إعلان

عرض مسرحية "مسافر ليل".. حكاية الديكتاتور في كل زمان "الخصم والحكم"

03:00 ص السبت 01 يناير 2022

علاء قوقة

تطبيق مصراوي

لرؤيــــه أصدق للأحــــداث

كتبت- رنا الجميعي:

أنت مُسافر الآن على القطار ذات ليلة مُظلمة وكئيبة وباردة، أنت مسافر تُشبه آخرين، لا يهمّ شكلك ولا اسمك ولا عنوانك، مسافر لا توجد أية سُلطة بين يديه، فيما يمتلك عامل التذاكر تلك السلطة، فهو المفتش الذي يُدقق في تذكرتك، وتجلس أنت في قلق مُنتظرًا إيماءة الموافقة أو المُباركة التي تنالها من عامل التذاكر.

حوّل المخرج المسرحي، محمود فؤاد صدقي، جمهور مسرحية "مسافر ليل"، المأخوذة عن مسرحية الشاعر صلاح عبد الصبور، إلى ركاب قطار الليل، لتجد نفسك مُتسائلًا "هل يُمكن أن أحلّ مكان المسافر-بطل مسرحية عبد الصبور- ذات يوم؟"، ذلك المسافر النكرة المحذوف منه لام التعريف الذي يخضع لعامل التذاكر ويُقتل في النهاية.

داخل قطار مفتوح النوافذ ذو إضاءة خافتة جلس جمهور مسرحية "مسافر ليل"، مُتحولين من مشاهدين إلى ركاب القطار، وعلى مدار 45 دقيقة يُشاهدون ذلك المسافر-لعب دوره الممثل المسرحي حمدي عباس- الخاضع لعامل التذاكر-الذي لعب دوره الممثل المسرحي علاء قوقة، فيما يقف الراوي على مسافة بينهما مُعلقًا على الأحداث-لعب دوره الممثل المسرحي جهاد أبو العينين.

في ساحة مركز الهناجر بدار الأوبرا يُعرض يوميًا، في السادسة مساء، العرض المسرحي "مسافر ليل"، ويمتد العرض منذ يوم 25 ديسمبر حتى 8 يناير القادم، داخل قطار يُشبه مسرح الأحداث الذي تُجرى فيه القصة، ويطلق عليه اسم "مسرح الشارع".

"النداء الأخير.. القطار سوف يتحرك".. هتاف ظلّ يتكرر بضع دقائق مُناديًا على جمهور العرض المسرحي على خلفية موسيقى الجاز، وفي السادسة اتخذّ الجميع مكانه داخل القطار-المعادل لخشبة المسرح-، فيما خلت بعض الكراسي من الركاب لتُفسح المكان لممثلي العرض التفاعلي الذي يتأرجح بين الكوميديا السوداء والميلودراما والعبث.

ففي إطار من العبث والفانتازيا نجد عامل التذاكر يقول بصوته الجهور أنه هو الإسكندر الأكبر قائلًا "من يصرخ باسمي؟ من يدعوني؟ من أزعج نومي في زاوية العربة؟، فيما يُخرج أسلحته من بين طيات زيه الأصفر؛ سوطًا ثم خنجرًا ثم غدّارة ثم أنبوبة سم ثم حبلًا، وبتلك الأسلحة يُسيطر الخوف على مسافر ليل وفي الخلفية الموسيقى التصويرية للعرض، ويُعلّق الراوي ناقلًا للجمهور الأفكار التي تعتمر في ذهن مسافر ليل الذي لا نعرف اسمه حتى هذه اللحظة "قال الراكب، ما يدريني لعلّ الرجل هو الإسكندر، ولعل الموتى العظماء مازالوا أحياء، والأوفق أن نلتزم الحيطة، ولعلي إن لنت له أن يتركني في حالي"، لذا فإن الراكب ينصاع له، واقعًا تحت سطوته، وفجأة يتحوّل الإسكندر ذو الزي الأصفر إلى عامل التذاكر.

عرض مسافر ليل

يتحول عامل التذاكر كالحرباء لعدة شخصيات، من الإسكندر الأكبر إلى عامل التذاكر زهوان إلى سلطان إلى علوان إلى عشريّ السترة، وكلهم أوجه مختلفة بنفس الزي الأصفر والسلطة ذاتها على راكب القطار، وحينما يتحول الإسكندر إلى عامل التذاكر تتغير لهجته المتسلطة إلى ودودة طالبًا منه التذكرة، وحينما يعطي الراكب تذكرته إلى عامل التذاكر، وبدلًا من أن يُعيدها إلى الراكب، فإنه يلوكها بفمه مُبتلعًا إياها في مشهد عبثي.

هُنا يبدأ الصراع الحقيقي بين عامل التذاكر والراكب، حيث يُلقي بالاتهام للراكب، وتُهمته أنه قتل الله وسرق بطاقته الشخصية. بدون بطاقة أنت غير موجود، بالنسبة إلى الدولة لا تُرى، كأنك لم توجد قط، كانت تلك مشكلة الراكب فتذكرته اختفت، هي بطاقته التعريفية بالنسبة لعامل التذاكر، وبذلك يتخذّ عامل التذاكر دورًا إضافيًا، أوجزها الشاعر أبو الطيب المتنبي ذات مرة في قصيدته الموجهة إلى سيف الدولة "أنت الخَصم والحكم"، وبذلك الشكل فإن أطراف المُعادلة جعلت من عامل التذاكر هو المُحقق في ضياع بطاقة الله الشخصية، ومُنفذ حُكم الإعدام على الراكب رغم توسلاته،

ولكن الراوي، وهو مُعادل لمركز التاريخ، الذي يظنّ أنه مُجرّد معلق على الأحداث، كطرف خارجي، لكن السُلطة بوجهها القمئ تجعله فاعلًا فيه، جزءًا منه، وشاهدًا على الظلم والقهر والاستبداد.

هكذا عبّرت مسرحية "مسافر ليل" عن الاستبداد والسلطة، فيما جاءت تلك المسرحية كأنضج ما قدّمه صلاح عبد الصبور في مسرحه، كما ذكر الناقد الأدبي محمود عبد الشكور في مقال له، مُضيفًا أن عبد الصبور استفاد من مدارس التجديد المسرحية، من بريخت إلى كُتاب العبث، وقادرًا في الوقت ذاته على التكثيف والاختزال، ومطوعًا الشعر لمنطق الدراما.

تمكّن صدقي مخرج العرض المسرحي من تنفيذ مسرحية عبد الصبور بنجاح، كما كان تحويل العرض إلى مسرح شارع أكثر تفاعلًا مما لو كان داخل مسرح تقليدي، والجمهور يجلس على مسافة من الممثلين أمام خشبة المسرح، وفي حوار سابق مع صدقي على مصراوي ذكر صعوبات تنفيذ المسرح المفتوح منها التكلفة وتجهيز الصوت والإضاءة ودرجة الأمان، ولكنه فضّل ذلك عن المسرح بشكله التقليدي "لأنه أمتع وأحلى وبراح أكتر".

تتشكل مرارة في حلق الجمهور تزيد وتكبر بمرور الوقت، وحين إعدام الراكب ودخول الراوي إلى المشهد حينما يطلب عامل التذاكر من الراوي حمل جثة الراكب، تزيد المرارة والإحساس بالخيبة

فيديو قد يعجبك: