إعلان

"جيران الموتى".. عبير وأولادها يعيشون في عشة مع الذباب والعقارب

06:04 م الإثنين 20 نوفمبر 2017

سكان جبانات الإمام

تطبيق مصراوي

لرؤيــــه أصدق للأحــــداث

كتبت- علياء رفعت ونانيس البيلي :

"جبانات الإمام".. هُنا عرفت "عبير السيد" الحياة واختبرتها منذ نعومة أظافرها، لم تعرف مكانًا للعيش سوى الطرقات الضيقة بين المقابر، ولم تشهد استقرارًا كصبيٌة يافعة تزوجت في الخامسة عشر من عمرها إلا في منطقة ميلادها ذاتها، في جوار الموتى.

وحيث يواري التراب الأموات في نهاية حياتهم، أسست "عبير" أسرة وحياه جديدة، ليستقر بها الحال كامرأة خمسينية في "عِشة" مُلاصقة لجدار مقبرة، بينما بقية أركانها الثلاثة وسقفها عبارة عن بعض الأخشاب المتراصة بعشوائية لتُضلل على أسرة قوامها 8 أفراد.

بالقرب من باب العِشة الصغير، هاجمتنا أسراب الذباب التي التفت حول "جردل" صغير يحتوى على بعض فضلات الإخراج لأفراد الأسرة التي تظن أنها تمتلك حمامًا داخل العشة، بينما لا يزيد ذلك "الحمام" عن كونه ثلاثة ألواح من الخشب ترتكن إلى بعضها البعض وتخترق إحداها ماسورة مياه موصلة من مسجد قريب.

_K6A9572

داخل العشة لم يكن الوضع يختلف عن خارجها، فالرائحة الكريهة تمتد إلى الداخل، أما الذباب والحشرات فيتقاسمون العيش مع أفراد أسرة "عبير"، التي استقبلتنا وهى تضع غطاء رأسها وتداري بالأغطية النائمين، بينما تُلبس حفيدها الثياب لتداري جسده العاري.

"بنحاول ننضف المكان باستمرار بس خلاص اتعودنا على وجود حشرات وعقارب من وقت للتاني".. قالتها عبير الخمسينية وهى تُفسح لنا المجال للجلوس داخل العشة التي اكتظت بأفراد الأسرة بينما خلت من الأساس، فهي لا تحتوي إلا على سريرٍ واحدٍ، مكتبة خشبية قديمة تحوي الثياب وثلاجة تعطل أكثر مما تعمل، بينما يوجد بجوار ما تطلق عليه الأسرة حمامًا ثلاثة كراسي لصالون متهالك تمامًا لم يكن يومًا مِلك عبير ولا أولادها.

_K6A9563

إلى جانب عبير جلست ابنتها الكُبرى "آية"، والتي تعمل كأمها "خادمة" تُعين أهالي الفيلل والقصور على تنضيف أملاكهم، بينما تعود في آخر النهار وأمها إلى عِشة تأويهم هي كُل ما يملكون من حطام هذه الدنيا.

"أوقات بحس إنى كارهه العِشة واللي فيها وأرجع وأقول الحمد لله حالنا أحسن من اللي بيناموا ع الأرصفة".. قالتها آية العشرينية وهي تُطيل النظر إلى بطنها التي بدأت أعراض الحمل في الظهور عليها بوضوح، قبل أن تضيف أنها لا ترغب فيما هو أكثر من حياه عادية لأولادها، حياه خالية من كل أنواع الرفاهية فقط تضمن لهم المأكل، الملبس والعيشة الكريمة "مش عاوزاهم يعيشوا الضنك اللي احنا عايشينه ده، نفسي أشوفهم أحسن مني وبحس بالعجز إني مش قادرة أوفر لهم ده".

_K6A9589

قبل عشر سنواتٍ مضت، توفي زوج عبير، لتُطرد بأولادها من حجرة صغيرة في أحد أحواش مقابر الإمام "فضلنا عايشين بين الأحواش فترة لحد ما (كُبارات) المنطقة عملولي التقفيلة الخشب دي واتلمينا فيها". دون أي سبيل للإنارة أو جُدرانٍ تقي حرارة الصيف ومطر الشتاء تحيا عبير وابنيها مع ابنتها بطفليها إلى جانب ثالث مُرتقب وزوج الابنة في "عِشة" واحدة. حياةٌ إعتادها الجميع يكيفون أحوالهم وفق مُقتضياتها فيقضون النهار ما بين المقابر والليل بين جُدرانٍ خشبية تفصلهم عن العراء.

_K6A9599

فصل الشتاء هو أحد أكبر مخاوف الأسرة، فالخشب لا يقيهم البرد، الأغطية لا تكفي، والمطر يتسرب إليهم برغم أنهم يعمدون إلى فرش قطعة كبيرة من "المشمع" الثقيل فوق العِشة، لكن دون جدوى. 

النفقاتِ هي الأخرى أحد الأعباء الثقيلة التي تعجز الأسرة أحيانا عن توفيرها فما تتحصل عليه الأم وابنتها لا يتجاوز الـ1500 جنيه، أما رجال الأسرة فهم بحسب آية "أُجُريَه على باب الله يوم في شغل وشهر لاء.. واللي بنكسبه أنا وأمي ميأكلش 8 أنفار عيش حاف كل يوم بس أهي مستورة".

_K6A9593

شقةٌ واحدة هي كُل ما تحلم بيه عبير وابنتها، لتتخذ الأبنة وزوجها وأولادها غرفة، بينما تعيش عبير ببقية أولادها في الغرفة الأخرى. ورغم سعيها في إجراءات الحصول على تلك الشقة، إلا أنها تعلم جيدًا في قرارة نفسها بأنها لن تحصل عليها "روحنا الحي وقدمنا أكتر من مرة بس الموضوع بيمشي هناك بالفلوس، وإذا كان معناش الـ5000 جنيه حق التقديم هندفع للموظفين عشان يمشولنا الطلب ازاى!".

"نفسنا في عيشة نضيفة نحس فيها إننا بني آدمين".. بهذه الكلمات جذبت آية طرف الحديث من والدتها بعد أن أغرقت عينيها بالدموع، مؤكده أن جميع من يحيون بغرف أو عشش بالقرب من منطقة الإمام صدر قرار ضدهم بالإخلاء دون أن تعطيهم الدولة البديل الذي يأويهم "مش هنطلع من هنا بعيالنا ع الشارع عشان تاكل فينا كلاب السكك، يا يوفروا لنا البديل يا يدفنونا هنا جمب الميتين، مش فارقة كتير".

فيديو قد يعجبك: