إعلان

حركيو الجزائر .. "أيتام" في بلاد و"خونة" في أخرى

02:25 م الإثنين 12 نوفمبر 2018

صورة لوحة تحمل اسم النصب التذكاري لمخيم رويفزالت ب

تطبيق مصراوي

لرؤيــــه أصدق للأحــــداث

(بي بي سي):

لاحظ الزائر في فرنسا وجود كم كبير من مهاجرين ذوي أصول مغاربية، ومنهم جزائريون تقدر أعدادهم بمئات الآلاف.

من هؤلاء من يُعرفون باسم "الحركيون"، وهم جزائريون تعاونوا مع الجيش الفرنسي وقاتلوا في صفوفه ضد النازية في أوروبا وخلال الحرب الفرنسية في الهندوأيضا في ذروة حرب استقلال الجزائر بين سنوات 1954 و 1962.

لكن منهم- حسب بعض المؤرخين- من اختار الانضمام إلى "الحركى" لحماية أنفسهم وذويهم مما يصفونه بتجاوزات من ما يشار إليهم في الجزائر بـ " المجاهدين".

ومن بين الحركيين من يسمون بالنبلاء وهم "الشيوخ الشرفاء" في القرى، وآخرون وُظفوا في الإدارات الفرنسية كمخبرين ومترجمين.

وجل هؤلاء كانوا على يقين بأن الجزائر ستبقى فرنسية للأبد.

أما السلطات الفرنسية فقد فكرت في تشكيل الحركيين كجزء من استراتيجية تهدف إلى القضاء على المقاومة التي اتخذت الجبال معاقل لشن هجمات ضد القوات الفرنسية خلال الحرب.

فهؤلاء أميون في معظمهم، لكنهم يعرفون التضاريس أفضل من الجنود الفرنسيين، مما يسهل الدوريات التي في المناطق الوعرة.

أبناء الحركي

من أبناء الحركيين فاطمة، وهي أكاديمية وناشطة حقوقية تسكن باريس، وما تزال تتذكر بدقة كبيرة اليوم الذي فرت فيه أسرتها من الجزائر مباشرة بعد حصول البلاد على استقلالها، إذ وصلت الأسرة إلى باربينيون، في الساحل الجنوبي من الجزائر في نوفمبر عام 1962، وزُج بأسرتها في مخيمات تفتقر الى أدنى متطلبات الحياة حسبما تقول فاطمة التي لم تكن تتجاوز الثامنة من عمرها آنذاك.

ونشرت فاطمة كتابا بعنوان "ابنة الحركي" لخصت فيه ما حدث لها، إذ وجدت نفسها، وهي أكبر أخواتها الثمانية، أمام مهمة كبيرة حملتها إياها أمها بعدما طلبت منها إلباس إخوتها السبعة قطعا عديدة من الثياب لأنهم لن يحملوا معهم أي أمتعة.

واتصلت الأم بأحد أقارب الأسرة في الجزائر العاصمة لتطلب منها يأتي لتهريبهم.

ذهبتُ إلى باربينيون لأقابل عمي داود، وهو حركي في السادسة والثمانين من عمره، أتى إلى فرنسا عام 1965 في أعقاب إطلاق سراحه مع حركيين آخرين اعتقلوا في الجزائر بعيد حصولها على الاستقلال.

كان الصليب الأحمر الفرنسي هو من أشرف على الافراج على هؤلاء الحركيين ونقلهم إلى فرنسا بعد ضغوط من حكومة شارل ديغول، والتحق كثير منهم بأسرهم التي كانت مستقرة في بعض المخيمات هناك.

وكان عمي داوود في حديثه معي متذمرا من تصرفات الحكومات الفرنسية المتوالية، وقال لي بصوت بالكاد يخرجه من فمه إنه قاتل إلى جانب الجيش الفرنسي ضد النازية في أوربا بالإضافة حرب الهند الصينية .

وفي مدينة باربينيون أيضا التقيتُ بجلول ميموني الذي يشغل منصب نائب مدير في فرع تابع للبلدية المحلية، وهو يبلغ الآن من العمر ثمانية وخمسين عاما لكنه عندما كان طفلا، قضى عامين مع أسرته في غرف تشبه الأكواخ في مخيم ريفزالت - على بعد عشرة كيلومترات من وسط مدينة باربينيون .

وقال جلول إن كل غرفة في ذلك المخيم كانت تأوي أربع أو خمس أسر دون ماء ولا غاز ولم تكن هذه الأسر تعرف أي معنى للخصوصية بل كانت الغرفة الواحدة تُقتسم بستار لا غير، بينما كانت المراحيض خارج المخيم.

ولم يتلق أطفال الحركيين أي تعليم إطلاقا، عدا بعض الدروس التي تطوع جنود فرنسيون لتلقينها لهم، وهو ما يعتبره جلول سببا في تأخرهم في الاندماج في المجتمع الفرنسي.

لكن اليوم حولت السلطات الفرنسية المخيم إلى نصب تذكاري يضم متحفا يروي قصة الأجيال التي أواها.

الحركى .. اضطراب في الهوية؟

عاش الحركيون حالة من الارتباك بعيد استقلال الجزائر، ولا سيما أن وضعهم القانوني والاجتماعي قد أصبح ضبابيا.

واطلعت بي بي سي عربي على نسخة من برقيتين عسكريتين كانتا في عداد الوثائق السرية إلى أن كشف عنهما مؤرخون فرنسيون.

وقد أرسل هذين الوثيقين وزير الشؤون الجزائرية آنذاك، ليوس دوكس، يأمر فيها الضباط المتبقين في الجزائر عام 1962 بعدم السماح للحركى بالقدوم إلى فرنسا، كما يأمر بطرد من نجح منهم في الوصول إلى الأراضي الفرنسية.

وفي صيف 1975 أشعل الحركيون في مخيم بياس بإقليمLot-et-Garonne (لو إي كاجون) تمردا لم ينته إلا بتدخل الجيش الفرنسي لإخلاء سبيل جزائري غير حركي يسمى جلول بلفاضل كان يشغل منصب رئيس جميعه الصداقة مع الجزائر.

وشكل ذلك التمرد نقطة تحول كبيرة في تاريخ الحركيين إذ أمرت السلطات الفرنسية بعد ذلك بنقلهم إلى مساكن أفضل وغلق كل مخيماتهم في غضون سنة واحدة.

أما في عام 2008 فقد أصدرت السلطات الفرنسية قانونا ينص على ضرورة منح الأولوية في العمل لأبناء الحركيين كلما توفرت مناصب شغل في القطاع العمومي خاصة في البلديات.

كما سُن قانون يعاقب سب الحركة بغرامة تقدر ب45000 يورو و12000 يورو، وخصوصا بعد تزايد تعرضهم لاعتداءات من طرف فرنسيين أو جزائريين مغتربين يكنون كراهية لهم.

"الطابو الأخير"

ومن بين من تحدثوا بإسهاب عن قصص الحركيين مؤرخ متخصص في تاريخ الحرب الفرنسية في الجزائر، يدعى بيار دوم، وقد نشر عام 2015 كتابا بعنوان " الطابو الأخير" كشف فيه أن أغلبية الحركيين بقوا في الجزائر دون أن يُقتلوا.

كما يؤكد دوم أن أعداد الحركيين الذين رحلوا الى فرنسا تجاوزت 30000 شخص، وهم الآن فرنسيو الجنسية، لكن العدد الحقيقي للحركيين الذين خدموا فرنسا في الجزائر هو 450000 حركي. فأين هو الباقي؟ يتساءل الكاتب الفرنسي؟

ولدى نشر صحيفة جزائرية لمقتطفات من كتاب المؤرخ الفرنسي طالب بعض النواب بإجراء تحقيق فيما توصل اليه دوم، لكن ذلك لم يحدث. فموضوع الحركيين بقدر ما هو مؤلم في فرنسا بقدر ما هو حساس في الجزائر.

ويبقى تأكيد أرقام الحركيين دون فتح الأرشيف العسكري في كلي البلدين والتدقيق فيه صعبا وربما مستحيلا، فهو يتطلب دراسة اجتماعية كما يقترح لخضر بورقعة، وهو مقاتل جزائري سابق بارز، شارك في حرب التحرير الجزائرية.

ويضيف بورقعة بأن الحركيين فئات عدة لابد من التفرقة بينهم، لكنه يصر في الوقت ذاته على أن أخطرهم هو الذين تجندوا في الجيش الفرنسي عن قناعة.

هذا المحتوى من

فيديو قد يعجبك: