة لم تكن عادية أبدًا.

ابــــدأ