إعلان

بالصور- مصراوي يسرد حكاية 17 شابا أنقذوا "مكتبة الموصل" من دمار داعش

03:31 م الأحد 20 أغسطس 2017

تطبيق مصراوي

لرؤيــــه أصدق للأحــــداث

كتب- فايزة أحمد:

كان قد مر عام على تأسيس ما سُمى بـ"دولة الخلافة" التي اتخذت من مدينة الموصل الواقعة شمال العراق عاصمة لها، السماء مُلبدة بغيوم فبراير 2015، الأهالي يقبعون داخل منازلهم في انتظار المصير المجهول، الشوارع خالية إلا من جنود التنظيم الذين يتناوبون على مراقبة مداخل ومخارج المدينة، التي سرعان ما عُبئت بدخانٍ كثيفٍ لم يكن مصدره سوى محتويات مكتبة "الموصل المركزية" التي أُضرم فيها النيران بحجة أنها "تحض على الكُفر".

بالتزامن مع اندلاع عمليات تحرير الموصل التي بدأت نهاية شهر أكتوبر الماضي، تجمع ثُلة من الشباب في مقتبل العمر من داخل المدينة المنكوبة، لينفضوا التراب عن الكتب التي علقت تحت الأنقاض، وذلك بدعوة من صفحة "عين الموصل" التي اتخذت زمام المبادرة لتحفيز الشباب على إنقاذ ما تبقي من تراث هذه المكتبة.

كان لخبر احتراق المكتبة التي ضمت آلاف من الكتب والصحف والمخطوطات النادرة، أن ينتشر في المدينة انتشار النار في الهشيم، ليخرج الأهالي متوجهين إلى المكتبة؛ ليكونوا شهودًا على حرق تراثهم الثقافي الذي ظنوا أنه انتهي بهذه المحرقة التي أُعدت على مرأى ومسمع منهم، ليكتشفوا مطلع شهر مايو الماضي أنه لازال هناك آلاف أخرى من كتب هذه المكتبة تحت الأنقاض.

سبع عشرة شابًا لم تجمعهم معرفة سابقة، اختلفوا في مجال دراستهم واتجاهاتهم السياسية، لكنهم تجمعوا حول شيء واحد "حب العراق الذي دائمًا ما كان السبب الرئيس في تحقيق أي نصر على تنظيم داعش" بحسب ما وصفوه لـ"مصراوي".

عقب طرح المبادرة عبر موقع "فيس بوك"، اتفق يونس علي طالب كلية فنون جميلة، مع صديقه عمر القبسي طالب كلية "إدارة أعمال" على أن يكونا من أوائل المتطوعين لهذه المهمة المحدقة بالخطر من كل جانب "كنا متخوفين من أن يكون المكان مفخخ أو لازال به آثار داعش.. لكن توكلنا على الله وبدأنا العمل".

في تلك الأثناء توجهت رغد العسكري طالبة كلية التمريض، برفقة شقيقتها "رفل" طالبة المعهد التقني، إلى موقع المكتبة، بعدما نجحا في إقناع أسرتهما بالمشاركة "كبداية كان موقفنا مشتت لأن ما كنا نعرف طبيعية الكتب ياللي في المكتبة، ووين راح ننقلها وكيف بيكون العمل مع الفريق".

سرعان ما انسجم أعضاء الفريق ليباشروا عملهم الذي كان يبدأ في الثامنة صباحًا وحتى الثانية ظهرًا "كنا عائلة وحدة ولا زلنا جدًا متفاهمين بيناتنا كأننا أخوة" بحسب "رغد" لتستكمل رفل قائلة: "فضلًا عن أنهم كانوا يحترمون آرائنا قبل كل شيء وما كانوا يفرضون علينا آرائهم".

لم يحصل الشباب على أيّة حماية أمنية أو دعم من المسئولين سوى أن الجامعة استصدرت لهم تصريحًا بمباشرة المهمة، لكنهم استطاعوا تنظيم عملهم بشكل دقيق، وهو ما يوضحه أحمد الحلو طالب كلية الحقوق "تجمعنا كان عبارة عن جامعه كاملة بشكل مختصر.. كل شخص كان يمثل الكلية التابع لها.. بعض الأصدقاء من حملة الماجستير يعرفون الكتب وتقسيمها وعناوينها أكثر من طلاب البكالوريوس الذين اختصوا بفرز الكتب العادية عن المخطوطات القيمة، وعزلها عن الكتب المتوفرة أما أغلبنا كان عملنا مشترك".

أكثر ما كان يُصيب الشباب بالغضب الممزوج بالألم، حجم الدمار الذي لحق بالصحف العراقية التي يرجع تاريخها إلى أوائل القرن العشرين والخرائط التي يعود تاريخها إلى الإمبراطورية العثمانية، بالإضافة إلى مجموعات نادرة من الكتب قدمتها نحو 100 من العائلات الراسخة في الموصل.

على مدار ثلاثة أشهر بالتمام، عمل الفريق تحت أصوات الانفجارات من ناحية ودرجات حرارة الجو المرتفعة من ناحية أخرى "كنا نعمل ونسمع أصوات الاشتباكات والقصف من قِبل داعش بقنابل الهاون فضلًا عن حرارة الشمس والتعب أثناء النقل من الطوابق المكتبة.. بس إحنا كان همنا الوحيد إنقاذ الكتب" بحسب "الحلو".

العديد من العوائق التي واجهت الشباب خلال عملهم، والتي جعلتهم يشعرون باليأس في بعض الأحيان، خفف من وطأتها "يونس" الذي يحفظ جميع مشاهد الأفلام الكوميدية المصرية عن ظهر قلب حتى كان يُعيدها على مسامعهم بلهجة مصرية عراقية تترك على وجوههم بسمة واضحة، ساعده في ذلك صديقه "عمر" الذي يمتلك صوتًا عذبًا جعله دائمًا ما يُنشد المواويل العراقية التي لم يكن هناك شيئًا محببًا لدى الفريق برمته أكثر منها في تلك الأثناء.

رويدًا رويدًا بدأت بعض العوائق التي واجهتهم أن تتلاشى، لاسيما عقب انضمام محمد النيعمي إلى الفريق بسيارته التي كان لها دورًا كبيرًا في إتمام المهمة "النقل كان من أهم الشغلات اللي واجهتنا.. لكن ما أن تطوع النيعمي معنا انحلت المشكلة.. وصرنا ننقل بسيارته" وفقًا لـ"رفل".

لم تخلُ المهمة من المخاطر حتى فصلها الأخير، إذ قالت "رغد" "قبل النقل لمن زرنا الموقع البديل كان عبارة عن ملعب مغلق مليء بأثاث منازل تابعة لغنائم داعش، وأيضًا احتوي على أكياس كبريت ومواد للأسلحة.. فرغنا المكان ونظفناه وأصبح جاهز ومن ثم نقلنا الكتب إليه".

إنقاذ (36ألف كتاب) بالإضافة إلى العديد من الخرائط والصحف كان نتيجة ثمرة مجهود هذا الفريق الذي لم يُكرم حتى الآن لا من قِبل الجامعة ولا حتى من مسئولي الموصل "يكفي فرحتنا بأننا بنقدر نبني العراق من جديد دون مساعدة من حدا"، لكنهم يعتبرون أن مهمتهم لن تُنجز إلاّ بإقامة مهرجان القراءة الأول بالموصل بعد التحرير، والمزمع إقامته مطلع شهر سبتمبر المُقبل "بدنا نظهر للعالم حجم الدمار الذي ألحقه داعش بالتراث العراقي".

فيديو قد يعجبك: