إعلان

"مصراوي" داخل "جحر الثعابين".. 24 ساعة رعب بـ"القرية الملعونة"

01:30 م السبت 07 يوليه 2018

مصراوي في قرية منية السعيد

تطبيق مصراوي

لرؤيــــه أصدق للأحــــداث

كتبت- مها صلاح الدين:

فيديو- منعم سامي:

لم تبدأ الحياة في "منية السعيد" بمحافظة البحيرة مبكرًا مثل كل يوم، تلك القرية التي تتوسط مركز المحمودية، لم يخرج الفلاحون فيها إلى حقولهم التي يشطرها شريط رملي كطريق، أضحى نادرًا ما تجد فيه مارة.

بانتشار الأفاعي التي أنهت حياة 4 فلاحين خلال عامين، وأصابت قرابة 10 أشخاص، سقط آخرهم منذ يومين، عزف رجالها عن العمل، هجروا الحقول والتزموا البيوت، دب الرعب في قلوب النساء والأطفال، ورفض عمال اليومية أي عروض للعمل بها.

وقف عبدالله، طالب الثانوية الأزهرية الذي لم يتم عامه العشرين بعد، على الطريق الرملي، يشير بأصابع مرتجفة نحو مبنى قديم محاط بالمياه الضحلة من كل اتجاه، يتناثر حوله قش الأرز والقمامة، تجاوره ساحة كبيرة مغطاة ومهجورة في حال مماثل، ويقول: "كنا بنلعب كورة هنا، دلوقتي نخاف نيجي اليمادي".

قبل 40 عامًا، بُني هذا المبنى ليكون مقرًا للجمعية الزراعية المشتركة بمنية السعيد، كان دورها إمداد الجمعيات الزراعية الفرعية بما يحتاجه الفلاحون، والإشراف عليها، ولكن بعد 20 عامًا، أغلقت لمدة 5 سنوات، حاول أحدهم استغلالها، اشتراها وأنشأ على الساحة المجاورة مفرخة دجاج، أُغلقت أيضًا بعد 5 سنوات بسبب انتشار أنفلونزا الطيور، وبعد مرور الأزمة، حاول الرجل نفسه تأجير المبنى والساحة مرة أخرى، لكنه اختلف مع الحكومة على قيمة الإيجار، ليؤول بها الحال إلى خرابة، يتكون داخلها أوكارًا للثعابين والأفاعي، هكذا يقول، الحاج أحمد عبد الوهاب، الذي يمتلك مشتلًا على الجانب الآخر.

صورة 1

ينحدر الطريق إلى الأسفل، الساعة الثانية عشرة ظهراً، الشوارع خاوية، المحاصيل معطوبة داخل الحقول، التي يخاف أن يقربها أصحابها، في نهايتها توجد مقابر القرية، يقف عبدالباسط شلبي، الذي تجاوز الستين من العمر، لحيته وشعره الأشيب يحددان وجهه، يرتدي جلبابا رمادي طويل، لا يبال بالحشائش وقش الأرز والقمامة التي تنتشر حوله، ويتوسطها البيض المحقون بالسم، الذي نشرته الهيئة البيطرية منذ أيام، بعد مقتل "صبري" آخر ضحايا الأفاعي بالقرية.

كان شقيقه قد سبق صبري إلى هذه المقابر قبل عامين، كان يجني ثمار البطاطا في الضحى داخل حقله، ولدغته الأفعى، فترك خلفه زوجة و4 أطفال، ورحل.

منذ 10 سنوات، بدأت تظهر الأفاعي في القرية على استحياء، بعد أن مُنعت القرية من زراعة القطن، الذي كانت تُرش الحقول من أجله بالمبيدات، كانت تقتل الضفادع والفئران والزواحف الصغيرة، التي تتغذى عليها الأفاعي، فكانت تضطر أن تأكل بيضها ولا تتكاثر، أو تأكل الأجساد المسمة، وتموت هي الأخرى، أما الآن لا يوجد بالقرية أي مقاومة ضد الحشرات، اجتاحت القرية الضفادع والفئران، وازداد رزق الأفاعي، فاحتلت البلد، هكذا يتذكر "عبد الباسط" قبل أن يغادر المقابر مسرعاً بعد أن أتم قراءة الفاتحة لروح شقيقه.

صورة 2

على درب الحقول بدأ الرجل يسير بحرص، ينظر في الأرض قبل أن يخطو كل خطوة، خوفاً من أن يدهس أفعى أو ثعبانا، ويلحق بشقيقه، وإذا بصوت أحدهم يتعالى "آفة.. آفة"، هكذا يطلقون في "منية السعيد" على الأفاعي، هرول "عبد الستار" مسرعًا في جهة الصوت، وإذا بعامل استأجره أحد الفلاحين لتنظيف أرضه، والترعة المجاورة لها، ينبش في قش الأرز المنثور بحثًا عن الأفعى، ويقول "دخلت هنا"، ينهره راضي طعمية، صاحب الأرض: "اخرج من هنا، لا تبحث عنها"، فيرد عليه قائلًا: "متقلقش يا عم راضي.. أنا لابس الطالونة"، وهي حذاء بلاستيكي طويل، يشبه أحذية عمال السقالات، يستخدمه أهالي "منية السعيد" كدرع لحماية أرجلهم من لدغات الأفاعي، ويستخدمها الفلاحون في الأرض وقت رويها حتى لا تتلطخ أقدامهم بالوحل، ويستخدمها أبناءهم في الشتاء للخروج من طريق الحقول إلى الأسفلت حيث توجد مدارسهم، والحفاظ على أحذيتهم.

صورة 3

إلى جانب مياه الترعة الخضراء المحاطة بالحشائش الكثيفة، يوجد ممر مائي أضيق مكشوف، تتراكم داخله مياه الصرف الصحي الراقدة بعمق لا يتجاوز الـ 15 سم، لا يفصل بينها وبين البيوت والحقول سوى عرض متر واحد على الأكثر، يقول "راضي" صاحب الأرض، أن هذه الوسيلة الوحيدة التي استطاع أهالي القرية تنفيذها بالجهود الذاتية للتخلص من الصرف الصحي، بعدما فشلوا في إقناع الحكومة بتوصيل الصرف الصحي إليها منذ عشرات السنين.

لا يخرج "راضي" من منزله المكون من طابق واحد وتحيطه الحقول من ثلاثة جهات إلا للضرورة القصوى، يمنع أبناءه من الخروج، ينهرهم كلما خرجوا للعب في حديقة المنزل الصغيرة، ينخلع قلبه، كلما اضطر أن يخرج أحد منهم لشراء شيء ما من الخارج، منعهم من الذهاب إلى الكُتاب، ومن زيارة الأقارب، أصبح لا يخرج إلا بـ"الطالونة" وممسك بالعصا، وكأنهما درع وسيف، يحتمي بهما من الأفاعي، التي يراها أكثر من مرة بشكل يومي، بحكم جيرته للترع والصرف الصحي والحقول التي نثر الفلاحون على جوانبها "الشيح والثوم" على أمل أن تحجب عنهم الأفاعي، يقول بصوت منخفض وكأنه يفشي سرًا: "أنا مزارع ببيع قمحي، وزرعي، وبشتري أكلنا من برة علشان أنا عارف إني بروي من مية الصرف، لإن مفيش بديل ليها" على حد قوله.

منذ ما يزيد عن 10 سنوات أنشأت الحكومة محطة صرف صحي على بعد كيلومتر، من قرية "منية السعيد"، كان من المفترض أن تخدم قريتي "فذارة ومنية السعيد"، تم توصيل وتنفيذ شبكة صرف صحي لقرية "فذارة"، وما إن بدأت الحكومة في خطة توصيل الصرف إلى "منية السعيد" اندلعت الثورة، وتوقفت الخطة، ولم تستكمل حتى الآن.

صورة 4

سار "راضي" مثل جميع أهل القرية في جميع السبل التي يمكنها أن تدرأ عنه الخطر، بدأ يتلقى من أصدقائه وأقاربه أرقامًا لأشخاص يدّعون أنهم يستطيعوا اصطياد الثعابين، وصل به الحال أنه اتصل بأحدهم وطلب منه 1000 جنيه حتى يذهب إلى القرية، يستلمهم إذا ما اصطاد الأفاعي أم لا.

الأمر الذي جعل إمام مسجد القرية سامح محيسن، الواعظ بالأزهر الشريف، يدعو رجالها إلى عقد جلسة أهلية بمضيفة الجامع بعد صلاة العشاء، وأخبرهم عن مدى انزعاجه من وقوعهم تحت سيطرة الكثير من الدجالين والنصابين الذين يطلقون على أنفسهم لقب "الرفاعي"، وأن هذا لا يوجد له أصل في الدين الإسلامي.

ودعا إمام المسجد الجميع للتكاتف، وعدم الوقوف موقف المتفرج في هذه الأزمة، وضرورة وقوف الجميع وقفة رجل واحد، وتحمل المسؤولية لعبور الأزمة.

وداخل المسجد الذي جمع ما يقرب من مائة رجل، بدأوا يسردون حكايات الرعب الذي يلازمهم بالمنازل، منذ بداية فصل الصيف، حيث تخرج الأفاعي من بياتها الشتوي، وتستبيح الحقول، وممرات الصرف الصحي، فيقول أحدهم: "منذ يومين خرج علينا ثعبان من بالوعة الحمام فقمت بسد جميع البلاعات بقوالب الطوب"، ليرد عليه أحدهم: "مراتي بتسألني هي التعابين ممكن يمشوا على السيراميك ويدخلوا الحمامات!".

وصل الحوار إلى ذروته حينما طالب أحد الشباب بانفعال بأن يبدأ كل شخص بنفسه وينظف ما حول حقله من أكوام قش الأرز، فصاح الجميع "ننضفه إزاي ونوديه فين.. واحنا لو حرقناه هندفع غرامة 10 آلاف جنيه"، فيقترح أحدهم مسرعاً: "يعملولنا مصنع ورق لو مش عايزينا نحرق قش الرز"، فينهره أحدهم بصوت يملؤه السخرية "ياعم كانوا دخلولنا الصرف الصحي الأول.. مش هيعملولنا مصنع". ينهي إمام المسجد الجلسة قبل أن تنقلب إلى معركة، ويسير الجميع نحو بيوتهم.

في العاشرة مساءً، اجتاح الظلام طريق الحقول، لم يكن هناك أي مصدر للضوء سوى كشافات الهواتف المحمولة، التي وُجهت إلى الأسفل حتى تظهر الطريق للسائرين، تعالت أصوات الضفادع و صراصير الحقل حتى أنها لم تفسح لليل أن يغلفه السكون، تشتد حركة مياه الترعة فجأة، ترتجف أجساد المارة، ينصت الجميع لمصدر الصوت، فيقول أحدهم بصوت متهدج: "القراميط مبتتحركش كدة إلا لو هاجمها تعبان"، يتضاعف الهلع في القلوب، وتسارع الأقدام الخطى.

دخل الجميع إلى بيوتهم مسرعين، نزعوا "الطالونة" من أقدامهم، وأحكموا إغلاق الأبواب والشبابيك، تأكدوا من أن جميع الفتحات والبلاعات مسدودة، ثم تكوّم أفراد كل منزل في غرفة واحدة، يتناوبون على النوم طوال الليل من فرط الرعب.. مشاهد تكررت في منزل راضي، ومنزلي شقيقيه المجاورين له.

صورة 5

ورغم كل هذه الاحتياطات، لم تغفو أعين زوجته "جيهان"، يرتعد قبلها إذا اهتز أحد الأسلاك الكهربائية على إحدى الحوائط، تنصت أذنيها لأي حركة في المنزل، وتتحرك هي في اتجاه الصوت لتطمئن من مصدره، ترمق أبنائها النائمين في الغرفة كلما تقلب أحدهم على إحدى الأرائك، تتأكد أنه لا يحيط به شيء سام، تتنهد وتعود إلى مقعدها، وتعيد الكارة كل بضعة دقائق حتى مطلع الفجر.

تدور الأفكار في رأسها، تهاجمها الافتراضات السوداء والمخاوف، تجد أنه لا مفر من الرحيل، ولكن كيف تستطيع أن تُقنع زوجها ببيع بيته وأرضه ومغادرة القرية، ومن الذي سيقبل بأن يشتري بيت على مرمى الأفاعي.​

ورصد مصراوي أزمة الثعابين في عدد من قرى مركز المحمودية، منذ بدايتها في تغطية خاصة منها التالي:

بالفيديو- مواطنون يكتشفون مفاجأة في جوف ثعبان قتلوه في البحيرة

بالفيديو.. لحظة اصطياد مواطن لثعبان وقتله بالبحيرة

حكاية هجوم الثعابين على البحيرة.. رعب في البيوت ومواجهات بـ"البيضة المسمومة"

خرج لها من منزل مهجور ولدغها.. فتاة قرية الثعابين بالبحيرة تتجاوز مرحلة الخطر

الثعابين تفترس البحيرة.. ضحية جديدة والرعب ينتقل إلى قرية أخرى

بسبب انتشار الثعابين في البحيرة.. بلاغ ضد المحافظ ووزير الزراعة

"مصراوي" داخل أوكار الثعابين بالبحيرة.. هنا ترتع وتتكاثر وتخرج لتشن هجماتها

ثعابين البحيرة اختفت.. ورئيس المحمودية: أكلت البيض وماتت داخل جحورها

فيديو قد يعجبك: