"أنا بنت وحيدة على 3 أولاد وكان نفسي في بنت تكون متواجدة معايا أحسها أختي وبنتي وصحبتي ولأني كمان بحب لبس البنات"، بهذه الكلمات تفسر نهى (اسم مستعار) سبب بدء رحلتها لكفالة ابنة تعوضها إحساس الأمومة الغائب عنها.



بداية الفكرة

بدأت نهى، القاطنة في محافظة الدقهلية، التفكير في الكفالة في السنة الثانية من زواجها بعد علمها أنها لن تتمكن من الإنجاب، وظل الأمر مجرد فكرة لمدة 4 سنوات دون أن تفصح عنها لأحد -حتى زوجها- إلى أن وجدت بداية الطريق والمحفز لها.

تحسست نهى طريقها عبر جارتها التي سبقتها في خوض التجربة فتحلت بالقوة وبدأت تتحدث مع أهلها في الأمر: "وجدت تشجيعا لم أكن أتوقعه منهم"، لتسير في محاولات إقناع زوجها الذي وافق مع اختلاف بسيط أن تتم الكفالة في دار الرعاية نفسها وليس في منزلهم، لكنها تمكنت من إقناعه في النهاية بالكفالة المنزلية.



اختيارات صعبة


خاضت نهى رحلة طويلة في إجراءات كفالة طفلتها وظلت تنتظر لأكثر من 7 أشهر من موعد التقديم عاشت خلالها حالة مستمرة من القلق والتوتر: كنت متوترة وقلقانة، هيتوافق عليّ ولا لأ.

تسبب انتشار جائحة كورونا في مصر، خلال تلك الفترة، في تأجيل رؤية نهى لابنتها: المفروض كانت الزيارة المنزلية بعد تقديم الورق على طول أو بعد شهر على الأكثر، لكن فضلت وقتها 4 شهور حتى حصلت على الزيارة بسبب تفشي كورونا.

استمرت نهى في حيرتها حتى تمكنت من مقابلة اللجنة المختصة والتي وافقت على طلبها للكفالة: الحمد لله اتوافق عليّ وكل حاجة كانت ميسرة وبدأت أكلم دور الرعاية، لحد ما جالي اتصال من إحدى الدور يفيد بوجود أطفال لديهم ويمكن لي أن أراهم.

فرحت نهى كثيرا بتيسير خطوات الإجراءات الخاصة بطلب كفالتها، وذهبت في اليوم الثالث من حصولها على الموافقة رفقة زوجها إلى إحدى دور الرعاية: كان في هناك 5 بنات وواحدة تانية محجوزة

عادت نهى من رحلتها خاوية الوفاض ودموعها تملأ وجنتيها بسبب عدم تمكنها من اختيار طفلة رغم أن واحدة ممن رأتهن تبسمت لها إلا أنها لم تشعر تجاهها بشيء، وبدأت تبحث في أماكن أخرى: روحت أماكن تانية وبرضوا مش حاسة بحاجة لحد ما اتفقت أنا وزوجي نرجع أول مكان روحته أشوف البنت اللي مسكت فيّ تاني.

طوال فترة البحث عن فتاة ظل زوج نهى متمسكا بالطفلة التي شاهدها في أول دار زاروها، وتريد أسرة أخرى كفالتها: كل الفترة دي وزوجي كان نفسه في البنت دي ويقول لي أنا ارتحت ليها وعايزها، فضلت أقول له دي محجوزة وأنا مشوفتهاش.

بعد ذلك قررت نهى أن تذهب مجددا لنفس المكان حتى تتمكن من رؤية الطفلة التي تعلقت بها المرة الأولى لكنها وجدت من تعلق بها زوجها: وقتها لقيتهم في الدار بيقولوا إن في 6 بنات متوفرة، سألت: في حد جه تاني؟، قالوا لأ.

شاءت الأقدار أن تحصل نهى على الطفلة التي كانت شاهدتها أسرة أخرى وأرادت احتضانها، فالأسرة تأخرت في تأكيد طلب كفالة الطفلة لتصبح متاحة أمام نهى لاحتضانها ليخبرها القائمون على الدار: الأسرة اللي كانت حاجزاها مأكدتش الحجز، ومش هنضيع فرصة كفالة على طفلة.

قبل أن ترى نهى الطفلة شعرت بفرحة كبيرة: فرحت جدا وقلبي دق بسرعة واتصلت بزوجي أبلغه أن البنت اللي كان عايزها "أصبحت متاحة" وفي تلك الأثناء لم تكن نهى رأت الطفلة بعينها إلى أن شاهدتها فتعلقت بها من النظرة الأولى: شوفتها وشيلتها قولت هي دي بنتي ومسكت فيها وهي كمان مسكت فيا.

كلما كان عمر الطفلة أقل كلما كان أفضل لنهى وزوجها، وذلك لتعيش معها أول الذكريات الخاصة بالأطفال، فأرادت أن تراها وهي تمشي للمرة الأولى: أول فترة دي حتى لو كانت مُتعبة بس ليها ذكريات حلوة وإحساس مختلف، إحساس إنها تكبر قدام عيني وأنا حاسة بالفرق ده له طعم تاني، ولذلك كانت نهى عازمة على كفالة طفلة في عمر 3 أشهر.

كانت الرضاعة عاملا فارقا أيضا في سبب اختيار عمر الطفلة، فكلما كانت أقل من عامين كان الاختيار أفضل حتى تتمكن من إرضاعها: الأهم من كل ده علشان الرضاعة والحمد لله رضعتها وبقت بنتي بالرضاعة.

18 شهرا قضتها "مريم" اسم مستعار، مع أسرتها الجديدة، فقد كان عمرها وقت الكفالة 6 أشهر فقط، وأصبحت الآن في عمر العام و10 أشهر، تنعم بأسرة حقيقية وبيت دافئ وحياة خاصة بها.



مواجهة رغم الانتقادات

خاضت نهى تحديات أخرى في مواجهة المجتمع المحيط الرافض لفكرة الاحتضان أو غير المتفهم لأهميتها، ومثل الانتقاد الأكبر للفكرة ما يتعلق بكون الطفلة محرمة على زوج نهى ووالد الطفلة بالكفالة: كنت بقول أنا هاخد علاج وهرضع بنتي وتبقى محرمة على زوجي، وبكدا كسرت نقطة التحريم، ورديت على أي حد كان بيقول هتجيبي بنت تربيها مع واحد غريب أو أجنبي عنها.

حصلت نهى على شهادة من دار الإفتاء مستوفية جميع الأختام، لتؤكد أن "مريم" هي ابنتها بالرضاعة وأنها محرمة على زوجها وعلى أخوالها، لتصبح بذلك كالطفل البيولوجي باستثناء ما يتعلق بالميراث فالطفل بالكفالة لا يحق له أن يرث.

مازالت نهى تواجه أيضا تعليقات تشعرها بالضيق: المواجهة كانت صعبة نوعا ما خاصة وقت ما حد ييجي يحاول يتكلم أو يدخل في التفاصيل، وقتها كنت بقول دي بنتي بالكفالة -طبعا قولت الحقيقة- ووقت ما كان حد بيحاول يخرج عن حدود المسموح به مكنتش بديله فرصة، فشعور الأمومة لا يضاهيه شيء.