إعلان

واجبات الأباء والأبناء كل تجاه الأخر (1)

أمين عبد اللطيف المليجي

واجبات الأباء والأبناء كل تجاه الأخر (1)

10:36 م السبت 21 مارس 2015

جميع الآراء المنشورة تعبر فقط عن رأى كاتبها، وليست بالضرورة تعبر عن رأى الموقع

بقلم - ا.د. أمين عبد اللطيف المليجي:

هل هناك واجبات على الأباء تجاه الأبناء؟ وهل هناك واجبات على الأبناء تجاه الأباء؟ الأجابة عن هذين السؤالين مباشرة هي نعم هناك واجبات يجب أن يلتزم بها الأباء وواجبات يجب أن يلتزم بها الأبناء، واذا نظرنا إلى العلاقة بين الأباء والأبناء نجدها ذات طبيعة خاصة، لأنها أساس للمجتمع السليم، الذى يتقدم بأبناءه، وبكل صراحة فإن العلاقة بين الأباء والأبناء تتأرجح بين أمور عدة، منها مثلا اللين والشدة فى التعامل، الرقة والغلظة، الحب والكره، الصراحة والغموض، الصدق والكذب، وغيرها من الأمور التى تحكم هذه العلاقة، وقد سمعنا وقرأنا كثيرا حول أناس من أهل العلم والثقافة والفن، حيث من المفترض أنهم يكونوا من أقدر الناس على بناء علاقة طيبة مع أبنائهم، أو يكونوا من أحسن الناس تربية لأبنائهم، أو يكونوا أكثر الناس صبرا، ولكن الأمر كان عكس ذلك تماما، هذا الأمر لا يعمم، لآن الناس تتباين فى هذا الأمر، وبالرغم من وجود برامج تعليمية مختلفة حول التربية، وكثيرا ما تنجح هذه البرامج، ولكن لا يصل هذا النجاح إلى الدرجة المرجوة منه، فالبرغم من التوجيه والأرشاد، إلا أننا نجد خللا ما فى تربية الأبناء، وتجد الواحد منا يمر بتجارب عديدة فى تربية الأبناء، فمرة نستخدم اللين ومرة نستخدم الشدة، وفى الحقيقة فإن هناك أمور عدة وعوامل كثيرة تتحكم فى هذا الأمر، والكلام عنها يطول، ولكننا سوف نركز اليوم حول بعض النماذج التى يمكن أن يحتذى بها، ولذلك فأن هذا الموضوع يكتسب أهميته من معطياته المنتظرة منه، وقد أعطانا الحق سبحانه وتعالى أمثلة يحتذى بها فى العلاقة بين الأباء والأبناء، وأود أن أوضح أمرا مهما، وهو أن فساد الأبناء العقائدي مثلا لا يتحمل الأباء وزره، وكذلك فإن صلاحهم العقائدى يرجع إلى الأبناء أنفسهم، ودليلنا على ذلك قول الحق سبحانه، ''إِنَّكَ لَا تَهْدِي مَنْ أَحْبَبْتَ وَلَٰكِنَّ اللَّهَ يَهْدِي مَنْ يَشَاءُ ۚ وَهُوَ أَعْلَمُ بِالْمُهْتَدِينَ (القصص: 56)'' وبالرغم من خصوصية هذه الآية الكريمة لرسول الله صلى الله عليه وسلم، إلا أنها تعمم على أمته وعلى الناس كافة، لأنه صلى الله عليه وسلم أرسل للناس كافة، وكذلك قول الحق '' وَلَا تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَى'' هذه الأية الكريمة وردت فى خمسة سور من القرآن: الأنعام 164، الإسراء 15، فاطر 18، الزمر 7، النجم 38، وهذا التكرار لهذه الأية فى أكثر من سورة يدل على أهمية الأمر، وأن الله يؤكد على أن كل أنسان محمل بورزه ولا يحمله عنه أحد غيره، ولكن لابد أن يقوم الأباء بوجبهم فى التوجيه والأرشاد للأبناء، ولا يتركوهم دون تربية حقة، حتى لا يقع اللوم عليهم أيضا إذا فسد الأبناء، وقد ساق الحق لنا فى القرآن الكريم مثلين لابني نبيين كريمين من أنبياءه، وهما سيدنا نوح وسيدنا إبراهيم عليهما السلام، فهذا بن سيدنا نوح أشرك بالله ولم يطع أباه وهو يدعوه للنجاة من الغرق، ''وَهِيَ تَجْرِي بِهِمْ فِي مَوْجٍ كَالْجِبَالِ وَنَادَى نُوحٌ ابْنَهُ وَكَانَ فِي مَعْزِلٍ يَا بُنَيَّ ارْكَبْ مَعَنَا وَلَا تَكُنْ مَعَ الْكَافِرِينَ (42) قَالَ سَآَوِي إِلَى جَبَلٍ يَعْصِمُنِي مِنَ الْمَاءِ قَالَ لَا عَاصِمَ الْيَوْمَ مِنْ أَمْرِ اللَّهِ إِلَّا مَنْ رَحِمَ وَحَالَ بَيْنَهُمَا الْمَوْجُ فَكَانَ مِنَ الْمُغْرَقِينَ (43: هود) ''، فهل يعني ذلك أن سيدنا نوح عليه السلام قد قصر فى تربية ابنه؟ سيدنا نوح لم يقصر فى تربية ابنه، ودليلي على ذلك يأتي من القرآن الكريم، فبعد أن غيض الماء واستوت سفينة نوح على جبل الجودي بمن عليها من البشر والحيوان والطير، ناجى سيدنا نوح ربه طالبا المغفرة لأبنه، فقال ''وَنَادَى نُوحٌ رَبَّهُ فَقَالَ رَبِّ إِنَّ ابْنِي مِنْ أَهْلِي وَإِنَّ وَعْدَكَ الْحَقُّ وَأَنْتَ أَحْكَمُ الْحَاكِمِينَ (45) قَالَ يَا نُوحُ إِنَّهُ لَيْسَ مِنْ أَهْلِكَ إِنَّهُ عَمَلٌ غَيْرُ صَالِحٍ فَلَا تَسْأَلْنِ مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ إِنِّي أَعِظُكَ أَنْ تَكُونَ مِنَ الْجَاهِلِينَ (هود:46) '' فليقل قائل هذا أب رق قلبه لأبنه، وهذا طبيعي، نعم وما الغضاضة فى أن يرق قلب اب لابنه، فرد عليه الحق سبحانه ''انه ليس من أهلك، انه عمل غير صالح''، هذه الأية الكريمه تعفي سيدنا نوح من تقصيره تجاه ابنه، وتحمل الابن تبعات ما فعل، لآن ما فعله غير صالح كما ذكر الحق، واعتقد أن سيدنا نوح لو كان قد قصر لذكره الحق بذلك، لآن الله لا يستحيى من الحق، وما أكثر الأيات القرآنية التى اعطت لنا امثلة لذلك، فقد ذكر الحق سيدنا موسى عليه السلام بالنفس التى قتلها، فقال فى القرآن ''وقتلت نفسا بغير نفس فنجيناك من الغم''، وأيضا عاتب الحق سبحانه سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم عندما أعرض عن بن أم مكتوم، فقال الحق فى سورة عبس ''عبس وتولى أن جاءه الأعمى، وما يدريك لعله يزكى''. ثم ننظر إلى الحالة الثانية لسيدنا إبراهيم وابنه اسماعيل عليهما السلام، فقد كان أمر سيدنا ابراهيم اشد غرابة من امر سيدنا نوح، سيدنا إبراهيم رأى فى المنام أنه يذبح ابنه إسماعيل، ورؤيا الأنبياء حق، فقال الحق فى القرآن مسجلا ما قاله سيدنا أبراهيم لابنه اسماعيل عليهما السلام ''فَلَمَّا بَلَغَ مَعَهُ السَّعْيَ قَالَ يَا بُنَيَّ إِنِّي أَرَى فِي الْمَنَامِ أَنِّي أَذْبَحُكَ فَانظُرْ مَاذَا تَرَى قَالَ يَا أَبَتِ افْعَلْ مَا تُؤْمَرُ سَتَجِدُنِي إِنْ شَاءَ اللَّهُ مِنَ الصَّابِرِينَ (الصافات:102)'' هذا الأستفهام من سيدنا إبراهيم يعنى أنه يخير ابنه ويأخذ رأيه فى أمر الذبح، فهو بين أمرين شديدى الأهمية، الأول هو طاعة ربه والأمر الثاني هو ذبح ابنه، تخيلوا معى أن سيدنا اسماعيل رفض عملية الذبح، اعتقد انه لو رفض الأمر ما كان هناك لوم عليه، والدليل على ذلك ان سيدنا ابراهيم اعطى له الحرية فى الأمر بقوله الذى سجله الحق ''ماذا ترى''، فماذا كان جواب سيدنا إسماعيل؟ يسجل الحق لنا هذا الجواب الذى لا يحمل ترددا ولا خوفا، بل يحمل رسالة من الابن الذى يطيع اباه، فقال تعالى على لسان سيدنا إسماعيل ''يا أبتي أفعل ما تؤمر ستجدنى إن شاء الله من الصابرين'' هذه الأية الكريمة أوضحت سرعة الأستجابة مع الصبر بالنداء ''يا أبتى'' والأمر بالفعل فى قوله ''أفعل'' ويتمثل الصبر فى باقى الأية الكريمة. وهكذا فأننا أمام أمر غاية فى الأهمية، ألا وهو علاقة الأباء والأبناء وأثر ذلك على تربية الأبناء، واعتقد أن الأمر يجب أن يقدر بقدره، ويجب أن يكون هناك توازن فى هذه العملية الصعبة، وما أحرانا هنا لأن نتذكر مثلا أخر فى تربية الأبناء، هذا المثل ذكره الحق على لسان رجل صالح لقب بلقمان الحكيم، وحملت سورة فى القرآن اسمه، وهذا فى حد ذاته تكريما لهذا الرجل، وفى هذا المثل يتضح واجب الأب تجاه ابناءه، وكذلك واجب الأبناء تجاه أبائهم، يقول تعالى '' وَإِذْ قَالَ لُقْمَانُ لِابْنِهِ وَهُوَ يَعِظُهُ يَا بُنَيَّ لا تُشْرِكْ بِاللَّهِ إِنَّ الشِّرْكَ لَظُلْمٌ عَظِيمٌ. [لقمان:13]'' وهذا هو أول واجب على الأباء، وهو توجيه الأبناء تجاه التوحيد، وتوضيح مدى فداحة ترك هذا الأمر، فكما ذكر لقمان ''ظلم عظيم'' لأن الشرك لا يفوقه ذنب، فهو ان جاز التعبير، سيد الذنوب، هذا توجيه وموعظة بالبعد عن الشرك، وليس الزاما ولا جبرا على الأيمان، ثم يأتى واجب الأبناء، فهم بين اختيارين، اختيار الأيمان أو الشرك، وهنا تأتى مسألة صلاح الأباء أو فسادهم، فهل صلاح الأبناء مرهون بصلاح الأباء وكذلك فساد الأبناء مرهون بفساد الأباء؟ وللحديث بقية بمشيئة الله تعالى فى مقالة أخرى.

 

إعلان

إعلان

إعلان