إعلان

حوار- مدير إسعاف وطوارئ غزة:سجلنا 7500 إصابة في شهر ونصف والمواد الطبية تقترب من "الصفر"

02:10 م الجمعة 04 مايو 2018

مدير إسعاف وطوارئ غزة

تطبيق مصراوي

لرؤيــــه أصدق للأحــــداث

حوار-سارة عرفة وإشراق أحمد:

منذ كلف الرئيس الراحل ياسر عرفات، الهلال الأحمر الفلسطيني بمهام الإسعاف، عام 1996، وتولى هذا الكيان مهام خدمات الإنقاذ الطبية لأهل غزة –جنوب فلسطين. 22 عامًا كان رجال الإسعاف بمثابة جنود وراء الأضواء، يشهدون جميع الأحداث والكوارث التي مرت بالقطاع المحاصر. ثلاثة حروب، انتفاضات، وهبات، آخرها تظاهرات "مسيرة العودة"، التي بدأت في المناطق الحدودية لغزة مع ذكرى يوم الأرض 30 مارس المنصرف.

مع الدعوة للتظاهر لأجل فك الحصار عن غزة، المستمر للعام الحادي عشر على التوالي، وكذلك المطالبة بعودة اللاجئين الفلسطينيين -المشكلين لأغلب السكان- إلى أراضيهم المحتلة، أعلن الهلال الأحمر الفلسطيني حالة الطوارئ في جميع المستشفيات والمراكز والعيادات التابعة له.

مصراوي حاور مدير الإسعاف والطوارئ في الهلال الأحمر الفلسطيني، الطبيب بشار مراد، بالتزامن مع الأسبوع الخامس للتظاهرات في مناطق الاشتباك مع قوات الاحتلال الإسرائيلي. وتحدث مراد عن إسعاف 7500 مصابًا واستشهاد 44 مدنياً في الأحداث الأخيرة، بفعل الرصاص الحي والمتفجر المحرم دولياً. وما نجم عن ذلك من "استنزاف" لإمكانيات القطاع الصحية، في ظل منع الاحتلال دخول العديد من المستلزمات الطبية.

مع الأسبوع السادس لتظاهرات مسيرة العودة.. كم بلغ عدد الشهداء والمصابين؟

بلغ عدد الإصابات 7500 إصابة، بينها أكثر من 300 حالة في وضع خطير، ونصف الإصابات كانت بالأعيرة الحية، والآخر بقنابل الغاز المسيلة للدموع وقنابل سامة، وكسور وجروح قطعية، إذ يؤدي الرصاص الحي إلى بتر الأطراف نتيجة سرعته العالية جدا، ونحن نُجري عمليات ترميم، إلا أن الإصابات خطيرة، وبلغت حالات بتر الأطراف 24 حالة، نتيجة نقص المستلزمات الطبية والمضادات الحيوية.

أما الشهداء، حتى اللحظة وقع 44 شهيدًا باستهداف مباشر بأعيرة حية ورصاص قناصة، من بينهم صحفيان أصيبا برصاص متفجر محرم دولياً في الصدر والبطن.

كيف اختلفت نوعية الإصابات عن الأحداث السابقة في غزة؟

منذ انسحاب القوات الإسرائيلية من غزة عام 2005، ولم نواجه مثل تلك الإصابات، ففي الحروب الثلاثة كانت عبر غارات جوية، لكن ما يجري الآن اشتباكات في منطقة مفتوحة، ولا يوجد "سواتر" أو عوازل، ورغم وجود سياج مكهرب يفصل بين الفلسطينيين والإسرائيليين، غير أن إسرائيل تدّعي وجود خطر مباشر عليها.

وما هو متوسط أعمار المصابين والشهداء؟

هناك تنوع في الاصابات والأعمار، لكن الشباب هم الأكثر إصابة، غير أن هناك 109 إصابة لنساء و6 أطفال شهداء دون 17 سنة، وعشرات الأطفال المصابين. إسرائيل لا تميز بين طفل أو شاب أو سيدة أو عجوز، مدني أو عسكري، فمعظم من سقطوا مدنيين كانوا يعبرون عن رأيهم بشكل سلمي، إلا أن رد الفعل الاسرائيلي هو الاستخدام المفرط للقوة، وهذا مخالف لكل القوانين الدولية.

ماذا هناك إصابات بين المسعفين؟

نعم لدينا أكثر من 44 إصابة من "ضباط" إسعاف الهلال الأحمر الفلسطيني فقط، بين الإصابات ثلاث حالات بأعيرة نارية حية، منهم مَن تلقى العلاج لمدة أسبوعين لكن الجميع خرجوا، هذا بالإضافة إلى إتلاف 7 سيارات إسعاف، تم استهدافها بطلقات نارية مباشرة أو قنابل الغاز.

1

حدثنا عن استعداد الهلال الأحمر الفلسطيني منذ بدأت تظاهرات مسيرة العودة؟

قمنا بإنشاء خمسة مستشفيات ميدانية، عبارة عن نقاط طبية، تتمركز في الحدود الشرقية لغزة حيث الاشتباكات والمواجهات المستمرة هناك، وخاصة يوم الجمعة الذي يشهد تصعيدًا كبيرًا، كما فعّلنا خطة طوارئ، إذ أقمنا ثلاث غرف عمليات، إحداها في خان يونس، وأخرى بالوسطى في دير البلح، ومركز رئيسي في وسط غزة، ويقومون بالتوجيه وإرسال الإرشادات لباقي المراكز الطبية والطواقم العاملة.

وقد فرضت علينا طبيعة ساحات الاشتباكات أن ننشئ تلك النقاط، فهي مناطق زراعية وعرة، دمرتها وجرفتها قوات الاحتلال طيلة العشرة أعوام الأخيرة، حيث لا يوجد بها شوارع، وعبر المستشفيات الميدانية نتمكن من التعامل مع الإصابات، من حالات كسور وإيقاف نزيف، وفتح مجرى التنفس وعمل زراعة قصبة هوائية، ومن ثم نقلها للمستشفيات الكبيرة.

وما مدى أهمية تلك النقاط في إسعاف المصابين؟

نتمكن من تقديم الخدمات الطبية الضرورية، لأنه في حالة ما إذا تم نقل المصابين مباشرة للمستشفيات، سيزيد ذلك من خسائر الأرواح، بسبب بُعد المسافة، كما أن هناك منطقة عسكرية في المنطقة الشرقية، يحظر التواجد فيها، لذلك نضطر لحمل المصابين منها على الأكتاف لأقرب شارع والذي يبعد 30 مترًا، ثم نقلهم لأقرب نقطة طبية.

24 حالة بتر أطراف في 6 أسابيع وإسرائيل تستخدم رصاص محرم دوليًا

وهل يقتصر دوركم على الإسعاف فقط؟

نحن أيضًا نوثق، كل الحالات والإصابات والانتهاكات ضد المدنيين والصحفيين، ونقوم برفع التقارير لمنظمة الصحة العالمية، من أجل التواصل مع الطرف الاسرائيلي وحثه على الحد من هذه الانتهاكات.

وهل هناك جهات صحية أخرى تتعاونون معها؟

نقوم بالتنسيق مع كل مقدمي خدمة الإسعاف، وبالأخص مع وزارة الصحة الفلسطينية، ومنظمة الصحة العالمية والصليب الأحمر عبر تحويل الحالات حسب تخصصها.

الوضع في غزة خاص، فكيف يتدرب رجال الإسعاف ويطورون مهاراتهم للتعامل مع الأحداث؟

نقوم بتدريب المسعفين داخل غزة، ونسعى لإرسال كوادرنا لتلقي التدريبات المتقدمة في الخارج، لكن للأسف بسبب الحصار، فقدنا عشرات من تلك التدريبات سواء في دول عربية أو أجنبية، وما خرج يحصى على الأصابع، يمكن القول إن أقل من عشر أشخاص فقط حصلوا على تصريح السفر على مدار العشر سنوات الأخيرة، وحينما يعودون ينقلون ما تعلموه لزملائهم.

وكم يبلغ عدد مسعفي الهلال الأحمر في غزة؟

الأساسيين 143 مسعفًا، و250 متطوعًا، أنهوا كل التدريبات ومسجلين كمسعفين، ونستعين بهم كل جمعة منذ بدء تظاهرات مسيرة العودة.

2

هل تجد تصعيدًا إسرائيليًا بعد مرور شهر ونصف على الأحداث؟

إذا قارنا، نلاحظ أن قوة الأحداث في بدايتها ومن ثم انخفاضها. في 30/3 يوم الأرض وقع أكثر من 14 شهيدًا و1500 مصابًا، واليوم الإصابات تتراوح بين 900 وألف، وسقوط خمسة شهداء كل يوم جمعة، لكن نظرًا لعدد الإصابات الكبير في فترات قصيرة غير معتادة، نُخلي المستشفيات من الإصابات، كل يوم خميس، ونُبقي على الحالات الخطيرة فقط، كي نستقبل حالات جديدة، والإصابات التي تخرج يتم متابعتها بالعيادات الخارجية، أو إرسال طواقم طبية لهم في البيوت لتخفيف العبء على المستشفيات.

نخشى تصعيد الاحتلال في ذكرى النكبة واستغثنا لتوفير الاحتياجات الطبية

ما تخوفاتك كمدير هيئة إسعاف من الأيام المقبلة؟

نحن نخشى كهيئة مسعفين من تصاعد ذروة الأحداث يوم 15 مايو (ذكرى النكبة الفلسطينية) نهاية هذه الأحداث وقبل شهر رمضان، إذ يعيد المشهد لذاكرتنا رمضان 2014، والذي شنت فيه إسرائيل حربًا على غزة.

وعلى الرغم من أننا على أهبة الاستعداد إلا أن مستلزماتنا تم استنزافها على مدار الشهر والنصف الماضية، نتيجة الحصار والأحداث.

بالحديث عن المستلزمات، ما هو الوضع الصحي الحالي في غزة؟

هناك استنزاف كبير في القطاع الصحي وعجز كبير في المواد العلاجية، وسجلنا أكثر من 240 صنفًا وصلوا إلى حد الصفر في مخازن الصحة، وتتابع عدة جهات دولية مثل منظمة الصحة العالمية الوضع، ويحاولون تغطية ما تم استنزافه، وأعلنا من جانبنا نداء استغاثة لتغطية احتياجات القطاع الصحي لمدة ثلاثة شهور بدأت مارس المنصرف بلغت 11 مليون دولار، لتغطية نفقات مصابي القطاع.

وحتى الأن يعالج الـ 7500 مصابًا في غزة، وتم تحويل حالات قليلة للخارج، تُقدر بالعشرات، نُقلت جميعها لمستشفيات الضفة. باستثناء الصحفي هادي أبو حسين الذي استشهد في اسرائيل بعد تحويله من مستشفى رام الله بالضفة إلى مستشفى إسرائيلي ووافته المنية بعد 3 أيام.

وهل تتعاونون مع مستشفيات إسرائيلية؟

نحن لا نتعاون مع إسرائيل. لكن الوضع متوتر جدًا وهناك عراقيل كبيرة في معبر بيت حانون. وثمة حالات طبية تحتاج لعلاج متقدم.

3

وما المعوقات التي تعرقل عمل مرفق الإسعاف؟

نواجه عدد إصابات كبير، ونحتاج لإمكانيات ضخمة، وللأسف لا يوجد في السوق المحلي، أدوات للتعامل خاصة مع إصابات الكسور، والتي تحتاج لجراحات خاصة، مثل جراحات الصدر، وقد أمدنا الصليب الأحمر بكمية بسيطة من المواد، لكنها لا تكفي للتعامل مع العشرات والمئات من الإصابات، فآلية توصيل المواد هي المعيق الأساسي، ربما يُستغرق أشهر للحصول على تصريح من الطرف الإسرائيلي لإدخال احتياجاتنا، هذا إن سمح الاحتلال بعبورها.

أحد المسعفين تلقى خبر إصابة شقيقه فاستكمل عمله ثم ذهب لزيارته

وما المواد التي تمنع قوات الاحتلال دخولها إلى غزة؟

إسرائيل تمنع إلى الآن دخول 3500 صنفًا، منها ما يخص القطاع الطبي، تقول عنها إنها "ازدواجية الاستخدام"، أي يمكن استعمالها في مسائل عسكرية، منها بطاريات السيارات وأنابيب الأكسجين، وبعض الأدوية، مثل أدوية القلب، وفي جهاز الإسعاف والطوارئ بشكل خاص نحتاج إلى مواد أساسية مثل أدوات الاتصال اللاسلكي، والأدوات الوقائية مثل الكمامات ذات الفلاتر للحماية من الغازات المسيلة للدموع، والسترات الواقية، وكلها يمنع الاحتلال عبورها.

وإذا تحدثنا عن المستشفيات، على سبيل المثال، مازلنا نحاول إعادة بناء مستشفى القدس التابع للهلال الأحمر، الذي قُصف عام 2009 بقنابل الفسفور الأبيض، وذلك نتيجة التنسيق لدخول مواد بناء أو مستلزمات، وهناك مواد استغرق دخولها عامين، مثل مصاعد الكهرباء.

4

المسعفون شاهد رئيس على الأحداث، فما أبرز المواقف التي شهدها قطاع الإسعاف خلال "مسيرة العودة"؟

صراحة شجاعة الضباط المسعفين فاجأتنا، فرغم أن منطقة الأحداث، عسكرية، يمنع دخول أي شخص مسافة 100 مترًا، لكن بعض الشباب يغامرون بالدخول، وكان هناك استهداف خطير، غير أن طواقمنا تواجدت في تلك الأماكن.

وسجلت بعض النقاط مواقف غريبة، مثل المسعف الذي أصيب بطلق ناري في قدمه، وأثناء علاجه في نقطة طبية حدودية، أحضرت سيارة الإسعاف عشرات الإصابات، فاق عددها المسعفين المتواجدين. وبين الحالات كان شاب فاقد الوعي، وضُع بالقرب من المسعف المصاب، الذي التفت لاختناق الشاب، فأدار جسده وأخذ ينعشه ويقدم له الخدمة الطبية رغم إصابته.

شهدنا إصابات في مسيرة العودة لم نعهدها منذ انسحاب إسرائيل في 2005

هل من مواقف أخرى أثرت فيك خلال متابعتك لطواقم الإسعاف؟

نعم. هناك موقف جديد رصدته كاميرات مراقبة مستشفى ناصر في خانيونس، حين أحضرت سيارة إسعاف مصاب توقف قلبه، فإذا بالمسعف يجلس بقدميه على "الشيالة" التي تحمل الشاب، ولا يتوقف عن محاولة إنعاشه، طيلة المسافة من السيارة وحتى غرفة العناية المركزة. لم أعلم مصير المصاب، لكن المشهد عكس العناية والحرص على حياة ذلك الشاب حتى آخر نفس.

توليت رئاسة الهلال الأحمر منذ عام 2007.. ما أصعب المواقف التي عاصرتها في الحروب الثلاثة على غزة؟

كانت أكثر المواقف العصيبة خلال حرب عام 2008. في الأسبوع الأول تلقيت اتصالات تُعلمني بقصف منطقة سكني، وسقوط شهداء وإصابات، كان مستحيل الحركة، وعملي يبعد عن منزلي قرابة 12 كيلو مترًا، والساعة الثالثة فجرًا. وبعد نصف ساعة بدأت الأخبار تصل؛ أكثر من 27 إصابة من عائلتي، وسقط ابن خال لي شهيد 3 سنوات نتيجة شظية في الرأس، وبيتي دُمر جزئياً، وأنا غير متواجد بين أطفالي، كانت لحظات من التفكير السلبي والانهيار.

وفي نهاية ذلك العام، ليلة استقبال عام 2009، وفي الساعة 11 ونصف مساءًا، حيث أول يوم أبيته بالمنزل؛ حدث قصف بالقرب من بيتي، أصيب ابني الكبير أحمد، بشظية في الرأس، كان عمره تسع سنوات. وحمدت الله أني كنت معهم، وقدمت الإسعافات لابني، فلم أكن أتخيل أن اسمع إصابة ابني وأنا في مكان عملي، أما مع نهاية الحرب 14 يناير 2009، اُستهدف مستشفى القدس الذي كنت أعمل به، قصف بقنابل الفسفور الأبيض. كان الوضع خطير جدًا، ولازال الخطر قائم، فلم يعد هناك مكان في القطاع يوصف بأنه آمن.

لستم بمعزل عن الوضع في غزة.. فكيف يتعامل المسعفون وقد يكون أحد من أسرهم وسط الأحداث؟

أتذكر في الأسبوع الثالث من تظاهرات مسيرة العودة، تلقى زميل مسعف، أن أخاه أصيب برصاص حي من النوع المتفجر، وفقد ساقه. الغريب أنه استمر بالعمل حتى نهاية الدوام والأحداث، ثم توجه لزيارة أخيه في المستشفى. ما أريد قوله، إننا كمسعفين، نقوم بعمل إنساني تطوعي. نعلم أننا جزء من المجتمع، ونقدم أغلى ما نملك لشعب يريد الحصول على الحرية.

فيديو قد يعجبك:

إعلان

إعلان