إعلان

30 عاما من الحب.. قصة طبيب مع سيناء من الحرب إلى حادث الروضة

07:51 م الأحد 03 ديسمبر 2017

الطبيب محمد العدوي

كتبت- دعاء الفولي:

فجر السبت الماضي جلس الطبيب محمد العدوي، في مسجد الروضة التابع لمستشفى بئر العبد المركزي، استرجع ما حدث، غلبه البكاء، نظر حوله فلمح الدماء تغطي الأرضية، بعدما اضطر الفريق الطبي لعلاج المصابين داخل المسجد. مر أسبوع على واقعة الروضة التي يذكرها استشاري العظام كأنها أمس، بينما يستحضر علاقته التي بدأت بسيناء، قبل أكثر من 30 عاما ومازالت المُفضلة عنده.

دائما ما حمل العدوي لسيناء مكانة خاصة في القلب "كنت ضمن أول وفد راح زارها في التمانينات بعد التحرير"، كان وقتها طبيبا في جامعة الأزهر؛ أخذت شبه الجزيرة لُبه، قرر خدمة أهلها فيها كلما استطاع، مستغلا القوافل الطبية التي تطلقها وزارة الصحة للمناطق النائية.

من مستشفى رفح إلى العريش المركزي، مرورا بمستشفى الطور وسانت كاترين وأماكن اخرى، لم يترك صاحب الستين عاما مُنشأة طبية في سيناء إلا وذهب لها "هما أولى بالمساعدة مش بس عشان بعيد لأنهم كمان في ظروف حرب".

لم يُبال العدوي يوما بما يحدث في سيناء، يتذكر بحسرة الأوقات التي قضاها داخل رفح، في الفترة بين 2012 و2016 "كنت بقعد هناك أسبوعين كل شهر"، لذلك عندما وصل لسن المعاش منذ 3 أشهر "كنت عايز أكمل شغلي في مستشفى رفح" لكن مديرية الصحة في شمال سيناء أخبرته باحتياج مستشفى بئر العبد إلى أطباء عظام، فوافق على الفور.

"عمري ما حسيت إن المنطقة هناك مش أمان"، غير أن الحال انقلب الجمعة الماضية عقب الصلاة "لقينا مدير المستشفى بيقول نجهز نفسنا عشان في حادثة حصلت وحالات جاية"، وصل عدة مُصابين في سيارة الإسعاف "عالجناهم وقلنا الدنيا اتلمت" لكنه فوجئ بجحافل من السيارات الملاكي تقل بشر غارقين في الدماء، وسيارات نقل تحمل جثامين "كتير منهم إصاباته في الرأس والصدر".

ظل العدوي يعمل مع زملائه 24 ساعة بشكل متواصل، اختلطت مشاعره بين الغضب، الضيق، الغُصّة والفخر، إذ اكتشف أن التكاتف يصنع المستحيل، رأى أطفالا تبتسم في وجهه موزعين على العصائر "وبيقولولي عشان حضرتك شغال من الصبح"، عاين شبابا يقيمون ممرا آمنا إلى المستشفى كي يتمكن الأطباء من العمل، فيما لم يبق طبيب في محيط العريش إلا وذهب للمساعدة طوعا.

أكثر من 300 شهيد ومئات المصابين خلّفهم الحادث الأليم، كانت يد الطبيب تعمل سريعا، لا وقت للصدمة أو الحزن، في رأى أهوالا في أعين القادمين "الإصابات كانت مفزعة.. بقالي 40 سنة في الطب مشفتش العدد دة ولا الصعوبة دي"، اضطر أحيانا لتقطيب الجروح دون مُخدر، كما فعل ذلك مع الإصابات الخطيرة.

يذكر الطبيب ذلك الشاب كثيرا "كان ربنا موزّع عليه صبر كتير"، جاءه مُصابا في يده اليُمنى، أصابعه شبه مبتورة، تعيّن عليه إعادة وصلها "اضطريت أعمل العملية على التروللي ولقيته بيقولي اشتغل من غير بنج أنا مش حاسس بحاجة".

لم يتوقف الأمر على الشق الطبي، حاول مرارا تخفيف آثار الصدمة على ذوي الضحايا "فيه ستات فقدوا أسرتهم كلها"، بينما كان الضغط النفسي عليه يبلغ عنان السماء "كنت بحاول أعالج شاب ووالدته كانت واقفة جنبي بتقول والنبي يا دكتور إخواته الاتنين ماتوا ومفاضلش غيره.. ومن رحمة ربنا إنه مماتش".

رعشة تجتاح جسد الطبيب كلما يسترجع ما حدث، كان البكاء في جوف الفجر يوم الحادث سبيله الوحيد للتنفيس عما رآه "ربنا هو اللي صبّرني عشان أقدر أشتغل"، رغم ذلك يبتسم حين يذكر الكلمات الطيبة التي سمعها من المصابين "كانوا راضيين بالبلاء لدرجة بقول لواحد هنيجي نعزي قاللي ربنا اللي بيعزّي بس ادعيلنا".

عقب خمسة أيام من العمل المتواصل والنوم القليل، عاد العدوي إلى القاهرة الأربعاء الماضي، على وعد الذهاب مرة أخرى بعد نيل قسط من الراحة. ذاكرته مُحمّلة بالوجع، وعشق سيناء بداخله لا يتزحزح "بعمل كتاب دلوقتي عنها وعن عمري اللي عشته فيها". لا يتوانى عن نُصح المحيطين بزيارتها، حتى أنه اصطحب ابنه الصيدلي ليعمل في مستشفى بمنطقة نخل بالشمال "ومبسوط هناك". يعلم الطبيب الستيني أن ذلك الوبال "سحابة مؤقتة" ستنقشع يوما، لتكشف عن سيناء الحقيقية الجميلة.

فيديو قد يعجبك: