إعلان

لأجل الأطفال.. كيف أهدت مؤسسة أمريكية 13 ألف قبعة لمرضى السرطان؟ (حوار)

08:12 م الخميس 15 نوفمبر 2018

تطبيق مصراوي

لرؤيــــه أصدق للأحــــداث

كتبت- دعاء الفولي:

"لي لي" كانت وحيدة. عُمرها ثلاثة أعوام فقط، ينهش السرطان جسدها الصغير. خبّأ عنها الابتسامة واللعب، أعطاها العلاج الكيميائي وتساقط الشعر بدلا منهما. باتت أيامها محاصرة بالمستشفيات، فشلت والدتها في التخفيف عنها، إلى أن اقترحت الممرضة هولي كريستينسن، أن تحيك بنفسها قُبعة مُلونة على شكل شخصية كارتونية تُحبها الصغيرة؛ شعرها أصفر، لامع، ناعم وطويل. وافقت الأم بيأس، وكان للقبعة مفعول السحر. وضعتها "لي لي" على رأسها، ثم فتحت الدولاب وارتدت فستانا يُشبه الذي تمتلكه أميرات الحكايات الخيالية. شبح ابتسامة مر بوجه الصغيرة، وأدركت "هولي" أنها صنعت شيئا قد يساعد عن محاربي السرطان.

1

كان ذلك منذ 3 سنوات في ولاية ألاسكا الأمريكية؛ هُناك بدأت الممرضة صاحبة الـ34 عاما مشروعها لحياكة الشعر المستعار للأطفال، تخيلت وقتها أنها ستنجز عدة قبعات لمعارفها "لكن الأمر انتشر بشكل فيروسي، بات علينا إيجاد متطوعين لمساعدتنا وأن نتواجد في أكثر من ولاية" كما تروي "هولي" لمصراوي. والآن تُرسل مؤسسة the magic yarn أو "الخيط السحري" قبعات الشعر المستعار مجانا للأطفال في 48 دولة حول العالم.

2

بحكم عملها كممرضة، علمت "هولي" أن العلاج الكيميائي يترك الجلد حساسا تجاه كل شيء، لذا عندما اختارت للطفة "لي لي" الصوف الناعم "الذي يجعل رأس الأطفال دافئا"، مازالت السيدة الأمريكية تذكر لحظة حصولها على القبعة "بعد أن ارتدت فستان الأميرات، خرجت للحديقة الأمامية في المنزل، وقفت أسفل الشمس رغم التعب، وانبهرت من لمعان الخيوط". والدة الطفلة شجعت "هولي" على بدء المشروع، وانضمت لها فيما بعد صديقة أخرى هي "بري هيتشكوك".

3
"عندما بدأت المشروع، كانت خبراتي في الحياكة محدودة جدا"، كانت "هولي" تعرف الكروشيه "لكن لم أعرف المقاس المناسب للأطفال، ولا التصميم، ومع الوقت والخطأ تعلمت"، بات الأمر أشبه بكتالوج يتبعه متطوعو المؤسسة، فلشكل القبعة أو "الباروكة" مواصفات؛ أوّلها أن تمثل شخصيات كارتون ديزني "أنا أم لثلاثة أبناء وأعرف ماذا يعني عالم ديزني للصغار"، لم يكن هدف "هولي" استمتاع الأطفال فقط "بل أن يرتدوا زيّ الشخصيات التي تصدر لهم قيم الشجاعة والمثابرة، تلك القيم أهم بكثير للأطفال الذين يواجهون القهر والألم والمرض".

4

من ورشة صغيرة في ألاسكا، انطلق المشروع. استغلت الأم كل ما لديها لإنتاج القبعات "كانت عائلتي تساعدني، أطفالي أحبوا الفكرة أيضا، وكذلك الجيران"، بات الأمر كخلية نحل. وما أن كتب عنه الإعلام المحلي "تهافت علينا المتطوعون للانضمام"، لم تكن مساحة المقر تسمح، قررت "هولي" أن تُعلمهم عن بُعد كيفية صناعة الشعر المستعار "سجلت مقاطع مصورة عبر يوتيوب، وكتبنا على موقع المؤسسة أنواع الخيوط والأحجام المطلوبة"، أرادت صاحبة المشروع تدشين "ورشة سحرية" في كل مكان بالعالم "كل ما يحتاجه الناس هو بعض الشغف واتباع تعليماتنا"، ثم يقوم المتطوع بإرسال ما صنع عبر المؤسسة، التي بدورها تُرسله للأشخاص أو المستشفيات.

5

يزداد نشاط المؤسسة سريعا "يعمل معنا الآن أكثر من 27 ألف متطوع داخل أمريكا"، تضحك "هولي" قائلة "لدينا امهات، آباء، أطفال، جدات، جنود في الجيش، مُعلمين، أطباء.. سخرنا الكثيرين من أجل الصغار"، لكن رغم ذلك، يُعاني المشروع من أزمات عديدة؛ أبرزها الشق المادي "عملنا يقوم بشكل أساسي على التبرعات"، الخيوط التي يستخدمها المتطوعون مرتفعة الثمن، وفي مقابل ذلك، تتلقى الأم آلاف الرسائل يوميا "من آباء ينتظرون القبعات لأطفالهم، لا يمكننا رفض أي طلب، فقط نضعهم في قائمة طويلة، حتى يتوفر لنا المال اللازم والإمكانيات".

6
لا تتوقف الأزمات عند الشق المادي فقط؛ فإرسال القبعات عبر حدود الولايات المتحدة يقابل عقبات متعلقة بالجمارك "إذ يتم حجزها حتى دفع الأموال، واحيانا لا تنجح الخطة، قدراتنا محدودة للأسف ولكننا نحاول لآخر لحظة كي تصل القبعة للصغير".

7

إرسال القبعات حول العالم اختبار صعب "الأمر أشبه بعدوى.. استطعنا تغطية الولايات المتحدة كلها تقريبا، ثم فكرنا أن سحر الكارتون يتكلم لغة أطفال العالم كلهم، لا نحتاج لفهم العربية كي نرى الفرحة عبر الوجوه"، كانت أستراليا هي الدولة الأولى التي وصلتها القبعات، تلاها 47 واحدة على مدار 3 سنوات، بينما انضمت مصر للقائمة.

8

منذ حوالي شهرين، تواصل أحد المصريين مع "هولي" لطلب 100 قُبعة من الشعر المستعار، تمت المهمة بنجاح منذ أيام "أرسل إلينا مقطعا مصورا من داخل أحد مراكز الرعاية بينما يرتدي الأطفال القبعات".

داخل ورش مجتمعية بألاسكا و40 ولاية أخرى يتم تجميع الشعر المستعار، يذهب جزء من التمويل لعمل ورش تعليمية للكروشيه "لا تحتاج الباروكة السحرية أكثر من ساعتين لإنجازها"، يتكون أساسها من قُبعة رأس بها فتحات صغيرة ومقاسها معروف سلفا "عندما يبلغ الطفل عامين يكون حجم رأسه قريب من الشخص البالغ"، ثم يتم الاستعانة بخيوط كثيرة من الصوف يتم حياكتها مع القبعة بطريقة مُعينة على شكل ضفيرة أو شعر منسدل "حسب الشخصية الكارتونية"، ثم تزيينها بالورود أو الإضافات الأخرى.

9
رغم بساطة العملية، لكن ثمة محاذير تضعها المؤسسة للمتطوعين؛ كأن يتم اختيار الخيوط بعناية "لتكون ناعمة ونظيفة"، وألا تُحاك القبعة بالقُرب من أي حيوان أليف "خوفا من تطاير شعره على القبعة"، كذلك يتم الاختيار من مجموعة ألوان ثابتة سواء للقبعة، الخيوط نفسها، أو الإكسسوارات. بسبب تلك الشروط تصب نتائج عمل المتطوعين في مقرات المؤسسة "لنتأكد من مطابقتها للمواصفات، ونغلفها ونبدأ في التوزيع".

10
تعمل "هولي" في التمريض الآن بدوام جزئي، توزع وقتها بين المنزل، الوظيفة والمؤسسة. العمل مُرهق لها ولشريكتها "شعورنا أن الكثير ينتظرون إرسال القبعات لأطفالهم يُلقي عبئا كبيرا"، غير أن الضغط يخف قليلا حين تأتيها رسائل الامتنان "أحفظها جميعا كأنها جاءتني أمس، أذكر ذلك الأب من بلجيكا، شكرني ليس لابنته فقط، بل لأنه وزوجته ضحكا لأول مرة منذ مدة طويلة بعدما شاهداها تضع القبعة، كانا قد فقدا الأمل في إلهاءها عن الألم، ولكن القبعة فعلت".

11
"لي لي" صارت في السادسة من عُمرها الآن، لم تُشف بعد "مازالت في مرحلة تعافي غير مكتملة"، تحتفظ الطفلة بالقُبعة الأولى، لا تُدرك أن مرضها ألهم "هولي" لعمل مشروع، أوصل 12,240 قُبعة لأطفال العالم، فيما استفادت الممرضة بشكل مضاعف "أعطاني شعورا بالامتنان تجاه صحتي وصحة أبنائي، ساعدني لأرى أن التطوع قد يغير حياة الأشخاص، سواء المتطوع أو المقصود بالخدمة"، فمنذ عدة أشهر درّبت المؤسسة بعض السجينات "والآن يشاركن معنا في إنتاج القبعات".

12

الحياة ليست "ديزني"، لا وجود فيها لعلاء الدين، ياسمين، الرجل العنكبوت، سنووايت، وسندريلا. تعرف "هولي" مدى الجزع الذي يشعر به الصغير تحت براثن السرطان، حصد المرض عام 2015، أرواح أكثر من 8 مليون شخص حول العالم (بالغين وأطفال)، مرت بنفسها بمواقف فقدت فيها أطفالا تابعت علاجهم، فالقبعات لا تشفي السرطان، إلا ان محاولة التخفيف عنهم جزء من تكوينها "لا يمكننا التكهن بالغيب، ما أعرفه فقط أن كل طفل مصاب بالسرطان يجب أن يتلقى وسائل تجعله أكثر راحة وتعايشا مع المرض".

فيديو قد يعجبك: