إعلان

لماذا يرفض بائعو العتبة إخلاء الميدان؟

10:24 م الثلاثاء 17 أبريل 2018

تطبيق مصراوي

لرؤيــــه أصدق للأحــــداث

كتبت- علياء رفعت:

على بُعد أمتار قليلة من صيدلية الإسعاف، وتحديدًا بشارع "الصحافة" يقع جراج الترجمان؛ ذلك الذي تقرر نقل بائعين وسط البلد إليه عقب إقامة حملات إزالتهم قبل أربعة سنوات. حوالي خمسة عشر بائعًا لا يزالوا يستوطنون المكان. ما بين "ضجيج" العتبة و"هدوء" الترجمان"، تصدر الكر والفر بين البائعين وقوات الأمن المشهد داخل الميدان الأشهر، حيث قررت قوات الأمن إخلاءه من الباعة الجائلين، وما إن أخلت المُحيط حتى عاد إليه الباعة مرة أخرى وكأن شيئًا لم يكن، ليظل السؤال: "لماذا يُفضل البائعون البقاء في الشوارع وخوض معارك الكر والفر مع قوات الأمن، عن الأماكن البديلة التي توفرها لهم الحكومة نظير إخلائهم للميادين وتجميعهم في مكانٍ واحد؟".

"مصراوي" تنقل ما بين مُحيط العتبة، وسط البلد، والترجمان باحثًا عن إجابة بين البائعين. راصدًا معاركهم اليومية ما بين التطلع إلى زيادة الرزق، والخضوع لرغبة المسؤولين بحصرهم في مكان واحد لإخلاء الميادين.

داخل جراج الترجمان، وقف "محمد أنور" الخمسيني وهو يرص بضاعته في انتظار استقبال المُشتريين لـكي "يستفتح"، لكن الأمر هناك ليس بهذه السهولة، قد ينتظر أكثر من خمس ساعات دون أن يأتية زبون واحد، وقد يحل عليه "كرم ربنا" فيبيع طوال اليوم، ولكن المُتعارف عليه هناك هو ركود الأحوال. "الناس اتزالت ألف مرة من وسط البلد وجابوهم هنا، لكن كله كان بيرجع تاني عشان هناك السوق حلو، الزبون مبيجيش هنا دايمًا" يقولها أنور واصفًا ركود حركة البيع والشراء بالترجمان عن شارع 26 يوليو أو قصر النيل.

الاستقرار هو الأمر الوحيد الذي يدفع "أنور" وقلة قليلة من الباعة بالاستمرار في العمل بالترجمان "هنا مفيش بلدية تشدنا ولا حد ياخد بضاعتنا ولا شرطة تضايقنا بحملات كل شوية.. كل واحد مننا معاه كارت برقم وواقف في أمان، ده غير إننا لا بندفع ماية ولا نور". مميزاتٍ عديدة يراها أنور في الترجمان عن الوقوف ببضاعته في وسط البلد "حتى لو الرزق هنا أقل شوية، الواحد مستور ومبيتشدش كل يوم عالقسم.. أنا كبرت ومبقيتش حِمل بهدلة عشان أرجع لوقوف وسط البلد تاني".

30738406_10155532474941527_4347138487082811392_n

إلى جوار أنور، كان "هاني" العشريني يحاسب إحدى الزبائن، ليلتقط طرف الحديث فور انصرافها "بياعين رمسيس كان لهم مكان في جراج أحمد حلمي بس بيرجعوا رمسيس تاني، وبياعين العتبة كمان كمان ليهم مكان في الترجمان، البوابة اللي ورانا، جم هنا شوية بس بعدها المولد اتفض ورجعوا تاني، مفضلش غيرنا".

بين حواري وشوارع العتبة التي يفترشها الباعة الجائلون؛ بدا الوضع مختلفًا عن الحال في الترجمان، فرغم الإزالات التي أقامتها قوات الأمن قبل أيام، إلا أن الباعة مستقرين بأمكانهم، وحركة البيع في رواجٍ لا ينقطع "مش هنسيب العتبة لو إيه حصل" يقولها أحد البائعين ثم ينطلق بصوته الجهوري وهو ينادي على بضاعته، بينما يؤكد بائع الفرشة المجاورة "لو سيبناها نموت من الجوع، رزقنا وحياتنا هنا".

bcbeedde-4be0-4098-9425-7330db8e2b04

تلك الإزالة الموسعة بميدان العتبة والموسكي لم تكن الأولى من نوعها، فتاريخ الإزالات طويل، ومعدله في ازدياد حتى وصل لحملة موسعة كل عام تهدف لإجلاء الباعة عن الميدان، غير أنهم يعودون لحالهم ذاته عقب انصراف قوات الأمن.

بين أصوات الضجيج المرتفعة، كان "حسن" الأربعيني يحاول التقاط الزبائن مناديًا "شنطة برخص التراب يا هانم.. قربي يا آنسة". لم يعرف الرجل الأربعيني مكانًا يعمل به منذ كان عمره عشر سنوات سوى العتبة والموسكي، وخلال الثلاثين عامًا التي عمل بها بائعًا شهد كل حملات الإزالة التي أقامتها قوات الأمن "الوضع عمره ما هيتغير ولا الناس هتسيب أماكنها وتمشي مهما عملوا حملات" قالها حسن شارحًا أسباب تمسك الباعة بالمنطقة التي أصبحت مقصدًا للجميع من داخل القاهرة وخارجها لقضاء الحوائج وشراء المستلزمات المختلفة، بحسبه.

منذ حوالي عام مضي، انتقل حسن بين مجموعة من البائعين عقب إحدى الإزلات الأمنية الى الترجمان، لكنهم لم يحتملوا البقاء هناك سوى ثلاثة أشهر أو اقل، انتقلوا عقبها مرة أخرى للعتبة. "اتدينا لما روحنا هناك ومبقيناش لاقيين ناكل" هكذا قرر الرجل الأربعيني العودة ورفاقه إلى مكانهم الأصلي برغم أن قوات الأمن "لن ترحمهم" بحسب وصفه.

"علقة تفوت ولا حد يموت" تلك هى الفلسفة التى يحاول حسن أن يذكر نفسه بها دائمًا في حال حاصرته قوات الأمن بإحدى الحملات واستولت على بضاعته. "يوم الجمعة ولعولنا في خشب الفرش عشان منعرفش نفرش تاني، وبردو الناس بعد ما الولعة هديت رجعوا" يقولها الرجل الأربعيني، مؤكدًا أنه رغم خسارته لبضاعته في بعض الأحيان إلا أنه قد يتحمل كل ذلك من أجل زيادة رزقه وأطفاله "لو رحنا مكان تاني محدش هيجيلنا وعيالنا مش هتلاقي تاكل، مش هنمشي من العتبة إلا على جثثنا، فبدل ما يزيلونا يعلمولنا أكشاك ناكل من شغلنا فيها عيش ومنضايقهمش".

فيديو قد يعجبك: