كيف تأقلمت الطبقة المتوسطة مع ارتفاع الأسعار؟

مع موجات الغلاء التي توالت بعد تعويم الجنيه، لم تجد الأسر المصرية حلا سوى التأقلم مع المعطيات الجديدة، سواء أكان بالبحث عن مصدر دخل إضافي أو الطريقة الثانية الأكثر شيوعا وهى الاستغناء عن كل ما يمكن التخلي عنه. الاستغناء بات حلا شائعا لأغلب أسر الطبقة الوسطى، مهما كان دخلها، تستخدمه أسرة متوسط دخلها 5400 جنيه، كما تلجأ إليه ثانية دخلها 12 ألف جنيه، مصراوي عايش تدابير احتياجات الأسرتين الشهرية، وكيف تعاملتا مع ارتفاع الأسعار المتكرر.

إعلان

إعلان

الأسرة الأولى


الأب "إيهاب"، الأم "أسماء"، لديهما ابنة تدعى "أروى" تدرس بالصف الثالث الابتدائي وطفل اسمه "يوسف" في الحضانة، يحصلان على متوسط دخل شهري 5400 جنيه.

"إيهاب وأسماء" زوجان في الثلاثين من عمرهما، يقطنان مع طفليهما في مدينة الخانكة بمحافظة القليوبية، هو مُعلم رياضيات، عشقه للمادة جعله يترك العمل في مجال دراسته الأصلي بعد تخرجه في كلية الهندسة التي التحق بها بناء على رغبة أهله. في حين تعمل هى مُعلمة للغة العربية بعد حصولها على ليسانس آداب لغة عربية.

كانت الأسرة قبل شهر نوفمبر 2016 الذي شهد تعويم الجنيه المصري، تنتمي إلى الطبقة المتوسطة، بينما هى اليوم على وشك الهبوط إلى محدودي الدخل، يفصلها عنهم 250 جنيها، وفقا لتصنيف البنك الأهلي المصري الذي يصنف محدودي الدخل بمن يقل دخلهم الشهري عن 4750 جنيها.

الأسرة الثانية


"حسام ونهلة"أسرة ثانية، كانت تنتمي قبل تعويم الجنيه إلى فوق متوسطي الدخل، أصبحت اليوم بحسب تصنيف البنك الحكومي ضمن متوسطي الدخل الذين يحصرهم البنك في أصحاب الدخول التي لا تتجاوز 14 ألف جنيه شهرياً، بينما يحصل الزوجان "حسام ونهلة" على 12 ألف جنيه شهريًا.

لدى الأسرة طفلان ـ"خالد" 3 سنوات، و"ندى" عامان، وتقطن في مدينة الشروق ويعمل حسام طبيب عيون بمستشفى تابع لجامعة الأزهر، في حين كانت نهلة تعمل طبيبة عظام بمستشفى حكومي قبل أن تتوقف عن العمل قبل 3 سنوات ونصف السنة بعد حملها في طفلها الأول.

إعلان

إعلان

شهدت مصر على مدار الأعوام الثلاثة الأخيرة موجات متتالية من ارتفاع الأسعار في مقابل انخفاض قيمة الدخل الشهري، بدأت هذه الارتفاعات في أواخر 2016، وستستمر خلال السنوات القادمة ضمن برنامج الإصلاح الاقتصادي، بحسب ما أعلنت الحكومة المصرية التزاماً بتعليمات صندوق النقد الدولي.


تكاليف المعيشة

ويقول إيهاب إن زوجته "حكيمة ومدبرة"، رغم المشكلات والخلافات التي تظهر بين الحين والآخر "زي معظم البيوت"، لكن زيادة الأسعار التي تجاوزت الضعف في مقابل زيادة الدخل التي لم تتجاوز الربع، كما تقدرها الزوجة "أسماء"، هى العقبة التي تحاول الأسرة التغلب عليها، خاصة في نفقات البيت اليومية.

إعلان

إعلان

العقبة ذاتها بالنسبة لـ"حسام ونهلة" رغم فارق الدخل الكبير بين الأسرتين، حيث "التفاهم" هو أسلوب حياتهما، هو ما انعكس على إدارة وتيسير أمور البيت.

"كان ممكن قبل التعويم نمشي أمور البيت بـأقل من 2000 جنيه،" تقول "أسماء"، بينما "حسام" يقول إن مصروفات البيت بالنسبة للوجبات الثلاثة، كانت لا تتجاوز بـ 3500 جنيه شهريا "ده الأكل بس غير فلوس الكهربا والمية والغاز ".


الكهرباء والمياه والغاز، هى الخدمات التي لا يمكن الاستغناء عنها ولها الأولوية القصوى، يوجد أيضا خدمات أخرى مثل الإنترنت والاتصالات وغيرها، وتتعامل معها الأسرتان باقتصاد يعتمد على ما يتوفر من فواتير الخدمات أو يتم تحميل جزء منها من المصروف الشخصي لكل فرد من الأسرة.

هناك احتياجات تعتبر ضرورية، غير المصروفات اليومية والشهرية وتعتبر من الأشياء الأساسية لأي بيت مثل الأجهزة الكهربائية وشراء شقة أو سيارة، كما يقول "حسام" وتشاركه زوجته "نهلة" نفس وجهة النظر، بينما تختلف هذه الاحتياجات عند "أسماء وإيهاب"، وتسعى الأسرتان لتوفيرها بشتى الطرق.


إعلان

إعلان

مواجهة الغلاء

اختلفت طرق الأسرتين في مواجهة الغلاء، بين البحث عن عمل إضافي بهدف زيادة الدخل أو الاستغناء عن بعض الاحتياجات مقابل الاقتصاد في النفقات أو البحث عن بدائل لتوفير هذه الاحتياجات بسعر أقل، حتى تتمكن الأسرتان من تيسير أمورهما.

"الدروس" هى المنقذ

يتقاضى"إيهاب وأسماء" ألفي جنيه راتبًا شهريًا من عملهما في مدرسة خاصة مجاورة لسكنهما، بعد خبرة 14 و13 عامًا، ورفضا فرصة عمل أفضل في مدرسة خاصة أخرى، لأن فارق الراتب كان لا يتعدى 300 جنيه، وسيضطران إلى إنفاقه ثمنًا للمواصلات لأن المدرسة تبعد عن المنزل.

الدروس الخصوصية أهم مورد في دخل أسرة "إيهاب"، وعلى الرغم من ضعف مرتبات المدارس الخاصة إلا أن هناك معلمين يقبلون بها، لتكون واجهة تبني لهم اسمًا يؤهلهم للطلب من قبل أولياء الأمور لإعطاء أبنائهم دروسًا خاصة. "مرتب المدرسة مش عايشة بيه خالص، فلوس الدروس الخصوصية هى اللي بتمشينا وبنجيب بيها كل حاجة" تقول "أسماء".

يُعطي "إيهاب" مجموعات خصوصية يقل أو يزيد عددها قليلاً من عام لآخر، ويتراوح متوسط دخله منها في السنوات الأخيرة (3 آلاف جنيه)، أما "أسماء" فتوقفت عن الدروس الخصوصية خارج المنزل بعد الزواج، وأصبحت تكتفي بتلميذين أو ثلاثة فقط تُدرس لهما بمنزلها، لا تتقاضى منهم أكثر من 400 جنيه.

إعلان

إعلان

تدابير عدة اتخذتها الأسرتان لمواجهة الغلاء. ففي، الأسرة الأولى (إيهاب وأسماء) تشكو الزوجة من غلاء الأسعار وتصفه بالجنوني، "الغلاء بياكل المرتب، مش قادرة أعمل حاجة في حياتي أنا يادوب عايشة وكل يوم بنأكل ونشرب بس".

ورغم مشقة تربية طفلين تفكر "أسماء" في إنجاب طفل ثالث في أقرب وقت لاعتبارات عائلية ومجتمعية، فهى تريد تلك الخطوة قبل تجاوزها الـ35 سنة حتى يكون لديها 3 أبناء مثل شقيقتيها.

بينما لا يرغب "حسام ونهلة"ـــ الأسرةالثانية ـــ في الإنجاب مرة أخرى، بهدف توفير حياة مناسبة لطفليهما، ويرى "حسام" أن غلاء الأسعار "نيران تكوي أسرته الصغيرة".

حيل وأساليب لمواجهة ارتفاع الأسعار


تتبع الأسرتان أساليب مختلفة من أجل توفير المصروفات المدرسية أو شراء أجهزة كهربائية.. وغيرها، فالأسرة الأولى "إيهاب وأسماء" تتفق مع إدارة المدرسة الخاصة على تقسيط مصروفات المدرسة التي تقدر بـ3 آلاف جنيه لكل طفل، وتقول أسماء إن دخلهما الشهري لا يتحمل دفع المبلغ لطفلين مرة واحدة، لذا تدفع 500 جنيه لكل طفل شهرياً،"يعني مرتب المدرسة بتاع زوجي بيتدفع كله مصروفات المدرسة الخاصة للأولاد".
بينما الأسرة الثانية "حسام" و"نهلة" يدفعان 1000 جنيه شهرياً لكل طفل مصروفاتٍ للحضانة.

لم تقوَ أسرة "إيهاب" على احتمال موجة الحر الشرسة خلال الصيف، لذلك اشترت تكييفًا في شهر رمضان الماضي، وضعته الزوجة في غرفتها حيث ينام الأب والأم والطفلان، بينما تحرص على الاقتصاد في تشغيله خوفًا من فاتورة الكهرباء "بنشغله ساعتين بالليل وإحنا نايمين ونطفيه، ولما نحس بالحر نصحى نشغله تاني شوية وبعدين نطفيه". أما أسرة "حسام" فلديها 3 تكييفات منذ عام، موزعة بين غرفتي نوم الأطفال والزوجين وحجرة المعيشة، يرى الأب أن تواجده أصبح أمراً لا غنى عنه خاصة خلال شهور الصيف "الجو بقى حر والتكييف مبقاش أوبشن رفاهية دلوقتي".

اشترت "أسماء" ماكينة زبادي تحتوي على 8 أكواب في رمضان الماضي، تحتاج إلى (كيلو لبن بـ20 جنيهًا علبة زبادي صغيرة بثلاثة جنيهات ونصف الجنيه). ويكفي هذا لعمل 8 أكواب زبادي كبيرة، فيما كانت تشتري بنفس المبلغ 4 أكواب زبادي متوسطة الحجم. واستغنت الأسرة عن شراء الطعام الجاهز "ديليفري"، كانت "أسماء" كلما شعرت بالإجهاد يشترون وجبات من مطاعم شعبية "2 بيتزا بـ50 جنيها، 3 كريب بـ90 جنيها"، لكن بعد الزيادة بدأت تصنع ذات الوجبات بالمنزل "بقيت آجي على نفسي عشان الغلاء وأعمله في البيت فنشبع أكثر ومتكلفنيش".وقلل "إيهاب" من كمية الفاكهة التي كان يشتريها "كنت بشتري كرتونة من الفاكهة الموجودة في الموسم ، لكن دلوقتي بشتري كيلو أو 2 بس". نفس الأمر بالنسبة لأسرة "حسام"، كانت تشتري طعامًا جاهزًا مرتين كل أسبوع (أي نوع مهما كانت تكلفته أو سعره مرتفعًا)، بعد ارتفاع الأسعار اكتفوا بالـ"ديليفري" مرة واحدة كل شهر توفيراً للنفقات.

"بابا وماما خدونا معاهم الصيف اللي فات مطروح"، تقول "أسماء" وبالتالي قلت نفقات المصيف إلى النصف حيث اقتصرت مصروفاتهم على التنقلات والسفر والأكل". لكن العام الحالي لم تتمكن أسرة إيهاب وأسماء من توفير نفقات المصيف "5 آلاف جنيه" تكلفة السفر لمطروح أسبوعًا كانت صعبة، فلجأت الأم إلى حيلة لتعويض أطفالها، اصطحبتهم في نزهة إلى حمام سباحة صغير في إحدى الحدائق العامة تكلفة الساعة 5 جنيهات، كما تنوي اصطحابهم للعب في أحد المولات الترفيهية، وستشتري لعبة لكل طفل، في النهاية ستكون التكلفة الإجمالية للفسحة أقل من ألف جنيه. بسبب طبيعة عمل "حسام" الصباحية في المستشفى والمسائية في العيادة انخفضت الخروجات والفسح التي اقتصر أغلبها بالنسبة للزوجة والأبناء على زيارات أهلها، وساهم في ذلك كما يقول "حسام" ارتفاع الأسعار لتغطية متطلبات الحياة المتزايدة يوميا "الخروجات النهاردة بتعتبر رفاهية زائدة". ويعتمد "حسام ونهلة" على نظام التقسيط من أجل شراء الأجهزة الكهربائية وغيرها من الأمور الضرورية التي يحتاجون إليها، لكن على العكس تمامًا يرفض "إيهاب وأسماء" التعامل بنظام التقسيط، حتى لا يتم دفع نسبة أكبر، فوائد مالية مقابل تقسيط ثمن الحاجة.

مأزق كبير تواجهه أسرة "إيهاب" خلال شهور الإجازة الصيفية، حيث تتوقف الدروس الخصوصية ما يعني غياب 75% من مصدر الدخل، كذلك قد تستغني المدرسة الخاصة عنهما لمدة شهر في الإجازة. تحاول "أسماء" مواجهة الأمر بتدابير خلال النصف الدراسي الثاني "بييجي علينا شهور بدون دخل وبنكون مطالبين بمصروفات رمضان والعيد، عشان كده بحوش من دروس الترم الثاني وده اللي بصرفه في الإجازة". على مدار 9 سنوات هى عمر زواج الشابين "إيهاب" و"أسماء"، تمكنا من شراء قطعة أرض مساحتها قرابة 100 متر بذات المدينة التي يقطنان بها قبل عام 2016، وتؤمن الزوجة بفائدة الادخار في الذهب لذلك تحاول توفير جزء من دخلها الذي لا يتعدى 1400 جنيه وتشتري حُليًا ذهبياً لنفسها وابنتها، كلما سمحت الظروف بذلك. بينما يعجز "حسام ونهلة" عن ادخار أي مبلغ رغم أن دخلهما يجعلهما في الشريحة الأعلى للطبقة المتوسطة، يضحك "حسام" ساخراً ويقول إنهم بالكاد ينفقون على احتياجاتهم الأساسية "البطل في الوقت ده هو اللي يدوب يغطي مصروفاته، الاستثمار أو إنك تحوش مبلغ معناه وجود فائض وللأسف اللي جاي على أد اللي رايح".


تتفق الأسرتان من حيث المبدأ على تحمل أعباء الإصلاح الاقتصادي في مقابل تحسن الأوضاع في المستقبل القريب، وتتمنيان أن يتحقق ذلك خلال عامين كما وعد أكثر من مسؤول حكومي بحصاد ثمار الإصلاح الاقتصادي في الفترة المقبلة.


# نسب التوزيع الخاصة بالدخل الشهري تقريبية حددها ثلاثة من الخبراء والمتخصصين

قصة: نانيس البيلي

رسوم: سحر عيسي

إنفوجراف: مايكل عادل

جرافيك: أحمد ياسين

تنفيذ: محمد عزت

إشراف عام: علاء الغطريفي