إعلان

"أطفال داعش".. قنابل موقوتة أم ضحايا حرب؟

05:39 م السبت 24 فبراير 2018

أطفال داعش

تطبيق مصراوي

لرؤيــــه أصدق للأحــــداث

كتب- هشام عبدالخالق:

"جروزني" هي مدينة روسية وعاصمة الشيشان، يعيش بها ما يقرب من مائتي ألف نسمة حسب آخر الإحصاءات، وتقول السيدة بيلانت زولجاييفا، في حوارها مع صحيفة نيويورك تايمز الأمريكية، إنها ترى أحفادها الذين يعيشون معها، يلعبون كل يوم ألعابًا عنيفة على شاشات الأجهزة الإلكترونية، ونادرًا ما يتحدثون حول أي شيء، وأحيانًا يطرح أحدهم الآخر أرضًا بعنف قد يصدم الغربيين، ولكنها تُرجع هذا لكونهم في سن صغيرة.

وتواجه زولجا معاناة أخرى تتمثل في مجهودات الحكومة الروسية لجلب الأطفال الروسيين مثل أحفادها الثلاثة، والذين تربّوا على أيدي الميليشيات الإرهابية التابعة لتنظيم داعش.

وتضيف الصحيفة أن التحالف الدولي بقيادة الولايات المتحدة الأمريكية، جنبًا إلى جنب مع القوات السورية الحكومية، عند استعادتهم المدن التي سيطر عليها تنظيم داعش، وجدوا مُخلفات إنسانية تدل على أن هناك مئات أو آلاف الأطفال عاشوا في هذا المكان، وقد يكونوا وُلدوا في هذا المكان أو أحضرهم الرجال والنساء الذين وفدوا إلى سوريا لدعم تنظيم داعش.

يأتي ذلك في الوقت الذي تبدو فيه روسيا - التي أعادت حتى الآن ما مجموعه 71 طفلًا و26 امرأة منذ أغسطس الماضي - أكثر تساهلًا في إجراءاتها، وتعكس سياساتها ما يدور في أذهان القادة الروس حاليًا، وهو أنه من الأفضل أن تجلب هؤلاء الأطفال لأجدادهم الآن، بدلًا من أن تتركهم يكبرون في المخيمات ويعودوا في المستقبل كمواطنين متطرفين.

ويقول زياد سبسبي، البرلماني الروسي وممثل دولة الشيشان في مجلس الشيوخ الروسي: "ماذا يجب أن أفعل؟ تركهم هناك ليجندهم أحد ما، لقد شهد هؤلاء الأطفال أحداثًا بشعة، ولكن عندما نضعهم في بيئة مختلفة وسط أجدادهم، فهم يتغيرون بسرعة".

1

وأظهرت الحكومات الأوروبية - حسب نيويورك تايمز - قليلًا من التعاطف تجاه الرجال الذين تطوعوا للانخراط في التنظيم الإرهابي، حيث قال روري ستيوارت، وزير شؤون التنمية الدولية البريطاني لإذاعة بي بي سي: "الطريقة الوحيدة للتعامل مع هؤلاء العائدين، سوف تكون في كل مرة، قتلهم".

ولكن معظم الدول الأوروبية ومن ضمنها بريطانيا، اتّخذت طرقًا سهلة لإعادة النساء والأطفال من الدول الأعضاء في الاتحاد الأوروبي والذين حاربوا لصالح تنظيم داعش في سوريا، إلى مواطنهم مرة أخرى، ففرنسا على سبيل المثال وضعت الأطفال القُصر العائدين من سوريا والبالغ عددهم 66 في دور رعاية، وبعضهم عاد للعيش مع أقاربهم، أما البالغين، والذين كانوا أفرادًا مقاتلين، فقد حُكم عليهم بالسجن.

ويقدر المحللون أن ما يقرب من 5000 شخص من أفراد أُسر الإرهابيين الأجانب، الذين تم تجنيدهم، أصبحوا الآن في مخيمات ودور للأيتام في العراق وسوريا، وتحتل روسيا وجورجيا قائمة الدول التي تريد إعادة أعضائها الذين قاتلوا في التنظيم الإرهابي لعائلاتهم، كما تقول ليزبيث فان ديرهايدي، التي شاركت في إعداد دراسة باسم "أطفال الخلافة"، نُشرها المركز الدولي لمكافحة الإرهاب في لاهاي الصيف الماضي.

وكما اعترف سبسبي، فإن عددًا كبيرًا من الأطفال العائدين - إن لم يكن معظمهم - تم تعريضه إلى ظروف عنف لا يُمكن التحدث عنها، من ضمنها أدوارًا في فيديوهات الإعدام، وتم إضعاف حساسية الأطفال للعنف عن طريق التلقين المستمر، والتدريب شبه العسكري، والمشاركة في جرائم أخرى.

وقال هانس جورج ماسين، رئيس المخابرات المحلية في ألمانيا لرويترز: "إن أطفال تنظيم داعش تم غسل عقولهم، ويجب وضع في الاعتبار أن يكون هؤلاء الأطفال بمثابة قنابل موقوتة تنتظر أن تنفجر".

بلال

وتضيف الصحيفة، ليست هذه وجهة النظر التي يُمكن أن تأخذها عن بلال ذي الأربع سنوات، وهو طفل من روسيا بشعر أشقر وذراعين طويلتين، والذي أصبح الصيف الماضي، أول طفل يتم إعادته إلى روسيا من مناطق سيطرة تنظيم داعش.

وتتابع الصحيفة أن بلال يعيش في منزل جدته السيدة روزا مورتازاييفا، ونادرًا ما يتحدث عن الأيام التي قضاها في العراق، ويلعب ببعض الألعاب على طاولة ما في مطبخ الجدّة، كما تقول والدته، ويبدو من الواضح أنه ما زال مرتبطًا بوالده حسن.

في الوقت الذي هاجمت فيه القوات المدعومة أمريكيًا على الموصل، استطاع حسن وولده بلال النجاة بالهرب مثل الحيوانات، ولا يتذكر بلال الكثير، ولكنه يتذكر جيدًا البطاطس المسلوقة التي أكلها هو ووالده فقط خلال فترة معاناتهم، ويقول بلال: "كنت مع بابا، ولم يكن هناك أولاد آخرون".

بعد القبض عليهما من قبل القوات المدعومة من أمريكا، انتهى الأمر بوالده في السجون العراقية، وعاد بلال إلى الشيشان، وأصبح يشعر بتحسن بعد أن كان هزيلًا وضعيفًا، وتقول والدته إنه أصبح مندمجًا مع الأطفال الآخرين في الحضانة ولديه الكثير من الأصدقاء.

الوضع الذي يعيشه بلال ليس هو ما يحدث دائمًا، فقد يظل بعض الأطفال صامتين لعدة شهور بعد عودتهم من أماكن سيطرة تنظيم داعش، على الرغم من العلاجات المتعددة، وتدليلهم من قبل أجدادهم.

هديزا

2

قصة هديزا مختلفة بعض الشيء، حيث تم العثور عليها في أحد شوارع الموصل بعد انحسار التهديد الداعشي في المدينة، وعرفتها جدتها من صورة نشرتها إحدى منظمات الإغاثة، وكانت مستلقية في أحد المزاريب، وتم تضميد ذراعها ورقبتها بسبب الحروق فيهما.

وتقول الجدة زورا، التي طلبت ذكر اسمها الأول فقط لحماية الطفلة، إنها لا تعرف من تبقى من والدة هديزا وأخويها الذكور وأختها حتى الآن، وتعيش مع هديزا حاليًا في قرية صغيرة في الشيشان.

وتتابع، لقد سألتها ماذا حدث؟ ولكنها لم ترد قول أي شيء حول الفترة التي قضتها هناك أو عن مصير عائلتها، أريد أن آمل أنهم أحياء، التعلق بشيء ما، ولكن هديزا واثقة أنهم تم قتلهم، وأنها رفعت أيديها وقت إطلاق النار عليهم قائلة بالعربية: "لا تطلقوا النار"، وأن ما فعلته هو ما أنقذ حياتها.

3

وفي الوقت الذي تظهر فيه هديزا مضطربة بشكل كبير، يبدو أنها لا تُشكل خطرًا على أي شخص، فهي تقضي أوقاتها نائمة على أريكة، وتكون عينيها شاغرتين وغاضبتين، تشاهد الكرتون على شاشة تلفزيونية كبيرة، وتقول جدتها: "يبدو أنها لا تريد أي شيء آخر، فهي صامتة طوال الوقت".

عدلان

بعض الأطفال الآخرين يعيشون أحوالًا أفضل من بلال وهديزا، ومن ضمنهم الطفل عدلان البالغ من العمر 9 سنوات، والذي اتّجه إلى سوريا مع والديه وأخويه وعاد وحيدًا، وأوصلته القوات الروسية التي تعمل مع برامج إعادة الأطفال إلى أرض الوطن.

وقال عدلان، إنه أثناء فترة تواجده في تنظيم داعش، ذهب إلى المدرسة وامتطى الدراجات، ولعب مع بعض الأطفال الآخرين الذين يتحدثون الروسية، وإنه خلال معركة الموصل انفجر شيء ما في منزله، وقُتلت جميع أفراد العائلة ولكنه استطاع النجاة، وأن عائلته قُتلت أثناء نومها.

4

وعند طلب أحد المتخصصين في الطب النفسي للأطفال من عدلان رسم صورة بأقلام التلوين، رسم عدلان صورة لمنزل محاط بأزهار، ويقول جده الشيشاني إلاي، أعتقد أن التجربة التي مرّ بها عدلان سوف تمر، فهو ما زال صغيرًا وذاكرته ضئيلة للغاية".

وتقول إكاترينا سوكيريانسكايا، مديرة مركز تحليل ومنع النزاعات: "سافرت بعض النساء المسلمات من روسيا إلى سوريا والعراق برفقة أزواجهن، أو بغرض البحث عن زوجٍ لهن هناك، وهذا يبرز قضية أخرى من قضايا إعادة التسكين".

وتتابع سوكيريانسكايا، "لم تنخرط النساء في أماكن الحروب، ولكن هذا لا يعني أنهن ليسوا متطرفات، وأنهن ليسوا داعمات لهذا التنظيم الإرهابي وسياساته المتطرفة، حيث كان هناك العديد من النساء الإرهابيات اللاتي انضممن للتنظيم".

هافا بيترمورزاييفا

إحدى أبرز الأمثلة على سفر الروسيات إلى أماكن داعش، هي هافا بيترمورزاييفا، التي تبلغ من العمر 22 عامًا الآن، والتي هربت من منزل والديها الواقع في قرية جكي في جمهورية الشيشان الروسية في 2015، لتتزوج من أحد جنود التنظيم الإرهابي الذي قابلته عن طريق الإنترنت، وانتهى بها الأمر تعيش في الرقّة، عاصمة التنظيم في سوريا.

5

وقالت هافا، في مقابلة معها، إنها قضت أغلب وقتها في سوريا بالمنزل مع ابنها، مضيفة أن "ميليشيا التنظيم الإرهابي نفّذت الأحكام الدينية وأقامت إعدامات علنية عن طريق قطع الرأس أو الرجم بالحجارة لجرائم مثل الزنا، وأن المارّين في الشوارع يمكنهم أن يشاهدوا تلك الإعدامات، ولكنني لم أفعل هذا مطلقًا".

والآن بعد عودتها إلى موطنها، يبدو أنها لم تتأثر بتجربتها، ومازالت متحمسة لفكر الخلافة، والتي - كما تقول - لم يكتب لها الله النجاح هذه المرة، وتضيف: "كل ما حدث لي حدده الله، وإذا ما ندمتُ عليه، سوف يكون هذا عدم رضا مني عن قضاء الله".

أحفاد بيلانت زولجاييفا

وتقول زولجاييفا عن أحفادها الذين يعيشون معها، إن حمزة البالغ من العمر 6 سنوات، وأخويه الأصغر منه، مالك 4 سنوات، وعبد الله 5 سنوات، لم يتحدثوا كثيرًا منذ أن قدموا للعيش معها في منزلها بجبال القوقاز في الشيشان، واكتفوا فقط باللعب بالألعاب التي حصلوا عليها.

6

وتضيف، بمرور الوقت، استطعت أن أعرف منهم بعض المعلومات، حيث كانوا يعيشون في مدينة تلعفر العراقية، وتُوفي والدهم في حصار القوات العراقية المدعومة أمريكيًا للمدينة، وبعد أن سقطت إحدى القذائف على منزل مجاور، قررت والدتهم فاطمة أن تهرب بالثلاثة أولاد مع أختهم الرضيعة.

وتتابع الجدة، انفصل الثلاثة أولاد عن والدتهم وأختهم في إحدى نقاط التفتيش، حيث احتجزتها القوات العراقية في المدينة، في الوقت الذي أعادت فيه الحكومة الروسية الأولاد وأختهم حليمة التي أتمت عامها الأول هذا الشهر إلى الجدة في الشيشان.

وتختتم الصحيفة تقريرها بقول الجدة: "إنها لمعجزة أنهم عادوا جميعًا أحياء إلى هنا".

فيديو قد يعجبك: