إعلان

أيام الرعب.. مصراوي يحاور أول عربي يخرج من عزل كورونا بالصين (صور)

12:43 م الخميس 27 فبراير 2020

تطبيق مصراوي

لرؤيــــه أصدق للأحــــداث

كتب – أحمد جمعة:

لعام ونصف العام كانت الأمور تسير مع الشاب الفلسطيني محمد أبو ناموس على ما يرام في "ووهان"، قبل أن تنقلب رأسًا على عقب مع الأيام الأولى للعام الجاري، عندما استشرى فيروس كورونا داخل المدينة الصينية، ومعها أصيب الآلاف كان هو بينهم.

رغم أيام القلق التي عاشها سكان "ووهان" منذ هذا العام، إلا أن "أبوناموس" وأصدقاءه قرروا المُضي قدمًا في عطلتهم تزامنًا مع أعياد الربيع الصينية، إلى مدينة "شينزين" (جنوبي الصين)، تحدوا خوفهم، وشددوا إجراءات الوقاية، ثم حسموا قرار الذهاب. كانت الرحلة في بدايتها من محطة القطار، مُحاطة بكثير من الرعب: "كله لابس ماسك، وماشيين فرادى، وأجواء حذرة".

1

عند الوصول إلى محطة القطار، عايش "أبو ناموس" زحامًا معتادًا في مثل هذا الوقت من العام، لكن مخاوفه زادت من انتقال العدوى: "كتلة بشرية كبيرة، وكابينة القطار نفسها مغلقة على ركابها وبها نحو 100 شخص، والحمام مشترك للجميع"؛ لتصبح الرحلة بها الكثير من المخاطر خاصة بالنظر إلى طبيعة الشعب الصيني الذي يحب الترحاب "لو بعدت عنه يعتبر ذلك إساءة له".

استغرقت الرحلة نحو 12 ساعة من "ووهان" إلى "شينزين" تلك المدينة ذات الأجواء الصيفية المُطلة على العديد من الأنهار. ومع وصوله كان يتابع لحظيًا ارتفاع عدد الإصابات بالفيروس القاتل: "كل المؤشرات تحدثت عن ارتفاع حالات الإصابة والوفاة، مع انتشار فيديوهات سقوط مواطنين في الشارع، ما أحدث قلقًا كبيرًا داخلنا"، قبل أن يخبره أصدقاؤه في "ووهان" أن الأمر أصبح "كابوسًا".

بعد عدة أيام على هذه الحال، ومع إغلاق "ووهان" رسميًا ومنع الخروج منها والدخول إليها، انتقل "أبو ناموس" ومن معه إلى مدينة "جوانزو" وهناك اتخذ مسؤولوها قرارًا بحجر صحي إجباري لكل القادمين من المدينة الموبوءة: "تم حجزنا في غرفة بفندق، وحدث تواصل بين عدد من الأصدقاء وسفارات بلادهم للإجلاء". ومع ذلك، كانت لدى الشاب الفلسطيني صعوبات في العودة إلى غزة "السفر إلى فلسطين صعب، وكنت خايف أكون حامل للفيروس وأضر أهلي وأتسبب في أذى لدول عربية كترانزيت أثناء عودتي عبر (دبي أو القاهرة)"، ومن ثمّ قرر الاستمرار في مكانه "موت واحد أحسن من موت عشرة".

مساء 25 يناير الماضي، تصاعد الخطر بين الجميع بإصابة أحد أصدقاء "أبوناموس" بالفيروس وهو باكستاني الجنسية "ظهرت عليه الأعراض، وقررت السلطات إجراء تحاليل لنا جميعًا، وتحولت الرحلة إلى هاجس كبير، خاصة أن أي شخص في ووهان أصبح محل شك"، قبل أن تُظهر التحاليل سلامتهم.

في اليوم التالي، جاء الطب الوقائي الصيني إلى فندق إقامة الشاب الفلسطيني وطلبوا أن يغادر وأصدقاؤه في صحبتهم: "أخدوا الجميع، وقالوا اتفضلوا معانا وهنوفر لكم كل حاجة، وبنعتذر لكم على التعب النفسي"؛ ليدخلوًا حجرًا صحيًا مشددًا داخل أحد المستشفيات كلٌ في غرفة منعزلة لمدة 14 يومًا "قالوا وجودكم بره خطر عليكم وعلينا".

2

يحكي "أبو ناموس" عن فترة الحجر الصحي الأولية التي عايشها للمرة الأولى في حياته: "الأطباء لا يتعاملون معنا بشكل مباشر؛ لأن في ذلك خطورة عليهم"، ومن ثمَّ خصص الأطباء "جروب" على تطبيق "وي تشات" للمحتجزين؛ ليعبروا عن آلامهم أو طلباتهم "كل الأمور معقدة وكنا محاصرون كليًا، وكانت ممرضة تمر علينا، ولكن تتحدث معنا من الباب الخارجي"، وكانت أكبر مشكلة تواجهه هيّ إلحاحه الدائم على التدخين "بدي أدخن، أنا معنديش فيروس، وكان الأطباء أكثر حلمًا عليّ أكثر مما أنا عليهم".

في ظل هذه الأجواء المشحونة، ظهرت حالة إصابة جديدة بـ"كورونا" بين أصدقاء رحلته، ليحولوه إلى مبنى خاص بالمصابين "القلق زاد أكتر"، قبل أن يطلب باقي الموجودين تحويلهم إلى مستشفى آخر "إحنا معندناش إصابة، ليش نكون مع المصابين"؛ ليتم تحويلهم إلى مستشفى عسكري آخر، لكنه عاد يشعر ببعض الآلام "كان مجرد تعب خفيف قلت من السفر والإرهاق".

3

بعد عدة ساعات بدأت أعراض الفيروس تظهر على أبو ناموس، بدأت بارتفاع درجة حرارة 39.5 درجة، ثم تباعًا ظهرت باقي الأعراض: صداع، وجفاف الحلق، وآلام في الحنجرة، وسعال، وألم في الرئتين، وإنهاك عام في الجسم" كنت بحس إن في مسامير في رئتي ونخزات في الصدر والظهر، وضربات غير طبيعية بالقلب"؛ لتصبح إصابته مؤكدة، ويعود مجددًا إلى مستشفى الشعب بمدينة جوانزو حيث باقي المصابين.

دب القلق في نفسه -"ومن رأى ليس كمن سمع" عن الإصابات والوفيات التي خلفها كورونا المستجد-: "كانوا عاوزيني أدخل الصندوق البلاستيكي، قلت لهم هذا قبر متحرك وصعب أدخل". هرع الأطباء في إغلاق الصندوق "مجرد ما بدأ يقفل، قلت لهم خرجوني هموت"، لكنهم أصروا في نهاية المطاف على إدخاله ونقله إلى المستشفى.

4

يصف "أبو ناموس" حالته في اليوم الأول للإصابة بالقول "كنت منهك تماما ومش قادر أقوم، والموت كان قريبًا"، وما إن تحسن بعض الشيء حتى تواصل مع سفارة بلاده وعدد من أصدقائه لإبلاغهم بحالته، قبل أن تصله أولى رسائل الطمأنة: "الأطباء قالولي إن الشفاء يعتمد على الجهاز المناعي الخاص بي".

داخل العزل الإجباري، حصل "أبو ناموس" على عدة أصناف للعلاج "علاج بالأدوية، علاج نفسي، وتغذية، ورياضة"، وكان الأطباء المكلفون بمتابعته ينصحونه بالتواصل مع أهله "كانوا عاوزين يرفعوا روحي المعنوية ويكون هناك دافع للحياة"، لم يتشددوا في التعامل "تعاملوا بلطف وكنا نختار نوع الأكل الذي نريده".

مع هذه الأحوال ومرور الأيام داخل العزل، أصاب الاكتئاب الشاب الفلسطيني حتى ظهرت أول عينة سلبية له؛ لتكون الإشارة الأولى لقرب خروجه "يوم 17 فبراير ظهرت أول نتيجة سلبية لي"، وفي اليومين المتعاقبين أعادوا هذه التحاليل للتأكد من سلامته.

5

لن ينسى ما عاش الدقائق التي أيقظته الممرضة الصينية لإبلاغه بسلبية عينته من جديد يوم 18 فبراير "صحتني وقالت لي مبروك الفحص الأولي عندك سلبي"؛ لترتفع معنوياته حد السماء "في اليوم الثالث تأكدت من سلامتي وسلبية التحليل بشكل نهائي"، ومعها بدأت إجراءات خروجه من المستشفى للعودة إلى أيامه الأولى كإنسان يعيش حياته الطبيعية.

ورغم تأكد سلامته من كورونا، إلا أن "أبوناموس" ما زال يخضع للرقابة داخل أحد المستشفيات "هناك 13 حالة تم شفاؤها وعادت مرة أخرى للحجر الصحي"؛ ليتلقى قبل ساعات اتصالًا من الرئيس الفلسطيني محمود عباس أبو مازن "أخبرني أنه يتابع حالتي، ويأمل أن أتحدى "كورونا". واعتبر الشاب هذه المكالمة بمثابة رفع للمعنويات في مواجهة "شبح كورونا".

فيديو قد يعجبك: