إعلان

أفضل معلم في مصر.. "ولاء" هجرت الدروس الخصوصية واستخدمت الألعاب لتعليم "العربية"

08:24 م الخميس 21 سبتمبر 2017

ولاء نصاري

تطبيق مصراوي

لرؤيــــه أصدق للأحــــداث

كتب - إشراق أحمد:

نحو عشرين عامًا مرت، على عهد قطعته ولاء نصاري على نفسها "لما ابقى مدرسة مش هعمل زي مدرس الإنجليزي بتاع ثانوي". قبل شهور من نهاية العام الدراسي للثانوية العامة، أخذ المعلم يضغط على ولاء بأسئلة تعجيزية، لكن الطالبة ابنة مدارس اللغات منذ الصغر قبل الالتحاق بالحكومية كانت تجيبه، فيقول لها "أنتِي بتاخدي درس عند مين؟"، تنفي له الفتاة اعتمادها على الدروس الخصوصية في المطلق، غير أن مضايقات المدرس لم تنته لدرجة إعطائها درجات أقل مما تستحق.

كبرت ولاء، تخرجت في كلية التربية بمحافظتها أسوان، دفعة 2001، وبدأت رحلتها مع ذلك العهد؛ أصبحت معلمة للغة العربية، رغم إجادتها الإنجليزية، رفضت التقليدية المفروضة على طرق التدريس وتلقي الطلاب للمعرفة في المدارس، لم تركن للظروف، بل قررت تذليلها، وحينما سنحت الفرصة أضحت "ميس ولاء" أفضل معلم في مصر لعام 2017.

في السادس عشر من سبتمبر الجاري، أعلن الائتلاف المصري للتعليم للجميع، التابع للمؤسسة الأهلية "مصريون بلا حدود" نتائج مسابقة أفضل معلم في مصر، فازت ولاء بالمركز الأول بين 12 معلمًا مشاركًا، لتتأهل معلمة مدرسة اللغات المتميزة (التجريبية) بأسوان، وتمثل مصر في المسابقة الدولية السنوية "أفضل معلم في العالم" التي تقيمها مؤسسة "فاركي فاونديشن" البريطانية، برعاية دولة الإمارات ويتم إعلان نتائجها في دبي مطلع عام 2018.

1

حصاد الجوائز والتكريم ليس جديدًا على المعلمة ذات السادسة والثلاثين ربيعًا، إلا أنها لم تخرج عن نطاق أسوان –جنوب صعيد مصر- لكن قبل عام التفتت لهذه المسابقة قبل الإعلان عنها في مصر، حين حصدت المعلمة الفلسطينية حنان الحروب لقب أفضل معلم في العالم "قلت أفكر أدخل الموضوع ده خاصة أن اللي هيشاركوا هيتم الاستعانة بيهم في المشروعات القومية"، فرصة جديدة لمعلمة اللغة العربية كي تطور ذاتها كما تهوى أن تفعل. 

تقدمت ولاء إلى المسابقة، كان ذلك في شهر يونيو، وانشغلت قليلاً في التحضير لرسالة الدكتوراة، لكنها وجدت القائمين على المسابقة يتواصلون معها بإصرار لاستكمال باقي المطلوب في المسابقة، ففعلت "وشيلت الموضوع من دماغي وقلت خلاص مسابقة عادية زي أي مسابقة"، لتتفاجيء بإعلامها أنها ضمن 5 مؤهلين للتصفية بينهم في القاهرة.

2

4 آلاف كلمة هي مساحة استمارة "قصة أفضل معلم"، 7 بنود تضمها، والمطلوب من المشاركين ملأها بما يعبر عن عملهم في مجال التدريس، على أن يُرفق بهذا ما يثبت الانجازات المذكورة. في البند السابع كان سؤال "كيف ستتصرف في أموال الجائزة؟". انخطف قلب ولاء للسؤال، لمعت عيناها بالحلم المنطوي عليه القلب، وما دفعها للاشتراك في المسابقة "نفسي اعمل مشروع اتبنى فيه الحالات غير القادرة على التعليم في القرى والأماكن النائية واعلمهم على مستويين الأول اعالج اللي كسرته المدارس عندهم والتاني اطلع بيهم لمستوى ابداعي".

اتخذت ولاء كل الخطوات الذاتية لتطوير نفسها من أجل يوم تجتمع فيه مع زملاء من المدرسين الطموحين للعمل معًا على تنفيذ ذلك، وتهللت أساريرها حين علمت شرط الجائزة العالمية "مبتتاخدش مرة واحدة لكن على مدار 10 سنين والضمان خطة تنفيذ المشروع".

3

في الخامس عشر من سبتمبر الجاري غادرت ولاء إلى القاهرة، جلست أمام لجنة تحكيم مسابقة أفضل معلم في مصر، لفيف من الخبراء التربويين "فصصوا كلامنا اللي كاتبينه..سألونا عن كل حاجة"، ما خطر ببال ابنة الصعيد أن تحصد المركز الأول، خاصة وأن المشاركين كانوا جميعهم على مستوى عالي حسب قولها.

رحلة ممتدة لـ"ميس ولاء"، كان الفوز بالجائزة إحدى ثمارها، سبقه رغبة قوية في ترك علم ينتفع به. تؤمن معلمة اللغة العربية أن "المدرس مش شغلانة دي رسالة"، وفي المقابل تشق خطواتها على أرض الواقع، ولأجل ذلك هجرت المدارس الخاصة بعد خبرة 14 عامًا من العمل، ورفضت مناصب إدارية عُرضت عليها، واتجهت إلى التدريس في المدارس الحكومية عام 2015 لتطبيق رؤيتها، موقنة أن "نجاح المعلم مش إنه ينجح مع عيل شاطر لكن إنه يطلع بالناس من تحت الأرض".

"مواطن عالمي" رؤية توصلت لها ولاء، عملت على تطبيقها طيلة 7 سنوات، واتخذتها مضمون دراستها لشهادة الدكتوراة، وتعني بذلك "أخلق متعلم.. إنسان يعمل الخير اللي يستفيد منه ويفيد اللي حواليه بشكل مستمر لا يقتصر على المرحلة اللي هو عايش فيها وده بينمي الإبداع". 

كانت البداية من المعلمة، تفتش عن تطوير ذاتها، تجد برنامج تعليمي لشركة ميكروسوفت موجه للمعلمين، فتتقدم لتحصد شهادة "معلم متطور تكنولوجي وتربوي معتمد"، تتطوع في اليونيسكو، وتصير مسؤولة معتمدة للمنظمة في مدرستها، ثم توظف ما تعلمته على الطلاب.

4

تُدرس ولاء للمراحل الإعدادية والثانوية، تدخل الفصول بأيدي تحمل أشياء مختلفة، ما بين لوحات ورقية، أدوات خشبية، مجسمات من الفوم، ألوان، كمبيوتر وغيره، دروس القراءة والنصوص وحتى النحو مع "ميس ولاء" تصير لعبة أو خريطة ذهنية أو تساؤلات ومناقشة تتبادلها مع الطلاب.

تدور عين المعلمة حول كل ما يحيط بالطلاب، تجد أنهم يحبون لعب السيجة القديمة، فتحضر لوحة كبيرة، وباستخدام الأسماء والأفعال "قعدوا يلعبوا قصاد بعض مين اللي يكون 3 أسماء مبنية قبل التاني"، وأحيانًا يمتد الأمر لدراسة قضايا المجتمع المحيط بمثل هذه الطرق.

اللغة العربية بالنسبة لـ"ميس ولاء" نافذة الطلاب للتفكير، والتعلم ليس المعرفة، إنما "إزاي الطفل يستخدم المعرفة ويعيش وينتفع بها صح"، لذا انشغلت بنناء العقول، أدركت أن كل ما يفكر فيه الطفل يرتبط باللغة الأم، ولهذا خصصت دراستها للماجستير "اشتغلت على حاجة اسمها عمليات التعليم المنظم ذاتيا.. كل الناس عندها نفس الاستراتيجية بنسب متفاوتة لكن محتاجة معلم يبتدي يطلعها ويطورها".

مستوى طلاب المعلمة الثلاثينية في تقدم مستمر كما تقول، كل الطرق مفتوحة أمامهم، ولو بدفعهم للمشي في الطرقات يصححون الأخطاء اللغوية، تخلى الكثير عن الدروس الخصوصية حسب تأكيدها، فيما لم يكن الطريق ممهدًا بصورة وردية؛ عراقيل كثيرة واجهتها معلمة اللغة العربية، أساسها "جمود فكر الكبار" حسب قولها، مضايقات إدارية تصطدم بها المعلمة بين الحين والآخر وصلت لحرمانها من وضع الامتحانات في إحدى المرات، بزعم أنها لا تلتزم بطريقة تدريس المنهج.

"المضايقات لا هتموتني ولا هتدخلني النار.. مدام الولاد حابة اللي بقدمه خلاص".. زادت العقبات من إصرار ولاء على تحقيق الحلم، تستعين على ذلك بصورة من الطفولة، بينما هي في الصف الخامس الابتدائي تجمع رفاقها حولها وتنطلق في الشرح لهم، فيأتيها ذويهم مثنيين عليها "العيال بتتعلم منك أكتر من المدرسة".

اتخذت ابنة الصعيد طريق التدريس بإرادتها، التحقت به طالبة متفوقة بنسبة 96%، زادها فيه كان كلمة والدتها "اللي مخه ميفهمهوش ميخليش حد هيفهمه". السنوات أصقلت ظهر "ميس ولاء"، بات سعيها أكبر، في وجود طفليها محمد وسارة، آملة أن يجدوا خيرًا في معلميهم.

5

لا تنكر "ميس ولاء" وجود الكثير من المشاكل في منظومة التعليم، كما لا تتردد في إرجاع سبب الصورة السيئة للمعلم إليه "المدرس هو اللي بيعمل صورته هو اللي بيخلق الامكانيات.. ومفيش حاجة اسمها العيال أغبية مبتفهمش.. المعلم ده ساحر حيله المفروض كتير".

مع السعادة المحيطة بأفضل معلمة في مصر، من زملاء دراسة وطلاب، تعكف ولاء على إعداد الملف الدولي الذي سيشارك في الجولة العالمية للمسابقة، فيما تنتظر بفارغ الصبر مناقشة رسالة الدكتوراة أكتوبر المقبل، لا يحيد عنها الحلم الذي لم يعد مستحيلاً.

فيديو قد يعجبك: