إعلان

من الجوابات إلى فيسبوك..ذكريات الجمهور مع أعمال "مهيب"

04:20 م الثلاثاء 11 يوليو 2017

صورة لأحد أعمال الأخوين مهيب

تطبيق مصراوي

لرؤيــــه أصدق للأحــــداث

كتب-إشراق أحمد ومحمد مهدي ورنا الجميعي:

في زمان لا يعرف مواقع التواصل الاجتماعي، واستطلاع الرأي بضغطة زر إعجاب أو تعليق، كانت ردود الفعل على أعمال الأخوين مهيب ابنة وقتها؛ تأتي في خطابات مكتوبة باليد تُشعل الشعور بلذة تحقيق الهدف، ابتسامة يتغير معناها مع الزمن، وتعليقات مباشرة تجيء صدفة من على مقهى، لا يهم استحسان العمل أو رفضه، فبلوغ تلك المرحلة إنجاز في حد ذاته.

بعد نحو 40 عامًا جمهور الأخوين مهيب من مشاهدين وأشخاص عملوا معهم يستعيدون صدى إنتاج الرسوم المتحركة بين زمن فات وصفحات الموقع الأزرق. 

داخل منزل العائلة بضواحي حلوان، شاهد نبيل حمّاد إعلانات الأخوين مهيب في طفولته "كان عندنا تلفزيون ودا شيء مكنش متاح للجميع وقتها"، يشاهد إعلان "ديكسان" المقاوم للحشرات فيعلق في ذهنه "كان مسمّع جامد وخطير".

يُرجح "حماد" سهولة انتشار تلك الإعلانات في أواخر الستينيات والسبعينيات إلى "كلماتها واضحة، مدتها قصيرة، والشخصيات الكرتونية كانت بتشد الأطفال"، فضلًا عن اعتماد صناعها على لغة قريبة للمجتمع المصري حينذاك "بيدرسوا ثقافة الشعب والإعلان بيخاطب مين، عشان كدا بيطلع بشكل مميز".

حين عرفت الرسوم المتحركة طريقها إلى "ماسبيرو"، ظلت غريبة داخل الأرجاء المتخمة بالحركة لدفع عجلة برامج التليفزيون العربي آنذاك، وتلك الشاشة المطلة حديثًا على المصريين الذين ألفوا ترددات الأثير الإذاعي منذ الثلاثينيات. تحسس العاملون بالشاشة الفضية السمع لمعرفة ماذا يفعل هؤلاء الرابطون بالطابق السابع، ما يضيفوه عما يقدمونه، وبظهور المنتج ظن البعض أنهم سحرة "كان في مخرجين ميعرفوش يعني إيه رسوم متحركة كانوا يجوا يطلبوا تتر برنامج الصبح يقول أنا عايزه بليل" يتذكر وجيه فهمي، رئيس قسم الرسوم سابقًا، ومن أوائل الملتحقين بتجربة آل مهيب التليفزيونية.

أرنب يظهر حزينًا بينما يجلس على كرسيه، فيما تمر زوجته الأرنبة قائلة له "حبيبي ليه زعلان مش طبعك الاقيك زعلان" فيخبرها "هدومي وسخة من يومين أودي وشي من الناس فين".. كان ذلك إعلان مسحوق غسيل رابسو الذي شاهده محمد عبد الشافي وعلق في ذهنه من حينها. يرى الرجل الستيني أن مثل تلك الإعلانات عبرت بتميز عما حملته تلك الفترة من "اتجاه قومي وطني" يدعم الصناعات المحلية، وبث أفكار توعوية للمواطنين.

يحفظ "عبد الشافي" كلمات الأغاني باللفتة "الست سنية سايبة الماية نازلة ترخ من الحنفية عشان جلدة بقرشين صاغ مصلحهتهاش بقالها زمان". كان في السادسة من عمره حين أبصر إعلانات الستينات، المختومة بشعار أستوديو مهيب، امتلك منزل عبد الشافي تليفزيون 28 بوصة ماركة شركة النصر في الوقت الذي تواجد في 3 شقق أخرى فقط من بين 28 شقة بعمارتهم الكائنة في منطقة حدائق القبة.

انجذب الطفل عبد الشافي حينها للشخصيات المتحركة "راجل عجوز وفرقة بيغنوا سيكو أفندي وبط بيعلم 3 بطات تانين عن شهادات الاستثمار"، وجد الصغير ضالته في الرسوم والأغاني الخفيفة "كنت وقتها مبفهمش أغنية لعبد الحليم زي بتلوموني ليه"، لذلك كان في مشاهدة الإعلانات لحظات من السعادة يتشاركها مع رفاقه "كان اللي معندهمش تليفزيون يسمعوا منا الأغاني ونحكي لهم عن حكايات الإعلانات ويحفظوها".

أما عثمان غنيمي كان في الثلاثينات من عمره، يعمل في إدارة مجلة الإذاعة والتلفزيون، يتابع عن قُرب ما يدور في عالم الإعلانات "وكالات محدودة وقتها زي الأهرامات و(المصرية) بتاعة الجمهورية ثم ظهر الأخوين مهيب" لتبدأ بوادر اهتمام الجمهور بصورة أكبر بما يقدم في الإعلانات.

في منشية البكري، المنطقة التي يقطن بها "الغنيمي" ينتبه الجميع لميعاد الإعلانات، بات ما يقدمه آل مهيب، محل اهتمام أسرة الرجل والجيران "حالة من الانبهار باللي بيتقدم" فيما يتفق بعض الأسر فيما بينهم لمشاهدة الإعلانات الجديدة في بيت مَن يمتلك تليفزيون.

نجاح شهدته إعلانات مهيب، لم تكن حبيسة التليفزيون، بل كان هناك "حملة تكاملية" كما يصف "عبد الشافي"، متابع أعمال الأخوين، يتذكر إعلام مصر للتأمين الذي بلغ صيته إلى حد طباعته في شكل "بوستر" يتم توزيعه مع الجرائد، وكذلك إذاعة الشرق الأوسط التي داومت على بث الإعلانات الناجحة وقتها.

ولا ينسى علي سعد مهيب، أستاذ الرسوم المتحركة، وابن شقيق الأخوين، الحجرة التي كان يغوص فيها بين كم الخطابات الهائلة المُرسلة، بعدما حقق فيلم الخط الأبيض شهرة واسعة، جمهور وشخصيات بالوسط الفني أطلقت مديح كلماتها على الأوراق لتقصد حي العجوزة، حيث يقيم رائدا الرسوم المتحركة، بلغت كثرة الجوابات حد مزاح ساعي البريد مع "سعد"، الطفل الصغير ذي العشرة أعوام حينها قائلا له "يا عم خلي أعمامك يشوفوا الجوابات دي ده أحنا هناخد عمولة عليها بعد كده".

في قاعات السينما كانت تضج المقاعد ضحكًا وابتساماً قبل عرض الفيلم، دقائق الإعلان المذاع بتقنية الرسوم المتحركة على خلفية أغنية خفيفة سرعان ما تثير شفاه الجمهور للتفاعل مع إنتاج استوديو مهيب، شاهد ابن شقيق الأخوين ذلك إحدى المرات، انتابه الضيق وقتها كصبي صغير العمر "قلت بيضحكوا على إيه.. كنت فاكر أن دي حاجة سيئة وكده بيتريقوا على عمامي"، لكن حينما نضج علم أن ذلك التأثير خير إشارة على ما وصلت إليه إعلانات مهيب من الستينيات وطيلة فترة السبعينيات.

المقاهي أيضًا كانت مكانًا مناسبًا لمعرفة نبض المتلقين؛ كان ذلك في الثمانينات، حينما توقف عبد الناصر أبو بكر، رئيس جريدة مصر المرئية سابقًا، وأحد تلاميذ الأخوين مهيب، بعدما وجد أحدهم يشاهد إعلان لحملة تنظيم الأسرة "انظر حولك" المنفذ لها استوديو مهيب، تهلل الرجل فرحًا لأنه سيشهد لحظة واقعية لرصد رد الفعل، غير أنه تفاجأ؛ تابع المشاهد الصورتين المعروضتين، إحداها لرجل هادئ يستمع إلى الراديو وحوله طفلين، بينما الأخرى لأخر تتعارك عليه الأطفال الملتفة حوله، فعلق المتابع قائلا "شوف العزوة حلوة إزاي مش الراجل الحزين اللي قاعد لوحده" يحكي عضو فريق مهيب ضاحكًا بينما يتذكر الموقف.

تعجب "أبو بكر" من رد الفعل لكنه تتبع من حينها صدى الحملة، التي لم تلق قبولا كبيرًا حسب قوله رغم المجهود المبذول فيها "الناس كانت تتفرج مبسوطة بالغنوة والحركة لكن كتأثير مكنش نتايجها كبيرة للأسف".

تنشر أسرة الأخوين مهيب أعمالهما اليوم على صفحات بأسمائهما على "فيسبوك"، حينما يشاهد "حمّاد" إعلان "أنا الملامين" وغيره من منتجات الزمن الفائت عبر الإنترنت، يعاوده ذكريات الصبا "كأني بسمع أغنية لأم كلثوم، بقول دا الزمن الجميل"، ويتحدث عنها أمام أبنائه، فيما تنتاب "عبد الشافي" فرحة غامرة بمعاودة مشاهدة الإعلانات، حالة من الحنين تتملك منه، يتذكر معها تفاصيل الحياة حينها، وقت أن كان التقديم على تليفون أرضي يتطلب شهور، فيما لا تستغرق المكالمات اليوم ضغطة على زر الهاتف المحمول، يعود الرجل صغيرًا، بصحبه أصدقاء له، يسمع أصواتهم بينما يرددون "أنا الميلامين جامد ومتين"، فيجد نفسه محمولا بخفة على تحميل تلك الإعلانات ليحتفظ بها كذكرى لأيام سعيدة مضت.

 

فيديو قد يعجبك: