إعلان

''محمود''.. آخرة جيرة القسم'' رصاصة''

03:36 م الثلاثاء 18 مارس 2014

''محمود''.. آخرة جيرة القسم'' رصاصة''

تطبيق مصراوي

لرؤيــــه أصدق للأحــــداث

كتبت- دعاء الفولي:

نظر للهرج حوله، لا يفهم ما يجري، رصاص في كل مكان، لا تمر السيارات من هنا، ولا البشر، حب الاستطلاع يقوده للمشاهدة، والفضول حمل معه رصاصة استقرت بجانبه، ارتد ساقطًا على الأرض، يسحبه الأخ التوأم من قميصه الملطخ بالدماء، يُعنفه، يبكيه، يلومه على الفضول القاتل، ويأخذه للشارع الجانبي الأكثر أمانًا، تحت الأعين المفزوعة للوالد والوالدة، الأب يركض في الشارع ليحمل الفتى، لا يُبالي بحساسية صدره التي تمنع عليه المجهود الكبير، والدته نسيت ارتداء حذاء في قدمها، محاولات مستميتة للخروج من تحت براثن الحرب الموجودة على الشارع، ثم مستشفى وأطباء وعناية مركزة، وحياة لم تعد كسابقتها.

العائلة صغيرة، مكونة من الأب ''صلاح حسين'' والأم وأربعة أبناء، ''محمود'' و''أحمد'' التوأم ذات التسعة عشر عامًا، ''إنجي'' والطفلة ''أماني''، اُصيب ''محمود'' بطلق ناري حي، اليوم الموافق 14 أغسطس 2013، لا لشيء سوى أنهم يحرسون أحد العمارات الكائنة خلف قسم الطالبية بشارع الهرم، ويسكنون بها، دقائق قليلة فصلت بين إصابة ''محمود'' وخروجه الثاني على الشارع للمشاهدة، لم يمنعه تعنيف الوالد أو صراخ الوالدة ''مجرد ما طلعت عالشارع ولسة هعدي الطريق جت الطلقة في جنبي''، قال الفتى العشريني، لا يذكر مما حدث بعد ذلك سوى ألم لا ينقطع بالبطن.

مستشفى بولاق الدكرور هي المكان الذي مكث به ''محمود'' لمدة خمس أيام تقريبًا، دخلت الرصاصة لجانبه الأيمن واستقرت في منتصف البطن، ليخرجها الأطباء بعملية جراحية ''قعدت بعد العملية 3 شهور عشان أعرف أمشي تاني''، يوميًا كان يتابع مع أطباء الصيدلية المجاورة، يأتي أحدهم للمنزل لتنظيف الجرح، يمده ببعض مسكن الألم أو المخدر ''الوجع كان رهيب كأن فيه كهربا في بطني علطول''.

لم تهتم الأسرة بمعرفة مُطلق الرصاصة أو مصدرها، لم يطلبوا تعويضًا من أحد سواء الحكومة أو وزارة الصحة ''مطلبناش.. لأننا مكناش عارفين فيه حد هيساعدنا ولا لأ''، بعد مرور الثلاث أشهر نزل ''صلاح'' للعمل مرة أخرى بأحد المطاعم القريبة في المنطقة ''الجرح اتقفل وكان لازم أنزل أدور على شغل''.

''عمري ما كنت أتخيل يجرالنا كدة''، قالت ''صباح جابر''، الوالدة الأربعينية. عندما جاءت مع الزوج منذ أربعة عشر من مدينة الفيوم لتعمل بالقاهرة كانت العاصمة مختلفة، لم تتورط -على حد قولها- أو أحد من الأبناء الأربعة في السياسة ومجرياتها ''احنا ملناش دعوة باللي بيحصل''، لذلك عندما اُصيب الابن الأكبر كان الحدث غير متوقع.

تفاصيل اليوم تذكرها أم الأولاد جيدًا ''محمود والده جابه من الشارع كذا مرة عشان ميطلعش، لحد ما خرج من ورانا''، دقائق قليلة وسط ضرب النار، وجدت بعدها الوالد يهرول للمنزل يخبرها بما حدث ''محستش بنفسي إلا وأنا بجري على الشارع حافية لقيتهم جايبيه غرقان في دمه فخدناه على المستشفى''.

بعد ستة أشهر من العملية لازال بعض من آثارها موجود، تحاول الأسرة مساعدة الفتى قدر المستطاع ''بنخليه ميشيلش حاجة تقيلة عشان الجرح ميفتحش وبنتابع مع دكتور''، الرحيل من موقعهم خلف القسم ليس بعيدًا عن التفكير ''المشكلة لو مشينا من هنا هنروح فين، هنا مصدر رزقنا''، مرض الزوج يجعل الرحيل أكثر تعقيدًا ''عنده حساسية على الصدر فشغلانة البواب كويسة بالنسبة له مش متعبة''، أما المنطقة فمن جهة الأمن جيدة على حد قولها ''احنا بقينا بنخاف عن الأول لما بيحصل حاجة بنقفل الأبواب مش بنطلع، بس الأمن بقاله فترة مستتب''.

كانت الصغيرة هادئة إلى حد كبير، تتحرك في أرجاء الشارع لتشتري احتياجات السكان، عمرها الآن13 عامًا، سكون المكان يطمئن نفسها بعد العاصفة التي رأتها عند إصابة أخيها الأكبر ''كنت عند واحدة صحبتي في البيت جنبنا لقيت بابا جاي بيعيط مفهمتش في إيه''، بكاء هستيري سيطر على ''إنجي''، أخبروها أن ''محمود'' اُصيب، لم تره لكنها لحقت بأحد الأقارب إلى المستشفى ''لما روحت شفته كانوا حاطين له جهاز موصلينه ببطنه ومكنش بيتكلم''، بعد مرور اليوم الأول بأعجوبة، كانت تزوره بالمستشفى يوميًا، دون الوالدة أحيانًا حتى عاد للمنزل، وبعد العودة لم تتركه حتى مع انشغال والدته وأخيه التوأم بالعمل ''كنت بروح أجيبله الصيدلي كل يوم يبص عليه وبشتريلوا فاكهة وأكل عشان يبقى كويس''. لا تتمنى إلا عودة الأخ الأكبر لحالته القديمة ''عايزة محمود يرجع يخرج معانا زي الأول''، وأن تنتقل نقطة الشرطة في أي مكان آخر بعيدًا عنهم.

لمتابعة أهم وأحدث الأخبار اشترك الآن في خدمة مصراوي للرسائل القصيرة.. للاشتراك...اضغط هنا

فيديو قد يعجبك:

إعلان

إعلان