إعلان

سياسي ليبي: الانتخابات المتعجلة لن تأتي إلا برئيس عاجز وفاشل

09:39 ص الجمعة 10 أغسطس 2018

محمود جبريل

القاهرة - ( د ب أ)

يرى رئيس الوزراء الليبي الأسبق والسياسي البارز ، محمود جبريل، أن الحل الرئيسي لآزمة بلاده ،والتي أنهكتها الانقسامات السياسية والفوضى المسلحة منذ أكثر من سبع سنوات عقب الإطاحة بحكم معمر القذافي ،يتركز في ضرورة رفع ورفض التدخلات الدولية الكثيفة في شؤونها ، وترك الأمر لأهلها، وتحديدا الأطراف الفاعلة منهم على الأرض، وفي مقدمتهم قادة الميليشيات المسلحة والقبائل والقوى السياسية، للتحاور والتوافق فيما بينهم.

جبريل وفي مقابلة هاتفية مع وكالة الأنباء الألمانية (د.ب.أ) ، حذر من " خطورة إجراء انتخابات متعجلة لا تتوافر بها الشروط والضمانات التي طالب بها المبعوث الأممي إلي ليبيا غسان سلامة، وفي مقدمتها الشرط التشريعي بسن القانون اللازم لتنفيذ العملية الانتخابية، والشرط الأمني بتوفير مناخ آمن لا يتم فيه ترويع الناخبين، والشرط السياسي بقبول كافة الأطراف اللبيبة مسبقاً بنتائج الانتخابات ... وهذه الشروط تتطلب وقتا كبيرا لتحققها على أرض الواقع.... برأيي قد لا يمكن تحققها قبل منتصف العام القادم وربما أبعد من ذلك".

وشدد جبريل /66 عاما/ قائلا ."نحن مع خيار الانتخابات ، ولكن إذا اجريت كما يتردد نهاية العام الحالي أو بداية العام القادم ،أي دون تحقق الضمانات الأممية ، فهذا يعني أنها ستكون انتخابات متعجلة وبلا هدف سوى استحضار رئيس يكرر حالة الفشل والعجز مثلما هو الوضع الحالي لرئيس حكومة الوفاق فايز السراج المحاصر والمرتهن لقرار ميليشيات مسلحة عدة تسيطر على العاصمة".

ويشير جبريل، رئيس حزب تحالف القوى الوطنية، إلى التجارب الانتخابية السابقة في 2012 و 2014 ، حيث تمكن تحالفه وقوى اخرى مدنية من الفوز بالأغلبية ، إلا أن "قوة السلاح وتحديدا في تجربة عام 2014 نجحت في فرض واقع وأشخاص مغايرين تماما لنتائج الصندوق الانتخابي ، وبالتالي فمن غير المستبعد تكرار ذات السيناريو مجددا....خاصة وأن الميليشيات مستفيدة بدرجة كبيرة من الفوضى الراهنة".

وشدد " لذا ندعو للحوار بين القوى الفاعلة على الأرض ، أي قادة الميليشيات والقبائل والقوى السياسية ، بهدف التوافق والتوصل لحكومة وطنية ، مما يضمن بدرجة ما عدم اعتراض أو تمرد أي طرف مستقبليا على قرارتها لكونه مشتركا وقابلا من البداية بها وببرنامج عملها ....اليوم لدينا أكثر من 1600 ميليشيا مسلحة ، بعد أن كانوا 18 تشكيلا عسكريا فقط يوم سقوط العاصمة في آب /اغسطس 2011 ، ولدينا أكثر من 300 ألف عنصر يقبضون رواتب من الدولة بصفة كونهم ثوارا، هؤلاء جميعا وتحديدا القيادات منهم قد لا يعارضون عودة الدولة طالما ستتم طمأنتهم على مصالحهم وأمانهم".

وتابع " دون اسقاط او اخلال بحق ولي الدم في مقاضاة أي عنصر من تلك الميليشيات يكون قد ارتكب جرما بحقه أو حق عائلته، يمكننا اختيار برامج ملائمة فيما يتعلق بالمصالحة الوطنية... نحل الأزمة تدريجيا بإعادة ادماج العناصر ببدائل عدة تحولهم لمساهمين في بناء الدولة بدلا من مساهمين في عسكرتها ، ويتم حصر السلاح والتفرغ لبناء الدولة".

واستطرد " طبقا لتقارير الأمم المتحدة لدينا ما يقرب من 29 مليون قطعة سلاح ...لقد تضاعف حجم السلاح بالبلاد على الأقل مرتين عما كان عليه الحال بعهد القذافي ...الى يومنا هذا، هناك دول عربية وإقليمية كتركيا، و ايضا دول أوروبية تورد لنا مختلف أنواع الأسلحة ...للأسف قرار مجلس الأمن نهاية عام 2011 برفع التجميد عن ودائع المصرف المركزي الليبي، والتي كانت تقدر حينذاك بأكثر من مئة مليار دولا ر، ساهم بدرجة كبيرة في أنتشار الميليشيات وبالتالي السلاح ...حاليا لم يتبق من الاحتياطي النقدي سوى 33 مليار دولار".

وأبدى جبريل انتقاده وتعجبه" لإصرار الدول الأوروبية على مخاطبة أجسام فارغة لا تملك من الحل شيئا في ليبيا كالأجسام السياسية الموجودة بالشرق والغرب من حكومات ومجالس دون اللجوء للقوى الفعلية ، موضحا " تلك الدول تدرك جيدا قوة الميليشيات بل ان بعضهم استعان بهم علنا لتسهيل وحماية مصالحهم بليبيا".

و شدد " وهذا أدي لشرعنة وضع قادة الميليشيات وزيادة نفوذهم بل وجرائم البعض منهم، لأنهم لم يعودوا يخشون التعرض للمحاكمة من قبل الجنائية الدولية كما كان الحال بسنوات الثورة الأولى...التدخل الدولي برمته خلق حالة من الاعتمادية والانتهازية لدي بعض الأطراف الليبية، فالبعض بات ينظر للخارج كمصدر قوة، والبعض الآخر حصد الغنائم جراء استغلال الصراع الدولي ورغبة كل دولة في حشد السياسيين والميلشيات خلف سياساتها".

يشار إلى أن ليبيا تتنازع على إدارتها ثلاث حكومات ؛وهي ، الحكومة المؤقتة المنبثقة عن مجلس النواب المنتخب والمعروف ببرلمان طبرق ومقره بأقصى الشرق الليبي وهو موالي للجيش الوطني بقيادة المشير خليفة حفتر ، وحكومة الوفاق الوطني المدعومة دوليا في العاصمة طرابلس ، وتحظى ايضا بدرجة ما بتأييد جماعات الإسلام السياسي في العاصمة والغرب الليبي ، واخيرا حكومة الإنقاذ المنبثقة عن المؤتمر الوطني المنتهية ولايته.

وحول تقيمه للصراع الفرنسي الإيطالي المتزايد على الساحة الليبية ، قال جبريل " الجدل الدائر ما بين الدعوة لانتخابات عاجلة كما يطرح الفرنسيون أو تقديم المصالحة عليها كما يطرح الإيطاليون لا يعدو سوى كونه تسترا مفضوحا لصراعاتهم التاريخية...يدعون أنهم يبحثون عن مصلحة الليبيين ، والواقع أنه صراع على مناطق النفوذ والمصالح الاقتصادية....و بدرجة ما يمكن القول أنه صراع ما بين شركة النفط الفرنسية العملاقة (توتال ) ونظيرتها الإيطالية (إيني )....والأمريكان يركزون في ليبيا على محاربة الإرهاب فقط ويفضلون أن توكل الأمور السياسية للإيطاليين لاعتقادهم خطئا أنهم الأكثر فهما للحالة الليبية".

وأستبعد جبريل ما يتردد عن تفرد نائبة المبعوث الأممي للشؤون السياسية ستيفاني وليامز بالساحة الليبية ،وتعمدها إحياء سياسة بلادها التقليدية بتفضيل وجود جماعات الإسلام السياسي بالحكم ، وقال " لا أعتقد أن وليامز تسحب البساط من سلامة كما يتردد ...فسلامة نفسه هو من سعى لجعلها نائبة له، لمعرفته الوثيقة بشخصيتها الديناميكية خلال توليها منصب القائم بإعمال السفير الأمريكي بليبيا ...وليامز التقت بالفعل بشخصيات بالغرب الليبي ...ولكنها لا تزال في بداية عهدها بالمنصب الذي تولته مطلع الشهر الماضي وربما تذهب قريبا للشرق وتستكمل برنامجها".

كما استبعد وجود تحالف إيطالي مع ميليشيات موالية لجماعات الإسلام السياسي بالعاصمة والغرب الليبي ، وقال ".الإيطاليون وثيقو الصلة بميليشيات مصراته وطرابلس بكل طوائفهم ... ولا توجد معلومات مؤكدة حول ما تردد عن دعم مشبوه قدمته إيطاليا لـ آمر حرس المنشآت النفطية إبراهيم الجضران خلال هجومه على منطقة الهلال النفطي في حزيران / يونيو الماضي".

وتابع " هم فقط وقعوا عقودا وتفاهمات اقتصادية مع حكومة السراج ويريدون تأمينها، وتفاهمات أخرى لمكافحة الهجرة غير الشرعية، كانت نتيجتها تعرض الأفارقة ليس فقط لويلات الاقتتال الداخلي ببلادنا، وإنما أيضا لخطر المتاجرة العلنية بهم".

وألمح جبريل إلي أن اغلب القيادات المتواجدة على الساحة تستفيد من الوضع الراهن ولذا تحاول الإبقاء عليه ، مشددا على أن الجميع سواء " السراج بالعاصمة أو رئيس مجلس النواب عقيلة صالح بالشرق ،والذي يفكر بمنظور شيخ القبيلة لا رجل الدولة السياسي ، يكتفون فقط برفع شعارات عن ضرورة إجراء الانتخابات دون تقديم مشاريع حقيقة لحل الآزمة".

اما فيما يتعلق بالمشير خليفة حفتر، وبالرغم من تأكيده على قدرة الرجل على بسط نفوذه على الشرق الليبي ،إلا أن جبريل رفض إعطاء توقع معين لحظوظ حفتر إذا ما قرر الترشح للانتخابات الرئاسية. ,

كما رفض بشدة ان يكون الحل العسكري بديلا لفشل السياسيين في التوصل لنظام حكم تستعاد به الدولة الليبية وسيادتها ، وقال "جيش الولايات المتحدة هو أكبر وأقوى جيش بالعالم، وقد أضطر في أفغانستان وغيرها للخروج مهزوما ويده خلف رأسه عندما حاول أن يفرض نظام للحكم".

وشدد" الحل العسكري للقضاء على الإرهاب ليس بديلا للمشروع الوطني لبناء الدولة، بل هو أحد أضلعه الرئيسية فقط ...بل أن القضاء على الإرهاب بالأساس معركة تحتاج لجهد فكري وثقافي واجتماعي إلى جانب الجهد العسكري لضمان عدم نمو الإرهاب من جديد".

وتابع "إلي جانب الانقسام السياسي هناك تمزق مجتمعي حاد ...خلافات بين القبائل وعلو للنبرة الجهوية ورفض للعملية الانتخابية برمتها من قبل الأمازيغ والتبو والطوارق لتهميشهم سنوات طويلة ...فهل سيكون الحل بإخضاع هؤلاء جميعا بحل عسكري أم التوصل لحل سياسي يضمن للجميع حقوقه".

وحذر من الاعتماد على تراجع أعداد عناصر الجماعات المتطرفة في ليبيا كتنظيم الدولة الإسلامية ( داعش ) وتنظيم القاعدة بعد المعارك في كل من بنغازي وسرت ودرنة كدليل على هزيمة تلك التنظيمات بشكل كامل ، مشيرا "لتمكن البعض منهم من تجميع صفوفه وإعادة الانتشار بمناطق آخري".

وأعتبر أن الحديث عن تأييد واسع من الليبيين لسيف الإسلام القذافي ،نجل الزعيم الليبي الراحل، ليس أكثر من" رد فعل على خيبة الأمل التي مُني بها الليبيون خلال سنوات ما بعد الثورة ، موضحا " ليبيا بلد غنى بموارده من نفط وغاز ومع ذلك فالمواطن يعاني من انقطاع مستمر للكهرباء وانقطاع راتبه أحيانا وبالتالي بات يحن لماضي سيء هربا من واقع أكثر سوءا".

اما فيما يتعلق بموقفه الشخصي من الانتخابات وحظوظه ، فاكد جبريل انه لن يخوض غمار الانتخابات "إلا إذا كانت تتمتع بالضمانات الأممية الكافية، وحينها سأطرح مشروعي وتحالف القوى الوطنية بالتوافق بين القوى الفاعلة والتوفيق من عند الله ... وباستثناء ذلك، لا أريد وأربأ بنفسي أن أكرر حالة الفشل الحالية و التي سأم منها الليبيون".

فيديو قد يعجبك: