إعلان

"دولة المكتئبين".. نائب مدير مستشفى العباسية يحكي عما وراء شريف قمر

01:54 م الجمعة 15 سبتمبر 2017

تطبيق مصراوي

لرؤيــــه أصدق للأحــــداث

كتبت- رنا الجميعي:

لا أحد ينجو من الاكتئاب، يؤمن بذلك دكتور سامح حجاج، نائب مدير مستشفى العباسية، لذا دفعه حادث انتحار شريف قمر، طالب كلية طب الأسنان، إلى تدشين هاشتاج "احكي عن الاكتئاب"، وآخر باسم "الصحة النفسية مش رفاهية"، ومن خلالهما يحكي حجاج بجانب أطباء آخرين، ومرضى اكتئاب كذلك، عن ذلك المرض اللعين.

عبر حوار أجراه مصراوي مع نائب مستشفى العباسية، يحكي الطبيب عن مرض الاكتئاب، وأعراضه، وكيف يمكن النجاة منه، ويعرج الحوار إلى الحديث عن الصحة النفسية في مصر، والمُشكلات التي تعيق مستشفى العباسية عن مباشرة عملها بشكل أفضل.

- لماذا شريف قمر؟

رغم حدوث حالات انتحار قبل ذلك في مصر، إلا أنها تعتبر المرة الأولى التي يُشار فيها لمرض الاكتئاب كسبب للانتحار، تراكمات عدّة دفعت حجاج إلى تدشين الهاشتاج، بحرارة يقول نائب مدير مستشفى العباسية "صوتنا اتنبح"، فجاء وقع انتحار شريف قويًا على الجميع "الناس اهتمت بالموضوع جدًا"، فيما أشار إلى بعض المعاناة التي يُلاقيها أطباء العباسية، مستطلعًا الأوراق الموجودة أمامه على المكتب "امبارح 10 أطباء كشفوا على 505 مرضى في العيادة الخارجية".

أحال دكتور حجاج إلى الوقع القوي لانتحار شريف، لعدة أسباب، أولها "شريف شبهنا"، جاءت قضية شريف لتنسف تصورات المجتمع عن المنتحر، يذكر حجاج "شريف من أسرة كويسة، طالب في طب أسنان وله فيديوهات على اليوتيوب، كمان عنده قدر من الثقافة"، في إشارة للمقال الذي تم نشره بإحدى الصحف بعد انتحاره.

بسبب حالة شريف شعر الجميع أنه لا يوجد مأمن من الاكتئاب والانتحار، كما يرى حجاج، وأن تصورات الناس في العادة تأخذ هذا الشكل "الناس بتتخيل إن الفقير هو اللي بينتحر بس، اللي معندوش صحاب ولا حد وقف جمبه"، يرفض نائب مشفى العباسية تلك النظرة "الاكتئاب بييجي لأي حد".

- كيف يدخل الإنسان دائرة الاكتئاب

يعيق الاكتئاب التفكير الطبيعي للشخص، يذكر حجاج، ويعتبر ذلك المرض منتشر فيما يفوق اعتقاد الناس، لا توجد أرقام دقيقة في مصر تشير للنسب، لكن تقديريًا النسبة تتراوح بين 3% إلى 17% "لو قلنا حتى إن في مصر واحد في المية عندهم مرض الاكتئاب، دا معناه 900 ألف بني آدم مصاب".

يُعرّف حجاج الاكتئاب بأنه اضطراب يعاني منه الشخص، يؤثر عليه عوامل وراثية وبيولوجية ونفسية واجتماعية وروحانية، يعود حجاج ليؤكد إلى أن العامل الأساسي هو بيولوجي "اللي هيجيله اكتئاب دا ممكن يكون ملحد أو شيخ جامع أو قسيس"، ولا توجد عقيدة تحمي من عدم التعرض لذلك المرض.

يشرح حجاج أكثر طبيعة المرض، قائلًا "الدوائر العصبية المسؤولة عن الاستمتاع بالحياة والمزاج بتكون بايظة"، لذا يتعامل مريض الاكتئاب بشكل مغاير للإنسان الطبيعي "عشان كدا مينفعش حد يقوله تعالى اخرج أو اسمع مزيكا أو لو ماتش كورة بيحب يلعبها، هو أصلا مبيكونش ليه نِفس".

احتمالات تزيد من التعرض للاكتئاب

بنسبة متزايدة فإن مرض الاكتئاب يأتي بالوراثة "يعني لو فيه عيلة معروف إن بيجليها اكتئاب فده احتمال أكبر"، تأتي في المرتبة التالية العوامل الاجتماعية والروحانية "لو فيه دعم حوالين الشخص، والناس متقبلينه في حالة ضعفه دا بيقلل من المرض، والعكس صحيح"، كذلك الإيمان بالله "دا بيساعد على تقليل مؤشر الاكتئاب لكن مش بينفيه، لأن المرض ممكن يحطم أي بني آدم".

أعراض المرض، كيف يعرف الأهل والأصدقاء أن القريب منهم مريض؟

هناك أعراض تشير إلى معاناة الشخص لمرض الاكتئاب، يذكر منهم دكتور حجاج "بيكون في حالة مزاجية سيئة طول الوقت لمدة أسبوعين على الأقل"، ويدفع المريض إلى المزاج السيئ أسباب مادية مثل أي شخص "لكن بيبالغ في رد فعله"، كما يبرع المريض في إخفاء مشاعره "بيكون حساس جدا أكتر من العادي، ومع الوقت من كتر ما الناس مفهمتوش بيخبي".

يُضيف دكتور حجاج على تلك الأعراض، قلة التركيز ونوم وشهية مُضطربة، يُمكن للمرض أن يتطور فتصل إلى التفكير في الموت "تبدأ بتمني الموت حتى الانتحار".

- والحل؟

أول طريق العلاج يكمن في الاعتراف بالمرض، والذهاب للطبيب النفسي، لا يقتصر الأمر عند ذلك، بل اتباع تعليمات الطبيب بتناول أدوية الاكتئاب، وإذا كان المرض مُزمن يستلزم الحجز، يذكر دكتور حجاج أن قانون الصحة النفسية رقم 71 لسنة 2009 الذي يحقّ للطبيب إذا كان الشخص يعاني من مرض نفسي مزمن أن يحتجزه بالمستشفى تحت اسم ما يُعرف بـ"الدخول الإلزامي".

عبر هاشتاج "احكي عن الاكتئاب" بين المُهتمين بالمرض، كتب الأطباء تجاربهم في علاج الحالات، وبعد تدشين الهاشتاج أرسل العديدون لدكتور حجاج استغاثة عبر "الإنبوكس" من محافظات مختلفة "اكتشفت من الهاشتاج إن حجم الجهل بالمشكلة أكبر مما كنت متخيل، لازم يبقى فيه إرادة سياسية من الدولة للاهتمام بالصحة النفسية".

- قصص شخصية

عبر "الهاشتاج" حكى دكتور حجاج عن يونس، ذلك الشاب صغير السن الذي عانى من الاكتئاب، ووعى أخوته بحالته، فاتجهوا به إلى العباسية، غير أن قلة عدد الأسرّة حال دون معالجته بشكل جيد، يذكر دكتور حجاج أن عدد الأسرّة بالعباسية يزيد قليلًا عن الألف ومئتين "أغلبهم مشغول بمرضى مزمنين دخلوا من 40 سنة وأهلهم سابوهم".

بجانب "هاشتاج" احكي عن الاكتئاب، يكتب دكتور حجاج عبر "هاشتاج: الصحة النفسية مش رفاهية"، ساردًا قصته هو الشخصية، حين كان طالب في السنة الثالثة بكلية الطب، ذلك العام الدراسي الكئيب دفع النائب إلى مرض الاكتئاب "أبويا قالي انت لازم تروح لدكتور نفسي"، لا يرى دكتور حجاج أي عيب في ذلك "بالفعل روحت واخدت دوا وخفيت".

لم تتغير الظروف السيئة التي عايشها الطبيب في سنته الدراسية لكن "القدرة على التعامل هي اللي بقت أحسن"، يُحاول الطبيب كسر الصورة الذهنية المأخوذة عن العباسية "الناس فاكرين إننا بنعالج بس حالات المرض الشديدة لأمراض زي الفُصام واضطراب وجداني ثنائي القطب"، لكن الأمر يتجاوز ذلك بكثير، يُقدّر دكتور حجاج نسب الأمراض بالمستشفى "مرضى الفصام 60% واضطراب وجداني 30%، وممكن الاكتئاب تكون نسبته 10% من المرضى".

- "حالة المجتمع فيما يُشبه اكتئاب"

مع الظروف الاقتصادية السيئة فإن الأمراض النفسية تزيد، هكذا يرى دكتور حجاج، ينظر للأمر كمسؤول لديه عبء كبير "عندنا مشاكل كتير في العباسية ومحتاجين كتير"، يعتبر الدولة هي الأساس في ذلك، ويدعو إلى تغيير نظرتها للصحة النفسية، بادئًا ذلك من الدستور نفسه، فالمادة رقم 18 تقول إن الدولة تلتزم بتخصيص نسبة من الإنفاق الحكومي للصحة لا تقل عن 3% من الناتج القومي، يرى نائب مدير مستشفى العباسية أن المادة غير مُطبقة على أرض الواقع.

من ناحية أخرى فإن عدد الأطباء داخل مستشفى العباسية يقل عددهم، لصالح السعودية ودول الخليج كما يذكر دكتور حجاج "هنا الدكتور بييجي فترة تدريب وبعدين يسافر كأن العباسية ملعب تدريب بالنسبة له"، يُفسّر ذلك بضعف المرتب الذي يتلقاه الطبيب "لازم يكون فيه إعادة لهيكلة أجور الأطباء عامة"، التأهيل أيضًا من النقاط التي أثارها نائب مدير العباسية "محتاجين تأهيل جيد للممرضين والأخصائيين النفسيين والاجتماعيين".

لم يقتصر حديث دكتور حجاج على المرض النفسي ودعم الدولة فقط، بل زاد عليه النتيجة المترتبة على انتحار الشخص من الناحية الاقتصادية "الفرد اللي بيروح مبنرجعوش تاني، بشكل اقتصادي بحت الناتج القومي بيقل"، يرى الطبيب أن الدولة بذلك تخسر الكثير، مُشيرًا إلى علم موجود بأمريكا اسمه "اقتصاديات الصحة"، الذي يعمل على حساب قيمة حياة الفرد اقتصاديًا "عشان كدا بقول لو الدولة صرفت على الصحة النفسية قصاد الفلوس دي هيرجع لها أضعاف".

فيديو قد يعجبك: