إعلان

الذكرى الأولى لـ"تفجير طنطا".. "توأم الكنيسة" لم يكملا اللحن معا

01:33 م الأحد 08 أبريل 2018

مجدي فى عزاء توأمه تصوير روجيه أني

تطبيق مصراوي

لرؤيــــه أصدق للأحــــداث

تقرير- مارينا ميلاد:

كان الشماس "مجدي شاكر" يصلي صلاة "البصخة" الخاصة بأسبوع آلام المسيح، في تلك اللحظة -التي يتصور فيها أنه يقف أمام الله، مرددًا لحن "بيك اثرونوس"، الذي يعني "كرسيك يا الله إلى دهر الدهور"-، لم يتمالك الرجل دموعه، انسحب بهدوء من بين الشمامسة الذين يقفون بجانبه وخلفه، وذهب إلى الهيكل (المكان المخصص لإقامة القداسات)، وبكى، حريصًا ألا يراه أحد، ثم عاد ليكمل صلاته، ويؤدي دوره كقائد للشمامسة.

تذكر مجدي شاكر، بهذا اللحن، توأمه سليمان، الذي كان يردده ببراعة شديدة - حسب وصفه -، قبل أن يستشهد في تفجير استهدف كنيستهما بطنطا، العام الماضي، أثناء الاحتفال بـ"أحد السعف".

مجدي شاكر يصلي أمام مدفن توأمه - 1

وقتها كان سليمان ومجدي يقفان إلى جوار بعضهما، لا يفصلهما سوى شبر واحد، لكن شظايا التفجير اخترقت جسد سليمان وقتلته و15 من الشمامسة، وتركت مجدي ليكمل الطريق مع شمامسة آخرين.

| "سليمان كان كروان سماوي يستطيع أن يأخذ الناس معه إلى السماء، ويشعرهم باللحن وبمشاعر رائعة"

الـ15 شماسًا الذين استشهدوا، وغيرهم ممَن أُصيبوا، كانوا الجيل الخامس من الذين تدربوا على يد سليمان ومجدي طوال 40 سنة تقريبًا، منذ بدء قيامهما بهذا الدور داخل الكنيسة.

قائد الشمامسة الجديد مفتقدا شقيقه: "يارب جينا الدنيا سوا.. كنت خدتنا سوا"

باحترافية شديدة، كان سليمان ومجدي، يتوحدان مع اللحن، يعيشان داخله، وينقلان روحه للشمامسة الموجودين حولهما، لتتناغم حناجرهم جميعًا، فتأخذ صلواتهم طريقها إلى قلوب الحاضرين قبل مسامعهم.

هذا المنهج الذي تبناه الشقيقان، يحكيه مجدي، ويؤكد عليه مصليو الكنيسة عند سؤالهم عن التوأم. يقول فادي فكري، أحد الشمامسة: "كانا سليمان ومجدي يقولان لنا دائمًا (مش عايزنكم مؤيدين عايزنكم تعيشوا الصلاة وتفهموا معناها)".

كانت الأم مدرسة موسيقى، والأب مميزًا في العزف رغم أنه مدرس رياضيات، ما أصقل موهبة التوأم، يقول مجدي: كنا نستيقظ على صوت القداس يوميًا، وعندما بلغنا السابعة كنا قد حفظا كل الصلوات والألحان، لدرجة تصل إلى تسميعها غيبًا".

| "الكنيسة أخذت كل ايمانها القوي ووضعته في ألحانها وتسبحاتها وصلوات الأب الكاهن"

ظل روماني عطية، طوال 20 عامًا عمل خلالها بالكنيسة، لا يستطيع أن يميز بين مجدي وسليمان، فالشكل واحد، الصوت واحد، طريقة الحديث واحدة. يقول روماني إنهما علما كثيرين، لكن أراد الله أن ينتقل قائد منهما بنص الفريق للسماء، ويُكمل الآخر المشوار، ليعيد بناء فريق الترانيم والتسابيح.

| "إذا قال أحدهما له يا مجدي كان يَسعد بذلك.. وإذا قالوا لي يا سليمان كنت أسعد أنا أيضًا"

في المساحة الضيقة الموجودة أمام "الهيكل" يصطف الشمامسة، يتحرك بينهم مجدي طوال الوقت، يسلم عليهم، يعطيهم كتب الصلوات، يوزع الأدوار، يحمسهم، يوجههم، يعطي الميكروفون لمن جاء دوره في قراءة جزء من الكتاب المقدس، ينتبه لكل شيء حتى يخرج في صورته الصحيحة.

كانت تلك المساحة في نفس الموعد من العام الماضي "أتون النار" – حسب وصف مجدي – لأن التفجير حدث داخلها. لكن الآن وعلى غير المتوقع، بدا للحادث تأثيرًا إيجابيًا على من فيها ومن خارجها، فازدحمت الكنيسة بالمصليين منذ يوم أحد السعف الماضي، ولأول مرة في تاريخ هذه الكنيسة يَنفد القربان المعد للتناول قبل أن يتناول كل الحاضرين، كما تم تخصيص حصص لتعليم الألحان، يدرس فيها مجدي أسبوعيًا، فيما عدا أسبوع الآلام، وزاد عدد الشمامسة من 50 لـ200.

|" الشمامسة لديهم اشتياق للسماء. يقولون لي هناك خانات فارغة في المزار المدفون فيه الشهداء ونحن نتمنى أن نكون بجانبهم ونملأ هذه الخانات يوما"

أقامت الكنيسة مزارا داخلها مدفون فيه الضحايا، ووثقت بجانبه ما نشر عن هذا اليوم على صفحات الجرائد، إلى جانب مقتنياتهما، أما سليمان فوثق سيرة أخيه في كتاب أسماه "الشاهد والشهيد"، لا يتناول سيرته كشماس وحسب، إنما تاريخ عمله كمهندس، ومواقفه مع أولاده وزوجته، التي تزوجها في اليوم ذاته، الذي تزوج فيه توأمه من شقيقتها، وعاشا معا في نفس البيت.

| "أذهب إلى المزار دائمًا أسلم عليهم وأستمد منهم القوة"

مجدي شاكر يصلي أمام مدفن توأمه-3 (1)

قبل الحادث بليلة، كان سليمان ومجدي يراجعان سويا الألحان المفترض أن يردداها صبيحة اليوم التالي، وهو "أحد السعف"، ليس لعدم حفظهما – حسب مجدي – إنما ليستمتعا بها: "كل مره نصلي فيها يكون للحن طعمًا جديدًا". كان ضمن تلك الألحان لحن "إفلوجيمنوس"، أو "مبارك الآتي باسم الرب"، استعدا الاثنان له جيدًا، ذهبا معا للكنيسة صباحًا، ارتديا الزي الرسمي، وقبل البدء بلحظات قال سليمان لأخيه (عايز أعرف مين العبقري اللي عمل لحن إفلوجيمنوس ده.. يلا نصلي)، لكن لم يتمكن من استكمال لحنه وتوقف.

- كلمة "شماس" هي لفظ الكلمة اليونانية "ديا كونس" وتعني خادم بالكنيسة روحيًا وطقسيًا.

فيديو قد يعجبك: