بالصور- "مصراوي" يفتح خزينة "موسيقار الأجيال" في ذكرى ميلاده

07:12 م الإثنين 13 مارس 2017

كتبت- منى الموجي ويسرا سلامة:

تصوير- محمود عبدالناصر:

"كالعملة الفضية.. فيها فضة لكي تلمع وفيها نحاس حتى لا تتآكل"، بهذه الكلمات وصف الكاتب الكبير أنيس منصور "موسيقار الأجيال" محمد عبدالوهاب، الذي نحيي في 13 مارس من كل عام ذكرى ميلاده، "مصراوي" تجول بداخل متحفه، القابع بأحد أحب الأماكن لقلب عبدالوهاب، معهد الموسيقى العربية.

أُفتتح المتحف في 2002، ليضم مجموعة من مقتنياته الشخصية والمتعلقة بعمله، وبمجرد أن تطأ قدماك متحف "النهر الخالد"، يستقبلك صوت عبدالوهاب مرحبا، شامخا يؤكد بقاءه وعظمة أعماله الموسيقية، التي جعلت منه نهرا خالدا ينهل منه محبو الموسيقى دون أن ينضب.

على اليمين يزين الحائط جدارية كبيرة تضم صورة كبيرة لوجه عبدالوهاب، يقابله وجوه عدد من أشهر الفنانين الذين تعاونوا معه، وفي مقدمتهم "كوكب الشرق" أم كلثوم، "العندليب الأسمر" عبدالحليم حافظ والفنانة وردة الجزائرية.

واحتفالا بذكرى ميلاده، التقطت عدسة "مصراوي" صورا تحكي فصولا من حياته، نستعرض بعضا منها في الصفحات التالية..

النشأة.. من باب الشعرية

ولد محمد عبدالوهاب في 13 مارس 1902، في حارة برجوان بحي باب الشعرية، والده هو الشيخ عبدالوهاب محمد أبو عيسى الشعراني، ووالدته فاطمة حجازي، له شقيقان وشقيقتان.

مقتنيات قليلة –نسبيا- تلك التي تشير للفترة الأولى في حياة الموسيقار، من بينها صورة نادرة لوالدته، وخمس صور من مراحل عمرية مختلفة الأولى وهو في عمر لا يتجاوز السادسة، والثانية في طور المراهقة، الثالثة وهو يقترب من مرحلة الشباب، أما الرابعة والخامسة فلشاب يافع يتجاوز عمره 30 عاما.

يضم المتحف صورة تجمعه بشقيقه حسن، وأخرى أثناء عمله في مدرسة الخازندار كمدرس أناشيد، ويظهر في الصورة إحسان عبدالقدوس، الذي كان –آنذاك- طالبا يُدرس له عبدالوهاب، وثالثة تجمعه بابن شقيقه المطرب سعد عبدالوهاب.

من البطاقة للسفر

بطاقة شخصية قديمة تحمل صورته وهو شابا يافعا، بين مقتنياته، وهذا جواز سفر أحمر، كُتب أسفله فلسفة الموسيقار عن السفر "أحب السفر بالباخرة عن السفر بالطائرة".

أوراق النتائج لم تكن فرصة لمعرفة الأيام فحسب، لكنها المكان الذي يسجل فيه مواعيده "تسجيل بعون الله وقوته وستره وتوفيقه لأم كلثوم بالتليفزيون الظهر، وعشاء بالمنزل مع جلال وجدي"، وذلك في 28 يناير 1970.

ساعة ومصحف

أهدت أسرة عبدالوهاب للمتحف بعض مقتنياته الشخصية، من بينها نظرته الطبية، نظارة الشمس، ساعة يده، الجهاز الترانزستور، الراديو، مصحف صغير.

كما تضم الغرفة هاتفه، بجوار الأباجورة، بالإضافة إلى "الروب دي شيمبر"، والبدلة التي صور بها فيلمه "الوردة البيضاء"، وعدد من رابطات العنق.

أسرته

فلسفة الموسيقار في الحب كانت كالتالي "أكثر ما يسعد الرجل أن يجد الحب داخل منزله والاحترام خارجه".

عبدالوهاب تزوج ثلاث مرات آخرها، من نهلة القدسي، ومن مقتنياته عدة صور مع أطفاله، وكذلك أحفاده.

روح الموسيقار تهيم بمنزله

كرسي هزاز، على الأرجح كان يتكئ عليه الموسيقار حين يراوده لحن قبل الاكتمال، الأورج الخاص به لا يزال يحمل نوتة أخيرة، وعود آخر ينتظر صاحبه، ومذياع حديث كان آخر عهد الموسيقار بأدوات الاستماع قبل أن تظهر أدوات أكثر حداثة، كلها أدوات مسها عبدالوهاب ولا تزال تذكره في معهد الموسيقى بمتحفه.

عبدالوهاب في المعهد.. البيت الأول

في عام 1920 م قام عبدالوهاب بدراسة العود في معهد الموسيقى العربية، ثم بدأ العمل في الإذاعة عام 1934، ويضم المتحف صورته في افتتاح المعهد 1923.

أعماله الفنية

رغم إيمانه بأن الفيلم السينمائي يخلد الفنان بعد رحيله، إلا أن عبدالوهاب ابتعد سريعا عن السينما، ولم تشهد مسيرته سوى عدد قليل من الأفلام، بلغت 7 أفلاما وظهوره كضيف شرف في فيلم "غزل البنات" وفيلم "منتهى الفرح".

ويؤرخ المتحف لأفلام عبدالوهاب بعدد من الصور، إلى جانب غرفة مشاهدة تضم أفلامه يُسمح فيها لزوار المتحف بالجلوس لمشاهدتها، بالإضافة لعدد من نوتات الأعمال الموسيقية المكتوبة بخط يده، وصورة جمعته بالفنان سعد أردش والفنانة نيللي أثناء تسجيل مسلسل "حياتي".

غرفة الحنين إلى كنوزه

بداخل متحفه المُنشئ منذ عام 2002، توجد غرفة تحوي عدد من أجهزة الاستماع، تسمح لمحبيه أن يتنقلوا بين أرشيف الموسيقار، للاستماع إلى ألحانه أو أغانيه بصوته.

أوراق إذاعية

"هناك فنان يستفيد من فنه وأكثر، وفنان يستفيد الفن منه أو بمعنى هناك فنان الفن كسب له، وهناك فنان هو كسب للفن".. من خواطر "عبد الوهاب" بين أوراقه في الإذاعة المصرية.

صورة التقطت في لحظة حماس للمطرب عبدالوهاب، وهذا ميكرفون طالما سجل ألحانه وصوته، وعقود إذاعية تفيد حصوله على 1100 مليما في عقد أبرم عام 1954، وغنى عبدالوهاب كأول صوت غنائي بعد أم كلثوم في افتتاج الإذاعة المصرية عام 1934 بأغنية "آه يا ذكرى الغرام" كلمات الشاعر "أحمد رامي".

آلات الموسيقار

"بين العود والأورج.. ألحان الموسيقار حية.. عود الفنان مصدر إبداعه".. هكذا نوه لعود الموسيقار الخشبي، الذي كتب عليه بيده "بسم الله الرحمن الرحيم..عود محمد عبد الوهاب"، كل ده كان ليه، تقاسيم عود، دارت الأيام، شكل تاني، فكروني، وغيرها من الألحان صدحها الموسيقار من بين أوتاره.

على الأورج الخاص به، لا زال يعزف عبدالوهاب، ما بدا في صورة قديمة خلف الأورج ذاته.

موسيقار برتبة عسكرية

اختير محمد عبدالوهاب لوضع لحن نشيد "بلادي" لفنان الشعب سيد درويش، وقيادة الأوركسترا العسكري الذي سيسجل النشيد، ومنحه الرئيس الراحل محمد أنور السادات رتبة لواء –رتبة عسكرية فخرية-، ويضم المتحف البدلة التي ارتداها عبدالوهاب أثناء التسجيل.

تكريمات وأوسمة

عدد من الأوسمة والتكريمات حصل عليها موسيقار الأجيال، أبرزها قلادة الجمهورية ووسام الاستحقاق 1965 من الرئيس جمال عبدالناصر، والدكتوراه الفخرية من الرئيس السادات عام 1978، ووشاح النيل أعلى وسام في الجمهورية عام 1991 من الرئيس حسني مبارك.

ويعتبر عبد الوهاب أول موسيقار عربي يحصل على الأسطوانة البلاتينية، وذلك عام 1978 بعد أن انتشرت أعماله في مختلف دول العالم، وثالث موسيقار على صعيد العالم من شركة EMI عن مبيعات أغانيه.

وحصل عبد الوهاب كذلك على مجموعة من الأوسمة العربية، مثل وسام الأرز اللبناني عام 1991، ووسام عمان 1984، كما حصل على تمثال قبة الصخرة من الرئيس الفلسطيني الراحل ياسر عرفات، بالإضافة إلى مجموعة من السيوف والخناجر من الملك عبدالعزيز آل سعود، والسلطان قابوس بن سعيد من الذهب والفضة.

 

تماثيل

أهدت زوجته نهلة القدسي للمتحف صورتين مرسومتين لها ولزوجها، رسمهما رسامو الشوارع في باريس، وتمثال صنعه المثال عبدالعزيز سعيد من البرونز، وهو تمثال أهدته للمتحف الكاتبة لوتس عبدالكريم.

أما في غرفة الاستماع فيوجد تمثال لعبدالوهاب جالسا على كرسي وممسكا بالعود.

مقولات عن الموسيقار

أول ما يقابل زوار متحف محمد عبدالوهاب، مقولات صاغها كبار الكُتاب والموسيقيين، امتدحوا فيها الفنان الكبير، ومن بينها:

أنيس منصور "ألحان عبدالوهاب مثل مرآة ضخمة كل إنسان يجد فيها نفسه.. كل ملحن يجد فيها موسيقاه"

أحمد رامي "ما كان أعظم ثقته بنفسه.. إذ يعد لحنا جديدا وجلس يعزف على عوده المنفرد فيتجلى إيمانه بفنه ويتجلى كذلك إبداعه وإحساسه بما يقول".

الكاتب توفيق الحكيم "لن أطالب عبدالوهاب أن يكون بيتهوفن أخر يكفي أنه استطاع بذكاء شديد أن يُخرج الأغنية المصرية من مرحلة التطريب إلى مرحلة التصوير اللحني والتعبير الدرامي بالنغم".

الموسيقار محمد الموجي "ألحانه نعتبرها مدرسة لنا جميعا.. فهو أستاذ المدرسة الحديثة.. تعلمنا فيها جميعا من السنباطي إلى بليغ حمدي إلى كمال الطويل".

أديب "نوبل" نجيب محفوظ "إن عبدالوهاب أغنى موسيقانا وأثراها وطورها من خلال هذا التأثر بالغرب، وقد مزج بين اللونين الشرقي والغربي ببراعة، وجعل منهما نسيجا واحدا متناغما، وهذا هو سر عبقرية عبدالوهاب".

وفاته

في الغرفة التي تجمع أجزاء من أثاث منزله، يجد زائر المتحف نتيجة مُعلقة على الحائط، توقف تاريخها على يوم رحيله، في 3 مايو 1991، وكأن أسرته رفضت أن تمتد يدها لتقطع ورقته الأخيرة، وأصدر رئيس الجمهورية –آنذاك- قرارا بتشييع جثمانه في جنازة عسكرية، شهدت حضور عدد كبير من محبي الفنان الكبير، ممن حرصوا على وداعه.

ورغم مرور ما يقرب من 26 عاما على رحيله، سيظل عبدالوهاب علامة مؤثرة سيتوقف عندها كل دارس للموسيقى، ويتأثر بها كل عاشق للنغم الأصيل، وأسفل صورة الجنازة مقولة، تؤكد أنه "إذا أرضى الفنان فنه أولا قبل إرضاء الجمهور فإن فنه يعيش وهو ميت"، وهو ما عاش عبدالوهاب مؤمنا به.

إعلان