إعلان

جماعة العلوم الاستكشافية.. "أ/ ب" التدريس عند "غزال" يبدأ من النشاط المدرسي

05:45 م الأربعاء 04 أكتوبر 2017

تطبيق مصراوي

لرؤيــــه أصدق للأحــــداث

كتب-إشراق أحمد:

حين أصبح أحمد غزال معلمًا رسميًا لمادة العلوم، كان حصول الطلاب على الدرجة النهاية هدفًا أساسيًا يغلف تفكيره، لكنه أدرك أن الأمر أصعب مما يتخيل، خاصة في بيئة ريفية، يفر فيها الطلاب إلى "الغيطان" للعمل، فأدار دفة التفكير إلى كيفية جذب الأولاد إلى المدرسة بالأساس "لو نجحت أحبب الولاد في المدرسة أقدر أعمل اللي أنا عايزه بعد كده".

15 عامًا أمضاها غزال حتى الآن في التدريس، منذ عام 2002 بدأ كمعلم غير مُعَيَن في مدرسة عادل نصر -بِرويش الإعدادية في منطقة العياط.

حال الكثير من المعلمين ألم باستراتيجيات التعليم النظرية، التقط الخيط، أخذت تدور في رأسه، يجرب هنا وهناك، حتى استقر إلى أنه إذا كان التعليم يتدهور في المدارس الحكومية، فالأنشطة تكاد تلفظ أنفاسها الأخيرة، لذا كانت مبادرته التطبيقية لإحياء النشاط المدرسي، والتي بصدد تعميمها على إدارة العياط التعليمية، بحسب قوله لمصراوي.

"جماعة العلوم الاستكشافية".. تحت هذا الكيان عكف غزال على تحقيق هدفه، بتوزيع الطلاب على خمسة فروع قابلة للزيادة، يعددها معلم المرحلة الإعدادية "الدعم الفني، موهوبين، رحلات، وسائل تعليمية والعرض المسرحي"، يهدف غزال منها إلى أن "الولد يحب المدرس الأول وبعدين المادة"، ومن ثم يصبح الطريق يسيرًا أمام مبادرته تلك لترسيخ حب العلوم فيه، لا يجبر طالب على شيء "بخليه هو اللي يجيي يقول لي أنا عايز أعمل كذا.. هو اللي يتكلم ويتحرك لهدفه، وأنا بس بشاور له".

يتجدد عمل معلم العلوم مع الطلاب الوافدين لمدرسة "برويش الإعدادية"، في الأسبوعين الأوائل من الدراسة، يقوم بما يشبه مسح لطباع الأولاد، يلتقط نقاط قوتهم وضعفهم للعمل عليها، فيما يواصل الطلاب القدامى عملهم "مثلا تختار مجموعة الرحلات أهم الأماكن اللي ممكن نروحها خلال السنة". يركز نشاط غزال على مادته في المقام الأول، لكن لا ضير من الانفتاح والمساعدة في أي أنشطة مرتبطة بالمدرسة بشكل عام.

العام الماضي كان الثالث على التوالي لمشاركة طلاب "برويش" في إقامة معرض خاص بالعلوم، أسفر عن إنشاء نادي للعلوم، يتضمن تطبيق التجارب العلمية المقررة بالمناهج، يقول غزال إنها ربما تبدو بسيطة لكنها "بتولد الابتكار فيما بعد"، ويأتي هذا ثمارُ لعام كامل من زرع بذور كيفية البحث، والتخطيط والاكتشاف "أخلي الولاد يحضروا الاجتماعات إزاي يكون مسؤول عن المعرض يتحضر له".

بطبيعة الحال في المدارس الحكومية، لم يعد يتعجب غزال من وجود طلاب لا يجيدون القراءة والكتابة رغم بلوغهم المرحلة الإعدادية، لكنه قرر إخراج النظرية التقليدية لمجال التطبيق، عبر "التعليم بالأقران" يجعل من الطالب "الشاطر" معلمًا لزميله الأضعف في القرائية خلال وقت معين، ووفق خطة يضعها المعلم، الذي يقول إن تنفيذها وصل لبلوغ نتيجة تتخطى 82% خلال 3 شهور.

سنوات من العمل لم تكن وردية "7 سنين كنت بقبض 120 جنيه"، حتى تم تعينه عام 2008. لكن ذلك لم يثني غزال عن رسالته، عمل على نفسه تدريبًا وتفكيرًا حتى وصل إلى تكليفه بمهمة محاضر بحث علمي في إدارة البدرشين والعياط، وفي طريقه إلى تحضير رسالة الماجستير.

لازم غزال "برويش" منذ بدأ مسيرته التعليمية، لم يفارقها إلا عام 2004-2005، التحق بمدرسة خاصة لكن سرعان ما عاد، فور علمه بـأنه سيصدر قرارًا للتعيين في المدرسة الحكومية، ورغم أن ذلك لم يحدث إلا بعد ثلاثة أعوام لكنه لم يندم يومًا "مديرة المدرسة قعدت تتواصل 3 سنوات متتالية لرجوعي مرة تانية لكن فضلت مدرستي" حسبما يقول معلم مادة العلوم للمرحلة الإعدادية.

لم يكن يومًا يريد غزال أن يصير مدرسًا، حصل على 90% في الثانوية العامة، كان أمامه فرصه الالتحاق بكلية العلوم، الحقوق أو التجارة، فضل الشاب الثلاثيني الاختيار الأخير، لاسيما أنه يهوى المواد العلمية، لكن تفكير الأهل في الفرصة المضمونة دفعته ليعدل عن رغبته، إلا أنه رُزق محبة القرار؛ مع أول يوم وقف فيه أمام الطلاب في سنة التدريب العملي "بصيت للولاد الصغيرين قدامي، حسيت بشيء غريب أني مش عايز اسيبهم"، شعر المعلم بما يريد أن يطبقه الأن في مسيرته العملية "حبيت الولاد قبل ما أحب التدريس".

طموح يملأ نفس غزال، أكبر من حصوله على المركز الخامس في مسابقة أفضل معلم في مصر "لما أبقى وزير تعليم هغير المنظومة" يقولها بجدية لا تحتمل الهزل، يرى أن العديد من المعلمين يملكون الرؤية لكن فرصهم محدودة، ولا يسعهم إلا المعافرة وسط شعور الغربة الذي يراود كل مَن يقوم بدوره.

يضرب معلم العلوم المثل بعدد من الأسئلة لاحقته خاصة في بداية تطبيق مبادرته "بتعمل إيه؟ نشاط.. طيب ليه.. طيب إيه اللي جابرك.. طيب بتاخد من وقتك ليه؟"، لا زال المدرس الثلاثيني يتعجب من تلك التعليقات "الحاجة الطبيعية اللي المدرس بيعلمها أصبحت غريبة".

ولا يختلف حال غزال وسعيه لترك أثر في الفصول مع الإداريين، يتذكر لجنة متابعة حين مرت عليه في الفصل "كأننا عملنا جريمة"، كان المدرس يجري مسابقة ثقافية بين طلابه، فقالت له الموجهة "أنت بتدي دروس ولا إيه؟"، فيما ينقسم الفصل بين 3 مجموعات، فريقين يتنافسان و"جمهور"، لينفي لها غزال ظنها، ويطالبها أن تجلس لتعرف ما يفعلون.

لا ييأس غزال من المحاولة، يعلم أن القادم يحمل الأفضل بأيدي الساعين للإصلاح، يؤمن أنهم كثر، وفي أماكن مختلفة، لكن توحدهم يبدأ بتغيير التفكير لإعطائهم مساحة تُمكنهم من تحقيق هدفهم في خلق جيل بنّاء يتأثر بمعلميهم كما تأثروا هم بالسابق.

1

فيديو قد يعجبك: