مصر في الحجر الصحي

تاريخ الأوبئة.. السيرة والقصة

☜ المكان: قرية القرين، محافظة الشرقيّة

☜ الزمان: 22 سبتمبر 1947

25 ألف نسمة يعيشون على بُعد نحو 70 كيلومتراً شرق القاهرة، في قريةٍ صغيرة مُتاخمة لمعسكرات الجيش البريطاني في "التَّلّ الكبير"، كانت الأجواء طبيعية، الحياة صاخبة، والحركة تدبّ في الأسواق، تعجّ القرية بعمّال غُرباء وفدوا للعمل في المعسكرات، قبل أن تتغيّر الحياة مع وفود زائرٍ جديدٍ ثقيل.. "الكوليرا"!

عاشت القرية أياماً عصيبة وأجواءً مُقبِضة، طُليَت واجهات الآلاف من بيوتها بالبياض علامة على الفناء والموت، ظهر الخوف في شوارعها، ارتفعت صرخات وعويل الأهالي، الذين حفر بعضهم بنفسه مقابر لأبيه وزوجته وابنه، والغرباء، ممن فتك بهم الوباء فتكاً، طاردت "الشُّوطة" الجميع، صارت القرية موبوءة "يسعي ميكروب الكوليرا فيها ويَجر في أنيابه الموت أينما ذهب.."، على ما كتب الصحفيُّ الشابّ، وقتها، محمد حسنين هيكل، واصفاً أهوال القرية، ومعركة الحياة والموت ومقاومة وباء "الكوليرا" فيها، الذي طاف بأرض مصر في أشهر قليلة، حاصداً آلاف الأرواح، فيما اتخذت الحكومة عدة تدابير وإجراءات خاصّة لمواجهة الوباء، أهمها إنشاء المعازل والمحاجر الصحية، ومراقبة المخالطين والتطعيم العام على مستوى البلاد والخاص في المناطق الموبوءة، فضلاً عن تخصيص اعتمادات مالية وصلت إلى مليون ونصف المليون جنيه وقتها.

عمليات نقل مصابي الكوليرا و تعقيم وتطهير الشوارع في مصر عام 1947 (الصورة من فيلم عن العالم عام 1947 من الأرشيف الفيدرالي الألماني)

إجراءات عايشتها مصر منذ زمنٍ بعيد، تبدو مُشابهة لما يحدث الآن، حيث العيش في زمن وباء "كورونا"، الفيروس المستجدّ الذي صار يُغلّف الحياة، بعدما أفزع العالم وأربكه، عابراً الحدود، مُوزّعاً الخسائر، التي تتفاقم، ويتواصل نزيفها اليومي، تعطّلت الحياة في 3 أشهر، والدول تتّخذ خطوات متسارعة لإبطاء سرعة تفشّي الوباء، أُغلِقَت الحدود، أُعلنَت الطوارئ، فيما دخلت بعض الدول سباقاً محموماً لتطوير لقاح لـ"كوفيد-19"، الذي وصل عدد إصاباته في مصر إلى 34 ألفاً و79 حالة، و1237 حالة وفاة، و8 آلاف و961 حالة أُعلن تعافيها، في الوقت الذي حصد فيه أرواح أكثر من 400 ألف شخص حول العالم، فضلاً عن تخطي الإصابات حاجز الـ7 مليون إصابة، فيما وصل عدد المتعافين إلى 3 مليون و402 ألف و697 حالة، بحسب آخر إحصائية، حتى 7 يونيو الجاري.

من بين إجراءاتٍ استثنائية تتخذها الدول لمنع تفشّي الوباء، يُفرَض "الحَجر الصحّي" على مناطق أو أشخاص يُشتبه في إصابتهم بالفيروس المستجدّ.

ولمصر مع "الحجر الصحي" في زمن الأوبئة تاريخ بعيد، نستعرضه بداية من عصر محمد علي باشا، الذي أغلقت مصر في عهده صفحاتها مع موجات وباء "الطاعون" الكارثية المتتالية، وبدأت رحلة أخرى مع وباء "الكوليرا"، استمرت لأكثر من قرن.

الآن، يعود الحجر الصحي تحت وطأة "كوفيد-19" في مستشفيات عزل وأماكن عدة، لحالات الاشتباه والإصابة المؤكدة بفيروس "كورونا" المستجدّ، بامتداد محافظات الجمهورية، تجنّباً للوباء المتفشّي.

لمعرفة الحكاية وتاريخ الحجر الصحي في مصر