إعلان

في ذكرى ميلاد الخليفة "المأمون": مال للتشيُّع والاعتزال واعتقد بخلق القرآن

04:40 م الأحد 01 نوفمبر 2020

تطبيق مصراوي

لرؤيــــه أصدق للأحــــداث

كتبت – آمال سامي:

تحل في مثل هذا اليوم ذكرى ميلاد الخليفة العباسي المأمون، وهو أحد أكثر الخلفاء إثارة للجدل لميله للتشيع لدرجة أنه كاد أن يعطي بيعته للعلويين، وكذلك مال للاعتزال وتبنى فكرة خلق القرآن.. ففي الخامس عشر من ربيع الأول ولد المأمون لأبيه الخليفة العباسي هارون الرشيد، وتوفيت أمه "مراجل" عقب ميلاده بفترة قصيرة، وفي نفس ليلة ميلاده تولى هارون الرشيد الخلافة عقب وفاة عمه الهادي في عام 170 هجريًا، ولذا قيل عن تلك الليلة إنها ليلة الخلفاء، ففيها مات خليفة وولد خليفة وتولى خليفة.

قسّم الخليفة هارون الرشيد الخلافة بين أبناءه "الأمين والمأمون" قبل وفاته معتقدًا أنه بذلك يضمن عدم وقوع خلافات بينهما، فولى الأمين العراق والشام حتى أقصى المغرب، ثم عين المأمون في ولاية العهد الثانية، ليحكم بلاد فارس، فكانت الخلافة حسب الوصية تتجه للأمين ثم المأمون ثم المعتصم، لكن حدث الصراع المشهور بين الأمين والمأمون لينتهي الأمر باستقرار الخلافة للأمين بعد قتل المأمون عام 198هـ.

"كان يحب العلم ولم يكن له بصيرة نافذة فيه، فدخل عليه بسبب ذلك الداخل وراج عنده الباطل، ودعا إليه وحمل الناس عليه قهرًا وذلك في آخر أيامه وانقضاء دولته" يعلق ابن كثير في كتابه "البداية والنهاية" على شخصية الخليفة المأمون الذي عرف بعلمه وبحبه للعلم والعلماء، لكنه على الرغم من ذلك تبنى المذهب الاعتزالي وسعى لفرضه على الرعية قهرًا، ويقول ابن كثير في ذلك: "كان على مذهب الاعتزال لأنه اجتمع بجماعة منهم بشر بن غياث المريسي فخدعوه وأخذ عنهم هذا المذهب الباطل"، وأيضًا مال إلى الشيعة حتى كادت تلك الميلة أن تقضي على دولته، فيذكر ابن كثير أن المأمون كان ميالًا للتشيع والإعتزال ما اعتبره جهلًا منه بالسنة الصحيحة، وهو ما دفعه للبيعة بولاية العهد من بعده لعلي بن الرضى بن موسى الكاظم بن جعفر الصادق، وهو ما جعل العباسيون ينتفضون ضده ويخلعونه بل ولوا عليهم ابراهيم بن المهدي لتبدأ فتنة جديدة ومثيرة في خلافة المأمون.

كان أغلب مؤيدي المأمون وداعميه من الفرس، فامه كانت فارسية، وولاه أبوه حيني قسم خلافته بلاد فارس، وبذلك يعلل سامي بن عبد الله المغلوث في كتابه "أطلس تاريخ الدولة العباسية" ميل المأمون للشيعة حيث كان مذهبهم هو الأكثر انتشارًا وشعبية بين اتباعه،فيقول المغلوث: "كان معظم أعوان المأمون من الفرس ومعظمهم من الشيعة، ولهذا اضطر المأمون لممالأة الشيعة وكسبهم إلى جانبه، فأرسل إلى زعماء العلويين أن يوافوه في عاصمته وكانت "مرو" في ذلك الوقت، فلما جاءوه أحسن استقبالهم وأكرم وفادتهم وما لبث بعد قليل أن عهد بولاية العهد إلى علي الرضا"، ووصف المغلوث تلك الخطوة بالجريئة لأنها نقل للخلافة من البيت العباسي للبيت العلوي، ولم يكتف المأمون بذلك، بل غير شعار العباسيين من السواد إلى الخضرة وهي شعار العلويين، ويروي المغلوث حوارًا دار بين المأمون وعمة ابيه زينب بنت سليمان بن على، وكانت موضع تعظيم العباسيين وإجلالهم، وسألته: ما الذى دعاك إلى نقل الخلافة من بيتك إلى بيت على؟ فقال: يا عمة، إنى رأيت عليّا حين ولى الخلافة أحسن إلى بنى العباس، وما رأيت أحدًا من أهل بيتى حين أفضى الأمر إليهم (وصل إليهم) كافأه على فعله، فأحببت أن أكافئه على إحسانه. فقالت: يا أمير المؤمنين إنك على بِرِّ بنى علىّ والأمر فيك، أقدر منك على برهم، والأمر فيهم.

كان وزير المأمون "الفضل بن سهل" أحد أهم من حثه على البيعة لعلي الرضا بن موسى الكاظم، لكن وبعد ثورة العباسيين، قيل أنه قتل، ومات كذلك علي الرضا بن موسى الكاظم، وبهذا انتهت تلك البيعة، وعاد الأمر بين العباسيين إلى الإستقرار، إلا أن ذلك جلب وبالًا على المأمون من ثورات العلويين مثل حركة أبي السرايا الشيباني، وحركة محمد "الديباج" ابن جعفر الصادق، وغيرهما، لكن استطاع المأمون إخماد كافة تلك الثورات.

ويروي ابن كثير كيف خالف المأمون الصحابة كلهم حتى علي بن أبي طالب رضي الله عنه، وهو بذلك يختلف في أسلوبه وتفكيره ومعتقداته عن كافة خلفاء المسلمين من قبله ومن بعده كذلك، يقول ابن كثير "وقد أضاف المأمون إلى بدعته هذه...القول بخلق القرآن مع ما فيه من الإنهماك على تعاطي المسكر وغير ذلك من الأفعال التي تعدد فيها المنكر"، ومع ذلك يشهد ابن كثير للمأمون بالشهامة والقوة والحزم في لقاء العدو وقتال الروم تحديدًا، واصفًا المأمون بأنه كان يتحرى العدل ويتولى بنفسه الحكم بين الناس والفصل بينهما.

أوصى المأمون إلى أخيه المعتصم، ومما أوصى به كذلك القول بخلق القرآن، ويقال إنه لم يتب من ذلك بل مات عليه، وأوصاه كذلك بالعلويين خيرًا وأن يواصل صلاتهم، وقد توفي المأمون في أراضي الدولة البيزنطية بينما كان في آخر غزواته في البذندون شمال طرسوس، وكان الإمام أحمد بن حنبل قد دعا عليه بعدما عزم أن يقتله إذا لم يوافقه في قضية خلق القرآن، وأصابته الحمى ليموت في الثامن عشر من رجب عام 218 هـ وكان عمره حينها 48 عامًا.

فيديو قد يعجبك: