وسط إضاءة خافته يكسرها ضوء عربة إسعاف قادمة؛ يخرج بدران رفقة زوجته من باب عنبر يعلوه لافتة زرقاء تحمل رقم 7. كلاهما يرتدي كمامة. بدا عليهما الانزعاج وهما يتجهان نحو باب الخروج من المستشفى وسط أشخاص لم يَمنع تأخر الوقت زحامهم وصخبهم. وقفا على الباب وأشارا إلى تاكسي. ظل الزوجان يتحدثان في طريقهما عما حدث في هذا المكان الذي سَمح لبدران فقط بعمل مسحة كورونا دون زوجته، رغم أن كليهما كان مخالطا لحالة تحمل المرض، وعن كيف يتركونه يذهب إلى بيته رغم أن من في مثل حالته، وأجرى مسحة يتم احتجازه حتى ظهور النتيجة؟ لكن الإجابة كانت: "لا مكان له الآن".
"عنبر 7" هو ذلك القسم الذي حولته إدارة مستشفى حميات العباسية – منذ مارس الماضي - من قسم حجز عادي إلى القسم الأهم بها عندما صار "قسم فحص مرضى كورونا". لتواجه به الفيروس الذي أصاب أكثر من 19 ألف شخص في مصر، وقضى على حياة 816 حتى اللحظة.

عنبر 7
الطريق إلى مسحة كورونا

العباسية، القاهرة – 5 مايو، الثانية ظهرًا

بحذرِ؛ دخل بدران (30 سنة) وزوجته (22 سنة) حميات العباسية، ولم يكن وقتها يعرف وجهة غيرها. ووفقًا للمسار الذي وُضع لتنظيم الأمر قدر الإمكان؛ وقف الزوجان عند الخيمة التي يجلس فيها أحد أفراد التمريض ليفصل بين المرضى الذاهبين إلى الطوارئ وقاصدي "عنبر كورونا". حصل على بياناتهما وسجلها ورقيًا ثم أخبراه بأنهما خالطا حالة إيجابية؛ فوجههما إلى قسم 7.

حسن (28 عامًا) هو من يقوم بهذه المهمة مرتديًا بذلته الصفراء الواقية التي يحتمي بها من مئات الحالات التي تمر عليه خلال 12ساعة نوبتجية، محاولا تنفيذ توجيهات فريق مكافحة انتشار العدوى في المستشفى. في هذا الوقت، لم يكن ذهب إلى بيته منذ شهر تقريبًا لأنه اختار أن يقيم في سكن المستشفى خوفًا على أهله.

تصوير روجيه أنيس

مَشى الزوجان باتجاه القسم الواقع في مساحة الـ34 فدانًا وسط مساحات من المفترض أن تكون خضراء لكنها دمرت مع الوقت، لذلك أوصت وزيرة الصحة في زيارتها الأخيرة البدء في أعمال زراعتها. وجدوا قسم 7 كغيره من المباني المتباعدة عن بعضها: أصفر اللون، طابق واحد، على الطراز الإنجليزي؛ حيث إن عُمر المكان 127 عامًا.

جلسا بجانب المنتظرين دورهم أمام القسم. يقول بدران: "وجدت عائلات مريضة بأكملها خرجوا من القسم بعدما قالوا لهم إن حالتهم لا تستدعي عمل مسحة وأن تحاليل كورونا مُكلفة".

استمر فرد الأمن الوحيد الواقف على باب القسم ينادي الأسماء المدونة في الكشف. تمر ساعة تلو أخرى وأوشكت الشمس على الغروب وحان وقت الإفطار؛ توقف النداء نحو 3 ساعات وخرج الجالسون لشراء طعامهم من الخارج والعودة لتناوله أمام القسم. وبعد نحو 5 ساعات أخرى دخل الزوجان أخيرًا عنبر 7 قرب الثانية عشرة ليلًا.



أصاب الزوجين الملل والتعب بجانب خوفهما من العدوى من الآخرين في حال أنهما غير مصابين. سارا في ردهة القسم المكون من حجرات: التغيير ، الأشعة، الإنعاش التي تحتوي على أجهزة تنفس صناعي، المعمل، والكشف، وهي الحجرة التي يقصدانها.

كان الطبيب يجلس خلف مكتبه مرتديا الواقيات، يطالع أوراق الكشوفات المتناثرة أمامه، وقد تدلت نظارته الطبية فوق أنفه، نظر لهما، واستمع إلى بدران الذي أخبره بأنهما خالطا حالة إيجابية وهي شقيقة زوجته.

دكتور محمد هو أحد أطباء القسم. يعمل هنا منذ 11 عاما. اصطدم في بداية عمله بأنفلونزا الخنازير. مر عليه بعدها فيروس ميرس الذي كان منتشرًا في السعودية، الإيبولا – وهو أصعب تجربة واجهته – ثم الإجهاد الحراري حتى التقى بكورونا الآن.

كان أيضًا ضمن الفريق الطبي الذي استقبل المصريين العائدين من الصين. عاش أياما مقلقة مع بداية ظهور الإصابات، حين وجد نسبة الوفيات أعلى من المتوسط المعروف، زاد قلقه على أهله لأنه يعود لزوجته وأبنائه نهاية كل يوم دون أن يجرى المَسحة غير المسموح بإجرائها للطاقم الطبي ما لم تظهر عليه أعراض؛ بحسب بروتوكول وزارة الصحة الذي اعترضت عليه نقابة الأطباء مؤخرًا.

وليس أمامه سوى البقاء بعد أن قللت الإدارة الإجازات، وألغت الاعتذارات، وصار ضمن عدد أطباء قليل؛ يقدرونه بـ50 تقريبًا؛ يواجهون ما لا يقل عن 400 مريض يوميًا مقابل 3500 جنيه يتقضاها شهريًا وبدل عدوى 19 جنيها طعنت الحكومة من قبل على حُكم زيادته.

ولم يتقاض أي مكافأة خلال هذه الفترة

فاجأ الدكتور الزوجين بأن المسحة ستُجرى لواحد منهما ما لم تظهر عليهما أعراض؛ وقبلها عليه عمل أشعة على الصدر . قام بدران بعملها وأخذ فني التحاليل المسحة منه.

هلال (27 سنة) واحد من 13 فنيًا في قسم 7 يتغيرون طوال الأسبوع. لم يكن كورونا أصعب ما واجهه خلال 6 سنوات قضاها في الحميات، لكنه الأكثر انتشارًا والذي يخشى عدواه على زوجته وابنه: "جوايا شعورين؛ الأول إن ده واجبي والتاني الخوف على اللي حواليا".

على الرجل العمل 36 ساعة في الأسبوع؛ يجلس خلالها تحت يده مرضى متوترون خائفون، وآخرون لا يبالون بالأمر أو في حالة تصالح معه إذا حدث.

قبل أن يغادر الزوجان حجرة الكشف، سأل بدران إذا ما كان يمكنه عمل مسحة لزوجته في أي مكان آخر حتى لو دفع مقابلها؛ فأرشدوه إلى مستشفى عين شمس الجامعي.

بخطوات مسرعة؛ حاول الزوجان المغادرة، وقد قاربت الساعة على الواحدة صباحًا عندما استقلا التاكس. في هذا الوقت كان أشرف يدخل قسم 7 بعد أن أجرى كشفا في الطوارئ، وحولوه إلى هناك كـ"حالة اشتباه".

ما رجح احتمالية إصابة أشرف بكورونا هو وجود أعراض بسيطة لديه كالسعال وارتفاع في درجة الحرارة؛ كما أن عمله موظفا في شركة أدوية يفرض عليه الاحتكاك بالمستشفيات والمرضى.

ركز أشرف ألا يلمس شيئا ويستخدم ترمومتر جديدا داخل القسم. أجرى تحاليل الدم والسكر والكرياتين على أن تظهر نتائجها بعد ساعتين؛ وعليها يتحدد أخذ مسحة أو لا؛ ما جعله ينفعل لأنه يجهل سبب إجرائه كل هذه التحاليل، في حين يمكنه عمل مسحة وينتهي الأمر كله. لكن عَرفه الدكتور أنه ما دام يعاني من سعال فقط وحرارته طبيعية؛ فكل ما يمكن عمله هو ترشيح بعض الأدوية وعليه عزل نفسه لفترة.

خرج أشرف من قسم 7 دون أن ينتظر نتيجة التحاليل أو يجري مسحة. كان ناقمًا على كل شيء وحاملا لمشاهد كثيرة في ذهنه: "قلت هكمل عزل وهَعرف أعالج نفسي بنفسي".

في 2008، قلت أعداد مستشفيات الحميات التي كان عددها يتجاوز الـ100 آنذاك، بعد قرار وزير الصحة، حاتم الجبلي، إغلاق عدد منها. وبحسب تصريح للوزير وقتها فقد تقرر: الإبقاء على 32 مستشفى حميات رئيسية، منها إمبابة والعباسية، وإلغاء 70 مستشفى صغيرا وضمها إلى أقسام المستشفيات العامة والمركزية.

المصدر: الجهاز المركزي للتعبئة العامة والإحصاء

وعلق الوزير على قراره بقوله: "لن يؤثر على علاج المواطنين؛ فلا حاجة لعلاج أنفلونزا الخنازير بالحميات بل يمكن علاجها في المستشفيات العامة. الحميات تم بناؤها خلال الحرب العالمية الأولى والثانية وألغيت من كل العالم وحل محلها ما يعرف بأقسام للأمراض الاستوائية أو المتوطنة".

"ظنوا أنه لا أمراض معدية أخرى ستأتي على مصر!".. يقول الدكتور علاء غنام، الخبير في إصلاح القطاع الصحي، عندما يتذكر الآن هذا القرار. وعلى عكس الجبلي؛ فيرى غنام أن مصر دائما كانت معبر أوبئة خلال عصور مختلفة،ومستشفيات الحميات لها أهمية كبرى، لكن للأسف أهملت تدريجيًا خلال سنوات طويلة.

أمراض مرت على الحميات

1986

الإيدز

1977

حمى الوادي المتصدع

1947

الكوليرا

1945

الحمى الراجعة

الحمى الشوكية - الحمى التيفودية - حمى مالطية- الالتهاب السحائي - السعار

2015

الإيبولا

2009

أنفلونزا الخنازير

2006

أنفلونزا الطيور





يدعم الدكتور أحمد مهدي، نائب الرعاية المركزة في حميات العباسية، رأي غنام؛ إذ يعمل هناك منذ 2009: "لم يكن لدينا جهاز أشعة مقطعية على سبيل المثال والميزانية التي تأتي إلى المستشفى بالكاد تكفي مستلزمات ورواتب، ولم نشهد أي تطوير يذكر".

73مليار جنيه

ميزانية الصحة 2019 / 2020
نحو 36 مليارًا منها تذهب للأجور

المصدر: بيانات وزارة المالية

تحتل مصر المركز 104 من بين 141 دولة في مؤشر الصحة

المصدر: مؤشر التنافسية العالمية لعام 2019

وقد ذكرت الدكتورة عبير عبد الحميد، مديرة الاستقبال والطوارئ، في لقاء تلفزيوني منذ ثلاثة أعوام، أن المستشفى يعتمد في تمويله على تبرعات الزكاة، وبصندوقه – آنذاك - أقل من 20 ألف جنيه. وخلال اللقاء نفسه، تحدث مدير المستشفى السابق، أحمد عبد الفتاح، عن العجز في الإمكانيات وعدد التمريض: "يمكن أن ترعى ممرضة واحدة قسمين بهما 20 مريضا؛ كما أن المسافات بين الأقسام بعيدة".

1300 عضو في الفريق الطبي

تم تدريبهم على أعمال العناية المركزة وكيفية التعامل مع أمراض الحميات والأمراض الوبائية

391 مليون جنيه

التكلفة التي أعلنتها وزارة الصحة لرفع كفاءة البنية التحتية لمستشفيات الحميات بجميع المحافظات خلال 2017

المصدر: بيان الوزارة - فبراير 2018

في اليوم التالي؛ ذهب بدران مع زوجته لتجري المسحة في مستشفى عين شمس، بعد أن أخفقا في عملها بقسم 7؛ ذلك مقابل 2650 جنيها تجعل الوضع مختلفًا تماما عن الحميات. أما أشرف، فالتزم بيته لكن زادت عليه الأعراض، وقرر أن يتصل بأطباء يعرفهم ليستشيرهم إن كان ذلك يعني إصابته بكورونا فعلا!

تصوير روجيه أنيس

بينما يحدث ذلك، كانت "أم أحمد" تنقل - وهي ترتدي وقايتها - العينات من قسم 7 إلى المعمل الموجود بالمستشفى تحديدًا "وحدة الـPCR"، ومن بينها عينة بدران.

أم أحمد (52 سنة) هي عاملة النظافة في الاستقبال والطوارئ منذ 8 سنوات. تعيش مع ابنيها وتتعامل معهما بشكل طبيعي بعد أن تتأكد من تنظيف نفسها جيدًا بعد الــ8 ساعات اليومية التي تقضيها في عملها: "ولادي بيقولولي ياما خافي على نفسك لكن عدى عليا كتير ومكنتش بخاف من إيدز ولا غيره. بنعمل اللي علينا والباقي على ربنا". ترى أنها و9 من زملائها في الاستقبال يقومون بما في وسعهم، ينظفون كل شيء بالكلور، وهي طريقة النظافة التي اعتادت عليها من قبل، لكن زاد عليها هذه الأيام التعقيم بشكل أكبر .

وصلت العينات إلى وحدة الـPCR التي يعمل بها 5 أفراد بحسب دكتورة نصرة فايق، وهي واحدة منهم. التي تقول إن وقت عملهم زاد مع زيادة الإصابات، حيث إنهم يملكون جهاز PCR واحدا يسع 16 عينة فقط تأخذ من 3 لـ4 ساعات وهو ما يسمى بلغتهم (الرن الواحد).

كان متوسط العينات التي تدخل لدكتورة نصرة في البداية ما بين 120 لـ150 تحتاج لـ"4 رنات" وقد تجد بينها 9 أو 10 حالات إيجابية فقط، لكن تغير الوضع منذ منتصف مارس، وزادت الحالات حتى أصبح المتوسط 200 أو أكثر تستهلك 7 أو 8 رنات في اليوم، وصارت تُملي منها أسماء الـحالات السلبية فقط لأنهم الأقل.

انتظرت دكتورة نصرة وصول الكواشف التي يتم تركيبها على جهاز الـPCR؛ حيث أبلغوا المعامل المركزية بنفادها. لكنها لم تصل حتى تلك اللحظة، ما يعني توقف الجهاز عن العمل.

وجهاز تحليل الـPCR (تحليل تفاعل البوليميراز المتسلسل)؛ هو الطريقة الدقيقة للكشف عن وجود فيروس في الجسم وتحديد نشاطه. يحتاج فقط لتغيير الكواشف بحسب نوع الفيروس. حصل عليه حميات العباسية منذ عام تقريبًا مع بداية حملة فيروس سي. ويختلف سعره حسب النوع والسَعة؛ فبحسب مواقع للبيع قد يتراوح ما بين 7و 23 ألف دولار . وتقول الدكتورة نصرة إن جهاز هم تكلفته مليون جنيه تقريبًا، كما أن كواشفه باهظة الثمن لذلك يتكلف التحليل الواحد 1000 جنيه. وقد بلغت مسامعهم أقاويل بأن الوزارة تنوي شراء جهاز آخر ألماني النوع يسع 92 عينة في الرن الواحد.

اضطر فريق المعمل إلى إرسال العينات إلى المعامل المركزية في وسط القاهرة لحين وصول الكواشف، ويعاودون عملهم من جديد. وكالمعتاد تولى عملية النقل "عم سمير".

تصوير روجيه أنيس

عم سمير (49 سنة)، عامل في المستشفى منذ 1991؛ هو واحد من بين ثلاثة ينقلون عينات التحاليل من الحميات إلى المعامل المركزية. ليست مهمة جديدة إنما يفعلها منذ سنوات. يعيش مع زوجته وأبنائه، ولم يعتبروا كورونا مختلفًا عن غيره؛ لذلك لم يفكر في عمل مسحة لنفسه ما لم يشعر بشيء. يبدأ عمله في السادسة والربع صباحا؛ وعند الواحدة ظهرًا تقريبًا ينطلق نحو المعامل المركزية وهو يحمل "كولمن" به العينات.

انتظر عم سمير حتى انتهى فني المعمل من رص العينات في الكولمن الذي يقول "عم سمير" إنه مقسم إلى 8 "راكات" يأخذ الراك الواحد 50 عينة. وفي ذلك اليوم حمل "8 راكات" مرتديًا كمامته فقط دون "الجوانتي". استقل "ميكروباص" حتى محطة المترو، ومنها إلى وسط القاهرة؛ ولا يرى في ذلك شيئا غريبا فهي الوسيلة المتاحة أمامه وفقا للثلاثين جنيه التي يتقضاها من المستشفى في اليوم الواحد كبدل مواصلات.

تصوير روجيه أنيس

سلم ما عنده هناك، وأخذ المواد اللازمة لعمل المسحات (السواب – الميديا) وعاد بنفس الطريقة إلى الحميات ليسلمها لهم ثم يذهب إلى بيته.

تقول دكتورة نانسي الجندي، مديرة المعامل المركزية: "يمكن للحميات أن ترسل لنا عيناتها إذا حدث عطل في الجهاز أو لأي سبب آخر. أما المواد التي نستخدمها (السواب وهي مثل السرنجة وبها قطنة، والميديا وهي المادة التي تحفظ العينة)؛ فمتوفرة لدينا من قبل؛ لكن الجديد هو الكواشف لأنها تخص كورونا فقط؛ فتأتي لنا شحنا من الخارج من دول مثل هونج كونج أو إسبانيا بتكلفة معقولة، وقد يتأخر نسبيًا عن الوقت السابق".

تصوير روجيه أنيس

تسلم بدران نتيجة تحاليل زوجته من مستشفى عين شمس في اليوم الثاني، وجاءت سلبية؛ ولم يتصل به أحد من الحميات بنهاية هذا اليوم ليبلغه نتيجة تحاليله إن كانت سلبية أو إيجابية رغم أن متوسط المدة التي يعرفها لظهور النتيجة من 24 لـ48 ساعة على الأكثر. وفي تلك الأثناء عَلم بمرض أحد أقاربهم، ويبدو أنه كورونا؛ فنصحه بإجراء التحليل في مستشفى عين شمس بدلا من الحميات؛ وقد كان.

كما أن أشرف اتجه إلى المستشفى نفسه بعد أن ذهب إلى المعامل المركزية، ولم يوافقوا على عملها له؛ دفع المبلغ المطلوب. وفي اليوم التالي ذهب كل من أشرف وقريب بدران لأخذ نتيجتهما، وكلتاها كانت إيجابية.

غادر الاثنان؛ فالمستشفى لا يعزل الحالات المصابة أو يحولها إلى مستشفيات العزل.

تقبل أشرف الأمر هادئًا لتوقعه المسبق ولخبرته، وعاد ليستمر في عزله، ويتابع علاجه مع الأطباء. بينما كان قريب بدران متوترًا فلا يمكنه البقاء للعلاج في بيته خاصة أن عمره بلغ الـ62.

حاول بدران مساعدته بالاتصال بـ105 أكثر من مرة، ولم يسعفه أحد. وعندما يئس أجرى اتصالات بأشخاص تساعده في نقل الرجل إلى مستشفى صدر العباسية، وهو ما حدث وأجروا له مسحة أخرى ثم احتجزوه يومين حتى جاءت عربة إسعاف لتنقله إلى مستشفى العزل.

يقول دكتور وجدي أمين، عضو اللجنة العلمية لمكافحة كورونا، إن المواد الخاصة على المسحات توزع على المعامل التابعة للوزارة والمعتمدة (الحكومية) ومن المستشفيات الجامعية "عين شمس" فقط، وأي مواد أو كواشف في أي مستشفى آخر كالخاصة لا علاقة للوزارة بأي طريقة حصلت عليها.

47 مستشفى حميات في مصر

المصدر: هالة زايد - وزيرة الصحة

28 معملا تتبع المعامل المركزية في مختلف المحافظات

المصدر: نانسي الجندي - مديرة المعامل المركزية

أجرت مصر نحو مليون تحليل خاص بكورونا، بحسب الدكتور محمد تاج الدين، مستشار رئيس الجمهورية للرعاية الصحية والوقاية، حتى تاريخ 9 مايو. وأوضح بيان للهيئة العامة للاستعلامات أن الدكتور تاج الدين يقصد بأن الرقم يشمل الاختبار الأولي (Rapid test) واختبارات معملية أخرى، أما تحليل PCR فعدده يزيد عن 105 آلاف تحليل.

اعتمد "حميات العباسية" على ذلك التحليل السريع لطاقمه الطبي بعد ظهور إصابات، وهو تحليل دم أقل دقة من تحليل الـPCR يرجح فقط إذا كان الشخص حاملا للفيروس أم لا، وإذا أشار باحتمالية إصابته؛ وقتها يجري المسحة للتأكد. والهدف منه عدم إهدار المسحات على الرغم من أن منظمة الصحة العالمية لا توصي باستخدامه.

ويقر دكتور وجدي أمين بعدم دقته وأنه يمكن أن تخرج نتيجة أحد الأشخاص سلبية وهي إيجابية؛ لكنه يقول إن العاملين في مستشفيات العزل يعزلون أنفسهم في الأساس، ومن في الحميات ويذهبون لبيوتهم كل يوم لا يمكن عمل مسحة لهم يوميًا!

لم يقتنع كثير من أفراد الطاقم الطبي بقسم 7 وخارجه بذلك، وطالبوا بعمل مسحات لهم بعد زيادة الإصابات؛ خاصة بعد إصابة طاقم تمريض قسم 2؛ فداخل القسم لم تعد تقف نادية وزميلاتها لرعاية المرضى إنما صرن مكانهم.

نادية (32 سنة)، ممرضة وصلت للدرجة الثانية لتحصل نهاية الشهر على 2400 جنيه بعد 17 عاما. كانت تعمل في قسم 7 لفترة لتدون ملاحظات وبيانات المرضى. ولأن عدد التمريض قليل بعد أن حصل نصفهم على إجازات في بداية الأزمة؛ فيتشاركون في كل الأقسام: "طلبوا مني فالبيت أقعد قلت لهم حرام لو كلنا قعدنا مين هيراعي الناس. أنا مش عايزة أشيل الذنب".

لم تستطع نادية أن تقيم في سكن المستشفى وتترك بيتها خلال هذه الفترة لترعى أسرتها خاصة أن ابنها مريض.

تستلقي نادية على سرير يجاوره اثنان، ويفصل بينهما مسافة 2 متر. وغرفتها واحدة من خمس غرف بالمبنى المكون من دور واحد، الذي امتلأ على آخره بالممرضات المصابات.

تحصل نادية على الأدوية في مواعيدها و3 وجبات وتصف الرعاية بالجيدة، لكن يشغل تفكيرها في هذا الوقت زوجها ووالدتها وأبناؤها الذين يشاركونها كل شيء؛ لكن اطمأنت بعدما مر أيام على مغادرتها بيتها ولم يشعر أي منهم بتعب: "كنت ببعد عنهم على قد ما أقدر وبلبس الطرحة كأنها ماسك".

291 إصابة و11 وفاة

من الأطقم الطبية بمستشفيات الحميات والصدر والعزل

المصدر: وزيرة الصحة في بيان رسمي (25 مايو)

اعترضت نقابة الأطباء في بيانها يوم 13 مايو على كل هذه الإجراءات الخاصة بفحص أعضاء الفريق الطبى: "يفيد منشور الوزارة بأنه في حالة ظهور حالات ايجابية بين الطاقم الطبي فلا يتم أخد مسحات من المخالطين ولا عزلهم سواء في المنزل أو بجهة العمل، وأن يقوم العاملون بعمل تقييم ذاتي لأنفسهم واخطار جهة العمل لإجراء الكشف وأخذ المسحة، بل حملهم مسئولية إصابتهم بالمرض! بذكر أن أكثر حالات الإصابة سببها المخالطة المجتمعية!".

وطالبت النقابة بضرورة تغيير التعليمات ووصفتها بـ"الخطيرة جداً"، لأنها تعني أن عضو الفريق الطبي الحامل للعدوى (قبل ظهور الأعراض) سوف يسمح له بالعمل ومخالطة الآخرين! وأشارت إلى أنه إذا كانت المسحات المتوفرة لدى الوزارة لا تكفي، فيجب شراء كميات إضافية منها.

لليوم السادس، استمر عز ل بدران وزوجته في البيت الذي يعيشان فيه بمفردهما. أجرى اتصالات بأشخاص ليعرف له أحد نتيجة تحاليله، وأبلغه أحدهم أنها سلبية. لكنه لا يزال يحتاج لورقة تثبت ذلك حتى يعود إلى عمله – الذي يتحفظ على ذكره - ويخشى أن يذهب إلى الحميات أو قسم 7 مرة أخرى!

أيضًا التزم أشرف بتعليمات الأطباء له خلال أسبوعين، تحسنت خلالها حالته ثم ساءت ثم تحسنت ثانية، وأجرى التحليل مجددًا وجاءت النتيجة هذه المرة سلبية.

على الناحية الأخرى، يستعد حميات العباسية بالـ200 سرير الذي يمتلكه أن تتحول خلال أيام إلى مستشفى عزل بالكامل ضمن 34 مستشفى حميات وصدر على أن يتم رفع كفاءته من ناحية شبكة الغاز وأعمال السباكة والكهرباء والصرف الصحي وإمداده بالأجهزة اللازمة، إلى جانب تدريب القوى البشرية، توفير أجهزة تابلت لتسجيل ملفات المرضى إلكترونيًا – بحسب ما ذكرت وزارة الصحة.

بينما يستمر قسم 7 في الكشف على حالات الاشتباه وإجراء المسحات لمن يسمح لهم البروتوكول بعملها، لكن كل يوم يشهد إصابة جديدة داخله أو حوله؛ وآخرها "هلال" فني التحاليل، الذي ظل طوال ثلاثة أشهر يأخذ مسحات المرضى بالقسم كبدران وأشرف وغيرهما، لكنه أخذها لنفسه يوم 14 مايو وعلم بإصابته، وأخذ مكانًا بصعوبة وسط زملائه المحجوزين بالمستشفى: "بندي العلاج لبعض عشان مفيش تمريض وكله متصاب".

196686

ممرضًا عام 2018

بزيادة 2.8% عن العام السابق

113305

عدد الأطباء (بشري/أسنان) عام 2018

بانخفاض 9.3% عن العام السابق



95.683

عدد الأسرّة في القطاع الحكومي

691

عدد مستشفيات القطاع الحكومي عام 2018

بزيادة 2.2% عن العام السابق

المصدر: الجهاز المركزي للتعبئة العامة والإحصاء


- تم تغيير بعض أسماء الشخصيات بناء على رغبة أصحابها؛ حفاظا على خصوصيتهم.

- حاولنا التواصل مع مدير المستشفى السابق أحمد عبد الفتاح والحالي بيتر وجيه الذي تولى مؤخرا منصبه وكلاهما امتنع عن الحديث.

قصة: مارينا ميلاد

تصميم وتنفيذ: محمد عزت

إشراف عام: علاء الغطريفي