إعلان

أقامت قبرها في البيت وأوصت بالغسل أمام الفرن الفلاحي.. قصة كفاح الحاجة "مالية"

02:14 م السبت 30 ديسمبر 2017

تطبيق مصراوي

لرؤيــــه أصدق للأحــــداث

كفر الشيخ - إسلام عمار

وسط حقول الدلتا الخضراء الباردة في صقيع الشتاء، تأوي إلى بيتها الصغير، الذي احتوى حقلها فوق سطحه، وقبرها بين جنباته، إنها الحاجة "مالية" التي قررت الاعتماد على نفسها، والاكتفاء الذاتي، بالاستغناء عن المستغلين والأفاقين في مجتمعها.

يقع المنزل الصغير المبني بالطوب الأبيض، الذي تتعدى مساحته 77 مترًا، وسط عزبة يُقال لها "عزبة فؤاد رجب"، تبعد 5 كيلومترات عن مدينة فوه، بمحافظة كفر الشيخ، على الطريق المؤدي إلى قرية سنديون.

بعد مسافة من الطرق الترابية بين الحقول، والأزقة الضيقة بين المساكن، أرشدنا الشابين حسام المسمري، ومحمد الجمال، من أهالي مركز فوه، إلى البيت الصغير، المحاط بالسخريات والأساطير عن وجود كنز في بيت العجوز الثمانينية، وشيء من الحب، ومجموعة صبية يلهون بمضايقتها.

قبر في البيت وطموح الأولياء الصالحين

4 غرف، وبعض النوافذ، وفرن فلاحي أمامه سلم خشبي، يؤدي إلى السطح "الحقل"، وبإحدى الغرف، قبر صغير على شكل لحد مكسو بالقش، تتنقل مجموعة من القطط بين جنباته، في حرية مطلقة.

"حفرت قبري في هذه الغرفة بيدي منذ 30 عامًا، لا أريد أن أدفن عن أحد غريب" هكذا بدأت الحاجة مالية عبد الخالق أبوصالح، حديثها لــ"مصراوي"، وفي إشارة إلى جانبها الصوفي، وتطلعها أن تنزل منزلة الأولياء الصالحين، قالت "أنا بنت مدد أحب الشيخة صباح، والسيدة نفيسة، والسيدة زينب، وبصراحة روحي معلقة بهن، وأطمح أن يهتم الناس بقبري بعد وفاتي مثلهن".

فيس بوك وأبلة منار

وقالت "لا أحد يسأل عني غير "الأبلة منار" وأهلها، هم فقط من يودوني، ويسألون عني"، وشخصية "الأبلة منار" هذه ليست من سكان القرية من الأساس، فهي طالبة جامعية تدعى "منار الجمال" اهتمت وصديقتها "أحلام محمد" بتداول حكاية سيدة البيت الصغير، على مواقع التواصل الاجتماعي، ودوّنتا جزء يسير من قصتها الغريبة التي نالت تفاعلًا كبيرًا على "فيس بوك".

الزراعة فوق سطح البيت

قالت الحاجة مالية "أعمل منذ صغري في زراعة الخضروات وبيعها، ولما ضايقني الفلاحين وأصحاب الأراضي، اعتمدت على نفسي وزرعت الخضروات فوق سطح بيتي"، هكذا عبرت عن إرادتها وتحديها لكل المعوقات التي واجهتها.

واصطحبتنا الفلاحة العجوز إلى حقلها المتواضع فوق سطح بيتها الصغير، والذي زرعت فيه عددًا لا بأس به من الخضروات.

وأسهبت "كنت أشتغل في زراعة الخضروات وبيعها، وأنا عمري 15 عامًا، أحب الشغل، وقبل عامين ازدادت مضايقات الفلاحين لي فتركتهم، وقررت الاعتماد على نفسي، وزرعت جزء من سطح منزلي، ببعض أصناف الخضروات، وكل ما أحتاجه، بعض التراب من الأراضي الزراعية، وبعض الأدوات والمستلزمات البسيطة، أتفاخر بما أنتج من محصول متواضع يغنيني عن سؤال اللئيم".

"مرة أبيع بـ10 جنيه، ومرة بـ7، ومرة بـ5 مهما كان الرزق أحمد الله عليه"، وبهذه الكلمات كشفت لنا الحاجة مالية حسابها المالي، وأضافت "أنا وحدانية وأي رزق يكفيني، أكل حتة جبنة قديمة وعودين خضار، والحمد لله والشكر لله".

التبرع لمرضى السرطان

أثناء تواجدنا معها، تسرب من حافظتها ورقة صفراء، توحي أنها إيصال مالي، قالت "إنه تبرع بمعاشي التأميني 500 جنيهًا، لصالح الأطفال من مرضى السرطان الذين يتلقون "الكيماوي"".

وعن قضاء وقتها قالت "عندي راديو كان زوجي – الله يرحمه – اشتراه منذ 35 عامًأ، بـ16 جنيهًا، أسمع عليه القرآن الكرم، والمسلسلات، أنا وزوجي كنا نستمع إليه سويًا، وكنا نسمع الإعلانات عن الأطفال الذين يتلقون العلاج الكيماوي، لهذا أول ما قبضت معاشي تبرعت لهم، ولو ينفع أتبرع بجزء من جسمي أتبرع، أنا أحب الناس كلهم، رغم السخرية التي أتلقاها من بعض الجيران، والصبية أمام البيت، لكن كل واحد منه لله".

لغة القطط

أكدت الحاجة "مالية" أن زوجها توفي منذ 15 عامًا، وأنها لم ترزق بأبناء، فقررت أن تستعيض عن الأولاد بالقطط، الذين ملأوا لها أوقاتها بالسعادة، لافتة إلى أنهم أصبحوا أصدقائها، ينامون على حجرها، وفي حضنها، وتحزن كثيرًا لمرض أي منهم، كما أنها تُكفن ما تموت من القطط، فالقطة التي تموت كأنها جزء مني، عِشرة غالية لا تهون إلا على أولاد الحرام.

وأوضحت السيدة الحكيمة أنها أصبح بينها وبين القطط لغة تفاهم خاصة، فكلما نادت عليهم "بس بس" أتوا إليها، مؤكدة أنهم يسعمون كلامها.

الوصايا الـسبع وحبها لعبد الناصر

تملأ البيت بصور فوتوغرافية لها ولزوجها، وصور لمن تقول أنهم أولياء الله الصالحين، إضافة إلى صورة داخل برواز للرئيس الراحل جمال عبدالناصر، ووصية خاصة بها 7 بنود توصي فيها جيرانها بدفنها في اللحد الذي أقامته، وأن تُغسّل أمام الفرن الفلاحي الخاص بها، وأن يخرج جثمانها عقب التغسيل، من أحد النوافذ الخلفية لهذا الفرن.

وحول وجود بعض البنود المبهمة، في تلك الوصية، ومطالبتها بتوضيح تلك البنود، رفضت الحاجة الإجابة عليها، ولم تجيب إلا بهذه الكلمات: "هذه حاجة بيني وبين ربنا.. ولكي لا يزعل مني الناس الطيبين.. كنت أحلم بهم.. ولما بُحت بأسرار رؤيتهم في المنام زعلوا مني، ولم يأتني أحد بعدها، فأنا بنت مدد وأحب الناس الطيبين وهم أيضًا يحبونني".

وأضافت: "أنا أحب عبد الناصر لأن الراجل ده طيب، والناس كلها بتحبه، وبحب سيدنا الشيخ الشعراوي، لأنهما طيبان، وناس بتوع ربنا، وبصراحة لا أعرف غيرهما، غير الله".

فيديو قد يعجبك:

إعلان

إعلان