قبل نحو 3 أشهر من الزلزال الذي ضرب تركيا وسوريا فبراير الماضي، منح الأطباء في مستشفى أنطاكيا إجازة للشاب السوري مُحمد عماش من أجل استكمال عدد من التقارير الطبية، يعالج عماش داخل قسم الأورام بالمستشفى لإصابته بمرض سرطان الساركوما في الفخذ، بعد حصوله على جرعة من الإشعاع الكيماوي.
على مدار 5 سنوات منذ إصابته بالمرض في 2019، قضي محمد أيامًا قليلة فقط رفقة عائلته الصغيرة في شمال سوريا، بينما كان وحيدا لشهور على أحد أسِرة المستشفى في تركيا، ورغم فرحته الكُبرى بالإجازة القصيرة التي حصل عليها قبل نحو شهرين للعودة إلى صغاره، لكنّ الفرحة لم تكتمل بعدما ضرب الزلزال مدينته عقب وصوله بأيام قليلة.
"نزلت وصار الزلزال، تضررت بيوتنا وكمان ما بقينا نقدر نفوت نكمل علاج" يتحدث عماش الذي كان عليه العودة في العشرين من فبراير الماضي إلى المستشفى الدولي بأنطاكيا في تركيا لزيارة الطبيب الخاص به واستكمال علاجه والحصول على جلسة العلاج الكيماوي، لكنّ الزلزال ومن ثم إغلاق معبر باب الهوى حال دون تحقيق ذلك.
00:00
خرج محمد من الدنيا بثلاثة من الأبناء أكبرهم فتاة لم تتجاوز السادسة من عمرها، قبل إصابته بالسرطان كان عاملا بسيطا في حفر الأساسات، وبعدما توغل السرطان في جسده من فخذه حتى وصل إلى رئتيه لم يعد قادرا على العمل والحصول على الأموال لإطعام صغاره، فضلا عن احتياج عائلته التي تعيش على مساعدات فاعلي الخير، وقد انخفضت بعد الزلزال.
"مافيه جلسات أشعة بالشمال السوري والأدوية المتوفرة ما بقدر على تكلفتها" بعد أزمة غلق معبر باب الهوى أمام مرضى السرطان، حاول الشاب البحث عن بديل لإنقاذ حياته خاصة وأنّ حالته الصحية تتدهور بسبب تأخير الحصول على العلاج، ولا يوجد علاج سوى في تركيا، وجرعات الكيماوي المتوفرة في مركز الأورام بسوريا تكلفتها أعلى من قدرة الشاب وأسرته ليعيش الشاب على أمل فتح المعبر، "ماعندنا حل تاني سوى الشكوى إلى الله" يقول عماش.
مع تفاقم الأزمة الإنسانية في سوريا، أقر مجلس الأمن عام 2014 السماح بعبور المساعدات الإنسانية الأممية من 4 معابر برية في سوريا هي باب السلامة، وباب الهوى مع تركيا، والعربية مع العراق، والرمثا مع الأردن، لكن في مطلع عام 2020 صوت مجلس الأمن لصالح قرار يتيح عبور المساعدات الأممية عبر الأراضي التركية من خلال معبري باب الهوى وباب السلامة، مما تسبب في إغلاق معبرين في شمال شرقي وجنوبي سوريا.
القرار الذي تم تعديله مرة ثانية في يوليو 2020 ، بعدما استخدمت روسيا حق النقض ضد مرور المساعدات الإنسانية من معبر باب السلامة، ليقتصر دخولها على معبر وحيد هو معبر باب الهوى، والذي تم غلقه هو الآخر عقب الزلزال الأخير في وجه سوريين الشمال.
سرطان دماغ
سرطان دم
سرطان ثدي
سرطانات متنوعة
سرطان مثانة
لمفوما
سرطان رئة
في بداية العام الماضي تفاجأت عائلة الطفلة مها صاحبة الـ5 أعوام بإصابة صغيرتهم بسرطان الدم، المرض لم يكن في مرحلة متقدمة فالطبيب أخبر والد الطفلة أنّها ستحصل على العلاج وستصبح بخير، ومنذ ذلك الوقت بدأت رحلة الصغيرة الصعبة بين الشمال السوري ومستشفيات تركيا والتي تحصل على العلاج بداخلها مجانا.
"بنتي كانت المفروض تحصل على علاجها في فبراير" قبل نحو 5 أيام من الزلزال المدمر الذي ضرب الشمال السوري حصلت مها على جلسة العلاج الكيماوي الخاصة بها في مستشفى هاتاي بتركيا، أخبر الأطباء والديها بالعودة إلى سوريا في إجازة قصيرة لحين موعد الجلسة القادمة والتي كانت بتاريخ الرابع عشر من فبراير الماضي.
أغلق معبر باب الهوى ووقف والد مها عاجزًا عن إنقاذ صغيرته، والتي تسوء حالتها يومًا بعد يوم، خاصة وأنّ الأطباء في الشمال السوري لم يتمكنوا من تحديد مرحلة المرض الحالية التي وصلت إليها الطفلة بعد مرور أكثر من شهر على جلسة الكيماوي، حاول الأب البحث عن العلاج في مركز الأورام بمدينة إدلب لكن الإجابة كانت "العلاج غير متوفر".
"نحنا ساكنين بإدلب ومافيش لا هلال ولا صليب يغيثونا" لم يكن هناك حلولا أمام والد الصغيرة سوى الدعاء فقط، فالعلاج الكيماوي في مدينة إدلب قد حصلت عليه بالفعل الصغيرة من قبل، وحاليا هي تحتاج إلى علاج إشعاعي والذي يعتبر آخر مراحل العلاج وهو غير متوفر في مدينته وكذلك الشمال السوري.
من كانوا رفقة مها في مستشفى هاتاي التي خرجت من الخدمة جراء الزلزال، ولم يعودوا إلى سوريا قبل الزلزال، تم تحويلهم إلى مستشفيات أخرى للحصول على العلاج في مدن غازي عنتاب وأضنة ومرعش وغيرها من المدن التي يتوفر فيها العلاج للمرضى السوريين، لذا فهناك أماكن يمكن أن يذهب إليها المرضى ممن لا يتوفر علاجهم في الشمال بدلا من انتظارهم للموت كل يوم ، يقول والدها"مافي شئ بإيدي غير الدعاء إن تركيا تفتح المعبر لأجل صغيرتي مها ورفاقها المرضى".
تحدث الدكتور ملهم غازي مدير مديرة المستشفيات عن صعوبة الحالات الطبية تحديدا المتعلقة بمرض السرطان التي تم إيقافها بعد كارثة الزلزال، ويقول أنّ وزارة الصحة بالشمال السوري خلال الأسابيع الماضية عملت على تجهيز المركز الخاص لعلاج أمراض السرطان من أجل تقديم الخدمة لجميع المرضى لكن عدم توفر الأدوية بالكامل سببت صعوبة في تلقي مصابي السرطان جميعهم العلاج داخل المركز.
وفقًا للدكتور ملهم غازي، فإنّ المسؤولين بإدلب عقب الزلزال مباشرة حاولوا التنسيق مع الجانب التركي من أجل السماح بتحويل عدد من الحالات التي بها نسبة خطورة لتركيا، وبالفعل كان هناك تجاوب من الجانب التركي، لكن بسبب عدم استقرار الأوضاع الطبية وتأثر جميع المستشفيات في الجنوب التركي بالزلزال لم يسمح بتنفيذ الاتفاق ومن ثم تحويل المرضى.
يعمل محمد عبد الله كمهندس كمبيوتر داخل أحد مستشفيات إدلب،، قبل عامين اكتشف إصابته بمرض سرطان الدم، أجرى عملية جراحية وحصل بعدها على علاج كيماوي لنحو 6 أشهر مجانا في تركيا، وطلب منه الأطباء حينها المتابعة لمعرفة ما إذا كان الورم سيعود إلى جسده من عدمه، في التاسع عشر من يناير كانت الزيارة الأخيرة لمحمد إلى تركيا لمتابعة مرضه وبعدها ضرب الزلزال المدينة.
"بعد ماتسكر المعبر بتابع هون على خفيف مع أطباء الأورام" الشاب لم يجد أمامه سوى اللجوء لأحد أطباء الأورام لمتابعة حالة مرضه وتطور السرطان في جسده، كان هذا الأمر هو الحل الأخير أمام الثلاثيني، خاصة بعدما حاول البحث عن طريقة لإجراء تحاليل وأشعة لمعرفة تطور المرض لكنّ الأجهزة لم تكن متوفرة في الشمال ويلزمه الذهاب إلى تركيا من أجل إجرائها " المتابعة هون عبارة عن مُسكن بسيط لكن الخدمة الأساسية في تركيا".
يعاني الشمال السوري من ضعف في الخدمات الطبية بشكل عام ونقص في الكوادر أيضًا، وفقا لمحمد بحكم عمله في القطاع الطبي، وزادت الأزمة بعد الزلزال فلم تقتصر المعاناة على مرضى السرطان فقط بل أيضًا جرحى الزلزال لكن الجميع يمكن أن يحصل على علاجه حتى ولو بنسبة بسيطة بخلاف مريض السرطان فنجاته الوحيدة في فتح المعبر.
اقترح البعض توفير أدوية الأورام إلى الشمال كمحاولة لحل الأزمة، يذكر محمد لكنها ليست كافية في ظل الحاجة إلى العلاج الإشعاعي غير المتوفر في الشمال السوري، وإذا توفرت أجهزته فلا توجد كوادر مؤهلة لتشغيلها، وهو ما لا يتحمله مريض السرطان الذي يحتاج إلى العلاج الإشعاعي، في حين يمكن إجراء جلسات الكيماوي في المستشفيات السورية.
"علاجي في اسطنبول وكنت باخد تحويلي من أنطاكيا، بعد تسكير المعبر ما بقى نساوي أي شي لا متابعات لا أدوية لا جرعات لا عمليات" يتمنى محمد أنّ تضغط الدول العربية والشقيقة على تركيا لفتح المعبر فالكارثة تلك المرة ستتجاوز كارثة الزلزال والوقت لم يعد في صالح هؤلاء المرضى، فجميعهم في خطر مؤكد أطفال وشباب ورجال ونساء.
يحدثنا الدكتور بشير إسماعيل مدير مكتب التوثيق الطبي في معبر باب الهوى، بأنّه منذ اللحظة الأولى لوقوع الزلزال مباشرة توقف دخول الحالات المصابة بالسرطان والتي تحصل على علاجها من تركيا، عبر معبر باب الهوى، لم تدخل أي حالة طبية عقب الكارثة باستثناء الطفلة شام التي اشتهرت قصتها وعبرت لتلقي العلاج في تركيا.
بالنسبة للحالات التي كانت تدخل عبر المعبر كان يوجد نوعين من الحالات، حالات إسعافية و باردة، بالنسبة للحالات الإسعافية كان المعبر يستقبل نحو 300 حالة شهريّا بشكل عام للعبور من أجل تلقي العلاج في تركيا، معظم هذه الحالات من الأطفال حديثي الولادة، أما بالنسبة للحالات الباردة فكانت هناك نحو 450 حالة تدخل شهريا من الشمال السوري إلى تركيا ، معظم هذه الحالات من مرضى الجراحات القلبية ومرضى السرطان، حسب بشير إسماعيل.
وفقًا لمدير مكتب التوثيق بباب الهوى، فإنّه بعد إغلاق المعبر وتوقف دخول المواطنين، تضرر عدد كبير من المرضى لكن أهم فئة تضررت وتحتاج للدخول بشكل عاجل وسريع هم مرضى السرطان، لأن العامل الزمني مهم لعلاج هؤلاء.
فعلاج مرضى السرطان ينقسم لثلاث مراحل "العلاج الكيماوي والعلاج المناعي والعلاج الإشعاعي"، في الشمال السوري هناك مركز لعلاج السرطان أنشئ منذ نحو 3 سنوات تقريبًا في إدلب يقوم على تقديم خدمات علاجية لنحو 3 فئات من مرضى السرطان وهم " الثدي والغدد الليمفاوية والقولون" ويقدم لهم العلاج والجرعات مجانا، لكن ما تبقى من أنواع السرطان لم تسمح الإمكانيات في المركز بعلاجهم، فكان لا بد من وجودهم في تركيا.
مريضًا في 2020
مريضًا في 2019
مريضًا في 2020
مريضًا في 2021
المصدر المركز الإعلامي لمعبر باب الهوى
فبالنسبة للعلاج الكيماوي والمناعي، حسبما ذكر "إسماعيل" من السهل تأمين معظم جرعاتهما وتوفيرها لكن في حالة توافر الدعم المادي فقط، خاصة وأنّ جرعات العلاج المناعي باهظة الثمن،لكن العلاج الإشعاعي فهناك صعوبة في توفيره في الشمال السوري، كونه يحتاج لأجهزة معينة وأيضًا أطباء مدربين للتعامل على تلك الأجهزة، هذا الأمر سيكلف تكلفة باهظة لا يمكن توفيرها.
عماد زهران مسؤول الإعلام في مديرية الصحة بإدلب، تطرّق للمعاناة التي يعيشها مرضى السرطان في الشمال السوري، فذكر أنّ تلك الفئة كانت أكثر المتضررين بكارثة الزلزال، فعدد كبير من المرضى حسب قوله يواجهون الموت كل يوم، ففي مستشفى إدلب نحو 2500 مريض يحاولون الحصول على الدواء، لكن للأسف فالمستشفى لا تقدم سوى أنواع محدودة من أدوية السرطان.
هؤلاء المرضى بحاجة فورية لدخول تركيا واستكمال العلاج. وفقا لحديث "زهران" فقد تواصلت مديرية الصحة في إدلب مع عدد من المانحين والمؤسسات العربية والدولية بهدف تأمين أدوية لمركز علاج الأورام، لكن الصعوبة في الأمراض التي تحتاج إلى علاج إشعاعي وهو ما يصعب توفيره في الشمال السوري، هؤلاء أكثر احتياجًا للدخول إلى المستشفيات التركية بشكل عاجل وسريع، في ظل وجود خطر يهدد حياتهم حال استمرار منعهم من الحصول على العلاج.
بعض المرضى تتوفر لهم الأدوية بالقطاع الخاص لكن بأسعار مرتفعة لا يملكون القدرة المادية للحصول عليها، لذا حتى هؤلاء لا يحصلون على العلاج، هناك عدة جهات دولية وعربية وعدت بتوفير أدوية لمركز علاج الأورام في إدلب لكن حتى اللحظة ينتظر المرضى قرارا بالسماح لهم بالعلاج سواء عن طريق توفره بالشمال أو الخروج نحو تركيا، وفقا لما ذكره، عماد زهران مسؤول الإعلام في مديرية الصحة بإدلب.
الدكتور ملهم خليل، أخصائي أمراض الدم والأورام في الشمال السوري، وصف ما يحدث مع مرضى السرطان بالشمال بالمأساة، حيث أنّ أدوية الأورام تعد ضمن قائمة الأدوية باهظة الثمن، ففي الشمال السوري الأدوية المناعية يمكن أن تتراوح أسعارها بين 400 دولار إلى 3 آلاف دولار حسب كل جرعة أو جلسة.
منظمة سامز وفقا لحديث "ملهم" أحد المنظمات المتواجدة بالشمال تدعم بالفعل بعض أدوية السرطان ويتوفر بها عدد من الأدوية لمرضى محددين وتحديدا مرضى سرطان الثدي دون المرحلة الرابعة والذي هو غير مدعوم.
عقب الزلزال تضاعف عدد المرضى، ما جعلنا نعاني من نقص الأدوية بعض المؤسسات الخيرية تحاول المساعدة في توفير الأدوية لكن الأدوية المناعية والإشعاعية غير متوفرة لا في المراكز الخاصة أو الحكومية لذا أصحابها من يواجهون معاناة كبرى في تلقي العلاج الخاص بهم، حسبما ذكر أخصائي أمراض الدم والأورام ملهم خليل.
ويناشد "ملهم" الأمم المتحدة والحكومة التركية بفتح معبر باب الهوى أمام الحالات الإنسانية وتحديدًا مرضى السرطان، خاصة الذين يحتاجون للعلاج الإشعاعي لأنه لا يتوفر لهم أي علاج في الشمال بخلاف غيرهم المرضى الآخرين.
بسبب الوضع الصعب الذي وصل إليه حال المئات من مرضى السرطان في الشمال السوري، أطلق مجموعة من العاملين في المؤسسات الطبية والإعلامية حملة بعنوان "أنقذوهم" الحملة هدفها إنقاذ مرضى السرطان حسب ما قاله مازن علوش أحد القائمين على الحملة.
الحملة تقوم على مناشدة العالم أكمل للتدخل وإنقاذ مرضى السرطان المحاصرين بالشمال السوري، والمطالبة بتحمل المسؤولية القانونية والأخلاقية وتزويدهم بالمعدات الطبية والأدوية الكفيلة لإنقاذهم من الموت، خاصة بعدما حال الزلزال الذي ضرب مدينتهم في فبراير الماضي، بينهم وبين الحصول على علاجهم في المستشفيات التركية.