كلمات كالرصاص حملتها خطابات البغدادي المبنية على العنف والكراهية




على مدى خمس سنوات متتالية خرج زعيم «داعش»، أبوبكر البغدادي، بتسجيلات صوتية وخطب مرئية متنوعة- منذ الإعلان عن تنظيمه في التاسع والعشرين من يونيو عام 2014- إلا أن خطاباته التي حملت تحريضات عدة، شهدت تحولات على مر السنوات الخمس، بدأت بالاعتماد على كلمات تُبشر بـ«نعيم دولة الخلافة»، مستندًا إلى «القرآن والسنة»؛ لإقناع أتباعه بمخططاته واستقطاب المزيد من المقاتلين المُتعطشين لـ«حلم استعادة الخلافة الإسلامية» المزعوم إلى الاعتماد على مفردات سياسية تجاوزت القناعة الفكرية القائمة زورًا على تعاليم الدين، والتمسك بـ«لغة السلاح» بغرض استنزاف الدول ومقدراتها وتثبيت ما تبقى من تنظيمه المُشتت، في وقتٍ خسر فيه كل الأراضي التي كان يسيطر عليها.

أجرينا في هذه القصة تحليلًا لجميع خطابات زعيم «داعش» التي بثتها المؤسسة الإعلامية الرئيسية للتنظيم، المعروفة باسم «الفرقان» منذ منتصف 2014، حتى آخر تسجيل صوتي له في السادس عشر من سبتمبر الماضي؛ للوقوف على مدى تغير لغة خطاب البغدادي والسبب وراء ذلك التغيير، وما تعكسه تلك اللغة على وضع التنظيم وما تشير إليه مستقبلًا، وذلك بالاعتماد على رصد إجمالي كلمات كل خطاب من الخطابات التسعة سواء كانت تسجيلات صوتية أو ظهورًا مرئيًا، ومقارنتها بإجمالي عدد كلمات الآيات القرآنية التي استند إليها في كل خطاب، مع إظهار النسبة المئوية للآيات من إجمالي الخطاب، وتسليط الضوء على معدل الكلمات الأعلى تكرارًا ومدلولاتها، ووضع تلك الخطابات في سياق الحدث بالاعتماد على خريطة ترصد نفوذ التنظيم وهزائمه عبر السنوات الخمس.

كان الاختلاف كبيرًا بين الخطاب الأول وآخر ظهور مرئي لـ«البغدادي»- مشهدا قيام الدولة وسقوطها- ففي الوقت الذي استند فيه الخطاب الأول على 18 آية قرآنية استقاها من 11 سورة بلغت نسبتها 22.8% من إجمالي عدد كلمات الخطاب، خلا الظهور المرئي الأخير من أي آيات قرآنية بنسبة 0% من إجمالي الخطاب، وتراجع ذكر لفظ الجلالة «الله» الأكثر تكرارًا فيهما من 45 مرة إلى 30 مرة. بينما انقلب الحال مجددًا إلى «نقطة الصفر» بعد سقوط دولته المزعومة وعودته لمرحلة «عدم التمكين»، وهو ما بدا في تسجيله الأخير، 16 سبتمبر الماضي 2019، حيث استحوذت «لغة الدين» على 80% من مجمل حديثه.


إعلان

تحليل جميع خطابات زعيم داعش

تركيز لغة الخطاب على الدين للإقناع والتأثير

في الثلاثين من يونيو عام 2014 -أي بعد الإعلان عن تنظيم داعش بيوم واحد- خرج «البغدادي» بتسجيل صوتي هو الأول له بعد تنصيبه «أميرًا» من قبل أتباعه، وطيلة 19:47 دقيقة، كانت المفردات الدينية طاغية بقوة على حديثه، فأخذ يوجه النصح لأتباعه ويأمرهم بـ«الجهاد» والتمسك بفضائل الإسلام في شهر رمضان طلبًا للجنة، ويبارك قيام «خلافة» يدعوهم للهجرة إليها لإعادة الإسلام إلى زمن الفتوحات ومواجهة من وصفهم بـ«أمم الكفر والطغيان» كأنه أمر إلهي من «الله»- تعالى- لفظ الجلالة الأكثر تكرارًا في خطابه إلى «المسلمين»- ذكرها 11 مرة- وكررها بأشكالها «المسلمون والمسلمين وأمة الإسلام» 23 مرة في الخطاب.

كلمة البغدادي الصوتية تلك لم تختلف عن إطلالته الأولى من على منبر مسجد النوري في مدينة الموصل العراقية والتي تلتها بـ5 أيام فقط. كانت كلماتهما ومدلولاتهما متشابهتين، وحرص على الظهور بهيئة «الخليفة» الإمام؛ إذ طلب من الجميع طاعته وتنفيذ أوامره كأنها طاعة لله واجبة ورفعةً لدينه.

لم يمر شهر ونصف الشهر على خُطبة مسجد النوري، حتى أعلنت الولايات المتحدة الأمريكية عن تحالف دولي لضرب داعش، وجه أولى ضرباته للتنظيم بالعراق في 8 أغسطس من العام نفسه، لتتوالى بعدها الضربات على معقله وتوسيعها لتصل إلى سوريا في 22 سبتمبر، وبحلول الأول من أكتوبر من نفس العام كان التحالف قد نفذ 323 هجومًا جويًا على سوريا والعراق -أي خلال 52 يومًا فقط-.

رغم تلك الضربات المتتالية، ظل البغدادي مُحتجبًا عن الظهور حتى خرج في تسجيل صوتي جديد منتصف مايو عام 2015، ومدته 34:48 دقيقة، حمل عنوان «انفروا خفافًا وثقالًا». في تلك الكلمة، خلع البغدادي عباءة الإمام الخطيب وارتدى ثوب المُحرض، زاعمًا أن «الإسلام دين القتال لا السلام»، حيث هاجم اليهود في 13 موضعًا، ومن وصفهم بـ«الروافض» 12 مرة، و«الصليبيين» 10 مرات. أشار أيضًا وللمرة الأولى إلى «الذبح»، ودعا إلى الخروج على الحُكام العرب وقتالهم لمشاركتهم في التحالف الدولي الذي يهدف إلى استئصال تنظيمه.

في هذا الخطاب، أثنى «البغدادي» على عمليات أتباعه في أوروبا وأمريكا، والعراق وتونس واليمن وليبيا وغرب أفريقيا. ولمَ لا وقد شهدت أوروبا هجمات دامية: فسقط 12 قتيلًا في حادث صحيفة «شارلي إبدو» الفرنسية 7 يناير 2015، وقُتل 9 سياح ومواطنين ليبيين في تفجير فندق «كورنثيا» وسط طرابلس، وذُبح 21 قبطيًا مصريًا في مدينة درنة، إضافة إلى سقوط 142 شخصًا في تفجير مسجدين بمدينة صنعاء اليمنية، وصولًا إلى هجمات باريس الدامية في 13 نوفمبر، والتي خلفت 130 قتيلًا ومئات المصابين.

وردًا على الضربات المتتالية للتحالف الدولي، نشر التنظيم سلسلة فيديوهات لأعضائه يهددون بذبح رعايا التحالف من الأجانب المحتجزين لديهم، لينفذوا أول تهديداتهم بالفعل بعد 11 يومًا فقط من الهجوم الجوي على معاقل التنظيم بالعراق، بذبح الصحفي الأمريكي جيمس فولي، المخطوف في شمال سوريا منذ نوفمبر 2012.

حواء محمد ليمان
24 عامًا
قُتلت: 17 أكتوبر 2018
عاملة إغاثة أممية بالصليب الأحمر. نيجيرية
إعدامًا بالرصاص في نيجيريا
لو لينغ لينا
مُعلمة لغة صينية
قُتلت في: 8 يونيو 2017
كانت بصحبة "لي شين فنغ"
تصفيةً بالرصاص في كويتا بباكستان
جيمس فولي
صحفي أمريكي
40 عامًا
قُتل في 19 أغسطس 2014
ذبحًا بسكين في سوريا
ستيفن سوتلوف
صحفي أمريكي
31 عامًا
قُتل في: 2 سبتمبر 2014
ذبحًا بسكين في سوريا
ديفيد هينز
عامل إغاثة بريطاني
44 عامًا
قُتل في: 13 سبتمبر 2014
ذبحًا بسكين في سوريا
إيرفيه جورديل
مرشد سياحي ومتسلق جبال فرنسي
55 عامًا
قُتل في: 24 سبتمبر 2014
ذبحًا بسكين في الجزائر
آلان هينينغ
عامل إغاثة متطوع بريطاني
47 عامًا
قُتل في: 3 أكتوبر 2014
ذبحًا بسكين في سوريا
بيتر كاسيغ
عامل إغاثة متطوع أمريكي
26 عامًا
قُتل في: 16 نوفمبر 2014
ذبحًا بسكين في سوريا
سفيان الشورابي
صحفي ومدون تونسي
33 عامًا
قُتل في: 8 يناير 2015
رميًا بالرصاص في ليبيا
نذير القطاري
مصور تونسي
قُتل في: 8 يناير 2015
كان بصحبة زميله سفيان الشورابي
هارونا يوكاوا
صاحب شركة تجارية ياباني
42 عامًا
قُتل في: 24 يناير 2015
ذبحًا بسكين في سوريا
كينجي غوتو
صحفي/ مراسل تليفزيوني ياباني
47 عامًا
قُتل في: 31 يناير 2015
ذبحًا بسكين في سوريا
معاذ الكساسبة
طيار حربي أردني
27 عامًا
قُتل في: 3 فبراير 2015
الإعدام حرقًا في سوريا
توميسلاف سلوبك
عامل بشركة نفط فرنسية. كرواتي
31 عامًا
قُتل في: 12 أغسطس 2015
ذبحًا بسكين في سيناء
سيزار تافيلا
عامل إغاثة/ طبيب إيطالي
50 عامًا
قُتل في: 29 سبتمبر 2015
اغتيالًا بالرصاص في بنجلاديش
سليمان أبو حراز
شيخ صوفي كبير. مصري
98 عامًا
قُتل في: 19 نوفمبر 2016
إعدامًا بالسيف في سيناء
إفغيني بيترينكو فيكتوروفتش
ضابط مخابرات روسي
36 عامًا
قُتل في 9 مايو 2017
ذُبحًا بسكين في سوريا بعد أسره
لي شين فنغ
معلم لغة صينية
الجنسية: صيني
قُتل في: 8 يونيو 2017
تصفيةً بالرصاص في كويتا بباكستان

لم تردع عمليات ذبح الأسرى الأجانب هجمات التحالف ضد التنظيم، بل زادتها رغبةً في الثأر لرعاياهم، فكلفت تلك الضربات الكثيفة تنظيم داعش الكثير، وحدّت من توسعاته على الأرض، وأجبرت البغدادي على الخروج بخطاب جديد في ديسمبر 2015، اختلفت لغته عن لغات الخطابات السابقة له؛ إذ تعالت فيه نبرة التحريض والمواجهة، وأعلن خلاله تبني «القضية الفلسطينية» للمرة الأولى في خطاباته، فجاءت على لسانه 5 مرات، بينما تكررت كلمة «الدولة» 12 مرة.

خروج البغدادي للحديث كل مرة، هو انعكاس للوضع الجغرافي لتنظيمه، ومع مرور الوقت وبداية انحسار داعش وتكبده خسائر في الأرض نهاية عام 2015 وبداية العام 2016، لجأ الإرهابي المطلوب الأول عالميًا إلى تغيير لغة خطاباته لتُناسب هذه المرحلة الجديدة، فقد فرضت عليه تلك الأحداث خطابًا جديدًا لأتباعه، حيث اهتم بقضايا سياسية لم تكن في أدبياته منذ تأسيس تنظيمه كـ«تحرير بيت المقدس»، الذي لم يذكره قبل 2016 بهذا الاهتمام؛ إذ أدرك أهمية الحديث عن القدس في هذا التوقيت؛ لجذب مقاتلين جُدد وتعويض خسائره البشرية- بحسب الدكتور علي بكر، الخبير بمركز الأهرام للدراسات السياسية والاستراتيجية.

في الثاني من نوفمبر عام 2016 -أي بعد غياب سنة- خرج البغدادي بتسجيله الصوتي الرابع، فقسم خلاله العالم إلى «أمم الكفر» و«دولة الإسلام»، واعترف خلاله بخسارة الكثير من أرضه، ودعا أتباعه للتضحية بأنفسهم في سبيل الحفاظ على ما تبقى من أرض، وبدا هاجس «سقوط الخلافة» واضحًا في خطابه، فطالبهم بالحفاظ عليها في أكثر من 40 موضعًا بالخطاب.

كانت الأوضاع مُشتعلة قبل هذا التسجيل الصوتي، فقد قُتل أبرز قادة تنظيم داعش، وخسر البغدادي مدينة «الفلوجة»، وطُرد من جميع الآبار النفطية، وفقد سيطرته على مدينة دابق في محافظة حلب السورية، ونال تنظيمه هزيمة كبرى في «جرابلس» الحدودية، وأطلق العراق معركة تحرير الموصل للقضاء على «الخلافة».

خطاب البغدادي في عام 2017، كان مختلفًا كليًا، إذ تجنب بدايته المُعتادة في الأحاديث السابقة سواء كانت تحريضًا أو دعوة للقتال والتمسك بالأرض، وبدأ يحكي عن الخليقة وبداية الإنسان وخلق آدم، وبعث الأنبياء والرسل إلى قومهم، ثم ما لقيه نبي الله محمد - صلى الله عليه وسلم - على يد قومه من تعنت ورفض لرسالته ومحاربة إلى أن انتهى بالنصر، ثم أخذ يحكي عن القيادي القاعدي أبومصعب الزرقاوي، ومواجهته للغزو الأمريكي للعراق، ومن بعده أبوعمر البغدادي، ثم الإعلان عن التنظيم وتأسيس ما وصفه بـ«الخلافة» وكيف اجتمع عليها العالم لإسقاطها.

كان حديثًا «دبلوماسيًا» من الدرجة الأولى، سعى به للتأثير في المتعاطفين معه والراغبين في الانشقاق عن التنظيم تزامنًا مع هزيمته في الموصل العراقية وطرده من الرقة السورية، على يد التحالف الدولي بقيادة الولايات المتحدة، التي قصدها في حديثه 32 مرة باسم «أمريكا، والأمريكان، وأهل الكفر».

اختفى البغدادي، بعد الخطاب السابق، عدة أشهر، وظن الكثيرون أنه قُتل، لاسيما بعد تأكيد وزارة الدفاع الروسية استهدافه، تزامنًا مع قرب سقوط تنظيمه وتحرير جميع الأراضي الخاضعة له بما فيها العراق بالكامل، إلا أنه فاجأ الجميع بكلمة صوتية جديدة تحت اسم «وبشّر الصابرين»، في 2 أغسطس 2018.

هذه الكلمة الصوتية هي الأطول لـ«البغدادي»، إذ بلغت 54:43 دقيقة، واحتوت على 5162 كلمة، كان مفادها «لا تسمحوا لهم بإسقاط الخلافة، ولا تتأثروا بسقوط المدن، فقد أُمرنا بالقتال لا النصر»، وكرر كلمة الجهاد بأشكالها: «المجاهدون، مجاهدين، وجهادكم» 26 مرة، وهي دعوة لـ«الاستماتة» والتمسك بدولتي العراق التي جاءت على لسانه 14 مرة في الخطاب، و«الشام» التي كررها 15 مرة، فضلًا عن الخلافة 11 مرة.

بدت المفردات السياسية في خطاب 2018 واضحةً تمامًا، فقد أراد استغلال القضايا السياسية الإقليمية والدولية في تحريضه، محاولًا القفز على حاجات الشعوب والمجتمعات لفرض نفسه بديلًا عن الأنظمة السياسية القائمة في الدول المختلفة، بدعوة أتباعه بأفرع التنظيم المنتشرة في أجزاء مختلفة من العالم لتكثيف ضرباتهم في الدول المتواجدين بها، ودعوة شعوبها لنصرتهم ضاربًا المثل بالمظاهرات الداخلية في الأردن، وأزمة القس الأمريكي في تركيا، والعقوبات الأمريكية في إيران، والضربات الجوية على الغوطة الشرقية، وحالة الانفتاح في السعودية، وكلها قضايا تطرق إليها.

تغير لغة الخطاب من الديني إلي السياسي الحماسي


بلحية بُنية كثة وملامح شابها الكبر، ظهر البغدادي من جديد، عبر 18:22 دقيقة، في التاسع والعشرين من أبريل 2019، جالسًا مع ثلاثة من قيادات تنظيمه وبجانبه رشاش آلي من نوع (AkS-74U) المعروف بـ«بندقية بن لادن»، متحدثَا 920 كلمة خلت للمرة الأولى في خطاباته من أي آية قرآنية أو حديث نبوي، وتراجعت كلمة «الخلافة» فلم تعد ضمن الكلمات الأكثر تكرارًا في حديثه، بل لم يشر إلى «الأرض» أو «الدولة» بحرف واحد، لكنه اعترف بسقوط «الباغوز»- آخر منطقة يسيطر عليها بسوريا- في الوقت ذاته جاءت كلمات: الإسلام و«الصليبيين» والمجاهدين والمعركة، ضمن الأكثر تكرارًا في حديثه.

بعد أربعة أشهر ونصف الشهر من هذا الظهور العلني الثاني، خرج زعيم داعش في 16 سبتمبر الماضي، بتسجيله الصوتي الأخير، والأول بعد سقوط خلافته المزعومة بسوريا والعراق، مدته 30:15 دقيقة. كانت مفرداته «عقائدية» في المقام الأول، وهدفه التأثير بلغة «القناعة الفكرية» القائمة على الدين، وهي نفس اللغة التي اعتمد عليها في أولى فترات الإعلان عن «الدولة الإسلامية في العراق والشام» قبل خمس سنوات.

وبالنظر إلى ذلك الخطاب البالغ 2909 كلمة، فقد اعتمد البغدادي على آيات قرآنية بعدد 425 كلمة مثلت 14.6% من إجمالي الخطاب، بينما جاءت «مفردات الدين» مجتمعة: «قرآن، وأحاديث نبوية، وأقوال صحابة» بنسبة 80% بعدد 2321 كلمة من إجمالي كلمات الخطاب، وحلت كلمة «الخلافة» كأكثر ثاني الكلمات تكرارًا بواقع 14 مرة على لسانه.

فرضت هذه المرحلة الجديدة التي يمر بها «داعش» حاليًا متطلبات جديدة؛ حيث تحول فيها زعيم التنظيم من الدعوة إلى توسيع رقعة الأرض والحفاظ على «الدولة» وإقامة الدواوين، إلى فكر جديد قائم على «الاستنزاف» وتنفيذ عمليات إرهابية كبرى في أماكن عدة في العالم خارج خلافته المنهارة بسوريا والعراق، فضلًا عن تجنيد مزيد من المقاتلين وتجييشهم بالاعتماد على استراتيجيات جديدة «لا تقوم على السيطرة المكانية»، وهو ما يتطلب العودة إلى تطويع الدين بهدف التأثير في الشباب والمتعاطفين وإقناعهم بأهداف التنظيم من جديد بعد الهزيمة- كما يقول أحمد كامل البحيري، الباحث في شؤون الجماعات الإسلامية.

«البحيري» يشير إلى أن الخطاب الأخير للبغدادي جاء مرتبطًا ببنية «تنظيم عقائدي» له فروع وليس «دولة سياسية لها أركان»، أي جاء متسقًا مع مرحلة «عدم التمكين» التي سبقت الإعلان عن التنظيم في منتصف عام 2014، لافتًا إلى أن زعيم داعش كان حريصًا على مغازلة الجماعات الإسلامية الأخرى لمبايعته، فضلًا عن تكليف عناصره باستقطاب مزيد من المقاتلين بما أسماه «تصحيح مفاهيمهم الدينية»، وتذكيرهم بـ«حلم استعادة الخلافة الإسلامية».

في 15 يونيو الماضي- أي بعد ظهور البغدادي العلني الثاني- بدأت جماعات إرهابية وصلت الآن إلى 14 فرعًا في دول مختلفة تبث فيديوهات قصيرة مدتها من 4 إلى 5 دقائق، تحت عنوان «والعاقبة للمتقين»، أعلنت خلالها (تجديد البيعة) لزعيم التنظيم، والتعهد له بالولاء والطاعة، وتنفيذ ما دعا إليه في خطابه بالسعي لاستنزاف الدول ومقدراتها سياسيًا واقتصاديًا وعسكريًا خلال الفترة المقبلة، وجاءت دعوته في الخطاب الأخير قبل أيام تأكيدًا لذلك التحريض مصحوبًا بسرعة استقطاب مزيد من المقاتلين وتعليمهم أفكار التنظيم ونهجه.

إذًا نحن أمام «فكر جديد» يرغب في التوسع خارج سوريا والعراق، وتقوية فروعه الحالية واستقطاب عناصر في دول جديدة، استجابة لنداء زعيم «داعش» ودعوته التحريضية في خطاباته، فخطة «البغدادي» تقوم على الانتشار فكريًا وليس تنظيميًا، والتأقلم مع أوضاع الدول عبر تكتيكات حرب العصابات، وهو ما يؤكده الدكتور جاسم محمد، رئيس المركز الأوروبي لدراسات مكافحة الإرهاب والاستخبارات- مقره ألمانيا وهولندا. ويُضيف بأن تنظيم داعش تخلى- حاليًا- عن «مرحلة التمكين»، وما يسمى بـ«دولة الخلافة»، وتحول إلى أيديولوجية متطرفة ميدانيًا، حيث يتحرك بمجموعات صغيرة ويعتمد الكر والفر، أي أننا اليوم أمام «إرهاب لا مركزي مُتمرد أشد خطورة» يحركه البغدادي.

تم إنجاز هذا الملف بالتعاون مع موقع إنفوتايمز

ملف: محمود الطباخ

جرافيك: أحمد بيكا

فيديوجراف: أحمد عبد الغني

تنفيذ: محمد عزت

إشراف عام: علاء الغطريفي