إعلان

"الشيعة الحل".. كيف تقضي السعودية على نفوذ إيران في العراق؟

03:54 م الثلاثاء 03 أبريل 2018

تطبيق مصراوي

لرؤيــــه أصدق للأحــــداث

كتبت- رنا أسامة:

ألقت صحيفة "فاينانشال تايمز" البريطانية الضوء على التقارب السعودي - العراقي في الآونة الأخيرة، قائلة: إن "المملكة السُنيّة وجدت في العراق شيعية المذهب حليفًا جديدًا"، لمواجهة النفوذ الإيراني في المِنطقة.

واستهلّت الصحيفة تقريرها المنشور عبر موقعها الإلكتروني، اليوم الإثنين بالإشارة إلى مدنية النجف العراقية التي تُمثّل قبلة المسلمين الشيعة هناك.

وقالت "ظاهريًا، تبدو هذه المدينة - التي تبعُد 160 كيلومترًا عن العاصمة بغداد - مكانًا غير مُحتمل لأي زائر باستثناء الحُجّاج الشيعة. لكنها نجحت في جذب زائر غير عادي، وهي السعودية السُنيّة الغنية بالنفط".

واعتبرت الصحيفة أن ما وصفته بـ"غزو المملكة الخليجية السُنيّة للنُخبة الدينية الشيعية في العراق"، على مدار العام الماضي، من شأنه أن يُمثّل تحوّلًا في الاستراتيجية الإقليمية للرياض.

1

وتمضي الصحيفة: "لعقود من الزمان استغلت السعودية ومنافستها الشيعية إيران، الانقسام الدائر منذ قرون بين طوائف الإسلام الشيعة والسُنّة لخدمة صراعاتهم على السلطة في العصر الحديث. والآن، يقوم المسؤولون السعوديون بنقل رسائل سرية إلى رجال الدين الشيعة البارزين في النجف، الذين برغم قلقهم من الانجرار إلى صراع بالوكالة، يريدون الإنصات إلى الرياض".

في العام الماضي، أجرى وزير الخارجية عادل الجبير أول زيارة يُجريها مسؤول سعودي للعراق منذ عام 1990. وألمح القادة العراقيون إلى أن ولي العهد الأمير محمد بن سلمان قد يزور البلاد قريبًا، الأمر الذي نفته وزارة الخارجية السعودية، أمس الأحد، في بيان قالت فيه إنه "لم يتم التخطيط لمثل هذه الزيارة مُطلقًا".

وأشارت الفاينانشال تايمز إلى أن هذا التقارب المؤقت قد يُمثّل فرصة للرياض لنزع فتيل الطائفية التي سبّبت دمارًا هائلًا في جميع أنحاء المنطقة. وفي أسوأ الحالات، يمكن أن يُحوّل العراق إلى مجرد محطة في قطار التنافس السعودي الإيراني، الذي ظهرت آثاره في الآونة الأخيرة في اليمن وسوريا ولبنان.

ونقلت الصحيفة عن السياسي الشيعي العراقي، علي الأديب، قوله: "رُبما يكون الوضع هادئًا في العراق الآن، لكن الصراع بين هاتين القوتين بلغ ذروته، ولا أرى أيًا من الجانبين مستعدًا للحوار". ويُتابع واصفًا منطقة الشرق الأوسط: "هذه منطقة حبلى بالمفاجآت".

وتذكر الصحيفة أن علاقات العراق تأزّمت مع جيرانها العرب الخليجيين منذ حرب الخليج عام 1991، التي فجّرها الحاكم السابق صدام حسين بغزو الكويت.

وتعثّرت فرص إعادة الانخراط مُجددًا بعد الغزو الأمريكي في 2003، لاسيّما مع مُساندة الأغلبية الشيعية المكبوتة لمواجهة العداء مع الفصائل السُنيّة، الأمر الذي دفع العديد من القادة إلى التحوّل لطهران.

وأضافت أن الحرس الثوري الإيراني عزّز الميليشيات الشيعية المتشددة في العراق، وقتذاك. وفي غضون ذلك، اتهم العراقيون دول الخليج، وتحديدًا السعودية، بالتساهُل مع عمليات تمويل الجماعات السُنيّة الجهادية، مثل تنظيم القاعدة وداعش الذي كان يُغذّي الحرب الأهلية في بلادهم مؤخرًا.

ودفعت القوى الغربية، لاسيّما الولايات المتحدة، باتجاه إعادة التقارُب بين السعودية والعراق. وتعزّزت هذه الجهود العام الماضي، بزيارات للسعودية أجراها زعيمان بارزان من شيعة العراق، هُما رجل الدين والقيادي السياسي مُقتدى الصدر، ورئيس الوزراء العراقي حيدر العبادي.

والآن، يبدو أن ابن سلمان قد تبنى هذه الاستراتيجية أيضًا كوسيلة لتحدي نفوذ إيران الإقليمي المتوسع، في الوقت الذي يشرع فيه في إصلاح جذري لاقتصاد بلاده، وفق الصحيفة.

يقول ضياء الأسدي، برلماني عراقي مُقرّب من مُقتدى الصدر: "لقد أدركت السعودية أنه لا يمكن الاستغناء عن التعايش مع الشيعة أو تقبّلهم". ويُضيف:"الآن، تريد السعودية إخبار الناس أنها ليست ضد الشيعة بشكل عام، وإنما ضد الشيعة الذين تُحرّكهم إيران".

2

وأوضحت الصحيفة أن هذا النهج يلائم بعض الشيعة الذين يشعرون بالقلق تجاه تصاعُد النفوذ الإيراني في العراق، كما أن بعض السياسيين الشيعة - الذين ركبوا موجة القومية العراقية بعد هزيمة تنظيم داعش الإرهابي - يستغلون الهويّة المشتركة مع دول الخليج العربي كجزء من محاولات إنجاح جهود إعادة إعمار العراق، والذي يحتاج إلى ما يقرُب من 88 مليار دولار أمريكي. ويدركون أن التنمية وحدها ليست مفتاح إعادة البناء بعد حرب استمرت 3 سنوات ضد التنظيم، وإنما إنهاء دورة العنف الطائفي التي بدأت منذ عقد.

وأعرب السياسي الشيعي الذي يرأس اللجنة الاقتصادية بالبرلمان العراقي، أحمد الكناني، عن أمله في أن تسرع الدول العربية لدخول السوق. وأوضح الكناني، الذي انحاز في السابق للأحزاب الموالية لإيران، أن "العراق جزء مهم من العالم العربي، ويجب أن يعود إلى حضنه".

وترى الصحيفة أن قيادات السعودية يمكن أن تتغلب على نحو صحيح على نفوذ طهران في العراق، حيث يُقيّد الوجود الإيراني طموحات الرياض.

وفي هذا الشأن، تقول المحللة في شؤون الخليج إليزابيث ديكنسون، من مجموعة "إنترناشيونال كريسيز"، إن الرياض تضع أساسًا لتعاون صبور طويل المدى، وتفعل أقصى ما بوسعها لإعادة بناء العلاقات والروابط، وحتى صورتها العامة"، مُشيرة إلى وجود احتمالات حقيقية لتعاون السعودية مع العراق من أجل صياغة نموذج جديد لكيفية ردع النفوذ الإيراني في المنطقة.

ووصفت الفاينانشال تايمز مدينة النجف بأنها "هدف طبيعي للسعودية"؛ إذ يمارس فيها رجال الدين البارزون نفوذًا هائلًا على العراق والعالم الشيعي. ورأت أن وقوع انقلاب كبير في الرياض من شأنه أن يُطوّر العلاقات مع المرجع الكبير، آية الله العظمى السيد السيستاني، في النجف.

وأشارت الصحيفة إلى أن عدد قليل من رجال الدين في النجف العراقية، يتمتّع بتأثير مماثل لـ"علي السيستاني"، الذي أطلق فتوى عام 2014 أُرسِل على إثرها عشرات الآلاف من العراقيين للانضمام إلى الجماعات شبه العسكرية التي تقاتل داعش بعد سيطرته على أكثر من ثلث البلاد.

ويقول مسؤولون محليون إن مكتب "السيستاني" -الذي ينتقد هو الآخر التدخل الإيراني- لا يزال حذرًا من المبادرات السعودية، ولكنه حافظ على اتصالاته مع الرياض. وفي النجف وجميع مدن العراق، تناشد الرياض من أجل هوية عربية مشتركة، الأمر الذي تفتقده بغداد مع إيران ذات الأغلبية الفارسية.

وفي هذا الشأن، تذكر الصحيفة أن فريق كرة القدم السعودي لعب مع نظيره العراقي في مدينة البصرة في أول مباراة له بالعراق منذ ثمانينيات القرن الماضي، فبراير الماضي، بحضور 60 ألف مشجع. وعلى الرغم من خسارته 4-1، وعد العاهل السعودي الملك سلمان بن عبدالعزيز ببناء استاد يسع 100 ألف مشجع في بغداد.

كما أرسلت المملكة وفودًا من رجال الأعمال والصحفيين، معظمهم لم يزر العراق منذ عقود؛ ما أثار الحنين إلى حقبة ما قبل تمزق العراق بسبب الحرب. وهُنا يلفت الخبير الاقتصادي السعودي، أدهم فاخر، إلى بكاء بعض أعضاء الوفد أثناء ترحيب المسؤولين العراقيين بهم، ويستدعي ذاكرته بالقول: "شعرت بالدهشة حقًا من حماسة اللقاء بين الجانبين".

3

من جهة أخرى، يُشكّك بعض أنصار التقارب السعودي العراقي في نوايا الولايات المتحدة، بما في ذلك أنصار مُقتدى الصدر، الذين قاتل العديد منهم في وقت من الأوقات القوات الأمريكية. ويزعمون أن الخطاب الأمريكي المُناهض لإيران في واشنطن يُمكن أن يدفع الرياض لبسط نفوذها في العراق.

يقول صلاح العبيدي، أحد رجال الدين في النجف وأحد أقارب الصدر: "لا نريد أن ينتهي المطاف بالعراق كصندوق قمامة لنزاع أمريكي-إيراني- سعودي إقليمي".

ويرى العديد من القادة الشيعة أنها لم تكن الرياض أو واشنطن التي هرعت لدعم العراق عندما هاجمتها داعش في 2014، لكنها طهران."انسحبت كل الأطراف ووقفت لتشاهد إلامَ سينتهي الأمر، باستثناء إيران"، يقول أحد ممثلي رجل الدين البارز بالنجف.

يعتقد المشككون أن الرياض يجب أن تُثبت حُسن نواياها من خلال تغيير المعاملة القمعية لأقليتها الشيعية. ويستشهدون في ذلك بإعدام الرياض الشيخ الشيعي، نمر النمر، منذ عامين فقط، وسط مُطالبات لرجال الدين السعوديين بإصدار فتوى تعلن الشيعة "فرعًا شرعيًا للإسلام".

ويزعم بعض القادة الشيعة أن الرياض لا تزال تتحمّل مسؤولية صعود الجهادية. وتنقل الصحيفة عن رجل دين من النجف، قوله: "لقد سمعنا الكثير من الخطابات الجميلة الرنّانة، لكننا في انتظار رؤيتها تُطبّق على أرض الواقع".

وأضاف: "عمليًا، نفهم أننا في حاجة وراء حاجتنا لعلاقات أفضل مع السعودية، لكن عاطفيًا، نُدرك من الصعب تقبّل ذلك". ويُتابع مستنكرًا: "لقد قدّمنا دماء وشهداء. كيف ستُعوّضهم السعودية؟ بمباريات كرة قدم؟"​

فيديو قد يعجبك: