إعلان

"واحد من أعظم القادة الأفارقة".. لماذا يعتبر الإثيوبيون أبي أحمد "نبيًا"؟

03:37 م الثلاثاء 28 أغسطس 2018

أبي أحمد

تطبيق مصراوي

لرؤيــــه أصدق للأحــــداث

كتبت- رنا أسامة:

تحت عنوان (لماذا ينظر الإثيوبيون إلى رئيس حكومتهم الجديد أنه نبي؟)، تحدّثت شبكة "سي إن إن" الأمريكية عن رئيس الوزراء الإثيوبي أبي أحمد الذي تولّى منصبه خلفًا لهايلي ماريام ديسالين في أبريل الماضي، واصفًا إيّاه بـ"الزعيم الشاب الديمقراطي الداعي للسلام".

واستهلّت الشبكة الأمريكية تقريرها بمشهد من جولة أبي أحمد بالولايات المتحدة في أول زيارة إلى واشنطن، قائلة "في الساعة السادسة صباحًا، عندما وصل الشاب الإثيوبي جوتاما هابرو إلى ملعب مينيابوليس بولاية مينيسوتا الأمريكية، كانت الحشود تتوافد حتى تجمّع حوالي 20 ألف إثيوبي في غضون ساعات".

"كان الناس يبكون من حولي"، يقول جوتاما البالغ من العمر 28 عامًا ويعمل بمختبر طبي. وأضاف "رؤية هذا المشهد كان بمثابة الحلم الذي أصبح حقيقة".

لم يكن جوتاما في حفل موسيقي؛ بل كانت هذه المحطة الأخيرة في جولة للمسؤول الإثيوبي بالولايات المتحدة، كان أبي أحمد (42 عامًا) على موعد فيها مع أكثر من 251 ألف إثيوبي يعيشون في الولايات المتحدة، في يوليو الماضي، حيث يقبع الكثير منهم في المنفى الاختياري، هربًا من المواجهات العرقية والعنف وعدم الاستقرار السياسي في وطنهم.

يقول محمد أديمو، الناشط الذي فر إلى الولايات المتحدة في 2002 وأسس موقعًا إخباريًا تحت اسم OPride.com، وتم حجبه لسنوات في بلاده: "مستوى الأمل الذي شهدناه لم يكن مسبوقًا منذ انتخاب باراك أوباما".

1

منذ توليه منصبه في الثاني من أبريل الماضي، قاد أصغر رؤساء حكومات أفريقيا مجموعة من الإصلاحات الليبرالية المذهلة في إثيوبيا، والتي يعزوها كثيرون إلى إنقاذ البلاد من الحرب الأهلية.

تُشير الشبكة الأمريكية إلى إطلاق أبي أحمد سراح آلاف السجناء السياسيين، وإنهائه الرقابة المفروضة على مئات المواقع، وإنهاء حالة الحرب التي استمرت 20 عامًا مع إريتريا، ورفع حالة الطوارئ، إضافة إلى خططه لفتح قطاعات اقتصادية رئيسية أمام مستثمرين من القطاع الخاص، بما في ذلك الخطوط الجوية الإثيوبية المملوكة للدولة.

وشهدت البلاد العديد من مظاهر الاحتفاء برئيس الحكومة الجديد؛ ففي العاصمة أديس أبابا، يتم لصق الزجاج الأمامي لسيارات الأجرة بملصقات أبي أحمد، في حين يقوم المواطنون بتغيير صورهم الشخصية على واتساب وفيسبوك لشعارات موالية لأبي أحمد، وينفقون أموالهم على شراء قمصانا مطبوع عليها صورة الزعيم الإثيوبي.

يقول إلياس تسفاي، صاحب مصنع ملابس، إنه باع خلال الأسابيع الستة الماضية 20 ألف قميص يحمل وجه أبي أحمد بقيمة 10 دولارات للقطعة الواحدة. في يونيو الماضي، حضر نحو 4 ملايين شخص مسيرة تقدّمها أبي أحمد في ساحة ميسكيل بالعاصمة أديس أبابا.

ويتحدّث توم جاردنر، صحفي بريطاني يعيش في أديس أبابا، عن وجود حماسة دينية لما أُطلِق عليه "الهوس بأبي أحمد"، موضحًا "الناس يتحدثون صراحة أنهم ينظرون إليه باعتباره نبيًا"- على حدّ تعبيره.

2

وعن مظهر أبي أحمد، تلفت الشبكة الإخبارية الأمريكية إلى أن ملابسه لا تجذب الانتباه في كثير من الأحيان، غير أن الألوان الأرجواني أو الأخضر والذهبي التي ظهر بها في جولته في الولايات المتحدة لم تكن اختيارًا مألوفًا، لكنها كانت خاصة بطائفة الأورومو في بلاده.

تصف الشبكة الأمريكية ذلك الأمر بأنه "مهم"؛ إذ أن أبي أحمد يُعد أول رئيس وزراء إثيوبي ينتمي لأكبر مجموعة عرقية في البلاد وهي "الأورومو"، التي تشكل ثلث سكان البلاد البالغ عددهم 100 مليون نسمة.

هناك أكثر من 90 مدموعة عِرقية في إثيوبيا، ولعقود من الزمان تم تنظيم سياسات البلاد على طول هذه الخطوط المثيرة للانقسام.

3

وتسجل الذاكرة الإثيوبية أنه في عام 1991، أطاحت الجبهة الشعبية لتحرير تقراي (ائتلافية الحزب الحاكم بإثيوبيا)، بديكتاتورية منجستو هيلي ماريام، التي فرض نظامها الشيوعي الحكم العسكري على البلاد منذ عام 1974. وكان منجستو قد قتل الآلاف من خصومه السياسيين وتجاهل مجاعة قتلت مليون شخص.

ومع استعداد حزب تقراي لتولي السلطة عام 1989، دخل في تحالف مع مجموعات عرقية أكبر، مثل أورومو وأمهارا، لتعزيز شرعيته. فيما يقول تسيدال ليمما، رئيس تحرير جريدة أديس ستاندارد المستقلة "لقد شكلت جبهة تحرير شعب تقراي من ما تبقى من الأحزاب - فليس لديهم وجود مستقل".

4

حتى ظهور أبى أحمد، كان تحالف الجبهة الثورية الديمقراطية الشعبية الإثيوبية (EPRDF) يحكم البلاد بقبضة من حديد. ودفع تهميش الحكومة للجماعات العرقية الأخرى إلى هجرة العديد من المهنيين من الإثيوبيين وخلق حالة من الانفصال لدى الأورومو، فضلًا عن تسبب الحكومة في اضطرابات مدنية في السنوات الأخيرة، على خلفية التخطيط لضم أراضي أورومو الزراعية من أجل توسيع أديس أبابا.

مع انزلاق البلاد إلى الفوضى في فبراير الماضي، أجرى رئيس الوزراء السابق هايلي ماريام ديسالين شيئًا - قلّما يفعله القادة الأفارقة - لقد ترك منصبه، وفُرضت حالة الطوارئ للمرة الثانية خلال 18 شهرًا وتلا ذلك انقطاع الإنترنت، بما في ذلك في العاصمة أديس أبابا، الأمر الذي عدّه مراقبون "مدمرًا للاقتصاد".

يقول أبيل وابيلا، مهندس سابق في شركة الخطوط الجوية الإثيوبية سجن بسبب تدوينه عن الديمقراطية في ظل الإدارة السابقة: "كان الجميع يخافون من أنه إذا لم تحصل إثيوبيا على زعيم أورومو، ستنهار الأمة بسببب حرب أهلية". وتابع "لكن ولحسن الحظ، تزعّمنا على أبي أحمد".

5

وعن حميمية أبي مع الساسة والعامة، تقول الـ"سي إن إن" إنه "لا يشبه أولئك الذين جاءوا من قبله"؛ فهو يعانق السياسيين في الأماكن العامة ويلتقط صور السيلفي مع معجبيه ولا يبتسم فقط أمام الكاميرات، لكنه يبدو "مُشِعًا". وكانت رسالته إلى الجماعات العرقية في إثيوبيا: "اهدموا الجدران، ابنوا الجسور".

في ولاية مينيسوتا، خاطب الحشد المتواجد برسالة ثورية: "إذا كنتم تريدون أن تكونوا فخرًا لجيلكم، عليكم أن تقرّوا بأن أورومو، وأمهرا، وولايتا، وجوراجز، وسيليت كلها إثيوبية على حدٍ سواء".

يقول أديمو، الذي انضم إلى جولة أبي أحمد في الولايات المتحدة كمستشار في الشتات الأمريكي، إنه "يتحدث بلغة يفهمها الناس. لقد وجد الإثيوبيون الزعيم الذي ينتظرونه أخيرًا".

وترى الشبكة الأمريكية أن هوية أبي أحمد تساهم في تعزيز العلاقات بين المجموعات العرقية؛ والده مسلم أورومو فيما كانت والدته تعتنق المسيحية. وهو يجيد اللغات "الأورومو، الأمهرية، التقرينية بالإضافة إلى الإنجليزية". وفي مينيسوتا، خاطب الحشد بكل هذه اللغات الإثيوبية الثلاث.

وكذلك تتنوع خبرته المهنية؛ في التسعينيات، كان أبي أحمد ضمن قوات الأمم المتحدة لحفظ السلام في رواندا، ثم ترأس وكالة الأمن الإلكتروني الإثيوبية (إنسا)، وعمل وزيرًا للعلوم والتكنولوجيا قبل أن يغادر الحكومة المركزية، ليصبح نائب رئيس منطقة أوروميا المثيرة للجدل.

مع تصاعد الهوس بأبي أحمد، يتردّد الحديث عن العودة إلى دولة لديها أسرع نمو اقتصادي في أفريقيا؛ إذ عاد أديمو إلى أديس أبابا الشهر الماضي. ويعتزم العدّاء فييزا ليليسا الحاصل على الميدالية الفضية في أولمبياد 2016، أن يفعل الشيء نفسه في سبتمبر المقبل.

كان قد تم نفيه إلى الولايات المتحدة منذ تلك المنافسات، احتجاجًا على الاستيلاء على الأراضي الحكومية وعمليات القتل العرقية. يقول العدّاء الإثيوبي: "لو عدت، لكنت قُتلت". بينما يقول المدون السياسي السابق للديمقراطيين والمدافعين عن حقوق الإنسان، أتاف بيرهان، "أنا في أديس أبابا، وللمرة الأولى منذ 6 سنوات، لا أشعر بأنني مُهدد بالاعتقال".

6

رُبما تكون حياة زعيم مثل أبي أحمد مُهددة. في يونيو الماضي، تم تفجير قنبلة في مسيرة قدمها في ساحة مسكل، فيما اعتبرت "محاولة اغتيال". وفي حين يقول تسيدال إن العديد من الحرس القديم "مستاؤون" من إضعاف هيمنتهم السياسية على يد أبي أحمد

يصفه أركابي أوكباي ، عضو مؤسس في الجبهة الديمقراطية الثورية للشعب الإثيوبي، بأنه "شاب مُفعم بالحيوية. وينبغي أن يدعمه الشعب".

وفي الوقت نفسه، تتطرّق الشبكة الأمريكية في تقريرها إلى ما وصفته بـ" نقطة شائكة بعض الشيء في قصة نجاح أبي أحمد"، فبينما يقدم نفسه كبطل ليبرالي، لم يُجرِ أي لقاء صحفي طيلة أربعة أشهر في منصبه. يقول تسيدال "لقد توقفت دعوة وسائل الإعلام الخاصة، لبعض الوقت، إلى المناسبات الحكومية لأسباب لم نفهمها بعد".

الأمر الذي أثار، بالتبعية، علامات استفهام حول السيرة الذاتية لأبي أحمد، وحياته غير المُعلنة التي تتخطّى حقيقة أنه متزوج ولديه 3 بنات. وعقد أبي أحمد أول مؤتمر صحفي من نوعه، في 25 أغسطس الجاري، استغرق 3 ساعات، بدا خلاله "مُسترخيًا ومُقنعًا"، بحسب تسيدال.

7

ولعل أكبر مصدر للقلق من الهوس بأبي أحمد يتعلق بعدم رؤية الإثيوبيين للجانب المُظلم من زعيمهم. تقول ناتاشا إيزرو، الأستاذة في قسم الحكومة في جامعة إسكس بإنجلترا "يجب أن نكون حذرين من القادة الذين يظهرون ويبدون وكأنهم قديسين للجميع".

وأضافت أن "إثيوبيا ليس لديها مؤسسات للديمقراطية واعتادت الزعماء الأقوياء". وتُشير إلى أنه "في حال توقّف أبي أحمد عن متابعة الإصلاحات الجارية، سيصعب حينها تفادي مظاهر الديكتاتورية. وحتى الآن، يأمل الإثيوبيون في جميع أنحاء العالم ألا يحدث ذلك".

ويقول جيتا: "بالنسبة لبلد مثل إثيوبيا، فإن أبي واحد من المليون.. ويمكنه حقًا أن يكون واحدًا من أعظم القادة في أفريقيا على الإطلاق".

8

فيديو قد يعجبك: