إعلان

تونس- سيناريو بنكهة أوروبية للخروج من مأزق الاقتصاد

09:59 ص الأحد 14 يناير 2018

يستمر آلاف التونسيين بالاحتجاجات ضد إجراءات الحكوم

تطبيق مصراوي

لرؤيــــه أصدق للأحــــداث

برلين (دويتشه فيله)
ايرادات تتراجع وعجوزات تتفاقم إضافة إلى مشاكل بنيوية تضع الاقتصاد التونسي أمام حلقة شبه مفرغة. كيف السبيل إلى كسر هذه الحلقة، وما دور ألمانيا والاتحاد الأوروبي في تحويل اقتصاد تونس إلى اقتصاد ليبرالي الهوية؟

يستمر آلاف التونسيين بالاحتجاجات ضد إجراءات الحكومة التقشفية التي بدأت تطبيقها في إطار "قانون المالية لعام 2018" بداية العام الجاري 2018 تحت إشراف صندوق النقد الدولي سيء السمعة في الدول النامية.

نخص بالذكر من تلك التطبيقات، تقليص دعم الوقود وسلع أساسية بشكل يزيد في تراجع مستوى معيشة غالبية التونسيين الذين فقدوا ما لايقل عن ربع قوتهم الشرائية خلال السنوات السبع الماضية التي تلت إسقاط زين العابدين بن علي.

وإذا كانت الاجراءات مرفوضة من قبل الشارع التونسي، فإنها بالنسبة للحكومة شر لابد منه لأسباب كثيرة.

من أبرز هذه الأسباب تفاقم عجز الموازنة نتيجة الهجمات الإرهابية التي أضرت بالسياحة وتراجع الإنتاج الصناعي وغياب برنامج اصلاح اقتصادي شامل وطويل الأجل تتفق عليه القوى السياسية الرئيسية والاتحاد العام التونسي للشغل.

كما أن الاجراءات المذكورة شرط وضعه صندوق النقد الدولي لتقديم قرض لتونس بقيمة 2.8 مليار دولار على دفعات من أجل إعادة هيكلة الاقتصاد التونسي الذي ما يزال يعتمد على الدولة، ومن أجل تعزيز دور للقطاع الخاص بشكل يساعد على التحول إلى اقتصاد ليبرالي الهوية.

أزمة الاقتصاد تهدد السلم الاجتماعي
لا يناقش أحد في أن من حق التونسيين الاحتجاج ولكن بشكل سلمي بعيدا عن العنف من أجل تحسين مستوى معيشتهم الذي يتراجع، غير أن الحكومة التونسية الحالية برئاسة يوسف الشاهد تبدو مقيدة اليدين للوفاء بمطالب المحتجين بسبب تراجع إيرادات الدولة وفراغ خزينها من جهة، والحاجة إلى قرض صندوق النقد الدولي من جهة أخرى من أجل تجنب طريق الإفلاس.

غير أن مشكلة هذه الحكومة والحكومات السابقة لها منذ عام 2011 تكمن في تحميل عامة الناس من اصحاب الدخل المحدود العبء الأكبر من ثمن التقشف والإصلاح الضروريين.

يتم هذا في وقت تستفحل فيه منظومة الفساد وتزداد ثروة فئة قليلة على حساب الطبقة الوسطى التي تتآكل بشكل يهدد السلم الاجتماعي.

من هنا فإن الإجراءات التقشفية الأخيرة التي تشمل فرض الضرائب على دخول الشركات والأعمال الحرة سليمة مع أنها تأخرت لعقود.

لكن السؤال الذي يطرح نفسه الآن هو: هل يمكن للحكومة فعليا تحصيل هذه الضرائب في ظل ممارسة الرشوة والمحسوبيات المستفحلة في أجهزة الدولة وفي ظل غياب بيانات صحيحة عن هذه الشركات وعن دخولها وأرباحها الفعلية؟

التقشف لوحده لا يحل المشكلة
صحيح أن الاجراءات التقشفية في الحالة التونسية ضرورية، غير أنها لن تؤدي بشكل اوتوماتيكي إلى تحسن الوضع الاقتصادي والاجتماعي اعتبارا من العام القادم كما وعد بذلك رئيس الحكومة الحالي يوسف الشاهد.

فمشاكل الاقتصاد التونسي الهيكلية والطارئة أكبر من أن تحلها إجراءات تقشفية أو قرض صندوق النقد الدولي بشروطها القاسية.

يبرز من هذه المشاكل الخلل الهيكلي المتمثل قبل كل شيء في تضخم الجهاز الإداري للدولة لدرجة أن رواتب موظفيها افترست في عام 2016 نصف نفقات الموازنة السنوية في سابقة غير مألوفة على مستوى العالم.

وهناك مشاكل لا تقل أهمية مثل تردي مستوى النمو الاقتصادي وتزايد العجز التجاري وتراجع أداء القطاعات الأساسية بشكل يؤدي إلى تفشي البطالة وانتشار الفقر في صفوف الشباب الذي يشكل وقود الاحتجاجات التي لا تتوقف.

وإذا كانت التقديرات الرسمية تتحدث عن نسبتي بطالة وفقر بحدود 15 بالمائة، فإن التقديرات غير الرسمية تقدر بأن أكثر من ثلث الشباب بدون فرصة عمل تضمن لهم مستوى معيشة مقبول.

كما أن نسبة الفقر الفعلية أعلى من تلك التي تتحدث عنها المؤسسات الرسمية العاجزة عن وضع قاعدة بيانات دقيقة بهذا الخصوص.

الكرة تبدو في الملعب الأوروبي
يسير الوضع الاقتصادي المتردي وتبعاته الاجتماعية الخطيرة في حلقة شبه مفرغة تهدد الديمقراطية التونسية الوليدة، لاسيما وأن الأموال المحلية والأجنبية لن تخاطر بالاستثمار في السوق التونسية في ظل هذا الوضع.

ويبدو كسر هذه الحلقة ممكناً فقط من خلال ضخ استثمارات ضخمة في البنية التحتية والقطاعات الأساسية الإنتاجية والتعليمية بقيمة لا تقل عن مليار دولار سنويا على مدى خمس إلى عشر سنوات قادمة.

وبما أن تونس غير قادرة على توفير مبلغ كهذا، فإن على دول الاتحاد الأوروبي وفي مقدمتها ألمانيا وفرنسا توفير هذه الأموال في إطار يمكن تسميته "مشروع مارشال أوروبي تونسي" شريطة إشراك الدول المانحة في تحديد كيفية استثمار الأموال وإعادة هيكلة الاقتصاد التونسي.

وهنا يمكن الاعتماد على خبرات أوروبية كخبرة ألمانيا في تحديث ولايات ألمانيا الشرقية السابقة من خلال تحديث التي التحتية والتعليمية والصناعة واستيعاب العاطلين عن العمل في برامج تعليم وتأهيل وتدريب وتشغيل مؤقتة تساعد على الاندماج في سوق العمل.

يقدم الاتحاد الأوروبي بشكل عام وألمانيا بشكل خاص مساعدات هامة جدا لتونس بعشرات الملايين من اليورو سنويا. غير أن غالبية هذه المساعدة تخدم المصالح الأمنية والسياسية أكثر مما تخدم تحفيز الاقتصاد.

أما اتفاق الشراكة الاقتصادي الأوروبي الحالي مع تونس فقد عفا عليه الزمن، لاسيما وأنه لا يسمح للمزارعين والصناعيين التونسيين حتى الآن تصدير منتجاتهم إلى السوق الأوربية دون رسوم وعوائق جمركية.

من هنا وانطلاقا من أهمية التجربة الليبرالية الوليدة لتونس بالنسبة لمصالح أوروبا الاستراتيجية وخاصة في القارة الأفريقية، لابد من نقل العلاقات التونسية الأوروبية إلى مستوى شراكة يقوم على تدفق الاستثمارات وفتح السوق الأوروبية أمام المنتج التونسي.

فيما عدا ذلك فإن الاقتصاد التونسي أمام خطر الإفلاس والتجربة المذكورة أمام خطر الانهيار.

 

هذا المحتوى من

فيديو قد يعجبك: