"العمل في تشرنوبل عرّفني بالعالم"

صدفة بحتة جمعت "ميخائيلو تيسلينكو" عام 2010 مع مفاعل تشرنوبل. سمع الشاب الذي يقطن العاصمة الأوكرانية كييف عن الحاجة لمرشدين سياحيين بالمنطقة المنكوبة. قرر أن يجرب، خصوصًا أنه درس اللغتين الإنجليزية والفرنسية في الجامعة "أحببت العمل.. أتاحت لي رؤية أشياء متنوعة والتعرف على أشخاص من كل العالم".

داخل منطقة المفاعل يقضي "تيسلينكو" معظم وقته "أذهب للمكان هُناك حوالي 25 يومًا في الشهر"، عايش الشاب تغير الرحلات على مدار الزمن، وزيادة عددها في الآونة الأخيرة، غير أن أكثر ما لفت نظره هو أن إجراءات السلامة والتحذيرات باتت أشد وطأة "مثلا المباني في بريبيات آيلة للسقوط فمنعت الحكومة دخولها بالكامل".

في الصيف يُصبح عمل "تيسلينكو" أشق، يتضاعف عدد الرحلات، إذ يعمل مُرشدًا حُرًا "أحيانًا أخرج في جولات تُنظمها الدولة بشكل رسمي وأحيانًا مع شركات سياحية خاصة"، لا يكل الشاب من عمله "على العكس، أتعلم كل يوم شيئًا جديدًا"، لا يواجه صعوبات كبيرة بسبب خبرته، إلا من بعض الإجراءات الروتينية الحكومية لخروج الجولات.

قبل العمل، تخوّف تيسلينكو من الأضرار الصحية على المدى الطويل بسبب التعرض للإشعاع، لكن إجراءات صارمة للعاملين بمحيط المفاعل طمأنته، إذ يُجري فحصًا شاملًا كل عام، كما يُجري فحصًا على نسبة الإشعاع في جسده 3 مرات يوميًا "وحتى الآن لم تزد النسبة عن المعدل الطبيعي".

تفاصيل متنوعة تشملها الجولات التي ينظمها "تيسلينكو"، تبدأ الرحلة من يوم واحد فقط وحتى خمسة أيام، وكلما زاد عدد الأشخاص في المجموعة الواحدة انخفض المقابل المادي الذي يدفعه السائح الواحد، حيث تتراوح الأسعار بين 200 دولار لليوم وحتى 600 دولار في الخمسة أيام "أيضا أنظم رحلات لداخل المفاعل نفسه ولكن يحدث ذلك بالتنسيق مع العلماء هناك والحكومة"، تلك الرحلات لداخل المفاعل المُنهار لم تكن مُتاحة حتى سنوات قريبة.



بالنسبة لـ"تيسلينكو"، لا يعتبر عمله شيئا ترفيهيًا بقدر ما يحاول توعية القادمين بما حدث "البعض لا يستوعبون حجم الكارثة الإنسانية"، لا يتوقف الأمر على سرد الوقائع وكسب التعاطف فقط، بل احترام السائحين للمكان "هذا أكثر ما ننبه عليه.. نقول للناس إننا لسنا في ديزني لاند"، فلا يجب لمس أي شيء في المدينة المهجورة أو محيط المفاعل وبالطبع لا يُسمح بالاحتفاظ بأي شيء "ما زال هُناك مئات العلماء الذين يقومون على تنظيف المنطقة.. يجب أن يُظهر الناس امتنانهم لذلك".

في الجولات، لم يتوقف حديث السائحين عن مسلسل تشرنوبل الجديد "أحببت الحلقات للغاية.. أكثر ما أعجبني كمواطن أوكراني أنها رفعت الوعي بالكارثة"، يقول تيسلينكو إن الرحلات زادت لكن ليس بالشكل الضخم كما يتصور البعض، ففي عام 2010 كان عدد الزائرين سنويًا يصل إلى 4000 شخص، فيما وصل الآن إلى أكثر من 70 ألف سائح سنويًا.

إعلان

شقيقتان من سوريا إلى أوكرانيا

عام 1986، كانت السيدة "أولا بترفنا" في شهر حملها السابع، تعيش رفقة ابنتها "إلينا" ذات السنوات الست وزوجها في مدينة لفوف الأوكرانية، طالما سمعت الأسرة عن مدينة تشرنوبل، التي تبعد عنهم حوالي 4 ساعات بالسيارة، تتذكر "إلينا" تلك الفترة لحد كبير، تسترجع كيف تغير كل شيء ليلة انفجار المفاعل في إبريل من نفس العام، تروي كيف أصبحت بعد 33 عامًا تمتلك شركة سياحة في كييف، تُنظم من خلالها رحلات إلى المفاعل.

في لفوف نشأت "إلينا" محمد لأب سوري وأم أوكرانية. مدينة بريبيات الملاصقة للمفاعل شكلت جزءًا من ذاكرتها "كانت مرفهة للغاية.. بعض البضائع لم تصل إلينا في لفوف لكنها توفرت لديهم بشكل كامل".

قرأت صاحبة التسعة والثلاثين عامًا كثيرًا عن المفاعل، لم تستمر أسرتها في أوكرانيا عقب الانفجار "روحنا على سوريا وأنا رجعت أوكرانيا تاني عام 2010؛ لأستكمل الدراسات العليا".

طالما عملت "إلينا" في السياحة بسوريا "والدي عنده شركة سياحة هُناك من 2005". تكونت لديها خبرة جيدة خلال تلك السنوات، قررت استخدامها بعد العودة لأوكرانيا، خصوصًا مع السائحين العرب "بلشنا الشركة بتاعتنا في 2013 لكن ما فكرنا نروح على تشرنوبل غير قبل عام".

داخل أحد المعارض السياحية بأوكرانيا تعرّفت "إلينا" على شابة تعمل بشركة تنظم رحلات سياحية للمكان، روت لها الفتاة عن الجولة، ازداد حماس ابنة سوريا للتجربة فقررت الذهاب عام 2018.

حين وصلت الشابة الثلاثينية إلى منطقة المفاعل استعادت حكايات والدتها، قبل أن يغمرها الحزن "كيف هاي البلد اللي كنا نحكي فيها ونتحاكى تصبح مهجورة وخطرة؟".

كلما توغلت "إلينا" في التفاصيل، ازداد فزعها "بتذكر إني شفت خزانة في شقة ما زال بداخلها ملابس إلى الآن"، أحبّت الجولة وعادت محملة بذكريات جديدة "وقررت إنه ليش ما تطلع رحلات بشركتنا لهناك".

إجراءات دخول السائحين إلى تشرنوبل ليست يسيرة "المنطقة هناك عسكرية أكتر منها سياحية"، تحتاج تصاريح الجولات من عشرة أيام إلى شهر، لكن الأمر استحق المحاولة.

عقب 6 أشهر من زيارة "إلينا" للمفاعل، كررت شقيقتها "ناتالي" التجربة، لكن رفقة والدتها تلك المرة "كانت فكرة إني مولودة بأوكرانيا وأول مرة أشوف المفاعل مضحكة للغاية" تقول ناتالي، كحال شقيقتها الكُبرى تعرف كل شيء عن المكان لكن الواقع كان مغايرًا "الأمر كأنه كنا جوه متحف حيّ كبير".

لم تمر مُشاهدة مسلسل تشرنوبل على الشقيقتين "رغم كل دقته لم يعكس هول الكارثة بشكل كاف وفشل السوفيت حينها بالتصرف بشكل صحيح"... تستطرد ناتالي قائلة: "المسلسل أعاد لي شعور الحزن اللي راودني لما وصلت تشرنوبل وشعور الفخر إننا قدرنا نتجاوز هاي المحنة بعد 33 عامًا".

بالنسبة للأخت الكُبرى "شاهدت بعض مقاطع فقط منه"، لكنها ترى انعكاسه على الرحلات. "الحكومة عم تسعى لتوسيع المنطقة المسموح بزيارتها وتسهيل إجراءات الدخول بسبب الضجة ياللي حصلت" ازداد الطلب على رحلات المفاعل في الفترة الأخيرة "لدرجة أنا لم أتوقعها وصار فيه عرب كتير يطلبوا ييجوا".



رحلتك إلى تشرنوبل




1

تنطلق الحافلات المقلة للسائحين في الثامنة صباحًا من العاصمة كييف


تستغرق الرحلة حوالي الساعتين بالسيارة، تصل الرحلات عند نقطة فحص شرطية قبل 30 كيلومترًا من تشرنوبل.

2

3

توجد نقطة فحص أخرى قبل 10 كيلومترات من المفاعل.


تتضمن الجولة التعريف بالكارثة وكيف شكل الحياة الآن في المنطقة المنكوبة.

4

5

تتضمن أيضا التعريف بأكثر الأماكن، الأدوات التي تحمل نسبًا أعلى من الإشعاع.


تستمر الرحلة حتى الوصول إلى محطة الطاقة النووية، والتقاط الصور قُرب المفاعل 4 الذي حدث به الانفجار.

6

7

تنتهي الجولة حوالي السادسة مساءً، و تعود الحافلات للعاصمة الأوكرانية.


يمر الزائرون قبل وبعد الدخول بعدة بوابات تقيس نسبة الإشعاع في أجسادهم؛ للتأكد من عدم ارتفاعها عن المعدل الطبيعي.

8