إعلان

بالفيديو والصور- حكايات وأسرار مسجد "أنجى هانم" في الإسكندرية

12:58 ص الثلاثاء 14 أغسطس 2018

تطبيق مصراوي

لرؤيــــه أصدق للأحــــداث

الإسكندرية – محمد البدري:

"الله أكبر.. الله أكبر".. ينبعث صوت الآذان من مئذنته العثمانية الشامخة، كأن تاريخًا لم يمر على جدرانه العتيقة التي تحتضن بين جنباتها حكايات وأسرار وقعت قبل أكثر من قرن من الزمان، عن أسرة محمد علي باشا التي كان لها حكم مصر لقرابة القرن ونصف.. إنه مسجد "أنجى هانم" الأثري في الإسكندرية.

يُعتبر مسجد أنجى هانم بمحافظة الإسكندرية، من المساجد المهمة التي شُيدت في عهد أسرة محمد علي باشا، وتأتي أهميته التاريخية في أنه أول المساجد التي تبنى على طريق ترعة المحمودية داخل الإسكندرية في القرن التاسع عشر فضلًا عن تميزه بمئذنة ذات طراز عثماني فريد لم يتكرر سوى في مسجدين آخرين بالمحافظة.

المسجد الذي جرى الانتهاء من ترميمه مؤخرًا بالجهود الذاتية تحت إشراف وزارة الآثار تمهيدًا لإعادة افتتاحه، كان شهد سنوات من الإهمال وضعته في تصنيف المباني ذات الخطورة الداهمة، إلا أن رحلة ترميمه كشفت عن بعض الحكايات التاريخية والمفارقات المتعلقة بالقائمين على تأسيسه، يرصد "مصراوي" في السطور التالية جانبا منها.

مسجد حرم والي مصر

اكتسب المسجد اسمه المعروف نسبة إلى "أنجى هانم" الزوجة الأولى لوالي مصر محمد سعيد باشا، وهو الابن الرابع لمؤسس الدولة المصرية الحديثة محمد علي باشا، وتزوجت من والي مصر عام 1854، وتوفيت في الإسكندرية عام 1890 ودفنت في مقابر الأسرة العلوية بمحيط شارع النبي دانيال إلى أن نقل رفاتها إلى مسجد الرفاعي بالقاهرة في خمسينيات القرن العشرين.

لغز اللوحة التأسيسية

من المعروف أن كل منشأة كان يتم بناؤها في مصر توضع بها لوحة تحمل اسم مؤسسها، إلا أن أعمال ترميم مسجد أنجى هانم الأثري بالإسكندرية كشفت عن لوحات تأسيسية نقش عليها اسم سيدة أخرى من أسرة محمد علي باشا، وهي "جشم آفت هانم" الزوجة الثالثة للخديوي إسماعيل خامس حكام مصر من أسرة محمد علي باشا وأول من حمل لقب خديو.

وحملت اللوحات التأسيسية التي شملت المسجد ودار تعليم الأطفال الملحقة بها عبارة " أنشأت وجددت هذا المسجد سعادة جشم أفت هانم حرم سعادة خديوي مصر على مر الأيام سنة 1286 هجرية" وهو العام الموافق 1869 ميلادية.

وعلى الرغم من أن المعلومات المتوفرة لدى وزارة الآثار أفادت بأن "جشم أفت هانم" هي من أعادت ترميم وتجديد المسجد بعد سنوات قليلة من تأسيسه، إلا أنه لم تشر إلى أسباب اختفاء أي إشارة إلى "أنجى هانم" المؤسسة الأولى للمسجد إذ لم يتم العثور على أي لوحة تحمل اسمها كما هو متعارف عليه في ذلك الزمن.

لماذا اختفى اسم انجى من المسجد

وبحسب الدكتور إسلام عاصم نقيب المرشدين السياحيين السابق والباحث في التاريخ السكندري، فإن الوثائق المعروفة تشير إلى أن أنجى هانم هي التي أسست المسجد بدليل تخصيصها قطعة أرض كوقف للمبنى، إلا أن المعروف تاريخيا أنها انفصلت عن زوجها عام 1863 وهو نفس العام الذي توفي به، معتبرا أن ذلك قد يشير إلى احتمال توقف أعمال البناء بالمسجد بشكل كامل حتى جرى إعادة بنائه.

وعن السبب وراء اختفاء أي أثر لاسم مؤسِسة المسجد رجح عاصم أن يكون ذلك نتيجة انتهاء ولاية حكم محمد سعيد باشا ووفاته وبالتالي أثر ذلك على صلاحيات "إنجىهانم" وعزز ذلك انفصالهما في نفس عام وفاته، لاسيما وأنها لم تكن من فعليا من الأسرة المالكة بل كانت ابنة بالتبني لأحد عائلات الأسرة العلوية، معتبرا أن الغريب في الأمر أن ذكر عبارة" أنشأت وجددت" الموجودة على لوحة المسجد لم تتكرر في مساجد أخرى وكأنه كان مقصودا بها طمس أي علامة تشير إلى "أنجى" وتخلد من اسم "جشم" دون أسباب معروفة.

مفارقة جمعت بين زوجتين لحكام مصر في ذات المسجد

بحسب عدد المراجع التاريخية فإن أنجى هانم لم ترزق بأي أبناء من زوجها محمد سعيد باشا والي مصر، وهو نفس الأمر الذي حدث مع جشم أفت هانم، والتي لم ترزق أيضا بأي أبناء من زوجها الخديو إسماعيل الذي أعقب محمد سعيد باشا في حكم مصر، وهو ما فسره البعض بتسخير كلتا السيدتين الجهود في أعمال الخير وخاصة تعليم الأطفال وهو ما فسر وجود دار لتحفيظ القرآن "كتّاب" ملحقة بالمسجد.

تزامن مع افتتاح قناة السويس

يوضح الدكتور إسلام عاصم، الباحث في التاريخ السكندري، أن تاريخ إنشاء المسجد المكتوب على لوحاته التأسيسية عام 1286 هجرية وافق عام 1869 وهو العام الذي تم خلاله افتتاح قناة السويس في عهد الخديوي إسماعيل زوج جشم أفت هانم التي وضع اسمها على المسجد، وأشار إلى أن توقيت الافتتاح قد يكون في إطار الاحتفالات التي عمت مصر في تلك الفترة كإشارة وتعبير من الأسرة الحاكمة إلى الخير الذي سيعود على مصر من افتتاح القناة

أقدم مصلي بالمسجد يحكي عن زيارة الملك فاروق

"الحاج إبراهيم الجوهري"، 86 عاما هو أقدم مصلي في المسجد الأثري روى لمصراوي لمحات من 75 عاما قضاها في زيارة المسجد بشكل شبه يومي منذ أن كان في عمر الطفولة، قائلا: تعلقت بهذا المسجد منذ أن كنت في العاشرة من عمري، وكنت أداوم على الزيارة الكتاب الملحق به لتعلم وحفظ القرآن الكريم."

ويذكر إبراهيم أنه شهد زيارة الملك فاروق الأول التي أجراها للمسجد عام 1945 وكان وقتها في الثالثة عشر من عمره، مشيرا إلى أن الملك حضر في موكب كبير وسط حاشيته ووجد استقبالا شعبيا كبيرا وأدى الصلاة داخل المسجد، مشيرا إلى أن تلك الفترة كان الملك يجوب عدد من المدن وخاصة الإسكندرية التي اعتاد زيارة أماكن بها للمرة الأولى.

ويوضح أن المسجد تعرض خلال سنوات إلى الإهمال التي وصلت إلى تسريب مياه الأمطار من أسقفه حتى تهالكت، ما جعل الأهالي يتقدمون بطلب إلى الجهات المعنية ومنها وزارتي الأوقاف والآثار، ليقوموا بتمويل أعمال الترميم بالجهود الذاتية.

الآثار: المسجد تعرض من قبل لأعمال ترميم خاطئة وأنقذنا ما يمكن إصلاحه

من جانبه قال صلاح حسوب مفتش آثار بمنطقة وسط الإسكندرية، والمسؤول عن إشراف الترميم، إن المسجد كان من ضمن الآثار التي صنفت بالدرجة الأولى من حيث الخطورة بموجب القرار رقم 149 لسنة 2011، مبينا أن المسجد كان في حالة إنشائية ومعمارية سيئة خاصة بعد تعرضه لأعمال ترميم خاطئة من قبل بعض الأهالي قبل تسجيله في الآثار بسبع سنوات.

وأضاف حسوب لـ مصراوي، أن أعمال الترميم بدأت في المسجد في الربع الأول من عام 2017 بجهود الأهالي الذين بادروا بتبرعات بلغت نحو 2,5 مليون جنيه لإنقاذه من الانهيار، حتى تم ترميمه وفقا للأصول الأثرية وتم إنقاذ ما يمكن إصلاحه بالمبن.

فيديو قد يعجبك: