إعلان

أسر تتعذر في دفع مصاريف المدرسة.. 80 جنيهًا بعد التعويم "مش قليلة"

06:59 م الأربعاء 01 نوفمبر 2017

بداية العام الدراسي الجديد

تطبيق مصراوي

لرؤيــــه أصدق للأحــــداث

كتب-إشراق أحمد:

مر قرابة شهر على بداية العام الدراسي الجديد، ولا زالت فاطمة، طالبة الصف الثاني الإعدادي تسأل والدتها "أمتى هندفع مصاريف المدرسة؟.. زمايلي كلهم دفعوا". ثمانون جنيهًا المصروفات الدراسية هذا العام، اعتادت أسرة الفتاة، التي تسكن عزبة البحاروة –العياط محافظة الجيزة- طيلة سنوات سابقة أن تسدد جزء من إجمالي المصروفات وترجئ البقية لنهاية الدراسة، لكنها المرة الأولى التي لم يعد بالإمكان الدفع ولو "بالتقسيط".

ابتعاد "البحاروة" عن مركز العياط، جعل ضيق ذات اليد سمة أهلها، المعتمدين في الأساس على الزراعة، ودون ذلك فالعمالة اليومية ملجأهم، لذا كانت مصروفات المدارس بالنسبة لهم همًا ماديًا، تضاعف مع زيادة الأسعار خلال هذا العام بعد تحرير سعر صرف الجنيه نوفمبر 2016.

يعمل والد فاطمة "أرزقي" حال كثير من أهل "البحاروة" – تبعد 75 كيلو مترًا عن القاهرة. خمسون جنيهًا أقصى ما يتحصل عليه في يوم، وأحيانًا يعود خاوي الوفاض، ولطالبة الصف الثاني الإعدادي من الأشقاء خمسة، كبيرهم حاصل على دبلوم فني، لكنها الأكبر الأن في المنزل، يليها "فرحة" في الصف الخامس الابتدائي، فيما تزوجت شقيقتها ويشتغل شقيقاها "كريم وأحمد" كعمال لمساعدة الأسرة وأنفسهم، لكن الظروف كما تقول الأم لم تترك لهما متسعًا للعب دور السند لوالديهما.

زادت الأعباء على كاهل الأسرة طيلة العام الحالي حسب قول "أم كريم" والدة فاطمة، لا تعرف السيدة الثلاثينية مفهومًا لمعنى تحرير سعر صرف الجنيه أو ما يسمى "التعويم"، ما تفهمه أن "كل حاجة غليت عكس السنة اللي فاتت كانت رخا شوية"، وانعكس ذلك على المقدرة لتوفير مصاريف دراسة ابنتين معًا خلاف الأعوام السابقة، تقول الأم "يا دوب دفعت 25 جنيه جزء من مصاريف فرحة ومش قادرة لغاية دلوقت ادفع لبنتي التانية".

لم يكن بحسبان "أم كريم" أن تنضم مصاريف فاطمة لميزانية العام؛ فأثناء إتمام الامتحانات النهائية للصف الثاني الإعدادي، العام الدراسي الماضي، قررت الأم أن تخرج الابنة من التعليم، تملك الخوف منها بعد شائعات خطف الفتيات، لكنها ندمت ومع بدء الدراسة دفعتها للعودة إلى التعليم، ورفضت مطالبة زوجها بأن تبقيها لمساعدتها في المنزل وقالت له "هضغط على نفسي بس ترجع لمدرستها".

لمست "أم كريم" الرغبة في ابنتها بأن تكون كرفيقاتها الملتحقات بالتعليم في العزبة، فيما تلمع عيناها حين تبرر فعلها "لو اخدت الإعدادية ودخلت ثانوي ويارب لو تكمل مسيرها في يوم تعلم ولادها لكن إن قعدت هتفضل تشتغل وتبقى فلاحة وتشرب اللي أحنا شربناه وأحنا شربنا كتير"، لكن عودة الفتاة لمدرستها لم تكن هينة على نفس الأم.

تتذكر والدة فاطمة حين ذهبت إلى مدرسة ابنتها، فاصطدمت بقول مدرس لها بأنه لا يحق لها الحصول علي الكتب الدراسية "قال لي مدام بتعيد السنة كأنها ساقطة مالهاش كتب ولو في كتب جديدة هسلمها لها بس تدفع المصاريف"، فاضطرت الابنة إلى استلاف كتبًا قديمة من جيرانها لأن ما لديها تلف، فيما صمتت "أم كريم" أمام كلمات المدرس عن المصروفات "يعني هقوله هادفع 80 جنيه منين فمرضتش اتكلم".

كل جنيه هو ثروة في حياة أسرة "أم كريم"، ينفق بِقدرٍ تبعًا للحاجة. تحكي الأم أنها اضطرت هذا العام للمرة الأولى إلى السير قرابة 7 كيلو مترًا من السوق في منطقة العياط، إلى منزلها في عزبة البحاروة لأنها لا تملك جنيهان ونصف أجرة المواصلات، التي زادت بمقدار الضعف.

كذلك اختلفت حسبة شراء الطعام إذ لجأت السيدة إلى فرط ما لديها من حبات الذرة وبيعها، لتوفير جنيهات تشتري بها ما قل من الخضروات لصنع الغذاء، بعدما كان اعتمادها على ذلك فقط وقت الاضطرار، إلى جانب بيع حليب البقر الذي تعتمد عليه أغلب نساء البحاروة.

لكن يبدو أن الاضطرار بات قاعدة طيلة عام التعويم؛ للسنة الثالثة ترتدي فرحة الابنة الصغرى لـ"أم كريم" الزي المدرسي ذاته، تمضي كثيرًا من الوقت إلى المدرسة دون طعام، تمشط شعرها جافًا وليس بدهان يضفي عليه شيء من النضارة، تنفذ أوراق كراساتها وتصمت أمام نظرات والدتها وإعادة كلماتها بالفرج، لكنها تواصل تكرار طلباتها على مسامع والدتها وإن كانت تعلم أن الرد ربما يأتي بعدم التلبية "هي عارفة أني مش هقدر أعمل لها إلا اللي في استطاعتي.. ولادنا عارفين إمكانياتنا وأهي بتمشي ده حال الناس كلها هنا مفيش عيل بيبص للتاني" وذلك عزاء "أم كريم".

الأحد الماضي، كانت "أم كريم" على موعد مع طلب جديد من ابنتها فرحة؛ فبينما تهم بالذهاب إلى المدرسة، تذكرت طلب معلمتها بإحضار كل تلميذ نصف جنيه لعمل لوحة تعليمية؛ أخبرت الطفلة ذات العشرة أعوام والدتها، فقالت الأخيرة "مشي نفسك بالجنيه يا فرحة ولما ربنا يفرجها هديكي النص جنيه للأبلة"، نظرت الفتاة إلى مصروفها، وغادرت علها تلحق بعربة تتعلق بها حتى بلوغ مدرستها في كفر شحاتة –العياط- بدلا من المشي نصف الساعة، فيما ابتلعت الأم قلة حيلتها، تتمنى لو كانت تمتلك 10 جنيهات أسبوعيًا أجرة "تروسيكل" خصصه أحد الأهالي هذا العام لتوصيل صغار العزبة إلى المدرسة.

خلاف "أم كريم"، ظلت "أم زياد" على حالها مع تقسيط مصروفات ابنيها في مراحل تعليمهم، تدخر جنيهات قبل شهور من موعد الدراسة "بخبيها على جنب"، ومع بدء المدارس تخرج الأموال التي غالبًا ما تكون نصف المبلغ وتعطيها للأبناء لتسديد جانب المصروفات " نديهم 20 أو 30 جنيه لحد ما ربنا يرزق ونخلص المبلغ الكبير اللي علينا"، هذا العام لم تتمكن الأم من توفير المبلغ إلا بعد أسبوع من الدراسة، حتى أن ابنها ألح عليها بسرعة توفير المبلغ للحصول على الكتب.

شعرت الأم بالضيق من كلمات ابنها الصغير "قلت يارب لو بإيدي حاجة اعملها وأخليهم يجيبوا اللي هم عاوزينه"، 45 جنيه هي ما تحصل عليها "أم زياد" من أجر زوجها العامل "باليومية"، وصار لزامًا عليها أن تنفق منها على شراء الطعام لأفراد أسرتها الخمسة بعد زيادة الأسعار "بقيت أجيب الحاجة نص كيلو بس أو أقل" فضلاً عن مصروف يومي لابنيها في المدرسة "زياد بقى ياخد اتنين جنيه عشان الغلا وإبراهيم 5 جنيه"، وكثيرًا ما توفر الخمسة جنيهات حين يساعد ابنها إبراهيم أحدهم فيعطيه أجر المهمة.

لم تكن الأمور في الأعوام السابقة أفضل حالًا لكن "ربنا بيفرجها" حد تعبير "أم كريم"، فالعام الماضي رغم أن المصروفات كانت أقل بـ 20 جنيهًا غير أنه جاء مَن تكفل ببقيتها عن ابنتها فرحة "دخل المدرس وسأل مين اللي مدفعش المصاريف فرفعت إيدها وكانت ضمن الولاد اللي دفع لهم". فتلك الوسيلة البديلة –على قلتها- تساهم في رفع العبء عن أهل البحاروة، وكذلك الحال في سمنود –شمال شرق محافظة الغربية- التي لاحظ فيها وليد عمر مدرس زيادة أعداد غير القادرين على دفع المصروفات في مدرسة هذا العام.

وإن كان أهل البحاروة يجهلون بتخصيص وزارة التربية والتعليم بنودا لإعفاء غير القادرين من المصروفات المدرسية، وذلك بعد بحث اجتماعي، فضلا عن عدم إخبار أي من المسؤولين لهم عن تلك المسألة، ولهذا اعتاد الكثير منهم على تقسيط المصروفات حتى قبل "التعويم"، لكن في سمنود، يجد البعض حرجًا من الإعفاء الرسمي، لهذا قام عدد من المدرسين في مدرسة سمنود الإعدادية بنات، بعمل قائمة موازية لكشف الوزارة المتضمن أسماء المعفيين رسميًا من المصاريف.

"البعض ظروف الحياة ضغطت عليه، والبحث الاجتماعي ممكن مينصفوش أوي، خلاف أن كرامته مش سامحة له لأنه شايف إهانة في إنه يروح يتعمل عليه بحث عشان ولاده تتعفى من المصاريف فبيلجأ للعلاقات الشخصية" يقول "عمر" مدرس اللغة الإنجليزية في سمنود الإعدادية، ويعمل في مجال الخدمة المجتمعية منذ قرابة 7 سنوات.

يوضح عضو نقابة المعلمين أنه دومًا يتابع قائمة الأسماء الموازية وكذلك الرسمية، لكن اللافت كان في الكشف غير الرسمي، الذي يُسدد المتبرعين مصاريف طلابه إلى المدرسة، يشير إلى أن العدد حتى الشهر الحالي أكثر من 20 طالبة، وربما يزيد عن ذلك "في شهر نوفمبر بنتأكد من حالة كل الطلاب في دفع المصاريف"، فيما كان العدد سنويا في الأعوام السابقة لا يتجاوز 15 اسمًا.

الملاحظة والإبلاغ يعتمد عليهما "عمر" في معرفة الطالبات غير القادرات، وكذلك عبرهما رصد حالة طالبتين، أحدهما لفتاة في الصف الأول الإعدادي "لبسها كان باين عليه مش جديد ودي أول سنة ليها في المدرسة"، أما الثانية ففي الصف الثالث الإعدادي، أخبرته زميلة عنها، وبالبحث تفاجأ أنها كانت مواظبة على دفع المصاريف طيلة العامين، والحكم من الهيئة ما كان لينصفها، ليجد أن والدها تبدلت أحواله من وظيفة إلى العمل على "توك توك"، لذلك يرى المعلم الممتهن التدريس لنحو 20 عامًا أن الثمانين جنيهًا صارت عبئًا على "ناس كتير" رغم كونها مبلغًا ليس كبيرًا لكن "الحسبة بقت مختلفة".

اقرأ ايضاً:

في زمن التعويم.. أم تعمل في 3 صنايع من أجل لقمة العيش

2017_10_31_13_7_44_676

-"زيتنا في دقيقنا".. كيف يقاوم "العرسان" آثار التعويم بمساعدات أهاليهم؟

1

-بسبب التعويم مات عبد الجليل.. والابن يحكي قصة البحث عن دواء للسرطان

2

-الشقاء بدلا من التكريم.. التعويم يدفع عم "محمد" للعمل بعد المعاش

4

-بدون برايل وعصا بيضاء.. ماذا فعل التعويم في حياة كفيف؟

5

-أغلقت دكان الرزق 4 مرات.. نجلاء "عايشة على الصدقة" من بعد التعويم

6

-بعد عام من الغلاء.. ما فعله التعويم بعالم "الخادمات الأجانب"

2017_11_2_11_44_9_952

فيديو قد يعجبك: